لمحة موجزة عن تنظيم العقود – 1 –
بيع محل تجاري بدمشق بمبلغ مليون و ربع المليون دولار ، و بعد أن اتفق الطرفان على معظم تفاصيل البيع الذي يجب أن يتم باستصدار حكم محكمة ، قصدا محامي لتنظيم العقد لهما ، فقام بكتابة عقد ذاكراً أن :
الثمن مبلغ متفق عليه ( لم يذكر مقداره و لم يضع آلية لتحديده في حال الخلاف ) و أن تسديده يتم عند استلام المحل ( على الرغم أن الطرفين اتفقا على آلية لسداد الثمن بحيث يتم دفع جزء عند التوقيع على العقد ، و جزء بالمحكمة ، و جزء عند التسليم ) و أن الضرائب و الرسوم حتى التوقيع على العقد تقع على البائع ، و بعد التوقيع على الشاري ( لم يذكر الضرائب التي قد تنجم عن البيع نفسه على عاتق من تقع ، مع أن الطرفين اتفقا أنها تقع على الشاري ) ثم ذكر بضعة بنود حول ضمان المبيع لا تغني و لا تسمن من جوع كونها مذكورة حرفياً بالقانون المدني .
شعر المتعاقدان أن ثمة خلل بالعقد فراجعا محام آخر قام بتنظيم عقد جديد أكثر دقة لهما .
في الواقع لو تم التوقيع على هذا العقد ببنوده المذكورة ، و حصل خلاف بين الطرفين لكانت أية مراجعة قضائية بشأنه ستعود على الطرفين بنتائج كارثية نتيجة الجهالة و الغموض في البنود الأساسية التي يجب أن يتضمنها عقد البيع .
من المعروف أن الكثير من المحامين يعاني من ضعف شديد في كتابة و تنظيم العقود المختلفة بين الناس ، و يعود السبب في هذا القصور في الأساس للدراسة الجامعية التي تغفل هذا الجانب تماماً ، فلا تهتم المناهج التعليمية بتطوير و تنمية ملكة التشريع لدى الطالب ، بالإضافة لعدم اكتراث نقابة المحامين بتلافي هذا القصور من خلال دورات أو ندوات أو محاضرات تتدارك هذا الخلل ، على الرغم من كون هذه الناحية تعتبر جزء رئيسي من عمل المحامي ، و كلما كان دقيقاً متقناً لعمله في تنظيم العلاقة بين المتعاقدين ، كلما خفف عن الناس مغبة الخلاف و اللجوء للمحاكم ، و خاصة أننا نلحظ من خلال عملنا أن جزء غير يسير من الخلاف بين المتعاقدين لا يكون ناجماً عن سوء نية ، و إنما عن عدم الاتفاق على بعض المسائل التفصيلية حين التعاقد ، و التعامل مع بعض التفاصيل باستهتار يؤدي بهم في نهاية المطاف لأروقة المحاكم .
إن هذا النقص الحاد بالكفاءة لجهة تنظيم العلاقة التعاقدية بين الناس الذي يواجهه المحامي في أول الطريق يلقي عليه عبء كبير في بذل مجهود شخصي بحت لتلافيه ، و الذي غالباً ما ينحصر بالاستعانة بنماذج عقود مسبقة الصنع متناثرة في كتب ( الصيغ و النماذج ) أو في مكاتب المحامين الأكثر قدماً ، فتمسي كتابة العقد عبارة عن تعبئة فراغات ، فيزداد الطين بلة ، لأن المسألة أكبر من ذلك بكثير ، كونها تتطلب وضع آلية قانونية محكمة قدر الإمكان لتنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الأطراف ، بحيث يضع آليات محكمة لتنفيذ مراحل الالتزام لكل طرف من الأطراف ، مع جزاءات قانونية حاسمة جراء الإخلال بتنفيذ أي من مراحل الالتزام ، و هذه الناحية قلما توفرها النماذج مسبقة الصنع .
للبحث صلة إن شاء الله ...............