الكتاب الذي فجر ثورة في عالم القانون
يعتبر " سيزار بكاريا "( ١٧٣٨ – ١٧٩٤ ) مؤسس المدرسة التقليدية في القانون الجزائي ، أحد أكبر فقهاء القانون الجزائي في إيطاليا و العالم .
نشر بكاريا في العام 1764 كتابه ذائع الصيت «الجرائم والعقوبات » الذي يعتبر بحق ثورة في علم الجريمة و العقاب ، و الذي جعل إيطاليا تحتفل عام 1964 بالذكرى المائتين لصدوره .
ومع أن الكتاب نشر لأول مرة دون ذكر اسم المؤلف - لربما كان ذلك بسبب الخشية من الأفكار الجريئة التي تضمنها - و لكنه لقي نجاح واسعاً لدرجة أنه طبع ست مرات في ثمانية عشر شهراً ، وترجم إلى اثنتين وعشرين لغة أوربية ، و شارك الفيلسوف الفرنسي العظيم " فولتير " بنفسه في مقدمة الطبعة الفرنسية ، و بعد سنتين على صدور الكتاب دعي بكاريا عام 1766 إلى باريس و استقبله الفلاسفة وعلماء القانون العام بحفاوة بالغة باعتباره أحد الفاتحين الذي غير وجه القانون .
تضمن الكتاب مبدأ " شرعية الجرائم و العقوبات " الذي انتشر بكافة أنحاء العالم ، و لا يكاد يخلو دستور في العالم منه ، و الذي ينص ( لا جريمة و لا عقوبة بدون نص قانوني ) .
كما هاجم بشدة التعذيب وعقوبة الإعدام و السلطة التقديرية التحكمية الواسعة للقاضي في اعتبار أي فعالية جريمة ، و فرض العقاب الذي يروق له عليها ، و دعا لأن يقتصر دور القاضي على تطبيق القانون فقط و ليس صنعه .
على الرغم من أن ردة فعل الأوساط التقليدية القانونية على الكتاب كانت عنيفة ، لدرجة وضعه ضمن قائمة الكتب المحظورة ، وإدانته من قبل محاكم التفتيش في إسبانيا ، ونشرت عدة مؤلفات في نقده و دحضه .
غير أن معظم الأمارات الإيطالية تأثرت به و بادرت إلى إصلاح قوانين عقوباتها ، و لم يحل عام 1789 حتى كانت أوربا كلها تقريباً قد ألغت ممارسة التعذيب الذي كان واسع الانتشار .
كما حرص ( إعلان حقوق الإنسان و المواطن ) الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة 1789 على النص في المادة الثامنة منه على مبدأ بكاريا الشهير ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون وضع قبل الجريمة وطبق على وجه قانوني ) .
كما تأثر بأفكاره قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1810 ، و قانون العقوبات الألماني الصادر عام 1870 ، و قانون العقوبات الإيطالي الصادر 1879 .
الأمر الذي يسترعي الانتباه و التأمل فعلاً أن بكاريا عندما وضع كتابه كان عمره /26/ سنة فقط .