وقف الخصومة
بقلم المحامي الأستاذ زياد حمادي
--------------------------------------------------------------------------------
يجب إخضاع قرار وقف الخصومة إلى حكم الفقرة الثانية من المادة 236 أصول مدنية التي تنص على أنه إذا استؤنف حكم لا يتضمن الفصل في موضوع الدعوى وجب على محكمة الاستئناف إذا فسخته أن تحكم في الموضوع .
النصوص القانونية الناظمة لهذه المسألة :
نصت المادة 164 أصول مدنية على ما يلي:
1 - في غير الأحوال التي نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوباً أو جوازاً يكون للمحكمة أن تقرر وقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم .
2 - بمجرد زوال سبب الوقف تستأنف الدعوى بقوة القانون سيرها من النقطة التي وقفت عندها .
كما نصت المادة 220 أصول مدنية على ما يلي :
1 - لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى إلا مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة كلها .
2 - يجوز الطعن في الحكم الصادر بوقف الدعوى وفي الأحكام الوقتية قبل الحكم في الموضوع .
3 - لا يستوجب الطعن في الأحكام المؤقتة تأخير الفصل في الدعوى الأصلية .
وقد نصت المادة 236 أصول مدنية على ما يلي :
1 - ينشر الاستئناف الدعوى أمام محكمة الاستئناف بالنسبة للمسائل المستأنفة .
2 - إذا استؤنف حكم لا يتضمن الفصل في موضوع الدعوى وجب على محكمة الاستئناف إذا فسخته أن تحكم في الموضوع .
توطئة عن الاجتهادات الصادرة بهذا الخصوص :
إن الهيئة العامة لمحكمة النقض بقرارها ذي الرقم 16 أساس 54 تاريخ 26/6/1972 الذي كانت قد خلصت فيه إلى أن محكمة الاستئناف إذا فسخت قرار وقف الخصومة لا يحق لها الحكم بموضوع الدعوى ، ولا ترفع يد محكمة البداية عن النظر في موضوعها .
وقد كان الاجتهاد القضائي سائرا بهذا الاتجاه منذ ما قبل عام 1955 وفق قوله التالي : « يجوز الطعن بقرار وقف الخصومة على حدة وتنظر محكمة الاستئناف في وقف الخصومة دون التعرض للموضوع ، وتعيد الإضبارة إلى محكمة البداية .
(نقض سوري رقم 92 تاريخ 7/3/1955 مجلة القانون ص 245) .
وبسبب تغير الظروف والأحوال ، ووقوع الضرر على المدعي جراء قيام المدعى عليهم بافتعال الأسباب التي تؤدي إلى الحصول على قرار وقف الخصومة فقد اجتهدت محكمة النقض بقرارها ذي الرقم 300/227 تاريخ 18/6/1964 القاضي بضرورة تطبيق الفقرة الثانية من المادة 236 أصول مدنية التي نصت على جواز تصدي محكمة الاستئناف للحكم في موضوع الحق في حال فسخت قرار وقف الخصومة .
إلا أن محكمة النقض بهيئتها العامة بقرارها رقم 16 لعام 1972 الآنف الذكر رفضت هذا الرأي وأبقت على الاجتهاد القديم الذي يعود إلى ما قبل عام 1955 والذي أكدت فيه على عدم جواز الحكم في موضوع الحق من قبل محكمة الاستئناف في معرض نظرها في الطعن المنصب على قرار وقف الخصومة .
وقد أشارت قرارات محكمة النقض اللاحقة إلى الحكمة من منع محكمة الاستئناف من التصدي لموضوع الحق عند نظرها في استئناف قرار وقف الخصومة بقولها : كي لا يحرم الخصوم من حق التقاضي على درجتين من درجات التقاضي الذي منحه المشرع للمتقاضين وهو أمر من النظام العام لا يجوز تجاهله ...
(نقض سوري رقم 965/918
تاريخ 28/10/1971)
في قصور اجتهاد الهيئة العامة :
إن إشكالية اجتهاد الهيئة العامة تكمن في مسألة الإطلاق والتعميم التي تناولت جميع القرارات ، التي تقضي بوقف الخصومة ، سواء أكانت محقة أو غير محقة، وجعلت لها جميعاً حكماً قانونياً واحداً ، وهو منع محكمة الاستئناف من الفصل في موضوعها ، وإعادتها إلى محكمة البداية لمتابعة السير فيها من النقطة التي وصلت إليها ، في حين أن تحقيق العدالة على أرض الواقع يقتضي أن تكون المسألة نسبية بحيث يمتنع على محكمة الاستئناف التصدي لموضوع الحق إذا لحظت أن قرار وقف الخصومة سليم من الناحية القانونية ، ومن ثم إعادة ملف الدعوى إلى محكمة البداية لتتابع السير فيها عقب زوال سبب الوقف ، وعندما لا يزول سبب الوقف أو يتأخر تبقى القضية في ديوان المحكمة بانتظار زواله .
