![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]() الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية تحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف والأحوال ، وأن يكون في سلوكه ومعاملته ، مستقيما في عمله ، محافظا على أرواح الناس وأعراضهم ، رحيما بهم ، باذلا جهدا في خدمتهم . فإذا خرج الطبيب في سلوكه عن هذا النهج كان مسئولا مدنيا ، وربما جزائيا أيضا. هذا فضلا عن العقوبة المسلكية . 1- مقدمة : الطبيب إنسان ، والإنسان بطبيعة يخطئ ويصيب . والطبيب إنسان مبدع خلاق يكد ويجد بحثا عن علاج للحالة المريضة الماثلة إمامه ، وهو في سعيه وجده قد يصيب مرة ويخطئ مرة ، وما من إنسان يكون الصواب نصيبه دائما . والطبيب إنسان بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى ، لأنه لا يستطيع ، بل لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي إزاء مريض يتمزق ألما ويملأ صراخه الآفاق .. أو يذوي ببطء ويذوب كما تذوب الشمعة دون أن يحاول إعطاءه الوصفة التي تشفيه أو تخفف ألمه على الأقل . 2- مراحل العمل : وعمل الطبيب في هذا المجال يمر بمرحلتين : - مرحلة التشخيص . - مرحلة العلاج . وفي مرحلة التشخيص ، كما في مرحلة العلاج ، قد يقع الطبيب في أخطاء ، فيحسب أن المرض شيء إذا به شيء آخر، وسواء لتشابه الأعراض بين المرضين ، أو لأن لدى المريض عللا أخرى سببت هذا الخطأ في التشخيص ، أو لضعف الطبيب علميا أو نقص في خبرته .. الخ . وينشأ عن خطأ التشخيص بداهة خطأ في العلاج ، وقد يؤدي خطأ العلاج إلى مضاعفات تودي بالمريض ، وقد يؤدي خطأ العلاج إلى التأخر في إعطاء العلاج الصحيح بحيث يكون المرض قد استشرى ولا جدوى من علاجه . 3- متاعب الجراح : وقد يجد الطبيب نفسه إذا كان جراحا في وضع لا يحسد عليه ، كما لو وجد نفسه أمام إنسان مصاب في حادث ، وهو مضطر للقيام بعمل سريع ، كأن يستأصل عضوا لاستحالة علاجه ، أو لأن بقاءه قد يودي بحياة المريض . وقد يكون المريض مصابا بالتهاب حاد مفاجئ في الزائدة الدودية أو غيرها من الأعضاء الداخلية ، إن تأخر في إجرائها أودي الالتهاب بحياة المريض ، وإن أجراها أيضا أودت العملية بحياة المريض لعلل أخرى في قلب المريض أو في دمه . نصل من هذا كله إلى أن الطبيب ، سواء في تشخيص المرض أو علاجه ، وسواء أكان معالجا أو جراحا هو إنسان مجتهد . 4- العلم والطب : وإذا كانت أساليب العلم الحديث ، سواء في التحليل أو التصوير ، قد جعلت من الممكن إلقاء الضوء على المريض ، بحيث يسهل التشخيص ، ويقل الخطأ فيه أو ينعدم ، إلا أن التشخيص أولا والعلاج ثانيا يبقى مجال اجتهاد ، وفي مجال الاجتهاد يخطى الإنسان ويصيب ، ,إذا أخطأ فإنما يكون قد أخطا من حيث أراد الصواب .. إلى شفاء مريضه .. إلا إذا كان قد قصر في حق هذا المريض . 5- إذا خان الحظ الطبيب أو لم يسعفه العلم : وإذا كانت هذه هي مهنة الطب ، إنسانية أخلاقية .. وإذا كان هذا هو هدف الطبيب ، السعي إلى مصلحة مريضه المطلقة .. فماذا نقول ، أو ماذا يمكن أن يقول المريض للطبيب إذا خانه الحظ فأخطأ في التشخيص أو في العلاج ؟ أو كان العلم عاجزا والعلاج قاصرا عن تـأمين الشفاء ؟ هل يصح أن تنقلب نداءات المريض واستغاثاته ،وأن ينقلب رجاؤه للطبيب ودعاؤه له ، إلى سلسلة من الشتائم والتجريح ، بل إلى ادعاءات ومزاعم قد تتطور إلى شكاوى واتهامات تطالب الطبيب بالتعويض بدلا من أن يزجى إليه الشكر ، بل ويحاول زجه في السجن إن استطاع إلى ذلك سبيلا ؟ 6- أليس .. في القصاص حياة ؟ ولكن قد يسأل سائل هنا : أليس بين الأطباء من يرتكب خطأ فادحا فاضحا يؤدي بحياة المريض عن جهل وضيق أفق وقلة اطلاع ؟ وهل يجوز أن يترك هؤلاء النفر من الأطباء يعبثون بأرواح الناس دون أن ينالوا قصاصهم ، وفي القصاص حياة لأولى الألباب ؟ .. ولماذا نسمح لأخطائهم من دون الناس جميعا أن تمضي دون عقاب ؟ 7- وجوب التفريق بين أمرين : هنا لا بد من وقفة للتفريق بين الغث والسمين ، وبين العالم والكادح الذي يبذل كل جهد لتحقيق غاية إنسانية وتقدم علمي ، ثم لا يسعفه الحظ ، ولا ينفع مع العلة دواء ، وبين العابث الجاهل الذي لا يفقه من أمور الطب ما يؤهله لأن يكون ممرضا ولا طبيبا . وإذا كان من غير الجائز أن نترك حبل العابث الجاهل على غاربه ، فإنه من غير الجائز إطلاقا أن نترك للناس العبث بسمعة طبيب أو أطباء يموتون تفانيا في أداء واجباتهم وأهدافهم الإنسانية . وهذا كله يقتضي التريث في إطلاق الاتهام مدنيا أو جزائيا ، لأنه ليس أقسى على الإنسان المتفاني في واجبه من اتهامه بالقصور . وهذا كله يقتضي التفريق بدقة متناهية بين ما هو عبث وما هو نتيجة اجتهاد ، هذا مع الأخذ بالمبدأ القائل : إن الأصل هو حسن النية ، وأنه ما من طبيب إلا ويطمح إلى شفاء مريضه .. أي إن الأصل أن الطبيب مجتهد وليس عابثا . ولكن ما القياس : - بين ما هو خطأ ناشئ عن اجتهاد ، وبين ما هو جهل عبث يستحق العقاب ؟ 