دفاعا عن شريعة الغاب
كثيرا ما نسمع عبارة ( ما هذا هل نحن في شــــريعة العاب ) أو ( لا يوجد قانون في البلد وكأننا في شـــريعة الغاب ) .... كثيرا ما تصدر هذه العبارات من أشخاص ربما لقوا بعض الظلم من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين أو من محكمة ما أو أو أو ..... .
هل أعمَلَ أحدكم النظر وأصاخ السمع لهذه العبارات ؟
هل فكر أحدكم ماهي شــــريعة الغاب ؟
كثيرون يقولون إنها شــــريعة : ( القوي يأكل الضعيف ) .
ألا تعتقدون معي أن في ذلك ظلم لهذه الشـــــريعة ومبدعها ؟
إن الطبيعة تقوم على نظام متوازن تماما , لسنا حتى الآن قادرين على فهمه , لأننا بشر و ( لم نؤتَ من العلم إلا قليلا ) وأعتقد أننا سنعيش ألاف الأجيال و سنفنى ويفنى أحفاد أحفاد أحفادنا لألف جيل قبل ان نفهم ( قــانون الغاب ) الذي نحن أنفسنا أطلقنا عليه هذا الاسم .
إن العشوائية التي تبدو لنا في الطبيعة و المادة والتي تحدث عنها العالم الفيزيائي ( نيلز بور ) وعارضه فيها ( أينشتاين ) هي عشوائية منظمة لكن يصعب علينا فهمها كبشر , فقد قال اينشتاين معترضا : ( (God doesn’t play dice أي ( إن ارب لا يلعب النرد ) بمعنى أن العلـــــي القدير عندما خلق الكون لم يخلقه بعشوائية كما أكد ( بور) بل خلقه منظما ضمن قانون ثابت وواضح و ليست المادة والخلق والخلائق ( بلعبة طاولة زهر ) الحقيقة ان بــور كان على حق واينشتاين كذلك لأن القدير قد خلق الكون بصورة ما أصبح اصطلاحا علميا في زمننا هذا متجليا بعبارة : ( الفوضى التي تصنع نظاما ) .
بالتأكيد الموضوع صعب وكثير التشعب والتعقيد وهو بالدرجة الأولى متعلق ب ( ميكانيكا الكم ) التي تحدث عنها بور ورفضها اينشتاين , لكنه بدرجة اخرى ومنظور أشمل موضوع أكبر بكثير من عالمين يتناقشان في أسرار الطبيعة , وأكبر بكثير من ميكانيكا الكم و غيرها من النظريات الفيزيائية ... إنه موضوع يصعب علينا الإحاطة به وحسبنا فقط السعي للإحاطة حتى ولو كنا متيقنين أننا لن نصل إليها .
قد تتسائلون ما علاقة ذلك ب( قانون أو شـــريعة الغاب ) , حسنٌ العلاقة كامنة في الفوضى التي تصنع النظام , وبأن قانون الغاب او الغابة ليس مجرد ( القوي يأكل الضعيف ) بل هو نظام لكل شيء تدركه حواسنا أبدعه العـلي القدير وحاشاه تعالــى عن أن يكون ظالما أو مظلوما , لكننا باختصارنا لما أبدعه القدير من قانون ( طبيعي ) بعبارة شـــريعة الغاب و حصرنا لها بأن القوي يأكل الضعيف نكون قد تعدينا حدودنا لحد تشويه الحقائق وظلم انفسنا عبر إعماء بصيرتنا وبصائرنا عن الحقيقة .
هل تأملتم فوضوية سقوط المطر , وعشوائيته ( بالنسبة إلينا ) , ملايين القطرات تتساقط في جزء من ثانية ولكل منها مكان تسقط فيه لسنا قادرين على حسابه ولا التكهن به ,
هل رأيتم مقدار الدقة في النظام البيئي المتوازن بحيث لا يزيد عدد كائنات معينة على حساب كائنات أخرى نظرا للتوازن العشوائي الذي لا نفهمه بين عدد المفترسات وعدد المفترسات بفتح الراء أولا وكسرها ثانيا ؟ هذا هو ما تسمونه ( شــــــــــريعة الغاب ) .
هل مازال أحد يظن ( أن المسالة فقط أن القوي يأكل الضعيف ) هل المسألة فقط مسالة ( أكل ) .
وعندما يقوم احدهم بمحاولة سحب هذه العبارة ليطبقها على البشر في تعاملاتهم وعلاقاتهم ألا يكون ظالما بحق نفسه أولا وبحق هذا النظام المتكامل ( جلّ مبدعه ) .
