منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى الفقهي > أبحاث قانونية مختارة > أبحاث في القانون الجنائي

إضافة رد
المشاهدات 8168 التعليقات 0
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-2011, 07:26 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عدنان الصلاوي
عضو جديد مشارك

الصورة الرمزية عدنان الصلاوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


عدنان الصلاوي غير متواجد حالياً


افتراضي وقـــــــف التنفـــــــيذ في التشريع الجزائي السوري

وقـــــــف التنفـــــــيذ



هناك الكثيرُ من الأشخاص الذين يتورَّطون في الجريمة بعد أن تُوقعَهم بها ظروفٌ خاصةٌ واستثنائية ، وليس من الحكمةِ زجُّهم في بيئةِ السجون الفاسدة وتعريضُهم للاختلاط بزُمرةٍ من المجرمين المتمرِّسين بالأساليب الإجرامية , وهؤلاءِ من الواجبِ حمايتُهم وإتاحةُ الفرصةِ لهم للندم وسلوكِ طريقِ الفضيلة, فجاء وقفُ التنفيذ كتدبيرٍ من تدابير الرحمةِ الاجتماعية ، وقد أحْدَثَه قانونُ العقوبات لكي تُعلِّق المحاكمُ تنفيذَ حُكمٍ صَدَرَ بعقوبة .

وقد بدأتِ التشريعات المعاصرة بتطبيقه وفْقَ أسلوبين فرنسيٍّ وإنكليزيّ( [1] ):
ففي الأسلوب الفرنسي :يرافقُ وقفَ التنفيذ, إنذارٌ, يوجِّهُه القاضي إلى المستفيد يشرح له فيه ما قد يترتب عليه من مسؤوليةٍ إذا عاود ارتكاب الجريمة , وما يستفيدُ فعلاً إذا ظلَّ سلوكُه حسناً ( [2] ) . فالقاضي يُصدِر حكمَه ولكنه يؤجِّل تنفيذَه ، فهو يقوم بدمغِ الفاعلِ بدمغةِ الجُرم - لأن الحكمَ يصدر عليه بعد التحقُّقِ من وقائعِ الجُرم وعناصرِ الإثبات - وعلى هذا الأسلوب سار تشريعُنا السوري.
أما في الأسلوب الإنكليزي : فيَتحرَّى القاضي بموجبِه عن الحقيقة ويَتثبَّت من البراهين , فإذا تبين له صِدْقُ الواقعة, ووجد أن المتَّهَم الماثلَ أمامه جديرٌ بالرحمة والعناية , أجَّل إصدارَ الحكم عليه واكتفى منه بكفالةٍ تضمن سلوكَه, وتَرَكَه طليقاً ، غيرَ أنَّ القاضي يضعه تحت مراقبة موظفٍ خاصٍ يُسمُّونه موظفَ الاختبار، فإذا ثَبُتَ حُسْنُ سلوكِه لدى المحكمةِ امتنعتْ نهائياً عن إصدارِ الحكم وإذا ساء سلوكُه فإنها تُحاكمه وتَحكُم عليه . فهذا الأسلوب يقي الفاعلَ عارَ الحكمِ إذا حسَّن سلوكَه . ولكنْ لتَفادِي صعوبةِ جمع البيانات فيما إذا عاودَ الجريمةَ , كانوا يُجرُون تحقيقاً كاملاً حتى تَحصُلَ قناعةُ القاضي ويقف الأمر عند هذا الحدّ, دون أن يتجاوزه إلى النُّطقِ بالحكم. ولكنَّ الإنكليز عَدَلوا عن هذا الأسلوب عام 1948 وأَوجَبوا على القاضي إدانةَ الفاعلِ ثم تعليقَ تنفيذِ العقوبة .