8- قصد العلاج : لا بد لنا أولا ،وقبل كل شيء ، من معرفة القصد الذي هدف إليه الطبيب أو الجراح ، ويذهب الفقه والاجتهاد إلى القول : " لا يكون عمل الطبيب أو الجراح مشروعا إلا إذا كان مقصودا به علاج مريض " . فعلاج المريض هو الغرض الذي يقوم عليه حق الأطباء في التطبيب والجراحة ، فلا يكون الطبيب مستعملا حقا إذا وجه فنه إلى غير الغرض المذكور ، ولو كان برضاء من المجني عليه أو بإلحاحه . من ذلك أن يرمي الطبيب إلى قتل المريض ولو كان الباعث على القتل هو أراحة المريض من آلام مبرحة ، ومن مرض لا يرجى الشفاء منه ،ومن ذلك إعانة امرأة على منع النسل في المستقبل باستئصال مبيض التناسل بغير أن تستلزم حالتها الصحية ذلك ، وكذلك الشأن إذا كان ما أجراه الطبيب هو مجرد تجربة علمية لم يقصد بها علاج من أجريت عليه ، بل لمجرد إشباع شهوة علمية أو حتى لخدمة الطب . فإذا ما تحقق القصد ، وجب على الطبيب بعد ذلك أن يبذل للمريض جهودا صادقة يقظة ومتفقة – في غير الظروف الاستثنائية – مع الأصول العلمية المقررة ، وهي الأصول التي يعرفها أهل العلم ولا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها ، ممن ينتسب إلى عملهم أو فنهم . 9- رضا المريض : ونخلص من هذا كله إلى أن الغاية لا تبرر للطبيب معالجة إنسان دون رضاه ، ولو كان في هذا العلاج مصلحته ، لذا استقر الفقه والاجتهاد على أنه لا بد من رضا المريض بالعلاج ، وإلا تترتب على الطبيب مسؤولية عن ذلك . ووجوب توافر رضا المريض في علاج الطبيب أو عمله الجراحي ينشأ من أن العلاقة بين الطبيب والمريض صورة من صور التعاقد تحتاج إلى إيجاب وقبول , وأن كان البعض يرى أن مسؤولية الطبيب تقصيرية لا عقدية . 10- الرضا عند العلاج : والقبول يمكن أن يكون صريحا كما يمكن أن يكون ضمنيا ، كما هو الحال في العقود الأخرى . ففي العلاج يمكن اعتبار دخول المريض إلى عيادة الطبيب ، أو في دفع بدل الزيارة ، أو استعمال الوصفة ، مظهرا واضحا من مظاهر القبول والرضا .. وشروط ، كما تحددها أصول المهنة وتقاليدها وأعرافها . ويرى بعضهم أن قوام هذا العقد التزام الطبيب العناية بالمريض ، وأن يعطيه من فنه وعلمه وتجاربه ، على ضوء ما اتفق عليه من آراء في العلاج ، لقاء التزام المريض أداء الأجر المتفق عليه . في حين يرى بعضهم الآخر أنه ليس من السائغ القول بأن الرضا يستفاد ضمنا من مجرد الذهاب إلى عيادة الطبيب ، إذ إن الأعمال الطبية متنوعة ، وقد يرضى المريض ببعضها دون غيرها ، ولذلك كان متعينا أن بعلم بما ينسب إليه الرضا به . 11- الرضا عند العمل الجراحي : أما في العمليات الجراحية فقد أوجب الاجتهاد على الطبيب أن يتثبت من موافقة المريض ورضائه قبل إجراء أي عملية جراحية له ، فقد جاء في اجتهاد لمحكمة التمييز الفرنسية : " إن الطبيب الجراح لا يملك الشروع في عملية بتر عضو إلا بعد التثبت من موافقة المريض الذي يعود إليه الاختيار بين إجراء العملية المستعجلة ، والتي يتبين أيضا أنها ضرورية ، وبين أخطار التأجيل " . وقد جعلت المحاكم الفرنسية عبء إثبات رضاء المريض على عاتق الطبيب ، حيث جاء في اجتهاد لمحكمة الاستئناف الفرنسية : " إنه يقع على عاتق الطبيب إثبات رضا المريض الضمني الذي لا يستخلص من ظروف العملية " . 12- إثبات رضا المريض : وإثبات رضا المريض بالعلاج يقع على عاتق الطبيب , لأنه يبرر به مشروعية عمله ، وهو يستفيد في ذلك من القرائن ، ولكن لا يعتبر مجرد الذهاب إلى الطبيب أو الدخول في المستشفى رضا بكل أنواع العلاج التي يراها الطبيب لازمة لحالته ، ومع ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية قضت بأن لا مسؤولية على الطبيب المتخصص إذا لم يحصل على رضا بالعلاج من مريض بعثه إليه طبيبه المعالج ، إذ إن مجرد الذهاب إلى الطبيب المختص يعتبر رضاء بالعلاج ، فعليه إثبات ذلك . إلا أنه إذا ادعى المريض أن رضاءه كان مبنيا على غش من الطبيب ، أو أنه صدر عن غلط لعدم تنبيه لمخاطر العلاج ، فعليه إثبات ذلك . ولكن يجب ألا يتبادر إلى الذهن أن وجود المانع الأدبي معناه أن الطبيب غير مكلف بإثبات رضا المريض .. كلا ، بل أن المقصود بذلك هو أن من حق الطبيب إثبات الرضا بالبينة الشخصية ، أي الشهادة . هذا وإذا كان إثبات الرضا بالشهادة فيه بعض الصعوبات بالنسبة إلى الطبيب ، إذ غالبا ما يكون المريض والطبيب وحدها عند الرضا بالمعالجة ، أو قد يكون مع المريض بعض أقاربه أو أصدقائه ، وهم في كل الأحوال لا يمكن أن يطمأن إلى شهاداتهم ، وخاصة أنهم قد يكونون هم جهة الادعاء .. لذا فإننا نرى أن الحصول على دليل كتابي بالرضا يمكن أن يوفر على الطبيب كثيرا من المتاعب ، ولو كانت مع مريض واحد من كل مئة مريض .. ولكنها متاعب . 13- استخلاص الرضا : ويرى البعض أن هناك حالات يمكن فيها استخلاص رضاء المريض من ظروف العملية ، فلا يكلف الطبيب بإثبات رضاء المريض ، لأن الرضا في تلك الحالات قد استنتج استنتاجا ، وأن لم يحصل به تصريح من المرض . والمثل على ذلك أن يقوم المريض بدفع أجور العملية أو جزء من أجورها بصورة مسبقة أو بصورة لاحقة لانتهاء العملية ، لأنه في كلتا الحالتين يستخلص رضاء المريض من عملية الدفع ، لأن المريض لو لم يكن راضيا بإجراء العملية لما قام بدفع أجورها . وفي اعتقادنا أن دفع أجور العملية للطبيب بعد أن يكون الطبيب قد أوضح للمريض ما هية العملية ،لا يستنتج منه رضا المريض فحسب ، بل موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على قبول المريض بإجراء العملية . 