كنت كثيراً ما اسال نفسي : ماذا يملك المحامي من حجة عندما يكون وكيلاً عن قاتل و قد اثبتت كل الوقائع انه الجاني ؟ ماذا عليه أن يقول ؟ ماذا عليه أن يكتب في مرافعته ؟ ما هي المستندات القانونية التي سيسند اليها الجريمة ؟
إلى أن مر معي مرافعة لعدة وكلاء ترافعوا عن قتلة .. و لا يهمنا هنا إذا كانت مرافعته شفهية حيث اننا لا نستخدم في نظامنا القضائي هذا النمط من المرافعات و انما يهمنا هو اسلوب استخدام الحجج سواء اكانت شفهية ام كتابية .. ما يهمنا هو طريقة اقناع القضاء بشيء نحن مقتنعون فيه ( و سنفرض أن القاتل في مرافعتنا هنا بريء )
لفت نظري عدة مرافعات في هذا الشأن سأورد جزءاً منها ... منها مرافعة المحامي لاشو عن وكيله القاتل تروبمان و أخرى عن مرافعة شيشرون وكيلاً عن المرشح ميلون و أخرى عن وكيل قاتل بطرس غالي ... الخ
من دفاع لاشو في قضية تروبمان :
قال مخاطباً الهيئة القضائية :
" لقد سألني تروبمان أن ادافع عنه ، فاذا بي أمام واجب لا بد من أدائه و ربما أدهش موقفي هذا بعض الذين يجهلون وظيفة المحامي .
إن الذين قالوا أن من الجرائم ما يفوق هولها كل وصف ، ومن المجرمين من بلغوا غاية القسوة والفظاعة فمن العبث أن تسعى إلى تخفيض عقابهم .. أقول : أن هؤلاء ليسوا على حق وهم في غضبهم المحمود يخلطون بين العدل و حب الانتقام ، هؤلاء يتبعون عاطفة النفس الكريمة مشفقين على الضحايا و لكن اشفاقهم يجرهم من حيث لا يدرون إلى ارتكاب ذنب اجتماعي هو اشد الذنوب خطراً لان فيه تضحية القانون
أما انا فأفهم واجبات الدفاع على خلاف ذلك لان المشرع اراد أن يكون إلى جانب المتهم اياً كان ليوقف إذا امكن تأثيرات الجمهور الصادرة عن طيبة نفس و لكنها قد تكون وخيمة النتائج لانها قد تطمس الحقيقة .
أي جريمة في العالم تضاهي هذه الجريمة و تفتقر مثلها إلى الدفاع ؟ لقد اهتزت البلاد من اقصاها إلى اقصاها لهذه الجناية الفظيعة و تعالت الاصوات من كل الصدور إلى المطالبة بالانتقام و انزال العقاب الصارم بالجاني .. من هو تربمان ؟
هذا ما لم ابرح اسال عنه دون أن اجد جواباً شافياً !
اهو انسان ام وحش كاسر ؟
اهو عاقل ام مجنون ؟ تلك هي العقدة التي لا تحل .
من هو الرجل الذي لا ينتفض جزعاً و غضباً لرؤية الضحايا ؟
من أي طينة جبل هذا الإنسان ؟
فلنبحث ..
لقد استولت على فكر موكلي افكار غريبة لا تتزعزع و السبب انه قرا كتاباً اهاج اعصابه يروي هذا الكتاب قصة قاتل قتل ستة من الافراد قتلة شنيعة من اجل ثروة يشتهيها .. كان هذا الكتاب رفيقه الدائم فتركت قراءته اثراً كبيراً في دماغه حتى اعتل بدنه و اصبحت افكاره منصرفة إلى وجهة واحدة هي فكرة القتل قتل ستة من الاشخاص حلماً لا يتخلى عنه في قعوده و قيامه و يقظته و منامه
سلوا اهل العلم يجيبوكم أن هذا الرجل غير صحيح و لاسليم ، افحصوه وادرسوه ، حولوا نظركم قليلاً عن الضحايا إليه ، و افهموا ما انطوى عليه ، انظروا إلى تركيب جسمه الغريب ..
اجل إن كانت قضيتنا قضية وحش لا مسؤولية عليه ، فقصاصه الربط و التكميم لا القتل ، إن ضميري يتكلم ، و عندما اتشرف باداء الواجب فاني اشفق على الذين لا يفهمون ما يجب عليهم من الاحترام لوظيفتي .. "