· ومن الأسبابِ التي حَدَتْ بالشارع إلى إدخال وقْفِ التنفيذ في تشريعنا هو مسايرةُ التَّطوُّر التشريعي وتطبيِِِقِهِ مبدأ تَفريدِ العِقاب . ووسائلُ تفريدِ العقاب تُحدَّد عادةً من قِبَلِ المُشرِّع ، والمُشرِّع هو الذي يمنح القاضي سلطةَ تقديرِ العقوبة بين حدَّينِ ؛ أدنى وأعلى ، أو يمنحُه سلطة تخفيضِ العقوبةِ أو تشديدِها , أو سلطةَ وقفِ تنفيذ العقوبة لبعض الطوائف ضمن شروطٍ مُعيَّنة.
ويقوم القاضي بمَنحِ وقفِ التنفيذ , بناءً على طلب الفاعل أو النيابة العامَّة , أو بناءً على تقديرِه الشَّخصيِّ تِلقائياً ودُونَ طلبٍ سابق .ومِنْ واجبِ محكمةِ الموضوع أن تَتَحَقَّقَ من أسبقيات الفاعل قبل منحِها وقفَ التنفيذ ، وهي - كما ترى محكمة النقض - تَستقِلُّ في وقفِ تنفيذِ العقوبة وليستْ مكلَّفةً بالرد على الطلب صراحةً ، وعَدَمُ مَنْحِهِ يعني " رَدَّ الطلبِ ضمنياً "( [3] ).


ومِنْ تدقيق أحكام المواد 168 وما يليها من قانون العقوبات العام نجد أن مُشَرِّعَنا اشترط عِدَّةَ شروطٍ يجب تَحَقُّقُها ، حتى يجوزَ للقاضي منحَ وقفِ التنفيذ ويترتب على قرارِه هذا عدةُ نتائج , سوف نَستعْرِضُها تِباعاً بعد استعراض الموادِّ القانونية الناظمةِ لذلك في قانونِ العقوباتِ العام.



المواد القانونية الناظمة لوقف التنفيذ






في قانون العقوبات العام







المادة 168 :
1 ـ للقاضي عند القضاءِ بعقوبة جُنحيَّة أو تَكديريَّة , أن يأمُرَ بوقفِ تنفيذِها إذا لمْ يَسبِقْ أنْ قُضِيَ على المحكوم عليه بعقوبةٍ من نوعِها أو أشدّ.
2 ـ لا يُمنَح المحكوم عليه وقفَ التنفيذ , إذا لم يكنْ له في سورية محل إقامةٍ حقيقي , أو إذا تَقرَّر طردُه قضائياً أو إدارياً.
3 ـ لا يُعلِّق وقفُ التنفيذِ تنفيذَ العقوبات الإضافيةِ أو الفرعيةِ أو تدابيرَ الاحتراز.


المادة 169 :
للقاضي أن يُنيطَ وقفَ التنفيذِ بواجبٍ أو أكثرَ من الواجبات الآتية :
1 ـ أن يقدِّم المحكومُ عليه كفالةً احتياطية.
2 ـ أن يخضع للرعاية.
3 ـ أن يَحصُل المدَّعي الشخصي على تعويضه كلِّه أو بعضِه في مدةٍ لا تتجاوز السنتين في الجُنحة أو السِّتةَ أشهر في المخالفة.


المادة 170 :
يفقِد مِنحةَ وقفِ التنفيذ , كلُّ شخصٍ أقدم في مدة خمسِ سنوات أو سنتين - حسْبَما يكونُ قد حُكِمَ عليه بعقوبة جُنحية أو تكديرية - على ارتكابِ جريمةٍ أخرى يُقضَى عليه من أجلِها بعقوبةٍ من النوع نفسِه أو بعقوبةٍ أشدَّ , أو ثَبُتَ عليه بحُكمٍ أنه خَرَقَ الواجبات التي فرضَها القاضي بمُقتضى المادَّةِ السابقة.



المادة 171 :
1- إذا لم يُنْقَضْ وقفُ التنفيذ , عُدَّ الحكمُ عند انقضاءِ مدة التجربة لاغياً، ولا يبقى مفعولٌ للعقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية ما خلا الحجزِ في مأوى احترازي, والمصادرةِ العينيَّةِ وإقفالِ المحل المنصوص عليه في المادة / 104 / ( [4] ) .
2 ـ على أنَّ وقفَ التنفيذِ يمكِنُ نقضُه , ولو بعد انقضاءِ مدة التجربة إذا كانت قد بُوشِرَت دعوى النقض أو ملاحقة الجريمة الجديدة قبل انقضاء المدة المذكورة.