14- وحتى يكون الرضا قانونيا : وحتى يكون الرضا قانونيا وصحيحا يتعين على الطبيب توضيح نوع العلاج أو الجراحة ، وما تنطوي عليه من أخطار ، كيما يكون الرضا صادرا عن إرادة صريحة صحيحة فعلا ، مدركة لمعنى الرضا ، لأنه لا قيمة لرضا إنسان بأمر لا يعرف عنه شيئا . وذهب بعض آخر إلى أنه لا يكفي أن يكون رضا المريض وليد إيضاح الطبيب للنتائج الطبيعية للعملية ، بل لا بد له من أن يوضح له ما تتضمنه من مخاطر . على أنه إذا استحال على المريض بسبب حالته الصحية ، أو بسبب آخر ، أن يبدي رأيه ، وجب الحصول على قبول من يمثله . فإذا أجرى الطبيب العملية أو قام بالعلاج قبل الحصول على رضا المريض أو من يمثله ، وعلى الأخص إذا كان من المحتمل أن يؤدي العلاج إلى نتائج خطيرة ، كان مسئولا . 15- عندما تختلف الإرادة : وهنا تعترضنا حالة هامة ، وهي ما إذا كان المريض قاصرا أو غير مالك لكامل قواه العقلية ، ورفض إجراء العملية ، في حين طلب ذووه إجراءها ، فما موقف الطبيب ؟ وكذلك الحالة إذا طلبت سيدة إجراء عملية رفض زوجها إجراءها ، أو العكس ، إذا كان الزوج يطلب إجراء عملية جراحية لزوجته وهي ترفض ذلك ..؟ وحالة ثالثة أكثر دقة ، عندما تتعرض سيدة حامل في إثناء الولادة لعملية جراحية لا بد فيها من التضحية بالوليد أو بالوالدة وأصر الوالد على ألا يضحي بالولد ..؟ يرى الفقه والاجتهاد أنه في الحالة الأولى لا عبرة لنقص الأهلية من الناحية القانونية ، وأنه يتوجب على الطبيب إذا ظهر له أن القاصر أو ناقص الأهلية قادر على التعبير عن إرادة صحيحة فلا يجوز له أن يجري علاجا رغم إرادته ، ولو دعاه والده أو القيم عليه إلى إجرائه . أما حق الزوجة في قبول العلاج أو رفضه ، فلا جدال لدينا في أن العبرة لرأي الزوجة ، لأن الزواج لا يسلخ عن الزوجة أي قدر من أهليتها ، وإن كان مثل هذا الأمر موضع جدال في فرنسا . أما الحالة الثالثة ، وهي الإبقاء على الأم أو الجنين ، فإن الفقه ذهب إلى أنه يجب على الطبيب أن يجعل الغلبة لرأي الزوجة التي لا تطلب إلا حقها الطبيعي في الحياة ، وليس للزوج أن يعترض على التضحية بالجنين الذي لم ير بعد نور الحياة . 16- مسؤولية الطبيب عن تدخله على رغم معارضة المريض أو عدم رضاه : وإذا لم يرض المريض بتدخل الطبيب فليس له أن يقوم بالعلاج ، وإلا كان مسئولا عما يحدث وفقا للقواعد العامة ، ما لم يكن هناك سبب آخر يبرر هذا التدخل ، كتنفيذ القانون أو استعمال السلطات ( كما يحدث في حالات الأوبئة ) ولا يسأل استنادا إلى حالة الضرورة كما تقدم . 17- حالات خاصة .. يتعذر فيها الحصول على الموافقة : على أن هناك حالات أخرى ، منها : - حالة يتعذر فيها الحصول على موافقة المريض أو أقاربه ، لأنه أحضر إلى المستشفى في حالة إسعاف ، مما اضطر الطبيب إلى بتر عضو للمريض حفاظا على حياته . - حالة ظهور مضاعفات خلال العمل الجراحي اقتضت إجراء عمل جراحي آخر لم يكن واردا عند بدء العملية أو عندما تم الاتفاق على القيام بها . في هذه الحال ، هل يجب القيام بالعمل الجراحي أو التوقف عن متابعته ؟ ذلك أن على الطبيب الجراح في مثل هذه الحال أن يعمل في ظروف وضمن شروط يكون فيها على رجل الفن أن يعلن بأن العملية الجراحية قد كانت ضرورية في مستقبل قريب ، ولا نجد في ذلك أي ضرر يسببه الطبيب ، غير أن المبدأ الذي وضعه الاجتهاد قد لا يكون صحيحا في كليته ، ولكنه يجب الموازنة فيه بين قوانين الطبيعة وبين مقتضيات الطب ومعرفة ما يجب تقديمه على الآخر تبعا لكل حال خاصة على حدة . على أن هناك حالة ثالثة يضطر فيها الطبيب إلى إجراء معالجة معينة لا تسعفه الإمكانيات المتاحة للقيام بأفضل منها ، وإن إعطاء المريض الفرصة للحصول على العلاج الأفضل يعرض سلامة المريض أو سلامة أعضائه إلى الخطر ، مثل الطبيب الذي يقوم بتوليد سيدة حامل في حالة ولادة عسرة في جهة نائية وفي كوخ ليست به مياه جارية ، ولا إضاءة كافية ، وإن انتظار نقل هذه السيدة إلى أقرب مستشفى يعرض الرحم إلى الانفجار ، وما يعقبه من مضاعفات قد يكون اقلها خطرا هو استئصال الرحم ، وقد يتسبب عن تدخل الطبيب في مثل هذه الظروف بعض الأضرار والإصابات تضطرها حالة الضرورة ، ولكي فيها إنقاذا لحياة الأم ، وقد يكون على حساب حياة الجنين ، أي حالة ضرورية لإنقاذ شخص على حساب شخص آخر . أو مثل حالة شخص أصيب بطعنة سكين خلف مفصل الركبة أدي إلى تمزق الأوعية الدموية ، وكان يمكن عن طريق جراح أوعية دموية إنقاذ ساق المصاب ، ولكن لعدم توافر مثل هذا الجراح الاختصاصي والإمكانيات اللازمة اضطر الطبيب إلى بتر الساق ، التي إذا ربطت أوعيتها الدموية لإنقاذ حياة المريض من خطر النزيف لأصيبت هذه الساق بغرغرينا . أو مثل السيدة التي أجري لها تداخل جراحي لاستئصال كيس الصفراء المليء بالحصى ، ثم وجد التهاب بالزائدة الدودية أو مظاهر سرطان في الرحم ، ورأى الطبيب استئصال هذه الأعضاء المصابة دون الحصول على إذن المريض الواقع تحت تأثير التخدير ، وذلك ليجنب المريض أخطار التخدير مرة أخرى أو المضاعفات من المرض . 