الإصلاح القضائي في الجمهورية العربية السورية 1100 قاض لـ 20 مليون نسمة..
الدكتور فاروق أبو الشامات : رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب
تشرين : 21/4/2008
حظيت السلطة القضائية باهتمام خاص من قبل السيد الرئيس الدكتور بشار الاسد حيث اكد سيادته في خطاب القسم في 17/7/ 2007 على أهمية المؤسسة القضائية وضرورة رفدها بالكوادر الكفوءة والنظيفة وان تأخذ دورها الكامل بهدف احقاق العدالة وصيانة حرية المواطن والسهر على تطبيق القانون وعلى ضرورة ردم الفجوة القائمة بين متطلبات عملية الاصلاح والتشريعات النافذة أو غير الموجودة اصلاً.
كما أكد سيادته على انه عندما نشعر بأن هناك ثغرة في القانون فعلينا ان نقوم مباشرة بتعديل هذا القانون..
وتنفيذا لهذه التوجهات الكريمة فإنني أبدي جملة من الملاحظات والمقترحات وفق المحاور التالية:
المحور الاول: يتعلق بتطوير هيكلة العمل القضائي
المحور الثاني: يتعلق بضرورة تعديل بعض القوانين
المحور الثالث: يتعلق بضرورة تطوير قانون الطوارئ.
المحور الرابع: يتعلق بضرورة معالجة الفساد في القضاء
المحور الخامس: يتعلق بضرورة وضع قوانين جديدة تنظم التجارة الالكترونية وتنظم الجرائم المستحدثة «جرائم الانترنيت »وتهيئة ادواتها وقضائها.
المحور السادس: يتعلق بضرورة الغاء المحاكم الاستثنائية واعطاء صلاحياتها واختصاصاتها الى القضاء العادي.
المحور السابع: احداث المحاكم التجارية.
وسأحاول مناقشة هذه الملاحظات تباعاً وتقديم المقترحات المناسبة بشأنها
الملاحظة الاولى: حول تطوير هيكلة العمل القضائي:
وهذا يتطلب دراسة مؤسسة القضاة وبعض الاحداثات وتطوير بعض مؤسسات وزارة العدل.
1 ـ مؤسسة القضاة:
ان عدد القضاة القائمين على رأس العمل حالياً لايتجاوز (1100) قاض لسكان سورية المتزايد عددهم والبالغ حالياً( 20) مليون نسمة ، فإن لكل( 20) الف مواطن قاض وأقل دعوى يوجد فيها مدعٍ ومدعى عليه لذلك فإن نصيب القاضي هو (40) الف مواطن هذا العدد الضخم الذي ادى اليه زيادة عدد الدعاوى لدى وزارة العدل
لذلك فإن الامر يتطلب:
* زيادة عدد القضاة عن طريق:
1 ـ ملء النقص الحاصل في الملاك العددي النافذ
2 ـ زيادة الملاك العددي للقضاة
وذلك من المحامين ذوي الخبرة والذين امضوا في ممارسة مهنة المحاماة فعلياً مدة لاتقل عن(16) عاماً وكذلك زيادة عدد القضاة الجدد الذين سيقبلون بموجب مسابقة من( 50 قاضياً الى 200 قاضٍ) لسد الحاجة الماسة إلى القضاة.
2 ـ تطوير بنية وزارة العدل:
أ ـ احداث منصب معاون وزير العدل لشؤون القضاة على ان يكون المعاون قاضياً.
ب ـ احداث منصب معاون وزير العدل للشؤون الادارية وشؤون العاملين على ان يكون هذا المعاون من حملة الاجازة في الحقوق، وله خبرة ادارية متميزة في هذا المجال.
ج ـ احداث معهد متوسط حقوقي لاعداد المساعدين العدليين والعاملين في الدوائر العقارية والبلدية والجمركية والمصرفية يقبل فيه حملة الشهادة الثانوية العامة لمدة سنتين.