أولاً - شروط وقف التنفيذ :

ً1ـ أن تكون العقوبة المحكوم بها جُنْحَوِيَّةً أو تكديريَّة (المادة 168/1), سواء أكانتِ العقوبةُ مقيِّدةً للحرية أم كانت غرامةً وإذا كان القانون يعاقب الفعلَ بعقوبة مقيِّدةٍ للحرية وبالغرامة معاً فللقاضي أن يأمر بوقفِ تنفيذ الاثْنَتَينِ معاً أو وقفِ تنفيذ إِحداهما فقط , وهذا ما استقر عليه القضاء الفرنسي والمصري( [5] ), ولا يجوز وقفُ تنفيذ جزْءٍ من الحبس أو جزءٍ من الغرامة , لعدمِ تَحَقُّقِ الغاية من وقف التنفيذ .

والسؤال المهم هنا :
هل يحِقُّ للمحكمة أن تقرر وقفَ التنفيذِ في جريمةٍ جنائيةٍ قضت على مرتكِبِها بعقوبة الحبس بسبب عُذرٍ قانوني مخفِّفٍ أو أسبابٍ مخفِّفَة تقديرية ؟

والجواب بالنسبة للأعذار القانونية إيجابي , فَنَصُّ المادة 168 " للقاضي عند القضــــــــــاء .... " فالعبرة إذَنْ لما قضت به المحكمة وليس لأصل الجريمة. وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء في كلٍّ من فرنسا ومصر ( [6] ).

ويُفهَم من أحكام محكمة النقض السورية أنها :
‌أ- تَقبَل منحَ وقفِ التنفيذ في الجنايات المعذورةِ إذا صدر الحُكمُ بالحبسِ, لأن الأعذارَ القانونية تُغيِّر طبيعةَ الجناية وتقَلبها جُنحةً ( [7] ) .
‌ب- وتَقبَل منحَ وقفَ التنفيذ في الجنايات التي يرتكبها القاصرون والأحداث ( [8] ).
‌ج- ولكنها لا تقبل منحَ وقف التنفيذ بسبب العذرِ المخففِ التقديري, بحجة أنه لا يغيِّر الوصفَ الجُرميّ ( [9] ) .
وهذا مذهَب ليس له سندٌ في القانون بل ويخالفُه لأنَّ القانونَ صريحٌ باكتفاءِ؛القضاءِ بالعقوبةِ الجُنحيَّة أو التكديرية .
ً2 ــ أن لا يكون المحكوم عليه قد حُكِمَ سابقاً بعقوبةٍ من نوع العقوبةِ المُرادِ تعليقُها أو أشدَّ منها (المادة /168/1) , فإذا كانت العقوبةُ الجديدة الحبسَ مع التشغيلِ مثلاً, وكانت العقوبة السابقة الحبسَ البسيطَ , فلِلقاضي أن يَأمُر بوقفِ التنفيذِ لأنَّ العقوبةََ السابقةَ أخَفّ . كذلك الحالُ لو كانتِ العقوبةُ السابقةُ الغرامةَ , والعقوبةُ الجديدةُ الحبسَ البسيطَ ، لأنَّ الغرامةَ أخفُّ من الحبسِ البسيط .
وباختصار؛ الحكمُ بعقوبةٍ سابقة أخفّ لا يمنع من وقف تنفيذ العقوبة الجديدة الأشدّ .

ً3 ــ أن يكون للمحكوم عليه محلُّ إقامة حقيقي في سورية , وإذا كان أجنبياً فيجبُ ألا يكونَ قد تقرَّرَ طردُه قضائياً أو إدارياً من الأراضي السورية (المادة 168/2), والغاية من اشتراطِ محلِّ إقامةٍ حقيقي سهولةُ مراقبتِه ، وتَأَثُّر سمعتِه بسوء سلوكه .