18- احتياط لا مناص منه : ويرى البعض أن حفظ الطبيب المعالج للأعضاء المصابة المستأصلة – مما قد يتطلب فحصها من قبل الطبيب الشرعي مستقبلا – يوفر على الطبيب المعالج الكثير من المشاكل والمجادلات العلمية والفنية حول مدى ضرورة استئصال ما تم استئصاله هو بلا شك في غنى عنها ، وان عدم حفظ مثل هذه الأعضاء المستأصلة هو خطأ من الطبيب في حق نفسه ، وفي حق المستشفى الذي يعمل فيه ، وفي بعض الأحيان قد يرى أحد زملائه أو مساعديه أن تقدير هذا الطبيب المعالج كان غير سوي ، أو مبالغا في تصوره للحالة المرضية . 19- مسئولية مستقلة عن عدم الرضا : على أنه لا بد هنا من القول : أن مباشرة الطبيب العلاج دون رضا المريض لا يعفي الطبيب من المسؤولية ، مسؤولية مترتبة على عدم رضا المريض بالعلاج ، وهي مسؤولية مستقلة تماما عن المسؤولية التي تنشأ بسبب الخطأ فيه . هذا فضلا عن أن عدم رضا المريض بالعلاج مقدما يحمل الطبيب تبعة المخاطر الناشئة عن ذلك العلاج ، حتى إذا كان سلوكه لم تشبه شائبة من الخطأ . وحجة الفقه والقضاء في ذلك أن الطبيب قد أخطأ حتما في عدم حصوله على رضا المريض ، فعلاجه أصبح عملا غير مشروع تتوافر فيه عناصر الخطأ لذاته ، بحيث أذا نشأ عنه أي ضرر للمريض تحققت أركان المسؤولية بالنسبة إلى الطبيب . 20- حالة لا تحتاج إلى رضا المريض : وهي ما إذا كان المريض مصابا بمرض سار ، فإنه يتوجب على الطبيب نقل المريض إلى مشفى الأمراض السارية أو إخبار السلطات بذلك لنقله . 21- وحالة لا يكفي فيها رضا المريض : وهناك حالة لا يكفي فيها رضا المريض لإعفاء الطبيب من المسؤولية ، بل لا بد أن يحقق الغاية المرجوة والمطلوبة ، على خلاف ما هي الحال في الحالات العامة التي لا يلتزم فيها الطبيب غاية ، وإنما ببذل عناية فقط . وهذه الحالة ، هي العمليات الجراحية التجميلية ، حيث يعتبر الطبيب مسئولا إذا لم تؤد العملية الغاية منها . 22- بين العلاج والرغبة في التجربة والبحث العلمي : والسؤال المطروح هنا : ما العلاقة القانونية بين الطبيب والمريض حين يجد المريض نفسه قيد التجربة لا قيد العلاج ؟ إن الجمعية البلجيكية لأمراض الأذن والأنف والحنجرة رفضت إقرار مبدأ التجربة ، وإن كانت احتمالات النجاح فيها تتراوح بين 73-88 بالمائة . 23- دقة العملية لا تعفي من المسؤولية : ويرى البعض أن دقة العملية والرغبة في البحث لا تعفي الطبيب من المسؤولية الجزائية ، لان المريض الذي لم يسعده الحظ بنجاح عمليته ، لا يجد تعويضا له عن ذلك نجاح عمليات العشرات مما سواه . 24- عدم الوقوف في وجه التطور العلمي : كما يرون ، وفي مجال الجمع بين عدم الوقوف في وجه التطور العلمي ، وعدم المجازفة بحياة المرضى وأجسادهم وجعلها حقولا للتجارب ، وبين عدم تعريض الطبيب للمسؤولية أو على الأقل للملاحقة القضائية ، والحصول على موافقة المريض ،وأن تتضمن الموافقة بيان وضع العملية واحتمالات نجاحها ومخاطرها . ويرى البعض الآخر أنه إذا كان على الطبيب أن ينبه المريض إلى أخطار العلاج فليس هذا الالتزام مطلقا ، لأنه يعترضه من الناحية العلمية : - جهل المريض بأصول الفن الطبي . - حالة المريض النفسية . لذلك ذهب الاجتهاد إلى أنه لا ضرورة تلزم الطبيب بإعطاء المريض تفصيلات فنية عن العلاج ، ويكفيه أن يبين له الغرض منه والنتائج المحتملة له . ومن جهة أخرى يجب على الطبيب أن يراعي حالة المريض النفسية فلا يشرح له من أخطار العملية ما قد يهبط بحالته النفسية ويجعلها أكثر استهدافا لمضاعفاتها ، خاصة إذا كانت العلمية هي الأمل الوحيد في إنقاذ حياته . ونرى أن تكون الموافقة في مثل هذه الحالة خطية وواضحة ومفصلة ، لأن المريض الذي يقبل بتحمل مخاطر عملية جراحية في مرض ميئوس منه إذا كانت احتمالات نجاح العملية عشرين بالمائة قد يتهم الطبيب بالجهل والقصور إذا انتهت العملية دون نتائج إيجابية ، ويلاحقه قضائيا بداعي الجهل أو القصور أو استعمال وسائل وأساليب لم تصبح متداولة في عالم الطب ، وقد تأتي الخبرة بإدانته لنفس تلك الأسباب . ويرى البعض خلاف هذا الرأي ، بحيث أن مسؤولية الطبيب لا تتقيد بقبول المريض لمخاطر العلاج ، لأن ذلك بحسب قاعدة أساسية من قواعد القانون المدني وهي أن سلامة جسم الإنسان ليست محلا للتعامل . ولكن هذا الرأي ضعيف ، ولم يأخذ به الاجتهاد القضائي الذي ذهب إلى إعطاء قبول المريض الأثر فيما يتعلق بالمخاطر المشروعة ، ومنها المخاطر التي يتحملها من أجل شفائه . 25- رضا المريض لا يعفي من المسؤولية ولا يطلق يد الطبيب : على أنه يجب ألا يفوتنا القول : إن رضا المريض لا يعفي الطبيب إطلاقا من مسؤولية فعله عما يلحقه بالمريض من ضرر . 