د ـ ضرورة التنسيق مع كل من وزارة الصحة ووزارة الداخلية( ادارة الامن الجنائي) لتطوير المخابر وتجهيزها بأحدث التجهيزات اللازمة التي تساعد على اكتشاف الحقيقة في المسائل الجنائية والوراثية بوساطة الحمض النووي وغيرها من المسائل المستجدة وذلك من اجل تحديد النسب(D.N.A)
هـ ـ تطوير عمل المكتب الفني لدى وزارة العدل وتكليفه بالقيام بأعمال تتعلق بأرشفة التشريعات والاحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطعية والاجتهادات القضائية مصنفة حسب التخصص لسهولة الرجوع اليها عند الحاجة والاستناد عليها في احكام جديدة تحمل الوقائع نفسها.
و ـ إحداث الشرطة القضائية وتأهيلها تأهيلاً تخصصياً بإعداد دورات متخصصة لذلك.
ز ـ الاهتمام الاكثر بمؤسسات الاحداث الجانحين بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ح ـ إحداث مجمعات قضائية على مستوى الناحية تتضمن:
1 ـ قضاة صلح جزاء تتولى النيابة العامة والتحقيق.
2 ـ قضاة صلح مدني تتولى القضاء الشرعي ومحكمة الصلح المدنية وتنفيذ الاحكام المدنية.
وهذا يتطلب رصد الاعتمادات اللازمة لشراء الاراضي وبناء المجمعات القضائية.
ك ـ تطوير وتفعيل ادارة التشريع: بحيث لايقتصر عملها على الاجابة على الاستفسارات والرد على مراسلات وزير العدل، بل يجب ان يكون من مهامها ايضاً:
أ ـ القيام بدراسة التشريعات النافذة وبيان العيوب التي ظهرت فيها من خلال التطبيق أمام القضاء وتقديم تقارير دورية بشأنها.
ب ـ أخذ المبادرة لاعداد التشريعات اللازمة لمواكبة التطور بحيث يكون دورها فاعلاً لا منفعلاً على تلقي الايحاءات اللازمة للقيام بواجباتها. وان يكون رئيس ادارة التشريع بمرتبة نائب رئيس محكمة النقض تفرغاً وان تقسم ادارة التشريع الى فرعين:
أ ـ الفرع القانوني والفقهي: ويتألف من اربعة مستشارين متفرغين من القضاة الذين يتابعون تحصيلهم العلمي( ماجستير ـ دكتوراه).
ب ـ فرع الشؤون الادارية ويتألف من رئيس مجاز بإدارة المكتبات يساعده مجازون في الحقوق ويكون عضواً في لجنة مجلة القانون.
ج ـ تفعيل ادارة التفتيش القضائي وبشكل خاص تفعيل المادتين 11و13 من قانون السلطة القضائية وتكليف القضاة المشهود لهم بالاستقامة والنزاهة والخبرة في تولي ادارة هذه المديرية ..واقترح أن يكون رئيس ادارة التفتيش القضائي بدرجة نائب رئيس محكمة النقض وان يصبح عدد المفتشين(60) مفتشاً قضائياً متفرغاً وعلى ألاتقل مرتبة كل منهم عن مستشار استئناف ثلاثة في كل محافظة وستة في كل من محافظتي دمشق وحلب وستة في الادارة المركزية وان يكون المفتش مقيماً في المحافظة ولاينقل الى اي عمل آخر وان يجري تعيينهم بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الاعلى بصفة قاض مفتش. ومنحهم التعويضات والمكافآت المناسبة وتكليف هذه المديرية باعداد تقرير نصف سنوي عن عمل كل محكمة من المحاكم وقضاتها.
م ـ تحويل محكمة البداية المدنية الى محكمة جماعية مؤلفة من ثلاثة اعضاء احدهم رئيسها لان محاكم البداية مؤلفة حالياً من قاض واحد.، وتتولى الفصل في منازعات ذات قيمة مالية كبيرة وكذلك في الدعاوى الخطرة. ولكن مع منح رئيس هذه المحكمة بعض صلاحيات المحكمة في الامور ذات الطابع المستعجل او الاجرائي والمؤقت.
ن ـ اعتماد مبدأ القاضي المتخصص: القضاء كالطب والقاضي كالطبيب والعلوم الحقوقيةكثرت وتنوعت كالعلوم الطبية. وها إننا نشاهد الطبيب غير المختص اصبح تقريباً غير ناجح والمريض لايراجع الا الطبيب الاختصاصي والقاضي هو طبيب اجتماعي لا يمكنه ان يفصل بنجاح في قضية من نوع قضائي غير مختص به او مطلع فيه او لديه الخبرة الكافية ليكون فكرة صحيحة عميقة عنه.
