الديمقراطية النيابية
الديمقراطية النيابية نظام سياسي يصوّت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين، وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة، بل ينتخب نواباً يقررون عنه. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة، وشهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في أعداد نظم الحكم هذه، ولهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية نيابية.
ويرى "مونتسكيو" أنَّ أهميَّة التَّمثيل ليست ناتجة فقط من الصّعوبة الماديّة المتمثِّلة في جمع المواطنين (الديمقراطية المباشرة)، وإنـَّما أيضاً ترجع لِقلَّة الوعي الثقافي والمستوى التعليميّ لدى غالبيَّة أفراد الشَّعب، ومن ثمَّ يَصعب على الشَّعب معرفة المصلحة العامّة والمشتركة للجميع، كما يرى بأنَّ ميزة التَّمثيل تتجلّى في سهولة مناقشة المواضيع المطروحة والتي تهمُّ المواطنين، وإنَّ التخصُّص المهني وقِلَّة الوقت لديه بحيث يقضي معظم وقته في عمله وقضاء حاجياته الاجتماعيّة، ممّا يحول دون تخصيصه لوقت كافٍ للمسائل السّياسيّة، كما أنَّه يرى بأنَّ الشَّعب يُحسن دائماً اختيار مُمَثِّليه.
وخلافاً لذلك نجد "روسو" يُعارض الحكم التمثيليّ لأنَّ الإرادة الخاصَّة تهدف برأيه إلى التفضيل، بينما تهدف الإرادة العامّة إلى المساواة، وأكَّد ذلك بقوله: «الشَّعب الإنكليزي يظنُّ إنـَّه حرّ، إنـَّه كذلك أثناء انتخاب أعضاء البرلمان فقط، وبمجرَّد انتخابهم يتحوَّل إلى عبد، فهو لا شيء».
ومن مقتضى النظرية النيابية في وضع الدساتير أن تقوم الأمة صاحبة السيادة، ومصدر كل السلطات، بتفويض ممارسة سيادتها لممثّلين عنها، وهؤلاء يشكِّلون هيئةً يُطلق عليها اسم المجلس التأسيسي، أو الجمعية التأسيسية، أو المؤتمر الدستوري، يتولون باسمها، ونيابةً عنها وضع قواعد نظام الحكم في البلاد، بحيث يُعدّ الدستور الذي يصدر عن هذه الهيئة المنتخَبة الممثِّلة للأمة وكأنه صادرٌ عن الأمة بمجملها، وعلى ذلك يكتمل الدستور، ويصبح نافذاً بمجرد وضعه، وإقراره من قبل هذه الهيئة، ما دامت الأمة قد فوَّضتها بذلك، مما لا يتطلّب بعد ذلك عرض وثيقة الدستور على الشعب لاستفتائه فيها، أو أخذ موافقته عليها، إذ إنه بمجرد إقرار الهيئة المذكورة للوثيقة الدستورية في صيغتها النهائية تصبح هذه الوثيقة نافذةً، ودون أن يتوقف ذلك على إقرارٍ من أي جهةٍ كانت. وهكذا ينتمي أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة إلى نظام الديمقراطية النيابية، حيث يحكم الشعب بوساطة نوابه. ولكن هناك فارق بين الجمعية التأسيسية المنتخبة، وبين البرلمان رغم إنه منتخب أيضاً من الشعب، فالبرلمان لا يعمل كسلطة تشريعية تسن القوانين العادية إلا بناءً على الدستور الأعلى الذي أصدرته الجمعية التأسيسية، ومن ثم فإن هذه الجمعية التأسيسية أعلى من البرلمان لأنها تضع الدستور الذي يمثل أساس وجود البرلمان، ويحدد نطاق اختصاصه، تماماً مثل السلطتين التنفيذية والقضائية اللتين تستمدان كيانهما من الدستور أيضاً.