مقالات

حديثة

جرائم تقليد وتزوير وتزييف العملات المعدنية والأوراق النقدية وترويجها " المواد 430 وحتى 436 من قانون العقوبات العام "

المستشار: موفق اليغشي
سنة النشر :2005


جرائم تقليد وتزوير وتزييف العملات المعدنية والأوراق النقدية وترويجها من الجرائم الخطيرة لما لها من اثر على الاقتصاد الوطني والإخلال بالثقة العامة …..إلا أن مثل هذه الجرائم كثيرا ما تثير اشكالات عملية في مجال تطبيق أحكام القانون ……ذلك بسبب الخطأ في تفسير معنى التزوير أو التزييف أو التقليد وكذلك في معنى الترويج أو الاستعمال أو العرض وكذلك أيضا في معنى النقل أو الإدخال إلى البلاد …وأخيرا في معنى حيازة العملة المزيفة أو النقد الورقي المزور ….وهذا ما استقرأته من خلال عملي في محكمة الجنايات وما يستوجب ذلك من تمحيص بقرارات قضاة التحقيق والإحالة …..وبما لاحظته بحكم الاطلاع على قرارات أصدرتها بعض محاكم الجنايات ومحاكم الأمن الاقتصادي …..حيث وجدت نفسي معنيا في شرح المواد القانونية المتعلقة بتلك الجرائم لاسيما معاني ألفاظ التزوير والتقليد والتزييف والترويج الواردة فيها مساهمة مني في وضع لبنة صغيرة ومفيدة في علم القانون يرجع إليها من يشاء ويستفيد منها كل من نذر نفسه لخدمة العدالة واحترام القانون …

نصت المادة 430 من قانون العقوبات العام على أن" كل من قلد عملة ذهبية أو فضية متداولة قانونا أو عرفا في سورية أو في دولة أخرى بقصد ترويجها أو اشترك وهو على بينة من الأمر بإصدار العملة المقلدة أو بترويجها أو بإدخالها إلى البلاد السورية أو بلاد دولة أجنبية عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن خمس سنوات وبغرامة تبلغ مائتين وخمسين ليرة سورية على الأقل ".

ولا بد بادئ ذي بدء من تحديد معنى كلمة التقليد الواردة في هذه المادة حتى يسهل شرح أحكامها …فالتقليد هو صنع مسكوك جديد من قبل شخص يشبه المسكوك القانوني الرسمي من حيث الشكل والحجم والنقش…ولا يشترط أن يبلغ التقليد حد الإتقان.

ومن تدقيق عبارة المادة 430 آنفة الذكر يتضح أن التقليد يجب أن يكون لعملة من الذهب أو الفضة حصرا …..ذلك أن معدن الذهب أو معدن الفضة لأي منهما قيمته المادية بحكم ماهيته كمعدن ثمين علميا …وأما النقد الورقي وما شابهه من أوراق البنكنوت فلا قيمة تذكر للورقة لولا إضفاء القوة الإبرائية لها من قبل الدولة كأداة وفاء ووسيلة للتعامل التجاري وهو ما سأوضحه عند شرح المادة 433 بعد قليل ……وهكذا إذن فان التقليد المقصود بالمادة 430 عقوبات لا يقع إلا على عملة مسكوكة من الذهب أو الفضة بآلات وأدوات خاصة معدة للتقليد ..هذا أمر وأما الأمر الأخر المهم في هذا الشأن هو توفر القصد الجرمي عند الفاعل " المقلد "