26- هل للطبيب أن يرضى بمعالجة المريض أو لا يرضى , أو أنه مرغم على المعالجة : وفي كل الحالات السابقة كنا نبحث عن رضا المريض بالعلاج ، ولكن هناك حالة معاكسة لتلك الحالة تماما ، وهي رضا الطبيب بأن يقوم بالعلاج والسؤال الذي قد يكون مطروحا هو : هل يملك الطبيب أن يرفض معالجة مريض معين ؟ أو أنه ليس للطبيب حق الرفض ، وبعبارة أخرى أنه ملزم بالعلاج لأسباب قانونية وإنسانية ؟ هذه الناحية تحتاج إلى بعض التفصيل . 27- أسباب شخصية تعفي الطبيب من الالتزام بمعالجة المريض : الحالة الأولى التي ترد في هذا المجال ( شخصية ) وتتعلق بشخص الطبيب المعالج ، ومنها إذا رفض طبيب علاج مريض ولم يكن هو الطبيب الوحيد في المنطقة أو لم تكن هناك حالة ضرورة قائمة ، وذلك لأسباب شخصية أو تتعلق بالمهنة ، ولكن قد يساءل الطبيب جزائيا ومدنيا إذا كانت هناك حالة ضرورة أو كان هو الطبيب الوحيد في المنطقة ، وقد تكون الأسباب الشخصية هي مرض الطبيب المعالج ، مما يمنعه من مزاولة مهنته ، ومن ثم ترى المحكمة استجلاء هذه النقطة بالخبرة لتقدير مقدرة الطبيب المعالج على القيام بواجبه ، وليس من المفروض أن يكون المرض خطيرا ، فطبيب التوليد أو الجراح المصاب بدمل في إصبعه لا ينبغي له أن يقوم بعملية توليد أو إجراء جراحة في جسم إنسان . ومن الأسباب الشخصية أن يكون الطبيب مضطرا للبقاء إلى جانب مريض حالته الصحية خطيرة ، مما لا يمكنه من تلبية طلب مريض آخر ، ومن ثم فإن تقدير جدية السبب في هذه الحالة يتم بالخبرة . 28- أسباب موضوعية تعفي الطبيب من الالتزام بمعالجة المريض: والحالة الثانية ( موضوعية ) وتتعلق بعدم اختصاص الطبيب ، أو عدم قدرته على معالجة المريض لأن حالة المريض لا تدخل في اختصاصه ، أو أنه طبيب مختص وحالة المريض تحتاج إلى طبيب في اختصاص آخر ، أو طبيب عام ، أو إذا كان الطبيب عاما لا اختصاص له ويرى أن الحالة فوق مستواه العلمي وخبرته ، وفي كل الحالات إذا لم تكن هناك حالة ضرورية ، أو لم يكن هو الطبيب الوحيد في المنطقة ، فلا مسؤولية عليه ، ويمكن إجراء الخبرة لتقدير مدى خطورة حالة المريض ومقدرة الطبيب المشكو منه من مباشرة الحالة ، وكذلك هل كان لوجود الطبيب ضرورة لإنقاذ حياة المريض أو كان المريض سيتوفى حتما من إصابته ، وأن حضور الطبيب لم يكن ليجدي المريض نفعا ؟ وهناك الكثير من النقاط القانونية لا محل لمناقشتها هنا ، وقد كثر الجدل القانوني فيها ، مثل مدى ارتباط الطبيب بعلاج المريض ، أو هل كان الرفض تعسفا ، وعن النية الجرمية ، ومدى الحرية الشخصية للطبيب في إنقاذ مرضاه ... 29- إعفاء الطبيب من مسئولية عدم العلاج : ونود أن نذكر أن لحالة الضرورة في معالجة المريض شروطا يجب توافرها لإعفاء الطبيب من المسئولية في حوادث الامتناع عن العلاج ، والخبرة الطبية هي التي تقرر مدى توافر هذه الشروط من الناحية الطبية ، وهي التي تقرر مدى الخطر المحدق بالمريض جسميا ، كما يجب أن يكون هذا الخطر حالا وليس بعيدا ، وأنه لا توجد وسيلة أخرى لدرء هذا الخطر . 30- العلاقة بين المحامي والطبيب : وفي ختام هذا البحث لا بد من القول : أن القضايا التي تقدم في مواجهة الأطباء بسبب مسؤولياتهم الجزائية أو المدنية غالبا ما تقدم من قبل محام ، وهذا يعني أنه قد يكون للمحامي دوره في إقامة الدعوى أو عدم إقامتها ، أو في إقامتها أمام القضاء الجزائي أو المدني ، وفي تصوير الوقائع على حقيقتها ، وفي التكييف القانوني ، وما إلى ذلك من أمور قد تعترض المحامي في كل قضية ومنها هذه القضايا . وإذا كانت بعض القضايا المدنية لا تحمل في طياتها معنى الإساءة للمدعى عليه لأنها تعتمد على خبرة فنية أو تفسير قانوني ، فإن الدعوى على الطبيب ولو كانت مدنية قد تحمل معنى الإساءة إليه ،وهذا يطرح تساؤلا حول ما إذا كان من الممكن حل الخلافات الناشئة بين الأطباء والمرضى حبيا عن طريق المحامين ، خاصة إذا كانت هذه الخلافات ذات طابع مدني وليس ثمة مسئولية جزائية. المصدر : دراسات قانونية المحامي / نزار عرابي منتدى القانون العماني للتشخيص أثره البالغ في نتائج العلاج أو العمل الجراحي ، وذلك إن أي خطأ فيه لا بد أن ينعكس على العلاج أو العمل الجراحي . وللوصول إلى التشخيص السليم الأقرب إلى الحقيقة لا بد من الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة كالتحليل والتصوير . 1- كيف يبدأ العلاج أو العمل الجراحي : في بحث سابق تحدثنا عن رضا المريض بالعلاج أو العمل الجراحي ، وأثره في مسئولية الطبيب بشكل عام ، وإذا اقترن ذلك بنتيجة سلبية ( موتا أو إيذاء ) بشكل خاص . ونعود الآن إلى البحث من حيث وقفنا سابقا ، وذلك أن العلاج أو العمل الجراحي يبدأ أول ما يبدأ بالتشخيص . إذ لا بد للطبيب قبل أن يباشر علاج المريض أو يجري عملا جراحيا له أن يشخص المرض الذي أصيب به هذا المريض . وللتشخيص أثره البالغ في نتائج العلاج أو العمل الجراحي ، وذلك أن أي خطأ فيه لا بد أن ينعكس على العلاج ، وقد يؤدي هذا الخطأ في التشخيص إلى خطأ في العلاج ، وإلى إزهاق روح المريض ، أو إصابته بعلة يطول أمدها أو يقصر ، والطبيب مسئول عن ذلك مدنيا وجزائيا حسب الحال . 2- هل يكفي خطأ التشخيص في مسئولية الطبيب ؟ وليس هذا فحسب ، بل إن إثبات أن الطبيب أخطأ في تشخيص المرض قد يغني عن البحث عن أخطائه في العلاج ، اللهم إلا إذا كان العلاج هو الوحيد في الحالتين ، حالة التشخيص الخاطئة ، وحالة المرض الفعلي الذي يعانيه المريض . 3- مسئولية الطبيب في التشخيص : لذا كان على القضاء أن يبحث بادئ ذي بدء ، وفي كل مرة يمثل فيها أمامه طبيب لخطأ ارتكبه ، ما إذا كان الطبيب مصيبا أو مخطئا في تشخيصه ، فلو بتر طبيب يد مريض بداعي أن حالته الصحية كانت تستوجب هذا البتر ثم تبين أن هذا التشخيص خاطئ ، وأن حالة المريض ما كانت تستدعي إجراء عملية البتر ، كان الطبيب مسئولا عن عملية البتر دون البحث فيما إذا كانت عملية البتر صحيحة أو لا . لذا يتوجب على الطبيب أن يعنى بالتشخيص . وللوصول إلى التشخيص السليم الأقرب إلى الحقيقة ، على الطبيب الاستعانة بالوسائل العلمية ، وأهمها التحاليل والتصوير بالأشعة ، وغير ذلك من وسائل تساعد على التشخيص ، وإن تقصير الطبيب في الاستعانة بهذه الوسائل هو إهمال من الطبيب يسأل عنه إذا كان التشخيص الذي وصل إليه بعيدا أو مخالفا لواقع الأمر . ولكن الأمر يختلف إذا كان هناك قصور في الإمكانات المتاحة للطبيب ، مثل عدم وجود مخابر مستعدة للقيام بالتحاليل المطلوبة أو الصور اللازمة ، أو أن إمكانات التصوير بالأشعة قاصرة عن إعطاء المطلوب ، مثل تصوير الأوعية الدموية بالصبغة وغير ذلك من إمكانات ، وعلى المحكمة حين تقدير المسؤولية في مثل هذه الأحوال تقرير أهمية أو عدم جدوى مثل هذه التحاليل الطبية ، أو التصوير بالأشعة بأجهزة معينة بغية التوصيل إلى التشخيص الحقيقي للمرض ، كما أن من الأهمية بمكان البحث فيما إذا كان الطبيب قد طلب الاستعانة بهذه الوسائل ولم تسعفه الإمكانات المتاحة ، وهل كان في إمكانه التوصل إلى تشخيص سليم من دون اللجوء إليها ، وما جدوى تلك الفحوص ؟ 4- الاستعانة بأطباء آخرين اختصاصيين أو غير اختصاصيين : كما أنه يجب على الطبيب المعالج إجراء الاستشارة الطبية إذا تطلبت ظروف المعالجة ذلك ، وعليه أن يقبل إجراء الاستشارة إذا طلب المريض أو أهله إجراءها ، وفي كلتا الحالتين فإن للطبيب المعالج أن يقترح استشارة الطبيب الذي يراه أهلا لذلك ، مع الأخذ بعين الاعتبار رغبات المريض ، والقبول مبدئيا بالالتقاء بكل طبيب مسجل في سجل النقابة إذا لم تكن لديه أسباب هامة تبرر عدم القبول . أما إذا رأى الطبيب المداوي أنه لا ضرورة لإجراء الاستشارة ، فيمكنه الانسحاب من المعالجة دون أن يكون لأحد حق تفسير لذلك منه ، وفي بعض البلاد ، مثل مصر ، حيث يوجد نظام الطبيب المستشار ، يضع الأطباء المستشارون تقريرا كتابيا بنتيجة الفحص يوقع عليه منهم ومن الطبيب المعالج إذا كانت تلك النتيجة لا تتفق مع العلاج الذي قام به الطبيب المعالج ، وإذا رفض الطبيب المعالج القيام بعلاج المريض وفقا لما قرره الأطباء المستشارون ينسحب الطبيب المعالج ، وفي هذه الحالة يجوز لأحد الأطباء المستشارين القيام بمباشرة العلاج . 5- اختلاف وجهات النظر بين الأطباء : إذا ما اختلفت وجهات النظر في أثناء الاستشارة في أمر لم يمكن التغلب عليه ، يحق للطبيب المعالج أن يرفض تطبيق أسلوب المستشار في المعالجة ، وإذا كانت الاستشارة مقبولة من قبل المريض فللطبيب المعالج الحق بالتخلي عن رعاية المريض طيلة مدة علاجه ، أما إذا استمر الطبيب المعالج في العلاج فلا يحق للطبيب المستشار زيارة المريض خلال الفترة المرضية التي تمت بشأنها الاستشارة إلا بعلم الطبيب المعالج وموافقته . وبالخبرة يمكن الوصول إلى معرفة ما إذا كان التشخيص حقيقيا أو أقرب إلى الحقيقة للحالة المرضية ، وهذا يرفع عن كاهل الطبيب المعالج المسؤولية كلها أو بعضها . 6- تشخيص الحالات المستعصية : وهناك حالات طبية يستعصى فيها الوصول إلى تشخيص يطمئن إليه الطبيب المعالج ، فيقوم بإجراء عملية استكشاف ، وتكون أكثر ما تكون في فتح البطن أو شق الرأس أو محاولة الوصول إلى سحايا المخ لإزالة الشك باليقين في حالات إصابات الرأس . وقد يجد الطبيب المعالج نفسه في وضع شائك ، إذا نتج عن هذه العمليات الجراحية مضاعفات ، أو إذا تراءى للمريض أو ذويه إنه كان من غير المستعصي الوصول إلى تشخيص باستعمال وسائل طبية أخرى دون تعريض المريض لأخطار تداخل جراحي ، ولم يكن المريض أو ذووه قد وافقوا على قيام الطبيب بالعمل الجراحي المذكور على نحو ما أوضحناه في بحثنا السابق . وعلى الرغم من أن هذه المسائل هي عادة محل تقدير شخصي من الطبيب المعالج ، الذي يحاول في الكثير من الأحيان الاستعانة برأي زملائه ذوي التخصص والخبرة ، فإن الخبرة هي التي تقرر ما إذا كان قد أخطأ في ذلك أم لا ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطبيب المعالج هو صاحب القرار في الأحوال المستعجلة التي لا سبيل معها للانتظار والاستئناس برأي الآخرين ، أو إجراء المزيد من الفحوص . 7- أمثلة على المسؤولية وعدم المسؤولية : غبر أنه لا يمكن اعتبار عدم اللجوء إلى استعمال طريقة جديدة للإشراف والتحقق من التشخيص – التي لم تزل موطنا للخلاف حول صحة نتائجها – خطأ من الطبيب يوجب التعويض ، كما لا يكون الغلط في التشخيص ملزما بالتعويض إلا إذا كان هو السبب في تفاقم المرض وسوء حالة المريض ، أو سبب للمريض ضررا مهما كان هذا الضرر . 8- وضع خاص للطبيب المتخصص : وفي فرنسا ، ذهب القضاء إلى وجوب التشديد بالنسبة إلى الطبيب المختص في أمر يتعلق بميدان اختصاصه أكثر من غيره من الأطباء عندما تكون المعالجة ضمن حدود أبحاثه وتقصياته ، ولا يكون هذا التشدد إلا عندما تكون الحالة متعلقة بهذه الأبحاث والتقصيات ، وعلى عكس ذلك ، فإن هذه المحاكم قد قضت بعدم اعتبار هذا الطبيب مسئولا ، بدعوى أنه لم يستطع – دون أي إهمال منه – كشف مرض خارج عن النطاق الذي حدد فيه تشخيصه ، ولكنها لم تعتبر أبدا عدم اختصاص الطبيب سببا لإعفائه من المسؤولية ، فيجب على الأطباء – في هذا المضمار – أن يستعملوا كل الوسائل التي يكون في مقدورهم استعمالها للتحقق من صحة تشخيصهم للمرض ، وعندما يقام الدليل على خطأ الطبيب ويجري الإثبات بأن هذا الخطأ قد كان السبب في إيقاع الضرر بالمريض ، فإنه يتوجب على الطبيب حينئذ أداء تعويض كامل ، وأما إذا أتى من جانب المريض خطأ شارك في إيقاع الضرر بها فإنه يكون في هذه الحالة مجالا لتوزيع المسؤولية . على أنه لا بد لنا من القول بأنه كانت المعالجة أو العمل الجراحي يبدآن بالتشخيص فإن وضع الطبيب في مرحلة التشخيص ومسؤوليته لابد فيها من ملاحظة بعض الأمور ، ومنها : 9- أثر المعيار الشخصي والظروف المختلفة في تحديد المسؤولية : وفي نطاق البحث في مسؤولية الطبيب في التشخيص أو في العلاج ، لابد من البحث في عدد من النقاط : - أن الأطباء ليسوا جميعا على مستوى واحد من الفهم والدراية والعلم ، وحتى إذا استوى فهم الطبيب مع سواه فإن اختصاصه في ناحية معينة يجعله في درجة أعلى من المسؤولية ، كما أن مسؤوليته تزداد إذا مارس ما هو خارج عن اختصاصه ، إلا في حالات الإسعافات الضرورية التي تعرض المريض للخطر ، شريطة عدم وجود الاختصاصي في المنطقة . - أثر مراعاة الطبيب أو إهماله للوسائل العلمية الحديثة . - المكان والزمان اللذان يمارس الطبيب عمله فيهما ، وأثر ذلك في تحديد المسؤولية . 10- المعيار الشخصي : فمن الناحية الأولى ، ناحية فهم الطبيب وعلمه ودرايته واختصاصه ، يرى البعض أنه عند تقدير مسؤولية الطبيب يراعى أن الأطباء يقسمون إلى ثلاث فئات : الأولى هي فئة الطبيب العام ، والثانية الطبيب الاختصاصي ، وهو الطبيب الحاصل على المؤهل الخاص والفحص اللازم لممارسة الطب في اختصاص معين في نوعية المرض الذي يقوم بعلاجه ، ويوجد في بعض البلاد الطبيب المستشار ، وهو الطبيب الحاصل على درجة الدكتوراه ، ويشغل عادة منصبا علميا ( أستاذ جامعي ) ، وهذا التقسيم المشار إليه يتمشى مع ما ذهب إليه بعض الفقهاء من وجوب الأخذ بالتقدير الشخصي الواقعي ، وأن أحدا لا يلتزم بأن يبذل من العناية أكثر مما تتحمله طبيعته وثقافته وخبرته الشخصية ، ويؤخذ بالتقدير الشخصي أو الواقعي للطبيب ودرجة تجربته في تقدير العقاب ، ومن ثم يجب أن يلاحظ عند تمثيل الرجل الحريص الذي يقارن بتصرفه تصرف المتهم أن يوضع هذا الرجل في وسط المتهم ومهنته ومركزه . ويرى البعض أنه على الطبيب الاختصاصي عند مباشرته لحالة مريض ألا يخرج عن دائرة تخصصه ، إلا في حالات الضرورة القصوى من إسعافات سريعة ، لأن في خروج مثل هؤلاء الأطباء عن اختصاصهم ودخولهم في اختصاص آخر هو مثل جراح العيون الذي يقوم بإجراء عملية جراحية دقيقة في البطن ، وتعوزه الدراية والخبرة الكافية ، ففي هذا مؤاخذة على الطبيب المعالج ، لأنه تصدى لحالة خارج مستواه ودرجته العلمية الدقيقة ومرانه وخبرته . وهذا الكلام إذا كان يبقى مقبولا ومعقولا في الحالات العادية فإن غير وارد في حالات الخطر المحدق بالمريض ، حيث لا مجال للتفريق بين التشخيص والعلاج أو الفصل بينهما ، وحيث يبدأ الطبيب علاجه أو عمله الجراحي بعد التشخيص مباشرة . 11- الظروف والأدوات : ومما يؤخذ به بعين الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية التي فيها الطبيب لممارسة عمله ، وكأن يكون المكان مستشفى مزودا بأحدث الآلات والأدوية ، أو في مكان منعزل لا تتوافر فيه الإمكانات ، بل قد لا يتوافر فيه الماء والكهرباء ، وذلك أن الأدوات العلمية في الطب ، فضلا عن اعتبارها ظروفا تضاف إلى المعيار المجرد ، إلا أنها كذلك تجعل أي خطأ يسير من جانب الطبيب محاسبا عليه ، إذ يفترض أن الاستعانة بها في العلاج تجعله أكثر دقة وانضباطا . 12- حالة المريض الصحية : ولحالة المريض هنا أهمية بالغة ، فقد يكون في وضع صحي لا يساعد على نقله من مكانه ، أو أن عامل الوقت يشكل خطرا على حياته إذا لم يجر إسعافه فورا وفي مكانه . 13- بين كفاءة الطبيب وقدرته على المبادرة : ومهما يكن من أمر ، فإن كفاءة الأطباء متفاوتة ، ولكل طبيب حجة أنه يقوم بجهوده بما يتفق وأصول العلم الثابتة ، ولكن هنا علينا أن ندرك بأن خروج الطبيب عن هذه الأصول الثابتة في بعض الأحيان لن يضر الطبيب إذا رأى نفسه مضطرا – تحت ظروف معينة – للقيام بعمل خرج عن القاعدة لغرض إنقاذ حياة مريضه ، ما دامت الضرورة تملي عليه ذلك ، والطبيب في كل الأحوال ملزم بألا يتخلى عن واجبه الإنساني ، وألا يمتنع عن علاج المريض في الوقت الذي يدرك فيه أنه بإمكانه تقديم المساعدة الممكنة له ، وتمشيا مع المبادئ الإنسانية المعروفة ، وهذا ويعتبر التخلي عن المريض تحت هذه الظروف خطأ سلبيا من جانب الطبيب قد يسأل عليه أمام القانون . 14- الموازنة بين الأخطار : وعلى الطبيب الموازنة بين أخطار العلاج وأخطار المرض ، واستبعاد الوسائل العلاجية التي تشكل خطرا على حياة المريض كلما أمكن ذلك ، إلا إذا اقتضت الحاجة المجازفة باستعمال علاج معين أو إجراء جراحة مستعجلة كان القصد من ورائها إنقاذ حياة المريض ، ما دامت تقرها المبادئ الطبية الثابتة . 15- تقدير وقوع الخطأ ، ومعرفة فنية : وفي كل الأحوال ، فأن مما لا شك فيه أن تقدير ما إذا كان الطبيب قد أخطأ في التشخيص أو لا هو مسألة تستلزم معرفة فنية ، فلا يملك القاضي أن يفصل فيها من تلقاء نفسه ، ولا بد من الاستعانة بالخبرة في هذا المجال وفي كل الأحوال ، خلافا لما ذهب إليه البعض من أنه يمكن للقضاء الأخذ بالغلط في التشخيص دون اللجوء إلى الخبرة ، وإذا كان الغلط في التشخيص فاضحا بشكل ظاهر وواضح . 16- صعوبة التشخيص في بعض الأحوال ولبعض الأشخاص : ثم أن هناك أمراضا نادرة الحدوث ، مما يصعب التوصل إلى تشخيصها ، وقد تكون هذه الأمراض شائعة الحدوث في بلد دون الآخر ، ومثل هذه الأمراض قد يمكن تشخيصها من مستشار طبي دون الاختصاصي أو الممارس العام ، ويحتاج مثل هذا التشخيص إلى درجة عالية من الاطلاع والخبرة ، ثم الكثير من التحاليل الطبية ، وقد تتشابه مع أمراض أخرى شائعة ، مما يدفع الطبيب المعالج إلى التشخيص الخاطئ ، ومن ثم علاج خاطئ قد تسوء معه حالة المريض ، إضافة إلى تطور الحالة المرضية ذاتها ومضاعفاتها ، مثل أمراض بعض الغدد الصماء ، كما أن الأمراض والمظاهر الطبية لمرض معين قد تظهر بطريقة من غير المتوقع حدوثها ، مما ينتج عنها تشخيص خاطئ وعلاج غير مثمر . 17- أمراض أخرى غير ظاهرة الأعراض : وهناك حالات أخرى قد يفوت على الطبيب المباشر الحالة اكتشافها ، مثل طبيب التخدير الذي عليه تقدير مدى لياقة مريض لتخدير عام ، وفاته اكتشاف مرض حاد بالجهاز التنفسي – وخاصة الأطفال – في أطواره الأولى ، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة ، وتظهر هذه الأمراض بطريقة بينة في أثناء تشريح الجثة ، ويقدر خطأ الطبيب المباشر للحالة بمدى حرصه ودرجته العلمية ، وتقدير ما إذا كانت أعراض مثل هذا المرض واضحة أو غير واضحة بطريقة يسهل تشخيصها أو يتعذر ، أو خفية يصعب اكتشافها . 18- قبل البحث في خطأ العلاج لابد من البحث في خطأ التشخيص : ونخلص من هذا إلى القول : أنه حين يلاحق طبيب مدنيا أو جزائيا لعلة التقصير أو الإيذاء أو التسبب في الموت ، لابد قبل البحث فيما إذا كان قد أخطأ في العلاج ، من البحث فيما إذا كان قد أخطأ في التشخيص ، لما لذلك من أثر في تقرير المسؤولية . 19- هل تنفصل مسؤولية التشخيص عن مسؤولية العلاج : صحيح أن الطبيب حين يفحص المريض لا يفحصه غالبا من أجل تشخيص المرض ثم يذهب كل واحد في سبيله ، بل إن الطبيب غالبا ما يباشر العلاج بعد تشخيص المرض وفي الأحوال العادية غير المستعجلة ، بل ويباشر العمل الجراحي حتى من دون موافقة المريض ، إذا كانت ظروف المريض لا تسمح بالانتظار ، ولا تمكن من أخذ الموفقة . ومعنى هذا أن التشخيص يترافق مع العلاج من الناحية العلمية . بل أكثر من هذا ، إن خطأ الطبيب في التشخيص لا يمكن أن تترتب عليه أية مسؤولية ، لأن مجرد التشخيص لا يمكن أن يترتب عليه ضرر إن لم يقترن بالعلاج أو العمل الجراحي . لذا يمكن أن نخلص إلى القول : إن الخطأ في التشخيص ، وإن كان لا ينفصل عن الخطأ في العلاج أو العمل الجراحي ، إلا أنه يبقي موجبا للمسؤولية إذا ترتب عنه ضرر للمريض . آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 14-04-2011 في 09:21 AM.
|
|||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
تشخيص , جراحي , جزائي , طبي , طبيب , مدني , مسؤولية , مسئولية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المسؤولية القانونية للطبيب في القانون السوري | lawyer ali omran | رسائل المحامين المتمرنين | 5 | 26-01-2014 11:49 AM |
مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة | سامر تركاوي | مقالات قانونية منوعة | 0 | 27-02-2011 08:17 PM |
الممارسات الطبية بين خطأ الطبيب ومضاعفات المرض | د. عبد الله محمد منجود | أبحاث في القانون المدني | 0 | 31-10-2006 11:14 AM |
البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف | المحامي محمد فواز درويش | الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية | 0 | 30-05-2006 06:56 PM |
![]() |