لذلك كان لابد من توجيه القاضي منذ بداية حياته القضائية او بعد فترة لاتزيد عن ثلاث سنوات على عمله في الدوائر القضائية المختلفة والمحاكم ان يختار نوع القضاءالذي يميل اليه بطبيعته حسب رغبته واستعداده فيرفع ضمن النوع الواحد من القضاء البدائي الى قضاء الدرجة الثانية ولديه الخبرة الكافية ليتمكن من معايشة التطور العلمي والاجتهاد القضائي محيطاً به احاطة كافية تجعله على مستوى العمل الذي يقوم به حتى اذا ماوصل الى محكمة النقض كان قاضياً المعياً ومرجعاً صالحاً بما يؤمن العدالة عن جدارة واستحقاق.
هذا بالاضافة الى رقابة قضائية دقيقة للوقوف على حسن تصرفاته ولمعرفة مايصدق له من احكام اويفسح او ينقض استئنافاً او نقضاً.
فإذا اردنا العمل على ايجاد قضاء مزدهر يخدم الوطن والمواطن لإحقاق الحق بعلم غزير وفهم صحيح ووعي كامل ومجرد علينا بالتخصص والاستقرار كيما يبقى القضاء عنوان التجرد والحكم النزيه لانه العمود الفقري لتأمين العدالة في الدولة.
2 ـ المحور الثاني: ويتعلق بضرورة تعديل بعض القوانين
هناك ضرورة ملحة لتعديل وتطوير العديد من القوانين التي مضى على احداثها اكثر من خمسين عاماً وبما يتناسب مع المستجدات حيث لاينكر تغيير الاحكام بتغير الزمان
ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر ضرورة تعديل:
أ ـ قانون السلطة القضائية
ب ـ قانون أصول المحاكمات المدنية
ج ـ قانون البينات
أ ـ ضرورة تعديل قانون السلطة القضائية:
إن تطوير وتعديل قانون السلطة القضائية حاجة ملحة للاسباب التالية:
1 ـ ترسيخ مبدأ فصل السلطات.
2 ـ ترسيخ مبدأ استقلالية القضاء
سأحاول مناقشة مادة واحدة من المواد التي تحتاج الى تعديل على ان تتم مناقشة بقية المواد التي تحتاج الى تعديل بعد الموافقة على هذه لورقيات ونبدأ بالمادة( 65) من قانون السلطة القضائية والتي تتعلق بتشكيل مجلس القضاء الاعلى
اكد دستور الجمهورية العربية السورية على استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية والتشريعية، وأناط بالسيد رئيس الجمهورية ضمان هذا الاستقلال وعليه يكون رئيس الجمهورية رئيس مجلس القضاء الاعلى بموجب الدستور. اما تشكيلة مجلس القضاء الاعلى فقد ترك الدستور امر تشكيله أن تتم بقانون وهو قانون السلطة القضائية موضوع الدراسة والتعديل.
كما نصت المادة 137 من الدستور على ان النيابة العامة مؤسسة قضائية واحدة يرأسها وزير العدل وينظم القانون وظيفتها واختصاصها. ورئاسة وزير العدل جاءت بالدستور للنيابة العامة فقط دون بقية الدوائر القضائية قضاة الحكم لعدم الجواز القانوني استناداً لمبدأ فصل السلطات.
لذلك لابد من التقيد التام بمواد الدستور كونه لايجوز صدور اي قانون يحمل مخالفة للدستور وبناء عليه فإنه يجب استبعاد السلطة التنفيذية عند تشكيل مجلس القضاء الاعلى على انه يجب استبعاد وزير العدل ومعاون وزير العدل من عضوية المجلس وذلك لكونهما من السلطة التنفيذية وتنفيذاً لمبدأ فصل السلطات وكذلك لاستبعاد علاقة التبعية القائمة بين اعضاء مجلس القضاء الاعلى ووزير العدل الذي يسمح له حالياً بالهيمنة على صنع قرارات المجلس. وعملياً يقوم وزير العدل في بعض الحالات باتخاذ قرارات المجلس بالتمرير اي دون دعوة المجلس الى الانعقاد كما ان حكمة التشريع الدستوري جاءت لتضع وزير العدل على رأس هرم النيابة العامة لممارسة واجب قانوني بالطعن بالقرارات والاشراف على حسن سير العدالة بالمحاكم لجهة الرقابة على عمل العاملين في الدوائر القضائية دون التدخل بشؤون قضاة الحكم. ليكون هنالك طرفان: قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة( الحق العام).