ً4ــ يجوز للقاضي أن يُنيطَ وقفَ التنفيذ بواجبٍ أو أكثرَ من الواجبات المنصوصِ عليها في المادة 169 للقاضي أن يُنيط وقف التنفيذ بواجب أو أكثر من الواجبات الآتية :
1 ـ أن يُقدِّم المحكوم عليه كفالةً احتياطية.
2 ـ أن يخضع للرعاية.
3 ـ أن يَحصُل المدعي الشخصي على تعويضِه كلِّه أو بعضِّه في مدة لا
تتجاوز السنتين في الجُنحة أو الستةَ أشهر في المخالفة).

وهذا النَّصُّ يعطي الحقَّ للقاضي أن يقرِّر وقْفَ تنفيذ العقوبة دون أية ضمانة, كما أنَّ له أن يفرِضَ على المحكوم عليه إحدى هذه الضمانات.

- فالكفالة الاحتياطية ... هي تدبير احتِرازيٌّ عيني , يُودِع المحكومُ عليهِ بموجبِه مبلغاً من المال , أو عقدَ تأمين أو كفيلاًً مليئاً , ضماناً لحسن سلوك المحكوم عليه , أو تلافياً لارتكابِه جريمةً أخرى , تحت طائلةِ مصادرة مبلغ الضمان .
- وأما الرِّعاية... فهي وضعُ المحكومِ عليه في مؤسسة خاصة , تُوفِّر عملاً له وتراقبه وتُوجِّهُه . وتُعتبَر الرِّعايةُ تدبيراً احترازياً مقيِّداً للحرية ( [10] ) .

- والواجبُ الثالث ... الذي يملك القاضي بموجبِه أن يَفرِض على المحكوم عليهِ أن يدفعَ للمدَّعِي الشخصي ما قُضِيَ له من التزامات مدنية, خلال سنتين إذا كان الجُرمُ جُنْحَوِيَّ الوصف , والستةَ أشهرٍ إذا كان الجُرمُ مخالفةً . ومتى أَخَلَّ المحكومُ عليهِ بالواجبِ المفروضِ عليه اعتُبِرَ قرارُ وقفِ التنفيذِ كأنْ لمْ يكُنْ ووُضِعَتِ العقوبةُ موضعَ التنفيذ .



ثانياً - نتائج وقف التنفيذ :

ً1- لا يشمُل وقفُ التنفيذ العقوباتِ الإضافيةَ أو الفرعيةَ أو تدابيرَ الاحتراز, وتُنَفَّذُ هذه العقوباتُ فورَ اكتسابِ الحكمِ الدرجةَ القطعيةَ المادة (168/3).

فالتدابيرُ الاحترازيَّة : هي إجراءاتٌ وقائيةٌ يُقضَى بها حرصاً على السلامة العامة ، وتُفرَض على من يُشكِّلون خطراً عليها ، فلا يجوز القضاء بوقفِتنفيذها .
· فلا يجوزُ الحُكمُ بوقْفِ تنفيذِ التدابيرِ الإصلاحية التي تُفرَضُ على الأحداثِ الجانحين ، وإن كان من الممكن تبديلُ التدابير الإصلاحية التي تُفرَض عليهم أو تُعديلُ تنفيذِها بعد مرور ستةِ أشهرٍ على الأقل من البدء بتنفيذها وهذا ما نصـت عليه المادة /53/ ( [11] ) من قانون الأحداث الجانحين.
فالعقوبات الإضافية وتدابير الاحتراز تهدِفُ إلى حمايةِ المجتمع من شخص لا يمكن التنبُّؤُ بسلوكِه سلفاً ، وليس من الحِكمةِ الذَّهابُ في حُسْنِ الظَّنِّ إلى درجةِ تعريضِِ المجتمعِ لشخصٍ غيرِ مأمون .

ً2- يفقِد المحكومُ عليه منحةَ وقفِ التَّنفيذ , إذا أقدم أثناءَ مدَّةِ التَّجرِبةِ - وهي خمسُ سنواتٍ في الجُنَحِ و سَنَتانِ في المُخالَفات - على ارتكابِ جريمةٍ أخرى, يُقْضَى عليه من أجلِها بعقوبةٍ من النوعِ نفسِه أو بعقوبةٍ أشدَّ ، أو إذا ثَبُتَ بحُكْمٍ أنه خرق الواجباتِ التي فَرَضَها القاضي عليه من أجْلِ هذا الوقف (المادة170) . تبدأ هذه المدة من يوم صَيرورَةِ الحُكم بالعقوبة الموقوفِ تنفيذُها حُكماً مُبرَماً .