من عملية التقليد وهو هدف الترويج …أي أن يقوم المجرم بتقليد المسكوكات الذهبية أو الفضية قاصدا إطلاقها بالتداول أو باستبدالها أو بالمقايضة عليها ……وكان هذا هو الهدف من علة العقاب لما يترتب على هذه الأفعال من إدخال الغش على الناس فيما يتعلق بحقيقة هذا النقد كما انه يشكل اعتداء على سلطة الدولة في احتكار إصدار النقد وعلى مصلحتها في ربح الفرق ما بين قيمة العملة في التداول وقيمة المعدن الذي صنعت منه وان القصد الجرمي هنا يمكن للمحكمة استنتاجه من وفرة القطع المقلدة …وبالمقابل فإن القطعة المقلدة إذا انعدمت المشابهة بينها وبين العملة الذهبية أو الفضية الصحيحة بحيث كانت القطعة المصطنعة لا تخدع أحدا من الناظرين إليها فلا تقليد محرم عندئذ بالمفهوم القانوني وانتفت الجريمة وقد قضت المادة 430 آنفة الذكر بالعقوبة على الفاعل ( أي الذي قام شخصيا بتنفيذ عملية تقليد العملة الذهبية أو الفضية ) بمجرد ثبوت قصده الجرمي وهو ترويج عملته المقلدة وحددت عقوبة بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتين وخمسين ليرة سورية ولا داع لتجريم الفاعل في -مثل هذه الحال – ثبوت طرح عملته المقلدة فعلا بالسوق بل يكفي ثبوت حيازته أو إحرازه لها وضبط آلة التقليد وأدواتها واذا ما قام بترويجها أيضا فالعقوبة لا تتغير وأما إذا كان بالقضية شريك فلا بد لتجريمه من إثبات شرط قيامه بمشاركة الفاعل الأصلي بإصدار العملة المقلدة مع تحقق علمه بصفتها المخالفة للقانون أو شرط الاشتراك بترويج هذه العملة فعلا وعملا أو شرط قيامه بإدخالها إلى سورية أو أية دولة أخرى – ولو لم يكن ولو لم يكن في هاتين الحالتين أي حالة الترويج وحالة الإدخال قد ساهم واشترك بالإصدار وتنفيذ عملية التقليد – وعقوبة الشريك في الأحوال المقررة وفق ما ذكر هي نفس عقوبة الفاعل أي الأشغال الشاقة خمس سنوات والغرامة مائتين وخمسين ليرة سورية كحد أدنى ( انتهى استعراض المادة 430 عقوبات المتعلقة بجريمة تقليد العملة الذهبية أو الفضية بقصد ترويجها و جريمة الاشتراك بترويج العملة المذكورة أو إدخالها إلى سورية أو أي بلد أجنبي ).

وننتقل الآن إلى المادة 431 عقوبات والتي نصت على انه " إذا كانت إحدى الجرائم المنصوص عنها بالمادة السابقة ( أي المادة 430 التي شرحناها ) تتعلق بعملة معدنية غير الذهب والفضة كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة من مائة ليرة إلى ألف ليرة " إذن جاءت المادة 430 عقوبات السابقة لتحدد عقوبة تقليد العملة المعدنية إذا كانت من الذهب أو الفضة حصرا ……ثم جاءت هذه المادة 431 لتحدد عقوبة تقليد العملة المعدنية إذا كانت من غير الذهب أو الفضة …..مثل النيكل أو أي معدن أخر له قيمة شرائية بحد ذاته …..وان كافة الأحكام المتعلقة بالمادة 431 السابقة والتي عرضناها أنفا تنطبق على جريمة تقليد عملة معدنية مسكوكة من غير الذهب أو الفضة سواء لجهة الفاعل الأصلي الذي قام بعملية التقليد العملي أو سواء لجهة الشريك بالإصدار أو الترويج أو الإدخال …. باستثناء مقدار العقوبة حيث أن المادة 431 حددتها بالأشغال الشاقة المؤقتة أي ثلاث سنوات والغرامة مائة إلى ألف ليرة سورية .
وحكمة المشرع واضحة في تحديد عقوبة اشد لجريمة تقليد العملة الذهبية أو الفضية وهي أن هذين المعدنين رئيسيان في صناعة العملات المسكوكة عالميا ورواجهما سائد وقيمتهما مرتفعة.

ونأتي الآن إلى شرح المادة التالية 432 والتي نصت على انه يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ( أي ثلاث سنوات أشغال شاقة ومائة إلى ألف ليرة سورية غرامة ) من اقدم بقصد ترويج عملة متداولة قانونا أو عرفا في سورية أو في دولة أجنبية على تزييفها أما بإنقاص وزنها أو بطلائها بطلاء يتوهم معه أنها اكثر قيمة أو اشترك وهو على بينة من الأمر بإصدار عملة مزيفة وهو على هذه الصورة ، أو بترويجها أو بإدخالها إلى البلاد السورية أو إلى بلاد أجنبية ….

ويلاحظ في هذه المادة وروود كلمة تزييف بينما وردت بالمادة 430 كلمة تقليد مما يستوجب تعريف كلمة التزييف هنا والمراد منها والفرق بينها وبين كلمة التقليد السابقة فالتقليد هو صنع أو خلق قطعة معدنية جديدة من الذهب أو الفضة أو أي معدن أخر تشبه قطعة العملة المتداولة والمعترف بها والمسكوكة رسميا وأما التزييف فهو فعل يرتكبه الشخص في ذات العملة المتداولة والمعترف بها وذلك بإنقاص وزنها القانوني أو بوضع طلاء محدث عليها لإيهام الناس به بأن هذه العملة أكثر قيمة من القيمة التي تعارف عليها هؤلاء الناس أو راجت بمعاملاتهم بها ويمكن شرح هذه المادة (432) بأن الفاعل يتجلى جرمه بإقدامه على إحضار قطع من العملة الذهبية أو الفضية أو المعدنية الأخرى وتكون عملة مسكوكة بشكل قانوني ومتداولة رسميا ثم يقوم الشخص الفاعل جزء أو أجزاء صغيرة من هذه القطع منقصا بذلك وزنها ليربح قيمة تلك الأجزاء وهي من المعادن الثمينة كما سبق ذكره أو أن يقوم بوضع طلاء جديد على القطع بشكل يوهم قابضها بأنها من نوع معين أغلى ثمنا مثل طلاء قطعة عملة ذهبية بطلاء خاص ويروجها على أن نوع الذهب المسكوكة به من نوع اكثر قيمة وكذلك في الفضة أو غيرها من المعادن .

وهنا يجب الانتباه إلى أن إقدام شخص على طلاء قطعة معدنية رخيصة تشبه العملة بطلاء من الذهب أو الفضة وترويجها على أنها عملة ذهبية أو فضية لا يعتبر من جرائم التزييف المقصود بالمادة 432 وإنما يقع هذا الفعل تحت حكم الغش المنصوص عنه بالمادة 669أو 668 عقوبات وحسب الحال .

كما وجدت هنا – لفت النظر – إلى أن الذهب والفضة يستعملان في صناعة الحلي والمصاغ للزينة والتفاخر أو يصنع بشكل سبائك مقطوعة بأوزان محددة وغير مسكوكة وفي هذه الحال فإن الانتقاص من وزنها أو طلائها أو إدخال معدن أخر في صناعتها أو غير ذلك من الأفعال التي تنتقص من قيمة القطعة الأصلية إنما تشكل جرائم الغش المذكورة أنفا ولا علاقة لها بجناية تزييف العملة التي قصدتها المادة 432 عقوبات .
وعودة إلى شرح المادة 432 حيث أن عقوبة التزييف فيها تطال أيضا من اشترك وهو يعلم بإصدار العملة المزيفة مع الفاعل الأصلي …..كما تطال العقوبة من قام بترويج العملة المزيفة بالصورة المذكورة آنفا ولو لم يكن هو الذي قام بعملية التزييف أو شارك بها ذلك أن جرم الترويج مستقل تماما عن جرم التزييف ….ولكن لابد من إثبات العلم لدى المتهم بأن العملة التي صودرت منه وهو يقوم بترويجها هي عملة مزيفة وأن علمه بصفتها هذه تم عند استلامها بقصد ترويجها ….أما إذا كان استلام أو قبض أو وصول القطعة أو القطع من العملة المقلدة أو المزيفة إلى شخص قد تمت بنية حسنة منه أي انه لم يكن ليعلم بأن هذه القطع مزيفة أو مقلدة فإذا ما صودرت منه هذه القطع بعد حيازته لها فلا مسؤولية جزائية عليه انتفاء ارتكابه للجريمة لانتفاء الركن المعنوي وهو القصد الجرمي …..وأما إذا رغب هذا الشخص أن يتخلى عن هذه القطع – بعد علمه بأنها معيبة وقام بترويجها فعلا بطريق البيع أو الصرف أو المبادلة فان عقوبته هي غرامة لا تتجاوز المائة ليرة وهذا ما نصت عليه المادة 436 وسوف نأتي إلى شرحها بعد قليل .

وهكذا انتهى الشرح المبسط لأحكام المواد 430-431-432 عقوبات عام ونستخلص منه أمرين هامين :
1- أن محل جريمتي التقليد والتزييف في تلك المواد هو عملة ذهبية أو فضية أو معدنية أي انه لا علاقة لجريمة تزوير أو تقليد أو تزييف النقد الورقي المحلي أو الأجنبي – مثل ورقة فئة المائة ليرة أو الخمسمائة ليرة ….الخ …أو ورقة المائة دولار أميركي ….أو أوراق الدينار العربي بفئاتها …..الخ .ن هذه الأوراق النقدية تخضع لأحكام المادة 434 عقوبات .
2- لابد في جريمة التقليد أو التزييف من توفر القصد الخاص عند المتهم وهو نية ترويج العملة المزيفة أي بنية إطلاقها في التداول على اعتبار أنها عملة صحيحة ذلك أن هذه الجريمة هي جريمة عمدية ويتمثل الركن المعنوي فيها بالقصد الجنائي ولا يكفي القصد العام وهو مجرد ارتكاب الفعل إذ انه قد يثبت المتهم للمحكمة أن الفعل الذي قام به كان هدفه منه إجراء تجربة علمية أو إثبات مهارته في التقليد أو إشباع ميول فنية لديه.ويمكن قبول مثل هذا الدفع إذا ما لحظت المحكمة أن القطعة المقلدة كانت وحيدة أو قليلة العدد وضبطت في مكان خاص بالمتهم ولم يكن بصدد عرضها وترويجها حيث بذلك ينتفي القصد الخاص وبالتالي لا جريمة ولا عقاب .

-------------------------

والآن ننتقل إلى المادة 433 عقوبات المتعلقة بتزوير النقد الورقي وترويجه ….
نصت المادة 433 على انه " من قلد أوراق نقد أو أوراق مصارف سورية كانت أو أجنبية أو زور أو حرف في قيمة هذه الأوراق النقدية بقصد ترويجها أو اشترك بإصدارها أو بترويجها عوقب بالعقوبات المنصوص عنها في المادة 430 ( أي الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات والغرامة مائتان وخمسون ليرة سورية على الأقل ) .

أن هذه المادة هي المعنية اكثر في التطبيق العملي بالمحاكم لان جريمة تزوير الأوراق النقدية اسهل بالتنفيذ من جريمة تقليد العملة الذهبية أو الفضية وأقل تكلفة . كما أن المعدات اللازمة ابسط ، ومن تدقيق أحكام هذه المادة يتضح بان صور ارتكاب الجريمة فيها ثلاثة …

الأولى تقوم على إقدام الفاعل بتقليد أوراق نقدية متداولة رسميا بصنع وطباعة أوراق مشابهة لها بشكل لا يمكن تمييزه من الشخص العادي …وتتم عملية التقليد هذه بآلات خاصة ومعدات مرصودة لهذه الغاية مثل مطابع – كليشهات – وزنكوغراف – ألوان - آلات تصوير….الخ.
والصورة الثانية وهي التزوير تتجلى بتغيير الرسوم أو الأرقام أو العلامات أو الكتابة المطبوعة على ورقة نقدية صحيحة بحيث تصبح لها قيمة اكبر من قيمتها الحقيقية .

والصورة الثالثة وهي التحريف والتحريف صورة من صور التزوير إلا انه ينصب على تغيير الأرقام فقط بالورقة النقدية بأرقام أعلى تزيد بقيمتها …وتبقى الصور الثلاث أشكالا لجريمة واحدة عقوبتها واحدة .

وطبعا …وكما في جرائم تقليد وتزييف العملة المعدنية الذهبية أو الفضية فإنه في جرائم تزوير النقد الورقي يجب أن يكون القصد منها هو ترويج هذه الأوراق المزورة أو المقلدة أي نية دفع تلك الأوراق الباطلة إلى التداول ..وإن مجرد ثبوت حيازة كمية الأوراق النقدية المزورة أو إحرازها مع الجاني يحقق توفر قصد الترويج ما لم ينازع هذا الجاني به وله حق إثبات انتفائه ، وقد عاقبت المادة 433 التي نجن بصددها الشريك الذي يساهم بإصدار مثل تلك الأوراق النقدية أو يشارك بترويجها بذات العقوبة المقررة للفاعل الأصلي الذي يقوم بنفسه بعملية التقليد أو التزوير أو التحريف في هذه الأوراق والعقوبة – كما سبق وذكرنا – هي الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات والغرامة مائتين وخمسين ليرة على الأقل .

------------------------

ومن الواضح أن الأفعال التي استعرضناها جميعها آنفا هي أفعال تشكل جرائم جنائية الوصف وعقوبتها كما لاحظنا عقوبات جنائية ……

إلا هنالك ثمة أفعال نصت علها المادتان 435 و436 عقوبات من المواد المتعلقة بتزوير العملة والاسناد العامة اعتبرها القانون من نوع الجنحة وحدد لها عقوبات بسيطة ….وبسبب ما رأيت من قرارات اتهام أو أحكام تجريم قضائية وقع مصدرها بالتباس بين تلك الأفعال الجنحوية الوصف وبين الأفعال التي تشكل الجرائم الجنائية المعنية بالمواد 430-431-432-433 فقد رأيت انه من الضرورة الملحة شرح المادتين 435 و 436 بهدف التوضيح وتبيان فوارق أحكام هاتين المادتين مع أحكام المواد السابقة لرفع الالتباس عند توصيف الفعل المرتكب وتعيين المادة التي تنطبق أحكامها عليه وبالتالي فرض العقوبة القانونية المناسبة دون غيرها .

قضت المادة 435 على انه يعاقب بالحبس أو الغرامة من صنع أو عرض أو نقل بقصد الاتجار أو روج قطعا معدنية مقلدا بها عملة متداولة قانونا أو عرفا في سورية أو بلاد أخرى أوراق مطبوعة قد يقع التباس بينها وبين الورق النقدي أو أوراق المصارف الوطنية أو الأجنبية .
ومن المعروف هنا أن عقوبة الحبس المعنية بهذه المادة مدتها عشرة أيام فقط عملا بالمادة 51 من قانون العقوبات والغرامة هي عشرة ليرات .
ومن استعراض عبارات هذه المادة القانونية ( 435 عقوبات ) يتبين أن المشرع حدد عقوبة الحبس المذكور آنفا لمن يقوم باستعمال قطع معدنية يصنعها بشكل يشبه العملة المتداولة ويعرضها للبيع بهذه الصورة أو ينقلها إلى مكان أخر بقصد الاتجار أو إذا اقدم على استعمال أوراق تشبه طباعتها الأوراق النقدية فيعرضها للبيع أو يقوم بتوزيعها ويشترط أن تكون هذه القطع المعدنية أو تلك الأوراق من شأنها إيقاع الناس في الغلط أو الالتباس .

وقد يتساءل البعض ما هو الفرق بين ما ورد بهذه المادة 435 وبين ما ورد بالمادة 430 و 431 - 433 السابقتين والمتعلقتين بتقليد العملات الذهبية والفضية والمعدنية ؟؟؟
والجواب هو أن الجرم المنصوص عنه بالمادة 430 يكمن في قيام الجاني بعملية سك الذهب والفضة أو المعادن الأخرى بنفس الشكل والوزن للعملة الرسمية المتداولة ويروج بضاعته على أنها أيضا عملة رسمية متداولة وبالسعر الرائج لها بالسوق …..أي يحل محل الدولة صاحبة الحق بالدستور بسك العملات في القيام بهذا العمل …وأما الفعل المقصود بالمادة 435 فهو استعمال قطع معدنية تشبه إلى حد ما قطع العملة المعدنية العادية من غير الذهب أو الفضة والفاعل لا يعرض بضاعته هذه على أنها عملة رسمية متداولة ولا يطلب صرفها بالقيمة المقررة للعملة المعدنية الرسمية …وان نفس الأمر ينطبق على الأوراق المطبوعة المشابهة للأوراق النقدية .. وقد جاء التشريع المصري اكثر وضوحا في تحديد هذه الجريمة حيث نصت المادة 204 من قانون العقوبات المصري على انه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه كل من صنع أو باع أو وزع أو حاز بقصد البيع أو التوزيع لأغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية قطعا معدنية أو أوراقا مشابهة في مظهرها للعملة المتداولة في مصر أو أوراق البنكنوت المالية التي أذن بإصدارها قانونا إذا كان من شأن هذه المشابهة إيقاع الجمهور في الغلط .

وأخيرا نأتي على المادة 436 عقوبات والتي تضمنت عقوبة جنحية أيضا وهي تنص على انه " من قبض عن حسن نية قطعا من العملة أو أوراقا نقدية أو أوراق مصارف مقلدة أو مزيفة أو موزورة وروجها بعد أن تحقق من عيوبها عوقب بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة ".
ويتمثل العفو المقصود بهذه المادة بقبض الشخص لعملة معدنية أيا كان نوع المعدن أو لأوراق نقدية وهو على يقين انه يستلم نقودا رسمية صحيحة …وبعد أن يصبح حائزا لمثل هذه المسكوكات المزيفة أو تلك الأوراق المزورة يتضح له أنها معيبة وغير قانونية …فيسعى للخلاص منها بأن يروجها بدوره بطرحها في التداول وإعطائها لغيره بذات الصورة التي وصلت إليه بها وهذا الفعل اعتبره المشرع فعلا جنحوي الوصف وقدر له عقوبة خفيفة هي الغرامة مائة ليرة سورية .
وان حكمة المشرع في هذا الشأن هي أن الجريمة تلك أهون بكثير من جرائم الترويج الأخرى من حيث خطورتها المادية ومن حيث الجانب الأدبي فيها , لأن من يتلقى عملة مزيفة وهو يجهل حقيقتها يكون مجنيا عليه فآن ما عمد إلى التخلص من هذه العملة فهو يدفع عنه ضررا كان هو ضحيته الأولى .
وبذلك فانه إذا صودرت من شخص ما قطعة عملة معدنية أو مزيفة أو ورقة نقدية محلية أو أجنبية مزورة وثبت عدم علمه بعيبها وأنه تلقاها عن غيره بنية حسنة فلا جريمة ارتكبها هذا الشخص ولا عقاب . حتى إذا طرحها بالتعامل وهو بنفس وضع الجهالة لعيبها فهو ليس مسؤولا أبدا" مسؤولية جزائية وأما إذا طرح هذه النقود بالتداول بعد أن كشف عيوبها بعد أن أصبحت في حوزته فان فعله آنئذ يشكل الجنحة المنصوص عنها بالمادة 436 وعقوبتها الغرامة مائة ليرة .


المستشــار
موفق اليغشي