لكن عندما تتوحد ادارة امور قضاة الحكم والنيابة العامة بشخص وزير العدل عندهاتنعدم الية الرقابة الدستورية هذه، ويصبح من مصلحة الوزير كسلطة تنفيذية اظهار الامور بغير حقيقتها حرصاً منه على عدم ظهور اي اخطاء ارتكبت كما ان وزير العدل بإمكانه وفقاً لسلطته التنفيذية وفي حال حصول اي اخطاء ارتكبت اعلام رئيس الجمهورية عن ذلك لمعالجة الامور مع الاشارة الى ان معظم الدول بما فيها الدول العربية لاتسمح بتدخل السلطة في اعمال السلطة القضائية.
واستناداً لما ذكر اعلاه فإنني اقترح تشكيل مجلس القضاء الاعلى على النحو التالي:
رئيس الجمهورية وينوب عنه رئيس محكمة النقض رئيسا
رئيس محكمة النقص عضواً
النائبان الاقدمان لرئيس محكمة النقض عضوين
النائب العام عضواً
رئيس ادارة التفتيش القضائي عضواً
رئيس ادارة التشريع عضواً
ثلاث شخصيات قانونية رفيعة المستوى ممن سبق لهم خدمة القضاء والمحاماة والحقوق من بين رؤوساء محكمة النقض ونقباء المحامين وعمداء كليات الحقوق السابقين.. أعضاء
يسميهم رئيس الجمهورية وذلك لاضفاء مزيد من الاستقلالية على المجلس.
كما ان هنالك العديد من المواد الموجودة في قانون السلطة القضائية التي تتطلب اعادة النظر بها لتعديلها مثل المواد( 67 ـ 107 ـ 113 ـ 119 ـ 128) وغيرها
ن ـ ضرورة تعديل قانون اصول المحاكمات المدنية:
صدر القانون بالمرسوم التشريعي رقم(84) المؤرخ في28/9/1953 ان اجراءات التقاضي النافذة حالياً تأخذ وقتاً طويلاً جداً للوصول الى الحكم. لذلك فإن بعض المتخاصمين وبعض المحامين يؤمنون بأن صلحاً خاسراً أفضل من دعوى رابحة وذلك نظراً لاطالة امد التقاضي. من هنا فإن تقصير امد التقاضي امر مرغوب فيه جداً ومطلوب لان العدالة المتأخرة هي عدالة ناقصة.
وفي هذا المجال فإنني اقترح مايلي:
1 ـ تطبيق وتفعيل اسلوب تبادل اللوائح في جميع مراحل الدعوى الامر الذي يؤدي الى اختصار الكثير من المراحل المتعلقة بالرد والاستمهال والتبليغ.
2 ـ رفع التأمين للادعاء الجزائي وذلك من اجل القضاء على الدعاوى الكيدية والتي تشكل ربع الدعاوى العامة وجعل التأمين من حق المدعى عليه في حال براءته.
3 ـ رفع سلفة الادعاء الشخصي بما يتناسب مع تطور النقد الحاصل في سوريةحيث ان سلفة الادعاء الشخصي بموجب القانون الصادر عام 1952 هي (11) ل.س مع الاشارة الى ان هذه السلفة ستعود على خزينة الدولة في حال خسارة المدعي لدعواه كونه غير محق بها واقترح ان تكون السلفة( 300) ثلاثمئة ليرة سورية.
4 ـ تحديد المدة القصوى التي يحق فيها لقاضي التحقيق توقيف المتهم لمدة لاتزيد عن (15) يوماً قابلة للتجديد لمرة واحدة وذلك انسجاماً مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات الفردية واسوة بتجارب الدول العربية في هذا الشأن.