وبالتالي تَسقُط منحةُ وقفِ التنفيذِ إذا ارتَكَبَ المحكوم عليه خلال مدةِ التجرِبة جُرماً آخرَ يُحكَم عليه بسببه بعقوبةٍ من نوعِ العقوبةِ الأولى أو أشدَّ ، أمَّا إذا كانتِ العقوبةُ الجديدةُ أَخَفَّ من الأُولى فلا يَسقُط وقفُ التنفيذ .
كذلك يَفقِد مِنحَةَ وقفِ التنفيذ الشخصُ الذي لم يَرتكبْ جُرماً جديداً , و إنما أَخَلَّ فقطْ بالواجبِ أو الواجباتِ التي فَرَضَها القاضي عليه حين مَنحه وقْفَ تنفيذِ عقوبتِهِ ، وقرارُ القاضي في هذا الشَّأن نهائيٌّ , لا يجوزُ الطَّعنُ فيه كما أنَّ القاضي غيرُ مُلزَمٍ ببيانِ أسبابه .

فإذا قرَّرَ القاضي البدائِيُّ منحَ المحكومِ عليه وقفَ التنفيذ واستأنف المحكومُ عليه القرارَ ولم تستأنفْه النيابةُ العامَّة ، فلا يجوز لمحكمةِ الاستئناف أن تُقرِّرَ إلغاءَ المِنحةِ المذكورة تِبعاً لمبدأ: لا يُضارُّ الطاعنُ بطعنِه ( [12]) .

ً3-إذا لم يَنقُضِ المحكوم عليه وقفَ التنفيذ ، عُدَّ الحُكمُ عند انقضاءِ مدةِ التجربة لاغياً - أيْ أنَّ الجُرمَ يزولُ بأكملِه - فكأَنَّ المحكومَ عليهِ لم يُجَرَّمْ ولمْ يُحاكَمْ ولمْ يُدَنْ و لمْ يُعاقَبْ ، و يعادُ له اعتبارُه ولا يُعتبَر الحُكمُ سابقةً في التَّكرار إذا ارتَكَبَ المحكومُعليه جريمةً تالية ( المادة 171/1 ).

ولكنْ إذا كانَ الحكمُ الصادر بوقفِ التنفيذ يتضمَّنُ الوضعَ في مأوىً احترازيٍّ أو كان يتضمَّن مصادرةَ الأشياءِ الناتجةِ عن الجريمة ، أو استُعمِلتْ في ارتكابِها أو تَقَرَّرَ إغلاقُ محلِّه، فإنَّ وقفَ التنفيذ لا يُؤثِّر عليها بل تستمر في التَّطبيقِ ، فلا يُفتَح المحلُّ ولا تُعادُ الأشياءُ المُصادرةُ ولا يُفْرَجُ عن المحكومِ عليهِ الموضوعِ في مأوى احترازيّ, وقد استُثْنِيَتْ هذه التدابير بسبب أهمِّيَّتها على الرَّغم من زوالِ الحكمِ السابق.

· وقد أشار القانون إلى حالةٍ هامةٍ, كثيراً ما تقعُ عملياً ،وهِيَ الحالةُ التي يَرتكِب فيها المحكومُ عليه جُرماً جديداً قبلَ نهايةِ مدَّةِ التجربة ، أو يُخلُّ بأحدِ الواجباتِ المفروضةِ عليه ، ولا يصدُر حكمٌ بإسقاط منحةِ وقف التنفيذ خلال مدةِ التجربة ( المادة171/ 2).
لنفرضْ أنَّ جانحاً منحه القاضي وقفَ تنفيذِ حُكمِه الجُنْحَوِيَّ الوصفِ، وفي أواخر السنة الرابعةِ ارتكبَ جرماً جديداً عقوبتُه من نوع العقوبة السابقة أو أشدّ , ففي هذه الحالة نكون أمام الفرضيات الآتية :

1) إما أن تُقام الدعوى العامةُ عليه حالاً ، ويساقَ إلى المحكمة ويُصدرَ القاضي حكماً عليه بعقوبةٍ جديدة قبل نهاية مدة التجرِبة . ففي هذه الحالةِ تَسقُطُ منحةُ وقفِ التنفيذ السابق ،وهذا وضعٌ لا غبارَ عليه لأن كلَّ شيءِ تم خلال المهلة القانونية و هي الخمسُ سنوات .

