شخصيتان رمزيتان، المنفي واللاجئ، باتتان لا تفارقان نشرات الأخبار وتلوحان في وعينا وتفكيرنا كل يوم.
شهد القرن العشرين تدفق أعداد هائلة من اللاجئين.
ولا ننسى في سوريا تدفق آلاف اللاجئين اللبنانيين خلال أيام وقبلهم العراقيين وقبلهم الفلسطينيين، وما رافق ذلك كله من تداعيات قانونية واجتماعية واقتصادية وسياسية.
دأب الناس دائماً على الانتقال بعيداً عن مناطق الخطر. وهم اليوم، مهما كانت المخاطر، يملكون وسائل ذلك.
إن اللاجئين من الكوارث الطبيعية لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من مجموع اللاجئين والمرحلين في العالم الذين يبلغ عددهم أكثر من خمسين مليون لاجئ.
عندما يفكر معظم الناس في اللاجئين فإنهم عادة ما يفكرون بضحايا القمع السياسي، أو الاضطهاد الديني، أو بالمدنيين الهاربين من منطقة حرب أصبحوا فيها الأهداف رغم الادعاء باستخدام ما يسمى القنابل أو الصواريخ الذكية والتي يبدو أنها فقدت ذكاءها بيد الإجرام الصهيوني والأمريكي وتحولت إلى صواريخ غبية تقتل الأطفال والمدنيين العزل ولا تعثر على المقاتلين والمحاربين.
وطبعاً، لا يوجد شيء جديد حول القمع، ويظل سؤال ما إذا أصبحت الحرب أكثر بربرية في هذا العصر.
ويبدو أن الذين وضعوا القانون الإنساني الدولي حول اللاجئين، بعد الحرب العالمية الثانية، اعتقدوا أو توقعوا أن الحروب القادمة ستكون أكثر وحشية وبربرية وأن المدنيين سيكونون الأهداف المفضلة للمتحاربين، وأي شخص موجود في مناطق تلك الاضطرابات يمكن أن يعتبر من منظور معين، لاجئاً محتملاً. لذلك وضعت اتفاقيات ومعاهدات منذ منتصف القرن الماضي تعالج حقوق اللاجئين.
وربما لهذا السبب، لاحظ ساداكو أوغاتا، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ذات مرة أن "اللاجئين أعراض أمراض عصر" عصرنا. فتقريباً في كل أزمة بلينا بها أو أربكتنا منذ نهاية الحرب الباردة، كانت مسألة اللاجئين في القلب منها. لم يكن بالإمكان أبداً تجنبها، ويبدو أنها لن تحل.
ليس هذا لغياب القوانين، بل على الأصح لغياب التطبيق. وبالفعل لو التزمت الدول وخصوصاً الكبرى التزاماً سياسياً مع الحماية القانونية للاجئين الموجودة فعلاً، فلربما تقلصت كثيراً أكثر كوارث الجزء الأخير من القرن العشرين قسوة.
إن مجموعة كبيرة من المعاهدات التي ووفق عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد نصف قرن، والأعراف الدولية ومبادئ العدالة والعهود الدولية، تضمن حقوق اللاجئين. فاللاجئون يتمتعون بمدى واسع من الحقوق والحماية بما فيها حقهم بأنواع معينة من المساعدة القانونية والعون المادي.
وأكثر القوانين أهمية في مجال اللاجئين، اتفاقية جينيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 الملحق باتفاقيات جينيف، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951.
اشترطت اتفاقيات جينيف معياراً إنسانياً معيناً لمعاملة المدنيين الذين لا يتمتعون بوضع دبلوماسي.
وتضمنت اتفاقية جينيف الرابعة حق اللاجئين بعدم إجبارهم على العودة إلى البلد الذي يواجهون فيه خطراً أو إذا ادعوا بشكل مشروع أنهم سيكونون عرضة لاضطهاد ديني أو سياسي.
ووسع البروتوكول الأول معيار الحماية المدنية المقرر في اتفاقيات جينيف لسنة 1949 ليشمل جميع المدنيين بغض النظر عن جنسيتهم.
تُعرِّف اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين من هم اللاجئون وكيف تجب معاملتهم.
إن الضمانات التي تمنحها الاتفاقيات الدولية عموماً هي حقوق الإنسان الأساسية المفصلة في أدوات قانونية دولية أخرى.
فلا يجب إعادة اللاجئين إلى مكان يواجهون فيه اضطهاداً، ولا يجب إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي، طردهم دون إجراءات قانونية متبعة. ولا يجب أن يعاملوا كأجانب غير شرعيين (وهذا حق أساسي، بخاصة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية). وحقهم بالتحرك بحرية في بلد الملجاً لا يجب تقييده دون ضرورة، ويجب أن يعطوا أوراق هوية إن لم يكونوا يملكونها.
وفي عالم غارق باللاجئين، حيث يشعر أناس في البلدان الغنية بضغط المهاجرين الاقتصاديين، الشرعيين وغير الشرعيين، وحيث لا يملك أناس في بلدان فقيرة ويعيشون قرب مناطق النزاع المصادر أو الخبرة للتعامل مع تدفق اللاجئين (عبر مليونا راوندي الحدود إلى زائير في أقل من أسبوع في صيف 1994)، غدا الوضع في المناطق التي جاء إليها اللاجئون أصعب فأصعب.
لقد أصبحت الأعباء الملقاة على عاتق المنظمة الدولية الأساسية المكلفة بحماية اللاجئين، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مؤلمة.
وبشكل أعم أصبحت الفجوة بين القانون والوقائع على الأرض أعظم في مجال حقوق اللاجئ منها في أي مجال آخر تقريباً.
ربما كانت تلك الفجوة رمزاً للإخفاق، إلا إن عدداً من المدافعين عن اللاجئين يقولون أن ذاك الرمز يمنحنا الوسيلة التي تمكننا من تحويل مثاليات حماية اللاجئين إلى وقائع، فلو لم توجد مجموعة القوانين هذه، ولو لم تدخر معها فكرة الحماية، فلربما كان الوضع أقسى وأفظع أرهب مما هو عليه الآن.