كما أن هنالك العديد من المواد في قانون أصول المحاكمات التي تحتاج الى إعادة نظر لتعديلها من حيث الميعاد والتبليغ وفي استحضار الخصوم.
ج ـ ضرورة إضافة عدد من المواد الى قانون البينات:
إن النصوص القانونية الحالية حول الإثبات لا تبدو متناسبة مع متطلبات التطور التكنولوجي المتسارع الذي يقود نحو تجريد السندات والمعاملات والعقود من ركيزتها المادية.
كما أنها تشكل عائقاً قانونياً أمام تطور ونمو التجارة الإلكترونية في شبكة الانترنت التي أصبحت حقيقة وواقعاً لا مفر منه.
لذلك لا بد من وجود سلطة معينة لمنح التوقيعات الإلكترونية الحديثة رخصة قانونية بما يعزز سلامة التوقيع الإلكتروني، كما ينبغي وضع إطار تنظيمي وقانون مناسب لوظيفة هذه السلطة.
وقد أصدر العديد من الدول الأوروبية قوانين وتشريعات جديدة حول الإثبات وحول التوقيع الإلكتروني كالولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية وآخرها فرنسا التي أصدرت في آذار «2000» قانوناً حول تكييف قانون الإثبات مع تكنولوجيا المعلومات وحول التوقيع الإليكتروني. كما أن لبنان يعتبر من أول الدول العربية التي حاولت السير ضمن الاتجاه الداعي لاحتضان منتجات التجارة الإليكترونية وهذا ما نلاحظه بظهور مشروع قانون حول تعديل بعض أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية المتعلقة بالإثبات لتشمل السند والتوقيع المنظمين والقائمين على وسائل اليكترونية.
لهذا تبرز الحاجة الملحة للإصلاح التشريعي في قانون البينات السوري لإيجاد تشريعات جديدة لمواكبة التطورات الحديثة في عالم الاتصالات والإثبات بشكل أن تقر صراحة بإمكانية الإثبات بالوسائل الإليكترونية الى جانب المستندات الخطية التقليدية.
وكما نعلم: إن هنالك الكثير من الدول الغربية التي قننت مسائل الإثبات للوسائل الإليكترونية والأولى بنا الإفادة من تجارب هذه الأمم التي سبقتنا في هذا المضمار واعتماد أحدث ما توصلت إليه هذه الدول في هذا المجال وأفضل ما انتهى اليه العلم الحديث.
ومما لابد منه أيضاً أنه في حال إدخال نظام أتمتة القضاء ووسائل الاثبات من اتخاذ التدابير التحتية المتعلقة بتأهيل الكوادر البشرية للتعامل مع الوسائل التقنية الحديثة وتزويد الدوائر القضائية بالمعدات والتجهيزات اللازمة لذلك.
3 ـ المحور الثالث: يتعلق بضرورة تطوير قانون الطوارئ:
مما لا شك فيه أن قانون الطوارئ هو حاجة من الحاجات الأساسية في كل الدول المتقدمة وغيرها. إلا أنه لابد من إعادة النظر في هذا القانون بحيث يكفل احترام الحقوق والحريات الشخصية الفردية ومنع التجاوزات وتضييق نطاق الاستثناءات. وحبذا لو أعيد النظر في تسمية هذا القانون وتسميته بقانون مكافحة الإرهاب والأخطار الطارئة، على أن يتضمن هذا القانون المقترح أهم المبادئ العامة والمشتركة التي تنظم مثل هذه الحالات في معظم الدول واقترح تشكيل لجنة قانونية لوضع القواعد القانونية العامة لذلك.
4 ـ المحور الرابع: يتعلق بضرورة معالجة الفساد في القضاء:
الفساد ليس فقط هو فساد الذمة. قد يكون الافتقار الى التحصيل العلمي فساداً وإذا فرطنا بحقوق المواطنين فهذا فساد أيضاً.
اليد الواحدة لا تصفق إذا لم نعمل جميعاً ويدا واحدة لتحسين صورة القضاء التي شابها بعض الشوائب من أجل تعزيز الثقة المفقودة بين المواطن وعدالته.
كلنا مسؤولون عن الفساد. القضاة مسؤولون أو أكثرهم أو بعضهم مسؤول عن معاناة العدالة.