2) وإما أن يُرتكَب الجرمُ الجديدُ خلال مدة التجرِبة ، وتُقامَ عليه الدعوى العامةُ خلال مدةِ التجربة أيضاً , ولكن لا يصدرُ حكمٌ من القضاء خلال المدة المذكورة . فكيف يتصرف القاضي..؟ في هذا الوضع يكون من حق القاضي أن يقضيَ بإسقاط وقفِ التنفيذِ السابق، ويستطيع أن يَسكُتَ عن إسقاطه ، لأن الفقرة الثانية من المادة /171/تقول " يمكن نقضه " وهذا الخَيارُ المتروكُ للقاضي مقيدٌ بالمصلحة العامة التي يُقَدِّرُها هذا القاضي ( [13]) .

3) وإما أن يُرتكَب الجرمُ الجديد خلال مدة التجربة ولكن لا يُكتشَف هذا الجرمُ إلا بعد انقضاءِ مدة التجربة ، أو اكْتُشِف أثناءَ مدة التجربة ولكنَّ الدعوى العامة لمْ تُقَمْ عليه ضمنها .
فهل تسقط منحة وقفِ التنفيذِ السابق ؟ القانون ساكتٌ وسكوتُه يعني عدمَ جوازِ التعرُّض لِما مضى ، والعلَّةُ في ذلك أنَّ على المجتمع أن يكونَ يَقِظاً و أن يكتشفَ الجرائمَ حين تُرتَكب . وظاهرُ نص المادة 171/2 يؤيد هذا الحل .

ً4- إذا فقد المحكوم عليهِ منحةَ وقفِ التنفيذ , وَجَبَ عليه تنفيذُ العقوبة التي أُوقِف تنفيذُها.( المادة 171/2 ) . فنَقْضُ وقفِ التنفيذ إما أن يكونَ بسببِ ارتكابِ جُرمٍ آخَرَ , أو بسببِ خرقِ المحكومِ عليه للواجبات التي فرضَها القاضي عليه.

- ففي الحالة الأولى– ارتكابُ جرمٍ آخَر - يمكن للمحكمة التي تنظر في الجرم الآخرِ أن تقرِّرَ نقضَ وقفِ تنفيذِ الحكمِ الذي تقرَّرَ وقفُ تنفيذه . وإذا أَغفَلَ الحُكْمُ تقريرَ ذلك فلِسُلطاتِ التنفيذِ أن تَستخلصَ من العقوبةِ التاليةِ أثرَها الناقضَ لوقفِ تنفيذِ العقوبةِ الأولى ،فتطلب من المحكمة التي أمرَتْ بوقفِ التنفيذِ نقضَه ، ويُعتبَر النقضُ حتمياً حين تتوافر أسبابُه وليس للمحكمة أيُّ سلطةٍ تقديريةٍ بهذا الخصوص تِبعاً لصراحةِ النص في المادة /170/ عقوبات عام .

- أما في الحالة الثانية – خرقُ الواجباتِ - فلا بد للمحكمة التي قرَّرتْ وقفَ التنفيذ أن تتحقق من أسبابِ النقضِ ومدى تَوافُرِها ، ومن ثُمَّ تُصدِرُ قرارَها بنقضِ وقفِ التنفيذِ . وبِرأينا ... أنَّ قرارَ نقضِ وقفِ التنفيذِ يقبلُ الطَّعنَ بالطُّرقِ المقرَّرةِ قانوناً للحكمِ الذي تَقَرَّرَ وقفُ تنفيذِه ( [14]) .


