كلمة عبد العزيزباشا فهمي في افتتاح محكمة النقض
كلمة صاحب السعادة عبد العزيز فهمي باشا أول رئيسلمحكمة النقض في حفل
افتتاح أعمال محكمة النقض والإبرام المدنية في 5 نوفمبرعام 1931 م.
﴿ بسـم الله الرحمن الرحيم ﴾
نفتتح اليوم أعمال محكمةالنقض والإبرام المدنية التي وفق جلالة مولانا الملك المعظم وحكومته إلى إنشائهابمقتضي القانون الصادر في شهر مايو الماضي.
وإنه لمن حقي وحق حضرات إخوانيالقضاة وحضرات إخواني المحامين - وكل متبصر في حالة القضاء في هذا البلد – منحقوقنا جميعًا أن نغتبط بإنشاء هذه المحكمة التي كانت الأنفس تتوق إليها من عهدبعيد، هذه المحكمة التي أنشئت لتلافي الأخطاء القانونية في الأحكام النهائية كانوجودها أمرًا ضروريًا جدًا، فإنه لا يوجد أي قاضٍ يستطيع أن يدعى لنفسه العصمة منالخطأ. ولقد حاول الشارع المصري أن يتلافى بعض ما قد كان يقع من الخطأ في المسائلالقانونية فأنشأ نظام الدوائر المجتمعة ولكنه، كما تعلمون حضراتكم، كان نظامًاقاصرًا جدًا لا يتعرض للأحكام النهائية بشيء ولا يمسها أدنى مساس بل كان مقصورًاعلى ناحية خاصة من نواحي التقويم والإرشاد في المبادئ القانونية دون أن يصلح منالأحكام ذاتها. وقد سارت محكمة استئناف مصر الأهلية زمنًا طويلاً على هذا النظامحتى أنشئت محكمة استئناف أسيوط فأصبح غير وافٍ بالغرض وأصبح من الضرورات القصوىإيجاد نظام النقض والإبرام الذي هو وحده الكفيل بتحري أوجه الصواب فيما يتعلقبالأحكام النهائية وإصلاح الخطأ فيها لأنه يؤثر في تلك الأحكام ويبين ما بها منالأغلاط القانونية ويدعو إلى إعادة الإجراءات في القضايا الصادرة فيها. فنحنمغتبطون بهذا النظام ونحمد الله تعالى على أنه أنشئ الآن.
وإني أصرح بأني فرحفخور بأن حضرات الرجال الذين عهد إليهم الابتداء بهذه المهمة الجليلة هم من خيرقضاتنا علمًا وعملاً ومن أكملهم خلقًا وأحسنهم تقديرًا للمسؤولية أمام الضمير. وإنسروري يا حضرات القضاة وافتخاري بكم ليس يعدله إلا إعجابي وافتخاري بحضرات إخوانيالمحامين الذين اعتبرهم كما تعتبرونهم أنت عماد القضاء وسناده. أليس عملهم هو غذاءالقضاء الذي يحييه؟ ولئن كان على القضاة مشقة في البحث للمقارنة والمفاضلة والترجيحفإن على المحامين مشقة كبرى في البحث للإبداع والإبداء والتأسيس؛ وليت شعري أيةالمشقتين أبلغ عناء وأشد نصبًا! لا شك أن عناء المحامين في عملهم عناء بالغ جدًا لايقل البتة عن عناء القضاة في عملهم، بل اسمحوا لي أن أقول إن عناء المحامي – ولاينبئك مثل خبير – أشد في أحوال كثيرة من عناء القاضي لأن المبدع غير المرجح.
هذا يا إخواني المحامين نظرنا إليكم. ورجاؤنا فيكم أن تكونوا دائمًا عند حسنالظن بكم. وإن تقديرنا لمجهوداتكم الشاقة جعلنا جميعًا نحن القضاة نأخذ على أنفسناأن نيسر عليكم سبيل السير في عملكم. وإن أية فرصة تمكننا من تيسير السير عليكم لانتركها إلا انتهزناها في حدود القانون ومصلحة المتقاضين. ذلك بأن هذا التيسير عليكمتيسير على القضاة أيضًا، إذ القاضي قد تشغله الفكرة القانونية فيبيت لها ليالٍمأخوذًا مؤرقًا على مثل شوك القتاد يتمنى لو يجد من يعينه على حل مشكلها وإن لهلخير معين في المحامي المكمل الذي لا يخلط بين واجب مهنته الشريفة وبين نزوات الهوىونزعاته ولا يشوب عمله بما ليس من شأنه. إذا كان هذا ظننا بكم ورجاءنا فيكم فأرجوأن تكونوا دائمًا عند حسن الظن بكم وتقدروا تلك المسؤولية التي عليكم كما يقدرالقضاة مسؤوليتهم.