المحامون أو بعضهم الذين يساهمون بشكل أو بآخر بالسكوت عما يجري أو المساهمة فيه هم مسؤولون.
الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة والتي لا تعطي القضية ما تستحق من اهتمام بالقياس مع القضايا الأخرى.. الرياضة والفن مثلاً هي مسؤولة أيضاً.
إذا لابد من الحد من السلوكيات التي بدأت تشكل خطراً على مسيرة وسمعة القضاء وحتى نستطيع تحسين صورة وسمعة القضاء، والقضاء على الفساد لابد لنا من اتباع الاجراءات التالية:
1 ـ زيادة عدد القضاة لإنقاص عدد الدعاوى المعروضة على القاضي وبالتالي اختصار زمن التقاضي واستبعاد الوساطة والادعاء بالمحسوبية والرشوة.
2 ـ إعادة النظر في تقويم القضاة بأسلوب موضوعي وعلمي ليستند إلى ما يلي:
أ ـ المعطيات المتوافرة لدى وزارة العدل.
ب ـ موقف نقابة المحامين كمؤسسة من سلوكيات بعض القضاة والمحامين.
ج ـ موقف الإعلام حيث لا قضاء صحيحاً بلا صحافة حرة.
د ـ الحس الاجتماعي العام أي الاعتماد على التواتر الشائع بين الناس وفي الأوساط القضائية والقانونية والاجتماعية بشأن نظرتهم وتقويمهم لبعض القضاة.
هـ ـ التعاون مع كليات الحقوق وذلك بإحداث شهادة تأهيل وتخصص في العمل القضائي ولإعداد قاضٍ متخصص أو محام متخصص.
و ـ إلزام القضاة بتطوير مهاراتهم اللغوية الأجنبية لمتابعة التطورات الحاصلة في علم القضاء في مختلف النظم القانونية والقضائية.
ز ـ الاهتمام بالقضاة وإيفادهم الى الدول المتقدمة في مجال القانون وبشكل دوري للاطلاع واكتساب الخبرة.
ح ـ ضرورة اختيار قضاة التحقيق ممن سبق لهم العمل القضائي وبرهنوا بجدارة واستحقاق عن مؤهلاتهم العلمية والقضائية والنفسية ليتولوا مناصب قضاء التحقيق ويظهرون مؤهلاتهم في متن التحقيق. وعندئذ تتجلى الحقيقة الجرمية وتنكشف.
ط ـ حسن اختيار القضاة وفي هذا المجال نطالع كلمات رائعة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفات القضاة ومكانتهم ضمنها في عهده للاشتر الحنفي حينما ولاه مصر فقال: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، من لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم(أى لا تغضبه تصرفاتهم) ولا يتمادى في الذلة، ولا يحصر من الفيء الى الحق إذا عرفه «(أي لا يضيق صدره من الرجوع الى الحق) ولا تشرف نفسه على طمع ولايكتفي بأدنى الفهم دون اقصاه( اي لايكتفي في الحكم بما يبدو له بأول فهم واقربه دون ان يأتي على اقصى الفهم بعد التأمل).. وأوقفهم في الشبهات واقلهم تبرماً بمراجعة الخصم واصبرهم على تكشف الامور... الخ وهذا مايتطلب التشدد في اختيار القضاة واصطفاء خير الناس لهذه المهمة.
ك ـ عقد مؤتمر قضائي سنوي لبحث الصعوبات والمعوقات التي تواجه القضاء وكل الشؤون الخاصة بالقضاة والعاملين وايجاد الصيغة المناسبة للارتقاء بالعمل القضائي وتسهيل امور المتقاضين والاستفادة من تجارب الاخرين.
5 ـ المحور الخامس: يتعلق بضرورة وضع قوانين جديدة تنظم التجارة الاليكترونية وجرائم الانترنيت وتهيئة اداراتها وقضاتها:
أ ـ تعريف التجارة الاليكترونية:
هي استخدام الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية كوسيلة لممارسة الاعمال التجارية كأن يتم استخدم شبكات الاتصال الحديثة/ الانترنيت/ في عقد الصفقات التجارية اليكترونياً عن طريق قيام الشركات بإعداد صفحات خاصةhomepages في مواقعها على الشبكة يمكن الدخول اليها والاطلاع على البضائع او الخدمات التي تقدمها هذه الشركة، ويستطيع راغب الشراء تعبئة نموذج معين وارساله الى الشركة اليكترونياً عن طريق البريد الاليكتروني لشحن البضاعة المطلوبة اليه كما يمكنه ادراج رقم بطاقة الائتمان الخاصة به لخصم المبالغ المستحقة مباشرة من حسابه المصرفي. وقد ساهمت هذه التقنية في تغيير الطرق التي يتبعها الناس للتسوق..
ولقد ناشدت لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي unictral جميع الحكومات منذ عام 1985 الى السعي لتأمين المتطلبات القانونية لاستخدام الوسائل الاليكترونية في التجار ة وقد اعتمدت اللجنة العامة للامم المتحدة هذه التوصية في قرارها رقم 40/71.
إضافة الى ذلك فقد بدأت اللجنةمنذ عام 1992 في اعداد قواعد قانونية لتنظيم التجارة الاليكترونية حتى انتهت في عام 1996 الى اعداد القانون النموذجي حول التجارة الالكترونية التي وافقت عليها الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر كانون الاول من ذلك العام ويمثل هذا القانون دليل عمل يستهدف تسهيل التجار ة الاليكترونية بتقديم مجموعة من القواعد المقبولة دولياً يمكن للدول استخدامها في وضع تشريعات وبمعنى اوضح فإن القانون يقدم حلولاً متماثلة يمكن ان تطبق في جميع انحاء العالم على موضوعات التجارة الالكترونية.
وحيث انه لايوجد لدينا قوانين تنظم التجارة الاليكترونية فإنني اقترح اعتماد أحدث ما توصلت اليه لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي unictral وكذلك اعتماد القانون النموذجي حول التجارة الاليكترونية الذي وافقت عليه الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر كانون الاول من عام 1996.
اما جرائم المعلوماتية فقد اصبحت من الجرائم التي استحدثت نتيجة استخدامات التقنية المختلفة في المسائل التجارية والشخصية وغيرها واخذت اشكالاً وصوراً متعددة ومتطورة مثل:
أ ـ تدمير البيانات واساءة استخدامها.
ب ـ التزوير والتزييف المعلوماتي.
ج ـ القرصنة.
د ـ انتهاك الخصوصية.
الامر الذي يتطلب اتخاذ الوسائل الكفيلة اللازمة لمواجهة هذه الجرائم ولاسيما على صعيد التشريع..
لذلك لابد من فهم واسع ومتطور للقواعد القانونية المطبقة حالياً لاستيعاب ما استجد من امور في الوسائل التكنولوجية الحديثة ووضع تشريعات حديثة تحمل هوية العصر وتتمشى مع متطلباته وتتلاءم مع التطورات والتغيرات الحديثة فيه وتتضمن ماهو ضرورة للنهوض بالاقتصاد الوطني.
وكذلك هناك ضرورة لتنسيق الجهود الدولية لاعداد معاهدات بين الدول المعنية لمكافحة الجريمة المعلوماتية واجراء دورات تدريبية للقضاة لكي يتمكن الجميع من ممارسة دورهم في التصدي لهذه الانواع الجديدة من الجرائم والمخاطر التي تشكل الوجه الاخر السلبي للتطور التكنولوجي الذي نعيشه.
لذلك فإنني اقترح تكليف فريق من الاختصاصيين في الامور القانونية والتقنية لدراسة هذه المسألة وتقديم المقترحات اللازمة بشأنها.
6 ـ المحور السادس: يتعلق بضرورة الغاء المحاكم الاستثنائية واعطاء صلاحياتها واختصاصها الى القضاء العادي:
1 ـ تشكل المحاكم الاستثنائية وتحدد صلاحياتها واختصاصاتها بقانون. وعندما يتم ذلك فإن المشرع يقتطع عند احداثها جزءاً من اختصاصات احدى محاكم القضاء العادي صاحب الولاية القضائية وذلك لاعتبارين:
الاول: ويتعلق بصفة أساسية وهي سرعة اجراءات التقاضي لديها.
والثاني: وينص على تشكيل عناصر المحكمة التي غالباً ماتكون في معظمها من عناصر غير قضائية.
ان رجال القانون وعلماء اصول المحاكمات لاينظرون الى المحاكم الاستثنائية نظرة ارتياح لان مبررات وجودها وهي سرعة اجراءات التقاضي يمكن ان يتم التوصل اليها من خلال تبسيط اجراءات التقاضي امام المحاكم العادية.
ومن اهم الاثار القانونية التي تنشأ عن الصفة الاستثنائية لهذه المحاكم ان الاحكام التي تصدرها خارج نطاق الاختصاص المحدد لها في قانون احداثها استثناء تكون معدومة لان المحاكم الاستثنائية خارج نطاق اختصاصها الاستثنائي كرجل عادي لايملك ولاية القضاء وبالتالي فإن الحكم المعدوم لايزيل انعدامه انبرام الحكم ويمكن رفع دعوى مبتدئة امام المحكمة المختصة اساساً لتقرير انعدامه والفصل في موضوع النزاع.
? والمحاكم الاستثنائية هي: محاكم امن الدولة التي يمكن احالة اختصاصها الى القضاء الجزائي العادي حسب نوع الجريمة.
? والمحاكم العسكرية ،حيث يجب حصر هذه المحاكم على اطراف الدعوى من العسكريين فقط وذلك انسجاماً مع ما اوصى به المؤتمر الدولي المنعقد في سيراكوزا بجمهورية ايطاليا عام 1985 تحت شعار العدالة الجزائية وحمايةحقوق الانسان في مجال الاصلاح التشريعي ولاسيما التوصية( 13) منه والتي تنص على مايلي: قصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية وكفالة حق الطعن في احكامها واتباع الاجراءات والقواعد العامة في طرق المقاضاة والطعون.
? المحاكم الميدانية الصادرة بالمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968 على ان تكون دعاويها من اختصاص المحاكم الجزائية العادية.
? لجنة قضايا تسريح العمال وتحال دعاويها على محكمة الصلح المدنية.
? لجنة ازالة الشيوع وهي موجودة في كل محافظة
مع الاشار ة الى انه سبق ان صدر في السنوات الاخيرة بعض التشريعات التي تم بموجبها الغاء محاكم الامن الاقتصادي واحالة اختصاصاتها الى محكمة الجنايات لدى القضاء العادي.
وكذلك الغاء المجلس التحكيمي الزراعي الاستئنافي واحالة اختصاصاته الى محاكم الصلح.
ومما لاشك فيه ان هذه التشريعات الاخيرة لاقت صدى ايجابياً طيباً وارتياحاً عاماً داخل القطر وخارجه.
المحور السابع: احداث المحاكم التجارية:
إن خضوع الاعمال التجارية الى احكام خاصة( قانون التجار ة) (قانون الشركات) ( قانون التحكيم) لايخضع لها غيرها من المعاملات ووجوب فصل المنازعات التي تنشب بين التجار بسرعة وسرية لئلا تتعطل مصالحهم خلال الفترة اللازمة لفصل النزاع ولئلاً يطلع الغير على وضعهم المادي ومصادر بضائعهم وهوية زبائنهم. كل هذا دعا التجار الى فصل منازعاتهم عن طريق محاكم خاصة يكون رئيسها قاضياً ويكون من اعضائها تجار من ارباب المهنة أو محامون يوكل اليهم الخصوم فصل نزاع معين نشب بينهم.
وقد سبق ان احدثت محاكم تجارية في بلدنا ايام العهد العثماني برئاسة قاض وعضوية تجار منتخبين ثم الغيت في عهد الانتداب واوكلت اختصاصاتها الى القضاء العادي.
ولما كانت التجارة تحتاج الى قاض مزود بمعلومات حقوقية لقضايا الافلاس والشركات مثلاً ،ولما كانت سورية تعيش في مرحلة تتميز بتزايد اهمية التجارة على المستويين الداخلي والدولي ولتحقيق مبدأ السرعة والسرية في فصل المنازعات
اقترح احداث محاكم تجارية تواكب مستجدات العصر، ويتم ذلك عن طريق تشكيل لجنة مختصة بالامور القانونية ومن الفعاليات الاقتصادية في القانون التجاري لوضع التشريع اللازم لذلك.