لو ترك البشر الأرض الآن كما هي وغادروها لغير رجعة , لعاد إليها توازنها تدريجيا , ذاك التوازن الذي وضعه ( الخالق المبدع لكل شيء ) .
لكن المسالة كما قلت ليست بهذه البساطة , فالقدير وفي كــــل الديانات قد سخر للإنسان كثيرا من خلائقه , لا بل انه أتتمنه عليها , لكي تبقى الأرض معمورةً حتى يرث اللـــــــه وحده الأرض ومن عليها , لذلك فإن في تعدي الإنسان على الطبيعة والابتعاد عن الموارد المتجددة لها , ابتعاد عن القانون الإلـــهي الذي فطر عليه الكون , وإساءة أمانة لما وضعه المبدع الأكبر بين أيدينا من ثروات ومواد وكائنات .
لأعد للموضوع القانوني البحت ولأختم به جزءا صغيرا جدا من نقاش لا ينتهي ...... :
نحن بشر ولدينا شرائع وضعية تنظم مجتمعاتنا , وأكثر من ذلك لم يترك الخالق قوما أو زمرة من البشر إلا وأرسل لهم هاديا من عنده نظم لهم أمورهم وفق ما يرضيه وما فيه خيرهم, أي أنه قدم للإنسان لنقل ( مبادئ هادية أساسية ليستنيربها في التشريع الوضعي ) . وأراه كما قلت قانونه الطبيعي الذي يسميه البعض تشويها ( قانون الغاب ) لينسج على منواله ومنوال ما أعطاه من تشريــعات هادية , فماذا فعل البشر ؟!
1- البعض طغى وتمرد على كل القوانين الطبيعية والهادية والوضعية
2- آخرون اكتفوا بتطبيق التشريعات الهادية دون أي إبداع وتمسكوا بها دون تعقل
3 - غيرهم استند فقط لتشـريعات وضعية فقط متجاهلا التشريعات الهادية والقانون الطبيعي منصبين من أنفسهم ( زورا وبطلانا آلهة ) (استغفر اللــــه ) .
إنني لست بواعظ ولامبشر ولا داعيــة لاتجاه فكري أو ديــني أو علمي , حسبي فقط أن أطرح الموضوع ليفكر به من يريد , وأن أطرح وجهة نظري محاولا أن أكون حياديا قدر الإمكان , وأهم شيء أردت قوله :
توقفوا يا بني البشر عن ظلم شــرع الخالق لخلقه ووسمه بالظلم والإجحاف فليست شــــــريعة الغاب من الظلم في شيء إنها فقط مثال لكم كما أوضحت وإلى جانبها توجد الشرائع الهادية والشرائع الوضعية التي غاليتم أنفسكم في وضعها فابتعدتم بها عن العدالة , فحق فيكم قول الخالق : ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ص , واستمريتم في غيّكم وضلالكم واستمراركم في مختلف بلدان العالم تجربة حدود احتمال الطبيعة حتى انقلبت عليكم في أكثر من مكان و زمان ومازالت ... وبقيتم تسعون لتجربة الخالق مستغلين رحمته اللامحدودة حتى استبحتم ما ليس لكم في أكثر من ميدان ونسيتم إحدى أهم شرائعه الهادية وقد ورد في إنجيل متى الأصحاح الأول آيتين 3/4 أن ابليس أخذ المسيح وأوقفه على قمّة جدار عالٍ وقال له إن كنت فعلا من تقول فارمي نفسك من هنا إلى أسفل لأنه مكتوب أن ربك الذي تزعم سيوصي ملائكته بك فيحمليونك كي لا تصطدم بحجر فقال المسيح : إنه مكتوب ايضا (لا تجرب الرب إلهك ) ...... ومن مثله حادثة الرجل الذي حضر ( محمدا ) ص وقال له أأطلق ناقتي واتوكل , فاجابه : بل اعقلها وتوكل ....
وانا أقول من نحن حتى نجرب الخالق ونمتحن صبره ؟! وأعود للقول ( إعقلو يا أولي الألباب ) .... ومن كانت له أذنان للسمع وعينان للنظر وقلب للفهم وعقل للمناقشة فليسمع ويرى ويفهم ويناقش ..... والرب من وراء القصد .
المحامي سامر غسان عباس
اللاذقية – سوريا
هاتف : 00963947738638
25/10/2010-3 ظهرا توقيت دمشق