مقالات

حديثة

ما بين سوق البورص.. وبورصة دمشق.. سبعة عقود..!!  (2 من 3)   غياب السوق المالي السوري لثلاثة عقود

المحامية :  منيرة مسعود
سنة النشر :2011

 

كنا قد أمطنا اللثاّم في العدد الماضي عن حقبة هامة من عمر السوق المالي السوري مابين الثلاثينيات والستينيات لتكون بذور البداية ,وفي هذه المقالة سنعمل على إلقاء الضوء على الحقبة الثانية التي بدأت منذ أربعة عقود خلت كانت فيها السوق المالية غائبة لاعتبارات عدة فرضها واقع الحال وظروف سياسية انسحبت على عدة من الدول التي كانت تحت المظلة الاشتراكية والتي انتهجت سورية نهجها ليتطبع الاقتصاد في هذه الدول بالسمة التي كانت سائدة آنذاك وليكون طبيعياً عدم تواجد بورصات أو أسواق أوراق مالية في هذه الدول كما الاتحاد السوفييتي سابقاً ورومانيا..على سبيل المثال لا الحصر,لتعاود جميع هذه الدول نشاطها المالي بعد التحول الذي طرأ على مسيرتها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ومنها بالطبع بلدنا سورية التي بالرغم من الطابع الاشتراكي الذي وسم اقتصادها آنذاك كانت هناك محاولات خجولة في تلك السنين لإنعاش سوق المال السوري وسنأتي عليها تحديداً وهي الفترة الممتدة مابين السبعينيّات ونهاية الألفية الثالثة ,ليجدد السوق نهجه فيما بعد في مطلع الألفية الثالثة ببداية حقبة جديدة تمتد إلى تاريخنا هذا، سنلقي الضوء عليها لاحقاً.. لكن بالعودة إلى الحقبة الثانية التي مر بها سوق المال السوري إن صح التصنيف والتعبير فلابد من أن نتحدث في هذا الجزء الثاني بشكل تاريخي استكمالاً للمقالة السابقة رغم أننا أسدلنا الستار على حقبة كانت ذهبية بعمر الاقتصاد السوري وهي التي امتدت بين 1930-1960 تلاها فترة زمنية غير مستقرة امتدت عشر سنوات حتى عام 1970تخللتها قرارات عنيفة وثورية بسبب عدم استقرار المناخ السياسي آنذاك مما ساهم بتناقص نسبة مساهمة القطاع الخاص في التكوين الرأسمالي الثابت لأسباب ذكرناها سابقاً إذ كانت النسبة في عام 1963 وهو العام الذي حصلت فيه الثورة. 73.4% إذ كان للقطاع الخاص الدور الأول في تمويل الاستثمار خلال فترة الانفصال، لكن أخذت هذه المساهمة تتناقص عاماً بعد آخر لتحلّ محلها مساهمة القطاع العام في التكوين الرأسمالي على أثر قرارات التأميم التي اتخذتها حكومة الثورة في مجال التحويل الاشتراكي وإعطاء القطاع العام الدور الأساسي في قيادة الاقتصاد الوطني، بحيث بلغت نسبة مساهمة القطاع العام في التكوين الرأسمالي عام 1968 (59.9%) في حين كانت (26.6%) عام 1963.

لاشك أن عملية التنمية الاقتصادية وتمويل الاستثمار خلال تلك المرحلة اعتمدت كلياً على القطاع العام لذلك وللأسباب المعروفة والتي ذكرناها في المقالة السابقة لم يتبقَ سوى العدد القليل من الشركات المساهمة وبالتالي لم يكن هناك مجال للتفكير بقيام سوق أوراق مالية لأنه لم تكن هناك أرضية لوجودها، ولأن حكومة الثورة آنذاك لم تكن ترى أن هناك ضرورة للقطاع الخاص للمساهمة من خلال الشركات المساهمة في تمويل الاستثمار والتنمية الاقتصادية في البلد.. وبحلول العهد الجديد وهو عهد التصحيح وبتسلّم الرئيس الراحل الخالد حافظ الأسد مقاليد الحكم مما رسخ دعائم الاستقرار السياسي ,وبالرغم من التحديات الداخلية والخارجية التي كان يعيشها هذا البلد لم يترك الجانب الاقتصادي جانباً ولم يُحيَّد القطاع الخاص بشكل كامل إنما تم تشجيعه منذ بداية السبعينيات على المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني لكن إسهاماته كانت متواضعة بل خجولة، من خلال عقد اتفاقات مع الدول الكبرى داعية إياها ومقدمة التسهيلات اللازمة من أجل تشجيعها على الاستثمار في القطر، كذلك الأمر صدرت المراسيم والقوانين والقرارات اللازمة لتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار وذلك إيماناً بأن لرأس المال الخاص دوراً إيجابياً وأساسياً في بناء الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات المختلفة التي يفرضها العصر من مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية..

وكانت هناك محاولات من قبل مهندسي السياسية الاقتصادية والمالية في البلد لإنعاش السوق المالي السوري إلا أنها كانت تبدو بطيئة مقارنة بالتحولات التي كانت تطرأ على الاقتصادات العالمية وحتى المجاورة ولم تكن دلائل تشير آنذاك لإنشاء سوق أوراق مالية سورية في المنظور القريب، فلم تكن البنية التشريعية والذهنيّة بعد على أهبة الاستعداد بالرغم من أن مشروعات عدة قد وُضعت في تلك الفترة لإنشاء السوق من اقتراح مكتب لتداول الأسهم في عام 1987 إلى تصور لسوق للأسهم والأوراق المالية وهذا كما كانت تصدر التسميات؛ لكن جميع هذه الاقتراحات كانت تدخل للجهات الوصائية ولا تخرج..!! لأن الآراء كانت منقسمة بين مؤيد ومعارض من الجهات الوصائية والمعنية فمنهم من يراها ضرورية ولم يكن يؤخذ برأي هذه العيّنة ومنهم يراها لا حاجة لها وتهدد مصالح البعض من أصحاب الشركات من لم يعتادوا بعد على الإفصاح والشفافية في ميزانيّات شركاتهم وعائداتها وخططها المستقبلية ,وكان الانقسام في الرأي لصالحهم, ومنهم وهم العيّنة الأكثر تحفظاً وعناداً من يرونها عدواً يهدد الاقتصاد والبلد بل حشدوا لها ما استطاعوا من قوة ومعارضة لمحاربتها ومحاربة كل من يدعو إليها من خلال قلاعهم المحصنة المناهضة للتغيير, لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل لأن ملامح نور كانت تسطع في الأفق وتبشر بمسيرة خلاقة عمادها التطوير والتحديث تمت الدعوة لها مع قدوم الألفية الثالثة وتسلّم السيد الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم في سورية وهي الحقبة التي ستكون موضوع العدد القادم بإذن الله .

يتبع ...3...

---------------------------------

عن الأزمنة http://www.alazmenah.com
2011-01-08

المحامية :  منيرة مسعود
باحثة في الشؤون المالية و المصرفية