· كلُّ الذي قلناه صحيح , إلا إذا نصَّ قانون خاص على تحريم منحِ وقفِ التنفيذ من باب التشديد على الفاعل ، وهذا ما ظهرَ في موادِّ بعضِ القوانين التي تنص على تحريمِ منحه . ومن هذه المواد والقوانين :

1) المادة /51/ من قانون المخدرات رقم 2 لعام 1993( لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ الحكمِ الصادرِ بعقوبةِ الجنحةِ على من سبق الحكمُ عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ).
2) المادة /9/ من قانون الأحداث الجانحين رقم 18 لعام 1974 (أ- يعاقب بغرامة من مئة إلى خمسمائة ليرة سورية وَلِيُّ الحدث أو الشخص الذي سُلِّم إليه تطبيقاً لأحكام هذا القانون، إذا أهمل واجباته القانونية. ب- تَفرِض المحكمة هذه العقوبة مباشرة دون حاجة لادِّعاء النيابة العامة وبناءً على تقريرِ مراقب السلوك، ولا يحِقُّ لها استعمالُ الظروف المخفِّفة أو وقف تنفيذِها ).
3) المادة /364/ مكرر من قانون العقوبات المعدَّلة بالمرسوم التشريعي رقم 46 لعام 1973,الخاصة بمعاقبةِ من يتركُ عملَه من العاملين في الدولة .. قبل قبول استقالتِه .
4) المادة/634/ المعدَّلة من قانون العقوبات , الخاصة بسَرِقَة الطاقة الكهربائية (2 ـ ولا تَنقُص مدة الحبس مع الشَّغل عن ستةِ أشهر إذا كانتِ السرقةُ واقعةً على الطاقة الكهربائية, ولا تُطبَّق على الجرائم المعاقبِ عليها في هذه الفقرة الأسبابُ المخفِّفةُ التقديرية وأحكامُ وقفِ التنفيذِ المنصوصُ عليها في المواد 168 وما يليها من قانون العقوبات ) .
5) المادة /28/ من قانون العقوبات الاقتصادية , والتي تنص على أنه لا يجوز وقفُ تنفيذِ العقوبةِ إذا كانتِ الجريمةُ تقعُ تحت طائلةِ قانونِ العقوباتِ الاقتصاديةِ .

وهذه أمثلةٌ تُنبِّئ بسياسةٍ جزائيةٍ مرتدّة . ويقيناً ؛ فإن القاضيَ قد يجد نفسه أمام حالاتٍ محزنةٍ ومؤلمةٍ دون أن يستطيعَ فعلَ أيِّ شيءٍ بشأنها . وخيرٌ لو بقيتْ هذه الإمكاناتُ الواسعةُ للقاضي لإقامةِ عدالةٍ حيةٍ و مقبولة .

وأخيراً إذا مُنحَ وقفُ تنفيذِ العقوبة إلى منْ لا يستحقُّه وحُجِبَ عن مُستَحِقِّيه أو إذا استُخدِم بكثرةٍ زائدة - حتى يَظُنَّ المجرمون المبتدِئون أنه حقٌّ من حقوقهم- فإن النتائجَ تأتي حتماً على عكسِِِ ما يرجوه دُعاةُ هذه المؤسسة .
وواضحٌ أن هذه المؤسسةَ مبنِيَّةٌ على ثقةٍ كبيرةٍ بالقاضي والجانحِ نفسِه وقد تنجح وقد تفشل وهي محفوفةٌ بالمخاطر.



------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------

( [1] د. عبد الوهاب حومد: المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام ص (974)

[2]) بموجب المادة /3 / من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1891 هذا الإنذار إجباري و يتم بهذه
الصيغة: " إني أحكم عليك بالعقوبة التي تستحقها و لكني أعفيك من تنفيذها مؤقتاً , فإذا كان سلوكك
خلال الفترة المحددة حَسَناُ أُعفيك منها نهائياُ , و علاوةً على ذلك فإن العقوبة تُمحى من السِّجلِّ
العدليِّ, أما إذا ارتكبْتَ جُرماُ جديداُ فسوف لا يُكتفى بعقوبة هذا الجرم الجديد وحدَها , بل تُضاف
إليها العقوبة التي أعفيتك منها مؤقتا أيضاُ " .