أما إذا كان قرار وقف الخصومة غير صحيح ، كأن تكون الدعوى المدنية التي رفعها المدعى عليه في وقت لاحق ليبس لها تأثير على الدعوى المطلوب وقفها ، أو تبين أن دعوى التزوير المرفوعة كيدية وغايتها معروفة ، ومكشوفة للمحكمة من خلال فحواها ووقائعها ، فعلى محكمة الاستئناف في هذه الحالة ، أن تفوت فرصة الإطالة والمماطلة على الخصم المستفيد ، ومن ثم الحسم في موضوع الحق المتنازع عليه برمته . أما عندما تمتنع محكمة الاستئناف عن ذلك ، فإنها تكون قد ساعدت الظالم على ظلمه ، وعلى تحقيق وتنفيذ نواياه السيئة .
وكما يعلم الزملاء المحامون ، والسادة القضاة أيضاً ، أنه غالباً ما تلجأ الجهة المدعى عليها - عندما تلحظ أن خسارتها محققة - إلى افتعال الدعاوى اللاحقة بغية شل حركة الدعوى الأساسية ، وتعطيلها، وتكون الطامة الكبرى عندما تستجيب المحكمة لرغباتهم تواطؤاً ، أو خطأ ، أو كسلاً . ولماذا لا يتم وقف الخصومة طالما لا عقوبة على من ساهم أو طلب أو أصدر هذا القرار الخاطئ ؟؟!!
لقد أصبحنا بحاجة ماسة إلى إنصاف جهة الادعاء وحمايتها من مسألة تقطيع أوصال القضية الواحدة إلى أجزاء متعددة يتم الفصل بكل جزء على حدة ، ويبقى الجزء الأساسي منتظراً دوره في الحسم إلى حين البت بباقي الأجزاء ، ويتجلى الخطأ الأعظم عندما يظهر لمحكمة الاستئناف أن قرار وقف السير في الدعوى حصل بعد أن ختم الأطراف كافة دفوعهم الشكلية والموضوعية عبر رحلة زمنية من المرافعة فيها لا تقل عن ثلاث سنوات والدعوى كانت جاهزة للحكم موضوعاً . وأن قرار وقف الخصومة لم يكن إلا بهدف تعويق الفصل في أصل الحق ليس إلا .
فما هي الحلول والتصويبات في هذا الصدد ؟
أولاً - لا بد من إعادة قراءة النصوص القانونية الآنفة الذكر 146 ، 220 ، 236 أصول مدنية ، التي تستند إليها محكمة النقض في تبرير منع محكمة الاستئناف من الحكم في موضوع الحق عندما تفسخ قرار وقف الخصومة ونحن نرى أن قراءتها غير سديدة. وها نحن ندلي بقراءة أخرى :
إن الفقرة /2/ من المادة 164 أصول مدنية بينت الوقت الذي تستأنف فيه الدعوى سيرها ، فأشارت إلى أن الدعوى تستأنف سيرها من النقطة التي وصلت إليها « بمجرد زوال سبب الوقف » ، بينما جاء نص المادة 220 أصول مدنية محدداً القواعد العامة للطعن في الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع ، وعلى الرغم من أن النصين الآنفي الذكر قد جاء كل منهما من أجل معالجة مسألة مختلفة عن الأخرى ، فنص المادة 164 هو نص خاص في مسألة وقف السير بالدعوى ، بينما نص المادة 220 هو نص عام في الطعون ، وإن تفسير النصوص القانونية تقتضي التركيز على النص الخاص في فهم حكمة المشرع أكثر من التعويل على النص العام ، عملاً بالقاعدة القائلة : الخاص يعقل العام . الأمر الذي يدعونا إلى العودة للوقوف مجدداً عند نص المادة 164 أصول وبيان أحكامه .
إن المادة 164 الآنفة الذكر تعني بشكل أو بآخر أن الدعوى لا تستأنف سيرها من النقطة التي وصلت إليها ، إلا بحال «زوال سبب الوقف» ، وإن فسخ محكمة الاستئناف قرار وقف الخصومة لا يعتبر حالة من حالات زوال سبب الوقف ، إنما هو تعبير عن أن سبب الوقف غير موجود ، أو غير قائم ، كما أن عبارة زوال سبب الوقف الوارد ذكرها بالمادة 164 تعني أن السبب كان موجوداً ثم زال ، لأن كلمة - زوال - يجب إعمال أثرها القانوني ، وبهذا المعنى فإن عبارة زوال سبب الوقف يختلف اختلافاً جوهرياً عن معنى عدم وجود سبب للوقف ، الذي يقوم عليه الحكم الاستئنافي ، وهذا المعنى يستتبع عدم جواز إعادة الإضبارة إلى محكمة البداية عند فسخ قرار وقف الخصومة لكي تتابع السير بها ، إنما تبقي محكمة الاستئناف ملف الدعوى لديها للبحث في الموضوع ، ما دامت محكمة البداية غير ملزمة في السير بها إلا عند زوال سبب الوقف . وإن فسخ قرار وقف الخصومة لا يعني زوال سبب الوقف . إنما يعني أن سبب الوقف غير صحيح . كما أن إعادة الملف إلى محكمة البداية تغدو سليمة إلا أنها مقصورة على الحالة التي تقرر فيها محكمة الاستئناف تصديق قرار محكمة البداية .
فكرة التقاضي على درجتين :
عندما تتصدى محكمة الاستئناف للحكم في الموضوع بعد فسخها لقرار وقف الخصومة ، بعد أن يكون الأطراف قد تقدموا بكافة دفوعهم الشكلية والموضوعية ، في مثل هذه الحالة أو ما يماثلها ، لا يؤدي بحث محكمة الاستئناف في الموضوع إلى إضاعة درجة من درجات التقاضي ، وليس فيه حرمان لأحد أطراف الدعوى درجة من درجات التقاضي على مرحلتين ، باعتبار أن الغاية من التقاضي على درجتين لا يعود إلى سبب المحافظة على حق الخصوم في سماع قول قاضي البداية المدنية في موضوع الحق ، إنما لكي تبدي الأطراف كافة دفوعها وطلباتها الموضوعية التي قد يمتنع عليها تقديمها أمام محكمة الاستئناف ، ولو كان الأمر عكس ذلك لكان حرياً بمحكمة الاستئناف أن تعيد الدعوى إلى قاضي البداية عندما يردها شكلاً سواء لعدم صحة الخصومة أو لعدم الاختصاص النوعي أو القيمي أو لسقوطها بالتقادم .. إلخ ... مما يدل على أن المشرع كان يعول على تقديم الدفوع أمام أول درجة ، وليس على صدور الحكم في الموضوع عن هذه الدرجة .
فكرة القرارات المنهية للخصومة:
إن قرار وقف الخصومة لم يكن قراراً منهياً للخصومة ، بحسب رأي الهيئة العامة لمحكمة النقض، وبالتالي فإن مثل هذا القول ليس له أية قيمة قانونية طالما أن الدعوى في الحقيقة والواقع كانت جاهزة للحكم فيها بقرار ينهي الخصومة . و لنفترض أن قاضي الدرجة الأولى انحرف أو تعسف أو أخطأ ، ألا تستطيع محكمة الاستئناف التدخل حتى في مسألة تقديره الخاطئ ، أو في تكييفه للدعوى لمعرفة ما إذا كانت جاهزة للحكم في موضوعها أم لا ، خاصة أن هذه المسألة هي مسألة قانونية بحتة تتحراها محكمة الاستئناف ، من دون طلب ، وخاصة أنها هي أيضاً محكمة موضوع ، فلا يجوز للقاضي الابتدائي الانفراد في هذا الجانب .
كما أن تقديم الأطراف لكافة دفوعهم دفعة واحدة هو أمر مفروض عليهم قانوناً بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 144 أصول مدنية ، وبفرض أن الأطراف لم تنتهي دفوعها الشكلية أو الموضوعية فلا شيء يمنع قاضي البداية على سبيل الاحتياط ، و تجنب الضرر المحتمل وقوعه على المدعى عليه استئنافاً ، من اللجوء إلى تكليف الأطراف بتقديم كافة دفوعهم قبل إصداره لقرار وقف الخصومة ، حتى إذا ما اتجهت محكمة الاستئناف إلى الحكم في الموضوع ، تكون الأطراف مستنفدة كافة دفوعها .
إذا كان الاجتهاد القضائي يتوخى الحرص على حقوق الأطراف في ممارسة حقهم في التقاضي على درجتين من درجات التقاضي فإن هناك حالات انتهك فيها الاجتهاد مبدأ التقاضي على درجتين انتهاكاً فاضحاً ، ومن دون مراعاة لهذه القاعدة ، وهي حالة إدخال شخص لأول مرة أمام محكمة الاستئناف لمجرد أن أحد الخصوم طلب إدخاله أمام أول درجة ثم سهت على البت فيه ، ولا شك أن إدخال هذا الشخص عنوة أمام محكمة الاستئناف لا يضيع عليه فرصة التقاضي على درجتين وحسب وإنما يحرمه أيضاً من تقديم الدفوع والمطالب أمام أول درجة كما يحرمه في الوقت نفسه من بيان رأي قاضي الدرجة الأولى يحقه . وإن إدخاله بهذه الحالة يكون قد حصل استجابة لرغبة أحد الخصوم فقط دون أي اعتبار آخر ، ودون أي مراعاة لمصلحة المدخل في حق التقاضي على درجتين .
بقلم المحامي الأستاذ زياد حمادي
من فرع حمص
من المواضيع المنشورة في مجلة المحامون