[3] ) محكمة النقض – الغرفة الجزائية - قرار 335 لعام 1968: إن محكمة الموضوع تستقل في تحديد
العقوبة, والقضاء في وقف تنفيذها أو في حجب ذلك . وليست مكلفة أن ترد على طلب وقف التنفيذ
بصورة صريحة , وعدم الحكم بذلك يعني رد الطلب ضمناً .

[4] ) نص المادة 104 :
1 ـ إنَّ إقفالَ المَحَلِّ الذي قُضِيَ به من أجْلِ أفعالٍ جُرْمِيَّه أو مُخِلَّةٍ بالآدابِ يُوجِبُ مَنْعَ المحكومِ عليه أو أحَدِ أفرادِ أسرتِه أو أيِّ شخصٍ تَمَلَّكَ المَحَلَّ أوِ اسْتَأْجَرَهُ على عِلْمِهِ بأمرِه مِنْ أنْ يُزاوِلَ فيه العملَ نفْسَه.
2 ـ لا يَتناولُ المنعُ مالكَ العقارِ وجميعَ مَنْ لهم على المَحَلِّ حقُّ امتيازٍ أو حقُّ رَهْنٍ أو دَيْنٌ إذا ظَلُّوا بِمَعْزِلٍ عنِ الجَريمةِ.


[5] ) د. عبد الوهاب حومد: المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام ص(977)

[6] ) د. عبد الوهاب حومد: المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام ص( 978ـ 979)

[7] ) محكمة النقض - الغرفة الجزائية - قرار486 تاريخ 29/5/1952

[8] ) محكمة النقض ـ الغرفة الجزائية ـ قرار 534 تاريخ 6/7/1955

[9] ) محكمة النقض ـ الغرفة الجزائية - قرار 225 تاريخ 15/5/1954 والقرار 505 تاريخ
4/5/1982

[10] ) عبد الوهاب بدرة ـ الحكم الجزائي في التشريع السوري – الجزء الثاني ص ( 414 )

[11] ) نص المادة 53 أحداث جانحين :
‌أ- يمكن للمحكمة مباشرةً، أو بناءً على طلبِ الحدثِ أو وَلِيِّهِ أو وَصِيِّهِ أو مُحامِيهِ أو مراقبِ السلوكِ، تبديلُ التدابيرِ الإصلاحيةِ المقررةِ أو تعديلُها وذلك بعد مرور ستةِ أشهرٍ على الأقل من البَدْءِ بتنفيذها.
‌ب- قرارُ المحكمةِ بهذا الشأنِ مُبرَمٌ , وإنما يجوز تقديمُ طلبٍ جديدٍ بعد مرور ثلاثةِ أشهرٍ على القرار المذكور .

[12] ) د .عبد الوهاب حومد – المفصل في شرح قانون العقوبات – القسم العام ص (984)

( [13] د. عبد الوهاب حومد – المفصل في شرح قانون العقوبات –القسم العام: ص (985)


[14] ) عبد الوهاب بدره – الحكم الجزائي في التشريع السوري – الجزء الثاني ص (416)

هذا ماهدانا الله اليه ولولا أن هدانا الله ماكنا لنهتدي
في النهاية اتمنى الفائدة للجميع






التوقيع


{قالَ ربي بما أنعمت علي فلن أكونَ ظهيراً للمجرمين}

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المسؤولية القانونية للطبيب في القانون السوري lawyer ali omran رسائل المحامين المتمرنين 5 26-01-2014 11:49 AM
حق أبناء الأم السورية المتزوجة من أجنبي في حمل الجنسية السورية (دراسة مقارنة) المحامي صلاح شـامية مقالات قانونية منوعة 0 09-01-2010 11:14 PM
نظرات معاصرة عـلـى قـاعـدة قانونية الجرائم والعقوبـات الدكتور عبد الوهاب حومد أبحاث في القانون الجنائي 2 13-07-2006 03:10 AM
دستور مملكة البحرين المحامي محمد فواز درويش الدساتير العربية 0 28-11-2004 11:21 PM
النظام الأساسي المؤقت لدولة قطر المحامي محمد فواز درويش الدساتير العربية 0 28-11-2004 03:49 AM


الساعة الآن 01:08 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع