التحكيم في عقود الـB.O.T
مقدمة:
إن إنشاء وتشغيل وإدارة المرافق العامة التي تقدم الخدمة للجمهور كان ولا يزال الشغل الشاغل للدولة القديمة والحديثة على حد سواء ، ولم تتخل الدولة يوماً عن مسؤولياتها تجاه هذه المشاريع التي تمس البنية الأساسية للدولة .
إلا أنه وفي ظل نظام العولمة وتحرير التجارة الدولية بين الدول فقد ازدادت الأعباء على الدولة مما أثقل كاهلها وأصبحت لا تستطيع تمويل كافة مشاريع البنية الأساسية وتشغيلها بصورة دائمة بما يوفر الخدمات المطلوبة منها على الوجه الأكمل وبما يواكب تطورات العولمة والانفتاح على السوق وخاصاً أن هناك العديد من الدول قد وجدت نفسها عاجزة مالياً عن متابعة قيامها بإدارة المرافق العامة الاقتصادية بسبب الخسائر الضخمة للقطاع العام ، وقد أثبتت التجربة عدم نجاح إدارة الدولة وأشخاص القانون العام للمرافق العامة الاقتصادية في معظم دول العالم المتقدمة والنامية فهي تعاني من انخفاض العائد من الاستثمارات التي تدار بواسطة القطاع العام إضافة إلى عدم قدرة هذا القطاع على الاستخدام الأمثل للموارد .
إزاء ذلك وجدت معظم الدول نفسها تتجه نحو مشاركة القطاع الخاص في تقديم وتنمية وتطوير الخدمات العامة الأساسية ذات الطابع الاقتصادي ولم يقتصر هذا الاتجاه على الدول الصناعية وحسب بل امتد ليشمل البلدان النامية على اختلاف درجات تقدمها وتطورها وملاءتها المالية ، لذلك فقد انصرفت الأفكار إلى ضرورة إيجاد آليات قانونية واقتصادية توفق ما بين متناقضين بحيث يتدخل القطاع الخاص في إنشاء وإعداد المرافق العامة وإدارتها ، وفي الوقت نفسه لا يتم التفريط في ملكية هذه المرافق وتنظيمها والتي تشكل رأس مال اجتماعي مهم وكذلك لا تفرط في الدور الاجتماعي الذي قامت لأجله هذه المرافق والمتجسد في تحقيق النفع العام ضمن ظروف الاستمرار والانتظام والمساواة بين المواطنين في اقتضاء الخدمات من هذه المرافق .
وقد ظهر نظام عقود الـB.O.T باعتباره الأسلوب الذي يتناسب مع ضخامة المشروعات المطلوب من الدولة إقامتها وغزارة الأموال اللازمة لتمويلها فيسمح للدول بإقامة تلك المشروعات بدون أن تتكبد ميزانيتها أعباء التمويل .
وبذلك شكل عقد B.O.T منعطفاً جوهرياً في كيفية إدارة المرافق العامة في الدول فهو عقد جديد في حلته انتشر في مختلف دول العالم بما في ذلك الدول العربية ومنها سوريا انتشاراً سريعاً خلال العقدين الماضيين ، وقد وفدت هذه الآلية العقدية إلى العالم العربي وانتشرت في كل أنحاء العالم إلا أن المشكلة الحقيقية التي ثارت في هذا النطاق أن هذه الآلية ذاتها قد جاءت على أرضية قانونية أنكلوأمريكية تلك الأرضية القائمة أساساً على مبدأ القدسية المطلقة للعقد لتطبق في مجال هو حكر لنظرية أصلية أبدعها النظام القانوني اللاتيني واستقر تطبيقها في الدول العربية هذه النظرية هي نظرية العقد الإداري والتي تقع ضمن مشتملات القواعد المتعلقة بعقد الالتزام الذي لا يكيف عقد B.O.T إلا على أساس أحكامه المختلفة .
ولما كانت عقود B.O.T تتطلب استثمارات مالية ضخمة ومبالغ كبيرة لذا وجب فض المنازعات الناتجة عن إبرام عقود B.O.T على وجه السرعة .
حيث أن التراخي في فض المنازعات الناتجة عن تنفيذ عقود B.O.T يؤدي إلى تعطيل استثمارات مالية كبيرة تم إنفاقها في بناء مشروع البنية الأساسية الممول بأسلوب B.O.T كما أن إطالة أمد التقاضي مع استمرار وقف المشروع عن العمل يؤدي إلى إهدار مبالغ كبيرة نتيجة لوجود مشاكل حقيقية في النظام القضائي الرسمي تتمثل في بطء التقاضي الذي يصل إلى عدد كبير من السنوات في كثير من المنازعات نتيجة لبطء الإجراءات وطولها وإغراق التشريعات الإجرائية في الشكلية التي تؤدي إلى سلسلة من الإجراءات الطويلة التي تؤذي العدالة ، كما أن حرص المشرع السوري على تحقيق عدالة حقيقية كان وما زال يقوده إلى تعداد سبل الطعن على الأحكام وتعدد درجات التقاضي بقصد الوصول إلى العدالة أو العدل شبه المطلق وبقصد تخليص الأحكام من عيوبها وهذا أدى إلى إطالة أمد التقاضي بشكل لا يمكن قبوله .
وهكذا أصبحت عيوب النظام القضائي الذي تديره الدولة هي الدافع لإيجاد نظم بديلة لفض المنازعات الناتجة عن عقود الاستثمار ومنها عقودB.O.T وعلى هذا كان من الضروري إيجاد وسائل بديلة لفض المنازعات التي تنشأ عن عقود الاستثمار .لذلك وجد التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات زادت أهميته في الآونة الأخيرة نظراً لتشعب العلاقات الاقتصادية الدولية لما يتسم به من سرعة الإجراءات وبساطتها .
ولكن هذا لا يحول بيننا وبين التأكيد على أن التحكيم بما يحققه من مزايا لا زالت به بعض العيوب لأنه في كثير من الأحيان يعجز عن تحقيق عدالة حقيقية لأن السرعة بالإضافة إلى عدم وجود طرق للطعن في أحكام التحكيم لا يؤدي إلى تخليص هذه الأحكام من بعض عيوبها .
وعلى هذا نرى أن أهمية هذا البحث تكمن في محاولة البحث عن مزايا التحكيم والاستفادة منها في قضاء الدولة الرسمي والبحث عن أوجه القصور في التحكيم لتجنبها وتفاديها.
وعلى هذا فسوف نقوم في هذا البحث بتعريف عقودB.O.T وتمييزها عن غيرها من العقود المتشابهة معها .
وبعد ذلك سنعرض لماهية وحقيقة التحكيم في عقودB.O.T والمزايا التي يقدمها التحكيم لمنازعات الاستثمار والقانون الواجب التطبيق على عقودB.O.T وذلك على النحو الأتي :
الفصل الأول : ماهية عقد الـB.O.T .
المبحث الأول : تعريف عقد الـ B.O.T ومزاياه.
المبحث الثاني : تمييز عقد الـ B.O.T عن العقود المشابهة .
المبحث الثالث : الطبيعة القانونية لعقود الـ B.O.T .
الفصل الثاني : تسوية منازعات عقود الـB.O.T عن طريق التحكيم .
المبحث الأول : ماهية التحكيم .
المبحث الثاني : مزايا وعيوب التحكيم في عقود الـB.O.T .
المبحث الثالث : القانون الواجب التطبيق على عقود الـB.O.T .
الفصل الأول
ماهية عقود الـ BOT
إن دراسة التحكيم في عقود الــ B.O.T تتطلب منا أن نتعرض لتعريف هذا العقد وهي البداية المنطقية للحديث عن التحكيم في عقد الـB.O.T وتمييزها عن غيرها من العقود المشابهة والتعرض للطبيعة القانونية لهذه العقود سواء أكانت إدارية أو مدنية أو تجارية يتوقف عليه تحديد القانون الواجب التطبيق.
لذلك سندرس في هذا الفصل
تعريف عقد الـ B.O.T ومزاياه في المبحث الأول
ومن ثم ننتقل لندرس العقود التي تشابه عقد الـB.O.T في المبحث الثاني
والطبيعة القانونية لعقود الــ B.O.Tفي المبحث الثالث
المبحث الأول
تعريف عقد الــ B.O.T ومزاياه
لكي نتعرف على الشيء يجب بداية أن نعرف نشأته ومزاياه لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين وهما :
المطلب الأول : نشأة وتعريف عقد الـ B.O.T
المطلب الثاني : مزايا عقد الـ B.O.T
المطلب الأول
نشأة وتعريف عقد الـB.O.T
أولاً: نشأة عقد الـ B.O.T
لقد انقسم الفقه اتجاه نشأة نظام الـ B.O.Tلذلك فقد اعتبره البعض أسلوباً من أساليب خصخصة المرافق العامة حيث تسند الإدارة إلى القطاع الخاص مهمة إنشاء وإدارة وصيانة واستغلال المرفق لمدة معينة وفي نهاية المدة يؤول المرفق إلى الدولة .
- ويعتبر البعض أن الجذور التاريخية لنظام الــB.O.T ترجع إلى نظام الامتياز الذي انتشر في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين .
- والبعض الأخر يذهب إلى أن نظام الــB.O.T يختلف اختلافاً جوهرياً عن نظام الامتياز القديم وأنه أحدث بكثير من هذا النظام ، لأنه يطلق يد القطاع الخاص في التصرف في المرفق موضوع الامتياز بحيث يكون دور الحكومة المعنية في إدارته محدداً للغاية .
- ومن الفقهاء من يعتبر أن الفرنسيين هم رواد أسلوب الــ B.O.T فقد أعطوا امتيازاً إلى بيريه إخوان عام 1782 في فرنسا ثم امتدت بعد ذلك إلى كل من إيطاليا و ألمانيا .
ونجد آخرين يعتبرون أن عقد امتياز قناة السويس عام 1854 م هو أول مشروع ينفذ بنظام الــ B.O.T حيث منحت مصر السيد فرديناند ديلي سيبس بموجب الفرمان الصادر في 30/9/1854 حق امتياز حفر قناة السويس لمدة تسعة وتسعين عاماً وهو أول مشروع قريب من نظام الــ B.O.T قبل أن يقر المشرع المصري هذا النظام بنص تشريعي .
أما بالنسبة لهذا الاصطلاح ألا وهو الــ B.O.T فيرجع إلى تورغوت أوزال الذي كان رئيساً للوزراء في تركيا فهو أول من أطلق هذا التعبير في أوائل الثمانينات في القرن العشرين غداة اجتماعه برجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب شركات المقاولات من القطاع الخاص ، بعد نجاحه في الانتخابات حيث شرح إستراتيجيته الجديدة في مجال البنية التحتية إلى القطاع الخاص على أساس نظام الـ B.O.T فضلاً عن خصخصة شركات القطاع العام وفقاً للبرنامج الانتخابي الذي كان قد تقدم به ونجح على أساسه ، وهكذا أصبح نظام الـ B.O.Tتعبيراً عن النهج الاقتصادي الجديد في تركيا .
ونستطيع القول بخصوص نشأة هذا العقد في سورية بأنها نشأة حديثة ظهرت بعد التطور الاقتصادي وزيادة الاستثمار الذي تشهده سورية في ظل التسارع نحو التطور والنمو الاقتصادي وزيادة الرفاه .
ثانياً: تعريف عقد الــB.O.T
عقود الـ B.O.T تعتبر من العقود الحديثة نسبياً في المعاملات الاقتصادية الجديدة المحلية منها والدولية . وقد بدأ الاهتمام بهذه العقود منذ الثمانينات.
واصطلاح الـ B.O.T هو اختصار لكلمات انكليزية ثلاث هي :
البناء Build
التشغيل Operate
نقل الملكية Transfer
وتستعمل الكلمات المذكورة للدلالة على المشاريع التي تمنحها الدولة بواسطة الامتياز إلى القطاع الخاص بهدف إقامة البناء وتشغيل المشروع وذلك لحساب القطاع العام وإدارته ومؤسساته العامة ضمن مهلة محددة تنتقل بعدها ملكية المشروع إلى الدولة أو احد أشخاص القانون العام في صورة صالحة للتشغيل .
ونظراً لحداثة هذا النظام على المستوى الدولي فإنه لغاية الآن لم يتم وضع تعريف موحد جامع ومانع لتعريف هذا العقد .
غير أن لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي (الاونسترال) عرفت عقد الـB.O.T بأنها شكل من أشكال تمويل المشاريع تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة من الزمن أحد الاتحادات المالية تدعى شركة المشروع امتياز لتنفيذ مشروع معين وعندئذ تقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات فتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستثماره تجارياً وفي نهاية مدة الامتياز تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة .
- أما منظمة اليونيدو المنظمة الدولية للتنمية الصناعية فقد عرفت عقد الـBOT بأنها: اتفاق تعاقدي بمقتضاه يتولى أحد أشخاص القطاع الخاص إنشاء أحد المرافق الأساسية في الدولة بما في ذلك عملية التصميم والتمويل والقيام بأعمال التشغيل والصيانة لهذا المرفق فيقوم هذا الشخص الخاص بإدارة وتشغيل المرفق خلال فترة زمنية محددة يسمح له فيها بفرض رسوم مناسبة على المنتفعين من هذا المرفق وأية رسوم أخرى بشرط ألا تزيد على ما هو مقترح في العطاء وماهو منصوص عليه في صلب اتفاق المشروع لتمكين ذلك الشخص من استرجاع الأموال التي استثمرها ومصاريف التشغيل والصيانة بالإضافة إلى عائد مناسب من الاستثمار وفي نهاية المدة المحددة يلتزم الشخص المذكور بإعادة المرفق إلى الحكومة أو إلى شخص جديد يتم اختياره عن طريق الممارسة العامة .
- ويعرفه البعض بأنه طريقة تمويل مشروع تعطي الحكومة بموجبه امتيازاً لفترة زمنية محدودة لشركة خاصة تضم مجموعة مقاولين وموظفين من أجل انجاز وتطوير واستثمار مشروع عام من البنية التحتية حيث تتولى هذه الشركة على نفقتها بناء وانجاز الأشغال واستثمار المشروع طوال فترة العقد وتسترجع بطريقة الاستثمار كلفة المشروع والأرباح المرتقبة من العملية ثم تنقل ملكية المشروع إلى الحكومة في نهاية العقد .
- أما القاضي الدكتور محمد وليد منصور فيعرفه بأنه نمط من أنماط التعاقد الحديثة أو مجموعة من الأحكام التعاقدية التي تلجأ إليها الإدارة من أجل تنفيذ أشغال عامة وإدارة مرافق عامة وتحويلها من قبل متمولي القطاع الخاص الذين يشكلون فيما بينهم (اتحاداً مالياً) لإنشائها وتشغيلها واستثمارها لمدة زمنية محددة مقابل استثمارها والانتفاع منها خلال تلك الفترة بسعر لا يحدد في العقد ومن ثم إعادة كامل ملكيتها إلى الإدارة المتعاقدة بعد انتهائها) وهو أقرب ما يكون إلى امتياز (الأشغال العامة) بصيغة حديثة ذات الارتباط الوثيق بامتياز المرفق العام والذي عرفه العلامة أندري دي لوبادير بأنه " شكل من أشكال تنفيذ الأشغال العامة تقوم بموجبه الإدارة بإلقاء عبء التنفيذ على شخص ما (فرد أو شركة ) ليس مقابل سعر يحدد في العقد وإنما لقاء استخدام المنشأ العام و الانتفاع به .
ونجد أن الدكتور مهند نوح قد عرف عقد الــ B.O.T بأنه علاقة عقدية تبرم بين الإدارة وجهة من القطاع الخاص ،تسمى راعي المشروع ، يكون محلها تشييد مشروع ( بنية أساسية غالباً) وإدارته لفترة محددة ، وذلك على حساب راعي المشروع ونفقته ، ودون أن تتكبد الحكومة أي نفقات ومقابل الحصول على عائدات هذا المشروع طوال مدة العقد وبما يمكنه من استعادة التكاليف التي أنفقها من رأس ماله الخاص وسداد القروض وتوزيع الأرباح على المساهمين ، وعلى أن يقوم راعي المشروع ذاته مع نهاية مدة العقد بتسليم المشروع للحكومة بحالة جيدة وصالحة للتسيير دون مقابل .
وبالنسبة للدكتور محمد الروبي فقد عالج الموضوع بشكل أكثر نضجاً في رأينا ، حيث أطلق عليها عقود التشييد والاستغلال والتسليم وذلك من خلال تعريفه بأن عقد الــB.O.T هو الذي يبرم بين الدولة أو إحدى الجهات الإدارية التابعة لها وطرف خاص أجنبي عادة ما يتخذ شكل شركة ، يطلق عليها شركة المشروع بغرض تشييد أحد المرافق العامة ذات الطبيعة الاقتصادية ، على حساب تلك الشركة وقيامها مقابل ذلك باستغلال المرفق والحصول على عائد هذا الاستغلال طوال مدة التعاقد وفي نهاية تلك المدة تلتزم الشركة بتسليم المرفق إلى الجهة الإدارية المتعاقدة دون أي مقابل وخالياً من كافة الأعباء وبحالة جيدة .
وبذلك نجد أنه ابتعد عن الترجمة الحرفية لمصطلح الـ B.O.T حيث استبدل كلمة البناء بكلمة التشييد واستبدل كلمة التشغيل بكلمة الاستغلال وكذلك استبدل كلمة نقل الملكية بكلمة التسليم لتصبح عقود التشييد والاستغلال والتسليم بدلاً من عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ، كون التعبير الجديد أدق من التعبير السابق .
وبناءً عليه نجد أن التعريف السابق يركز على عدة نقاط منها :
1- إمكانية استخدام نظام B.O.T في المشروعات العامة .
2- قصر عملية الإنشاء والتشغيل والإدارة والصيانة على شركة المشروع .
3- اختلاف أشكال الشركة المنفذة للمشروع فقد تكون شركة خاصة واحدة أو عدة شركات خاصة وقد تكون شركة محلية أو شركة عالمية وحينها يعد نظام B.O.Tأحد نماذج الاستثمار الدولي والتي تعرف مشروعاته بأنها " تلك المشروعات المملوكة للأجانب سواء كانت الملكية عامة أم كانت بالاشتراك بنسبة مع رأس المال الوطني بما يكفل لها السيطرة على إدارة المشروع" أو هي " الأموال الأجنبية (حكومات – أفراد - شركات ) التي تنساب إلى داخل الدولة المضيفة بقصد إقامة مشاريع تملكها الجهة الأجنبية وتأخذ عوائدها بعد دفع نسبة من هذه العوائد ، وضمن شروط يتفق عليها مع الدولة المضيفة ".
4- تعمل شركة المشروع داخل الدولة المضيفة من خلال استخدام حق الامتياز الممنوح لها ، ولمدة تسمح باسترداد الشركة لكافة تكاليف الاستثمار مع تحقيق عائد مجزي لها .
5- عند انتهاء فترة الامتياز يتعين على شركة المشروع إعادة أو استرجاع ما كان بحوزتها وليس نقل الملكية إلى الدولة على أن تكون الحالة التشغيلية للمشروع جيدة وينطبق عليها معايير الجودة والسلامة والتشغيل والصيانة المحددة مسبقاً من قبل الأطراف المعينة بالمشروع .
ونحن من جانبنا نؤيد ما جاء به الدكتور الروبي وذلك لأن معناه أوسع من المعاني السابقة وخاصة فيما يتعلق بالتسليم فهو أمر غاية في الأهمية فهو مصطلح دقيق جداً لأن شركة المشروع لا تملك رقبة المرفق أصلاً بل إن الحكومة أو الجهة الإدارية المتعاقدة تمكنها من استعمال المرفق واستغلاله دون أي نقل للملكية، وذلك مقابل حصولها على مقابل طيلة مدة التعاقد تمكنها من استعادة رأس المال الذي بذلته في بناء وتجهيز المشروع وتحقيق عائد ربح معقول لقاء ما قامت به من جهد وما بذلته من أموال أثناء مرحلة التشييد .
المطلب الثاني
مزايا عقد الـ B.O.T
أصبح نظام الـ B.O.T نظاماً عالمياً تلجأ إليه معظم دول العالم شرقها وغربها الكبرى منها والنامية تضع فيها استثمارات عالية لتحقيق خططها للإصلاح والنمو الاقتصادي،وذلك لأن معظم الحكومات تعاني عجزاً في موازناتها العمومية،وهي لا تستطيع تلبية احتياجات شعوبها لتشييد مشاريع البنية الأساسية ، وترى لزاماً عليها اتخاذ أحد خيارين:
إما عدم تلبية الحاجة إلى إنشاء هذه المشاريع ،أو اللجوء إلى زيادة الضرائب على شعبها.وكلا الخيارين يؤدي إلى نتائج سيئة اقتصادياً واجتماعياً .
وفي ضوء ذلك ظهر نظام الـB.O.T كخيار ثالث يتمثل في الاستعانة بالقطاع الخاص ، ليقوم بإنشاء مشروعات البنية التحتية مستخدماً استثماراته في مقابل الحصول على حق استغلال كامل للمرفق العام الذي يبنيه بتمويله الذاتي وبرأسماله خلال فترة محددة من الزمن بموجب عقود امتياز تحدد فيها شروط استغلال المرفق التي تمكن المستثمر من استعادة التكاليف التي أنفقها من رأس ماله الخاص ، وتسديد القروض التي اقترضها لإنشاء المشروع وتوزيع الأرباح على المساهمين على أن يقوم بنقل ملكية المرفق وتسليمه إلى الحكومة عند نهاية فترة الامتياز في حالة جيدة وصالحة للتسيير.
والواقع أن عقد الـ B.O.Tيعتبر طريقاً من طرق الإدارة غير المباشرة للمرافق العامة الصناعية والتجارية فله إيجابيات وسلبيات وأهداف يراد تحقيقها من خلال اللجوء إلى هذا النظام لذلك سنبحث الإيجابيات والسلبيات لنظام الــ B.O.Tفي الفرع الأول وأهداف اللجوء إلى هذا العقد في الفرع الثاني.
الفرع الأول
إيجابيات وسلبيات عقد الـ BOT
إن العقود التي تبرمها الدولة مع القطاع الخاص لها محاسن و مساوئ لذلك ينتج عن العقد مخاطر يجب أن يتحملها كلا طرفي العقد سواء الدولة أو شركة المشروع أو الملتزم لذلك ظهرت عدة نتائج لإتباع الدولة أسلوب الـB.O.T سواء منها الإيجابية ومنها السلبية ولكي نكون أكثر تفاؤلاً نبدأ بالجانب الايجابي لهذه العقود .
أولاً : الإيجابيات
إن الغاية من اعتماد أسلوب الـ B.O.Tهي الإفادة من موارد القطاع الخاص لإنشاء البنى التحتية دون الحاجة إلى تحميل موازنة الدولة هذه الأعباء المالية أو دون الحاجة إلى الدين العام وهو يساعد على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للإفادة من فرص استثمارية تكاد تندر في الدولة الصناعية ، مما يساعد الدولة المضيفة للاستثمار في الوصول إلى تكنولوجيا و مهارات غير متوافرة محلياً ومواصلة حركة الإنشاء والتنمية .
ويساعد هذا الأسلوب في توجيه موارد الدولة العامة إلى القطاعات الاجتماعية التي ليس لها مردود اقتصادي مباشر كالتعليم والصحة وخلق فرص عمل جديدة من خلال القطاع الخاص، ونقل التكنولوجيا الحديثة والمعرفة الفنية إلى البلاد يحققان الفاعلية والسرعة اللازمتين لتشييد المرفق وتشغيله وتحقيق الربح منه فمصلحة القطاع الخاص تقتضي نقل واستخدام التكنولوجيا الحديثة ،وهذا بدوره يؤدي إلى رفع كفاءة التشغيل ومستوى خدمات البنية الأساسية ، حيث أن القطاع الخاص له خبرة مالية وفنية وإدارية أفضل من بقية القطاعات .
أما فائدة هذا النظام بالنسبة للمستثمر فإنه يحقق مزايا للمستثمر من خلال مشاركته في تمويل وبناء مشروعات البنية الأساسية وذلك من خلال العائد النقدي الذي يمكنه من استرداد تكلفة المشروع بالإضافة إلى هامش معقول من الربح ، حيث أننا نجد أن القطاع الخاص الذي يقوم بتمويل المشروع أو المشاريع بأسلوب B.O.T سوف يستوفي تكاليف المشروع وأرباحه من التدفقات النقدية للمشروع .وبالتالي تحقيق العديد من العوائد المالية والفنية والاستثمارية وفتح مجالات جديدة لأنشطة القطاع الخاص .
ثانياً:السلبيات
إن الميزات التي حققها نظام الـ B.O.Tقد يقابلها مساوئ .
وذلك من خلال تشابك العلاقات التعاقدية بالنسبة للإدارة المتعاقدة وارتفاع تكلفة إعداد وتحضير مستندات التعاقد وتعيين وتدريب مستشارين فنيين وماليين وقانونيين لتمويلها وهو ما يستنزف أموالاً كثيرة بالنسبة للأجهزة الحكومية .
كما أن الإدارة قد تضطر إلى الدخول في اتفاقات تعاقدية مع القطاع الخاص (الملتزم) الذي يقوم ببناء وتشغيل المرفق العام وفيه تتعهد الإدارة بشراء الخدمة أو المنتج مباشرة وسداد المقابل المتفق عليه ،كما تتحمل الإدارة المتعاقدة بمقتضى الامتياز الممنوح للشركة الموكل إليها المشروع الجزء الأكبر من المخاطر السياسية كالتأميم أو تغيير القوانين أو العنف السياسي أو الحرب وتلتزم جهة الإدارة بتعويض شركة المشروع عن الأضرار الناتجة عن هذه المخاطر .
ونجد سلبيات هذا النظام على الملتزم أو المستثمر من خلال تحمله مخاطر تجارية متنوعة وعالية التكاليف في حال عدم صحة دراسات جدوى المشروع أو تغير ظروف السوق ، وخصوصاً في حالة عدم وجود دعم حكومي أو التزام بشراء الخدمة .
وهناك مخاطر تتصل بعملية البناء والتشييد كالتأخير في عملية تنفيذ المشروع ، أو الارتفاع المفاجئ في تكاليف مواد البناء ، والمخاطر المرتبطة بعملية البناء والتشغيل والصيانة مثل عدم كفاية الطلب من الجمهور لتحقيق هامش الربح المتوقع .
وكل ذلك يؤدي إلى زيادة المخاطر الملقاة على عاتق مؤسسات التمويل ، ويستتبع ذلك ارتفاع المخاطر على عاتق البنوك وبالتالي زيادة الفوائد على القروض التي تتحملها في النهاية شركة المشروع.
هذا بالإضافة إلى طبيعة المشروع ودور البنوك في التمويل يجعل جهات الإقراض اليد العليا في علاقتها بشركة المشروع وفي كيفية تحديد شكل ومضمون المستندات التعاقدية وفي التأمين على المشروع .
الفرع الثاني
أهداف اللجوء إلى عقد الـ B.O.T
تلجأ الحكومات إلى هذه الوسيلة العقدية لبناء وتحديث بنيتها الأساسية لتحقيق عدة أهداف من أهمها :
1- تقديم خدمة عامة أساسية أو سد حاجة المواطن إلى الخدمات العامة .
2- تخفيف العبء عن كاهل الدولة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة مع الحكومة في بناء المرافق الأساسية ، مما يسهم في توفير الموارد عن طريق اختصار النفقات أي أن تنفيذ المشروع بأسلوب عقود البناء والتشغيل والتحويل من شأنه أن يحل مشكلة تمويل مشروعات البنية الأساسية إذ تحصل الحكومة بموجبها على مشروع جاهز دون أن تلجأ إلى الاقتراض أو زيادة الإنفاق الحكومي وتحميل الموازنة مزيداً من الأعباء وهو ما يسمح للدولة بتوجيه موارد الخزينة بشكل أكبر إلى القطاعات الاجتماعية التي ليس لها مردود اقتصادي وأرباح مباشرة مثل قطاعي التعليم والصحة .
3- الحصول على التقنية الحديثة اللازمة لتشييد تلك المشروعات والمرافق التي لا تتوافر محلياً بل ينقلها المستثمر الأجنبي المالك لتلك التقنية الحديثة والذي يتمتع بسابق الخبرة العالمية في تشييد مثل هذه المشروعات والمرافق وبنائها .
4- إن تمويل مشروعات البنية الأساسية عن طريق القطاع الخاص باللجوء إلى عقد الـ B.O.T إنما يؤدي دوراً مهما في توفير العملة الأجنبية التي تحتاج إليها الحكومة ، وذلك شريطة أن يكون التمويل في الجزء الأكبر منه بالعملة الأجنبية التي يتم توفيرها من خارج البلد المضيف .
5- إن تنفيذ المشروعات عن طريق عقود البناء والتشغيل والتحويل هو في حقيقته صورة من صور الاستثمار المباشر ولهذا السبب فإنها تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة فعمليات الإنشاء التي تستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات بمعدل وسطي تخلق فرص لشركات المقاولات الوطنية إضافة إلى أن إنشاء هذه المشروعات في مناطق نائية جديدة يؤدي إلى توسيع الرقعة السكانية وقد يؤدي إلى خلق قاعدة صناعية وتجارية مهمة وهذا كله يعني في النهاية أن تنفيذ المشروعات بأسلوب عقود البناء والتشغيل والتحويل من شأنه أن يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة .
6- إن تنفيذ المشروعات بأسلوب عقود البناء والتشغيل والتحويل من شأنه أن يجنب مساوئ الخصخصة إذ أن ملكية أصول المرفق المنفذ بنظام عقد البناء والتشغيل والتحويل لا تنتقل إلى القطاع الخاص بل تبقى مملوكة للدولة مما يفسر أيلولتها إلى الدولة مع نهاية مدة العقد .
7- تنظر الدولة إلى المشروعات المنفذة بطريق عقود البناء والتشغيل والتحويل باعتبارها آلية فعالة لتشجيع سوق المال وخلق أوراق مالية جديدة وذلك سواء عن طريق الاقتراض بوساطة آليات سوق المال –في مرحلة التمويل الأولي للمشروع – أم عن طريق التوسع الاستثماري الذي يتطلب زيادة رأس المال عن طريق طرح أسهم في سوق المال وهذا يعني في النهاية تنشيط سوق المال في البلد المضيف .
8- تنظر الحكومات إلى نظام تنفيذ المشروع عن طريق عقود البناء والتشغيل والتحويل على أنه وسيلة من وسائل توزيع المخاطر أي المخاطر التجارية المتعلقة بتشغيل المشروع والمرتبطة بالسوق إلى القطاع الخاص .
ونتيجة هذه الأهداف والتي كانت الدول تسعى إلى تحقيقها لتحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي في الدولة المضيفة ونتيجة نجاح المشروعات الممولة ذاتياً بأسلوب عقود البناء والتشغيل والتحويل فإن كثيراً من الدول أصبحت تعتمد عليه ولا سيما في معرض تنفيذ خططها الاستثمارية وهو ما كان محفزاً لها على وضع الضوابط والقوانين والنظم التي تكفل لها تطبيق هذا النظام العقدي تطبيقاً صحيحاً الأمر الذي أدى في النهاية إلى كثرة المشاريع المتعلقة بالبنية الأساسية والسياحية والخدمية ، التي تستخدم فيها تقنية التعاقد بطريق البناء والتشغيل والتحويل .
وعلى كل حال ، فإن نجاح المشروعات المنفذة بنظام الـB.O.Tمحكوم بعاملين :
1- عنصر التوقيت أو الزمان الذي سيستغرقه إقامة المشروع وفترة العقد التي سيتم في أثنائها جني محصول العائد لسد التكاليف .
2- عنصر المكان: وما يتوافر فيه من موارد وإمكانات حالية أو مستقبلية يمكن أن تظهر أو يتم إحداثها في هذا المكان.
المبحث الثاني
تمييز عقد الـ B.O.T عن العقود المشابهة
يقول الجاحظ إنك لا تعرف الأمور ما لم تعرف أشباهها لذلك لكي نميز عقد الـ B.O.T يجب علينا التعرف على العقود المشابهة ونستنتج من خلال هذا التمايز الصفات التي ينفرد فيها هذا العقد .
أولا ً: تمييز عقدB.O.Tعن عقد الأشغال العامة :
عقد الأشغال العامة يبرم بين الإدارة وأحد أشخاص القطاع العام في سبيل القيام ببناء عقارات أو ترميمها أو صيانتها أو هدمها لحساب الإدارة العامة المتعاقدة وبقصد تحقيق منفعة عامة ونظير مقابل مالي متفق عليه ووفقاً للشروط الواردة في العقد ، و قد عرف الدكتور عبدالله طلبة عقد الأشغال العامة على أنه "اتفاق بين الإدارة وأحد المتعهدين يقوم بمقتضاه المتعهد ببناء أو ترميم أو صيانة عقارات معينة لحساب الإدارة بهدف تحقيق منفعة عامة ،وذلك لقاء مبلغ من المال متفق عليه" . وبالتالي فإن العقد يكون عقد أشغال عامة إذا توافرت العناصر التالية :
أ- أن يكون موضوع العقد متصلاً بعقار : وهذا يعني أن كل عقد يكون موضوعه من المنقولات أياً كان نوعها وأياً كانت ضخامتها لا يكون عقد أشغال عامة أما تقدير الطبيعة العقارية لمحل العقد فإنه يتم وفقاً لقواعد القانون المدني التقليدية للتمييز بين المنقول والعقار .
ب- يجب أن يتم العمل لحساب شخص معنوي عام : وهذا الشرط يعني أن تكون أعمال الأشغال منفذة لمصلحة شخص معنوي عام مركزي أو لا مركزي ومن ثم فإن الأشغال العامة يمكن أن تنفذ لمصلحة الدولة باعتبارها الشخص المعنوي العام المركزي الوحيد أو لمصلحة الأشخاص العامة اللامركزية المصلحية والإقليمية ، كالمحافظات والمدن والبلدان والمؤسسات والهيئات العامة.
ج - يجب أن يكون الغرض من الأشغال موضوع العقد تحقيق نفع عام : وهذا يعني أن الأشغال لا تكون أشغال عامة إلا إذا نفذتها الإدارة المتعاقدة وهي في معرض تسيير مرفق عام بالمعنى القانوني الدقيق لهذا المصطلح .
ومن خلال استعراض ماهية عقد الأشغال العامة يمكن القول : إن عقد الأشغال العامة يتفق مع عقد B.O.T في أن موضوع كلا العقدين في النهاية هو تحقيق أعمال إنشائية الغرض منها تحقيق النفع العام ، أي أن كلا العقدين يهدفان إلى تنفيذ أعمال تنصب على عقارات في سبيل تحقيق المنفعة العامة . ولكن وجه الافتراق ما بين العقدين يتجلى بما يلي :
أ- إن تمويل عقد الأشغال يتم من الموازنة العامة مباشرة إذا إن المتعاقد يتقاضى ثمن قيامه بالإنشاءات مباشرة من موازنة الإدارة المتعاقدة أما تمويل تنفيذ الإنشاءات في عقود B.O.Tفيتم من قبل المتعاقد ذاته ووفقاً لآليات التمويل الذاتي .
ب- ولما كان تمويل عقد الأشغال يتم من الموازنة العامة مباشرة فإن تشغيل الإنشاءات المنفذة وفقاً للعقد لا يتم من قبل المتعاقد ذاته وإنما من جانب الإدارة ذاتها وذلك بعد الانتهاء من التنفيذ وتسليم المشروع وفقاً للأصول المتبعة لذلك .
ثانياً : تمييز عقد الـ B.O.Tعن عقد الـ B.O.O.T.
تعد عقود الـ B.O.O.T اختصاراً للمصطلح الإنكليزي
(Build – own -Operate –Transfer)
والذي يعني( البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية)
ويختلف هذا النوع من العقود عن سابقه الـB.O.T أن المستثمر يتملك المشروع طيلة فترة العقد ولا يقتصر حقه على استغلال المرفق فقط بل إنه يتملك المرفق ويستغله وفي نهاية مدة التعاقد ينقل ملكية المرفق إلى الإدارة المتعاقدة ، فلا خلاف حول ثبوت حق الملكية لجهة الإدارة المتعاقدة في ظل عقود الـ B.O.T
فالمستثمر في عقد الـ B.O.O.T يقوم ببناء المشروع وإقامة هياكله وتزويده بالمعدات والآلات اللازمة وتملكه بوساطة شركة تابعة له، والتي تقوم بتشغيله وإدارته وتأدية الخدمة لجمهور المنتفعين في مدة معينة وذلك تحت إشراف الجهة الإدارية المتعاقدة ورقابتها وعقب انتهاء هذه الفترة يصبح المشروع ملكية عامة للدولة .
- ويرى جانب من الفقه بأن هذه الملكية غير صحيحة وأن شركة المشروع لا تمتلك المشروع لا ملكية مؤقتة ولا ملكية دائمة ذلك أن القول بأن شركة المشروع تمتلك المشروع أو المرفق ملكية مؤقتة أو لأجل محدد هي مدة العقد أمر غير صحيح ولا يستقيم وذلك لأن إحدى الخصائص الرئيسية لحق الملكية وهو أن حق الملكية حق دائم لا يقبل بطبيعته أن يكون مؤقتاً ولا يجوز أن يقترن هذا الحق بأجل فاسخ أو واقف .
ثالثاً ً: تمييز عقد الـB.O.Tعن عقد الـB.L.T.
واصطلاح الــB.L.T هو اختصار لثلاثة كلمات انكليزية :
(Build – Lease – Transfer)
وهي تعني البناء والإيجار ونقل الملكية وفي هذا العقد تقوم شركة المشروع بإنشاء المرفق على نفقتها وبعد ذلك تقوم الجهة الإدارية المتعاقدة باستئجار المرفق واستغلاله من شركة المشروع مقابل حصول شركة المشروع على مقابل مالي وبشكل دوري طيلة مدة العقد ، وفي نهاية مدة العقد يؤول المرفق إلى الجهة الإدارية المتعاقدة التي تقوم باستغلاله دون أي التزام تجاه شركة المشروع .
رابعاً : تمييز عقد الـ B.O.T عن عقد L.R.O.T
واصطلاح الـ L.R.O.Tهو اختصار لأربع كلمات إنكليزية :
وهي (Lease – Renewal – Operate- Transfer)
وتعني عقد الإيجار و التجديد والتشغيل ونقل الملكية.
حيث تقوم الشركة في هذا العقد باستئجار مشروع قائم من الجهة الحكومية صاحبة العلاقة ثم تجدده وتحدثه وتشغله خلال فترة العقد ثم تعيد ملكيته إلى الجهة الحكومية بدون مقابل بعدما تكون قد حدثته .
خامساً : تمييز عقد الـ B.O.Tعن عقد B.T.O
واصطلاح الـ B.T.O هو اختصار لثلاث كلمات إنكليزية وهي :
(Build-Transfer-Operate)
و تعني عقد البناء ونقل الملكية والتشغيل
وفي هذا العقد تقوم الدولة ببناء المشروع بنفسها متكفلة بتمويله ثم تعهد بتشغيله إلى القطاع الخاص وهي صورة من صور إدارة المشاريع العامة ومن أهم مجالاتها : الفنادق والمشاريع السياحية وتعتبر هذه الصورة عقداً من عقود الخدمات وهي تجمع بين عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية وعقود الخدمات والإدارة والتأجير وتقوم بمجملها على فكرة أساسية وهي أن يتحمل القطاع الخاص أو شركة المشروع عبء التمويل سواء تعلق الأمر بتجديد المرفق العام وتشغيله أو إنشائه وتشغيله وإعادة ملكيته إلى الدولة .
سادساً : تمييز عقد الـB.O.T عن عقد الـ B.L.O.T.
واصطلاح الـ B.L.O.T هو اختصار لأربع كلمات وهي :
(Build- Lease – Operate – Transfer)
وهي تعني التشييد والاستئجار والاستغلال والتسليم
حيث تقوم الإدارة في هذه الصورة بإبرام عقد تشييد المرفق مع المستثمر الذي يقوم بدوره بتشييد المرفق ثم يقوم باستئجاره من الإدارة المتعاقدة من أجل استغلاله وذلك للحصول على مقابل ما يقدم من خدمة لجمهور المنتفعين ليسترد ما دفع من رأس المال ويحقق عائد ربح معقول طيلة فترة الاستئجار المتفق عليها مع الإدارة المتعاقدة تحت إشراف الجهة الإدارية ورقابتها ثم يقوم بتسليم المرفق للجهة المتعاقدة في نهاية تلك المدة بحالة جيدة تسمح باستمرار استغلاله وذلك ما لم توافق الجهة الإدارية على تجديد مدة الإيجار للمستثمر.
سابعاً : تمييز عقد الـB.O.T عن عقد الـ D.B.F.O
واصطلاح الـ D.B.F.Oهو اختصار لأربع كلمات إنكليزية وهي
(Design- Build – Finance- Operate)
وهي تعني التصميم والتشييد والتمويل والاستغلال
وفي هذا العقد تبرم الإدارة عقداً مع المستثمر على أن يقوم بتشييد مرفق معين وفقاً للتصاميم التي تضعها الإدارة المتعاقدة ويكون ذلك على نفقة المستثمر بشكل تام ومقابل ذلك يتملك المستثمر المرفق بحيث يتاح له المجال للاقتراض بضمان موجودات المرفق وأصوله ، كما يحق للمستثمر استغلال المرفق ويكون للإدارة المتعاقد الحق في الحصول على قيمة الأرض التي أقيم عليها المرفق مع نسبة من الأرباح طيلة فترة العقد مقابل منحها التراخيص اللازمة للمستثمر وعند انتهاء مدة العقد يتملك المستثمر المرفق بشكل كامل ولا تؤول ملكيته للإدارة كما هو الحال في عقود الـB.O.T.
ثامناً : تمييز عقد الــB.O.T عن عقد الـB.O.O .
واصطلاح الـ B.O.O هو اختصار لثلاث كلمات انكليزية هي
(Build – Own – Operate)
وتعني التشييد و التملك والاستغلال
وهنا تقوم الإدارة المتعاقدة بإبرام عقد مع المستثمر لإقامة المشروع وتملكه وتشغيله وفي هذه الصورة نجد أن المستثمر يتملك المشروع كلياً ويكون للإدارة نصيب من إرادات المشروع مقابل استغلاله ثم في نهاية مدة العقد يكون للمستثمر الحق في التصرف في المشروع دون الالتزام بإعادته للإدارة المتعاقدة
لذلك يرى البعض أن هذا النوع من العقود صورة من صور الخصخصة إذ أن المستثمر يتملك المشروع بشكل دائم ولا يكون ملزماً بنقل ملكيته إلى الإدارة المتعاقدة .
والأمر الذي يميز هذا العقد عن الـB.O.T هو أن المستثمر لا تنتقل الملكية إليه بشكل نهائي وإنما تبقى ملكية المرفق للإدارة ولا يتجاوز حق المستثمر فيها حق الاستغلال فقط
ولا ينتهي هذا النوع من المشروعات بتحويله إلى الملكية العامة مثل عقد B.O.T و عقدB.O.O.T وإنما بعد انتهاء مدة العقد يتم تجديده أو ينقضي العقد بسبب انتهاء العمر الافتراضي للمشروع أو تنتقل أصول المشروع إلى الدولة ولكن ليس دون مقابل كما هي الحال في عقد الـ B.O.T وإنما المقابل تعويض الملاك عن حصص الملكية بعد تقييم كامل المشروع إذا يحق للإدارة المتعاقدة بعد ذلك التعاقد مع آخرين على إدارة المشروع
تاسعاً : تمييز عقد الـB.O.T عن عقد الـM.O.O.T .
واصطلاح الـ M.O.O.T هو اختصار لأربع كلمات انكليزية وهي
(Modernize – Own – Operate – Transfer)
وتعني التحديث والتملك والاستغلال ونقل الملكية
حيث تبرم الإدارة في هذه الصورة عقداً مع أحد المستثمرين يتعهد الأخير بموجبه بتحديث أحد المرافق العامة أو أحد مشروعات البنية الأساسية وتطويره تكنولوجياً وفقا لأحدث المستويات العالمية على أن يتملك المشروع أو المرفق طيلة فترة العقد وذلك لتمكينه من الاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية بضمان المشروع كما أنه يستغل المشروع ويحصل على إيراداته وفي نهاية المدة المحددة في العقد يقوم بتسليم المشروع أو المرفق للإدارة المتعاقدة دون مقابل أي أنه يصبح مالكاً للمشروع أو المرفق ويقوم باستغلاله طوال فترة التعاقد ثم يتنازل عن ملكيته للدولة في نهاية مدة العقد دون مقابل ، وبالتالي تكون ملكية المشروع في هذا النوع من العقود لا تنتقل فعلاً إلى المستثمر وإنما الذي ينتقل هو ملكية عناصر وموجودات المشروع المنقولة التي أدخلها المستثمر على المشروع ويلاحظ أن وجه الالتقاء بيت عقديB.O.T و M.O.O.Tأن كليهما يتضمنان التشغيل ونقل الملكية إلى الدولة بعد نهاية مدة العقد في حين يفترقان في نقطة جوهرية وهي أن المشروع في عقد B.O.Tلا يكون موجوداً قبل التعاقد إنما يقوم المتعاقد بإنشائه أما في عقودM.O.O.T فإن المشروع يكون موجوداً قبل التعاقد ولكن يحتاج إلى تحديث وتطوير وإعادة تأهيل وفقاً للمعطيات التكنولوجية الحديثة.
عاشراً :تميز عقد الـB.O.Tعن عقد R.O.O
واصطلاح الـ R.O.O هو اختصار لثلاث كلمات إنكليزية هي :
(Rehabilitate- Own- Operate)
وهي تعني التجديد والتملك والتشغيل وفيه تقوم الإدارة بإبرام عقد مع المستثمر ليقوم بالإنفاق على تحديث المرفق العام بحسب حاجته إلى التجديد سواء من حيث المباني والآلات والمعدات أو الأجهزة التقنية والتكنولوجية وبعد تجديد المستثمر للمرفق يدفع للدولة القيمة المالية المتفق عليها حتى تنقل إليه ملكية المرفق ليتولى استغلاله للحصول على إيراداته .
وإن هذا العقد ليس إلا صورة من صور خصخصة المرافق العامة المتعثرة التي تعجز إيراداتها على توفير نفقات التجديد والتطوير فتقوم الدولة بإبرام مثل هذه العقود لتحميل القطاع الخاص عبء تحديثها وتطويرها .
ومهما يكن نجد أن هذه الأشكال المختلفة من العقود التي تتميز عن عقد B.O.T تصب في بوتقة واحدة ولها هدف مشترك وهو قيام القطاع الخاص بتولي مهام تمويل واستثمار أملاك الدولة ذات الطبيعة الاقتصادية ، ويعد عقد B.O.T هو الأكثر شيوعاً بين هذه العقود من الناحية العملية .
المبحث الثالث
الطبيعة القانونية لعقود B.O.T
إن تحديد الطبيعة القانونية لهذه العقود سواء أكانت إدارية أم مدنية أم تجارية يتوقف عليه تحديد القانون الواجب التطبيق والقضاء المختص بنظر المنازعات الناشئة عن هذه العقود ،حيث تخضع العقود الإدارية لقواعد القانون العام ويختص في نظر منازعاتها القضاء الإداري بينما تخضع العقود المدنية والتجارية لقواعد القانون الخاص ويختص القضاء العادي بنظر منازعاتها وقد اختلف الفقه أمام هذا التكييف إلى غالبية تؤيد الطبيعة الإدارية لعقود B.O.T سواء لأنه في حقيقته هو عقد التزام أو امتياز مرفق عام و بسبب توافر جميع شروط العقد الإداري في نموذج عقد B.O.T وأقلية ترى أنها من عقود القانون الخاص يقوم على مبدأ( العقد شريعة المتعاقدين) ويخضع لقواعد القانون المدني والتجاري وينعقد الاختصاص للقضاء العادي .
لذلك يجب أن نحدد القانون الناظم لوضع عقد B.O.T ومن ثم ننتقل إلى التكييف القانوني لهذا العقد
المطلب الأول
الأساس القانوني لعقود B.O.T
إن الحديث عن وضع قانوني لعقد ما يعني تحديد القواعد القانونية والأنظمة التي تحكمه وتضبط جميع أحكامه.
ويمثل الوضع القانوني للعقد العنصر الأساسي لنجاحه وعدم وضوح المبادئ التي تنظمه يوثر ذلك على العقد ويضعفه من الناحية القانونية , وبما أن موضوع بحثنا هو عقد الـB.O.T والمتمثل بالمشاركة بين القطاع العام والخاص لتسيير المرفق العام وهو موضوع فيه من الأهمية الكبيرة التي وجدنا في الدستور السوري والقانون السوري ما يبرر اللجوء إلى هذا العقد .
لذلك سنبحث عن الأساس الدستوري في الفرع الأول
والأساس التشريعي في الفرع الثاني
الفرع الأول
الأساس الدستوري لعقد الـB.O.T
يقوم القطاع الخاص في عقود B.O.T بإنشاء وإدارة مرافق عامة ومشروعات البنية الأساسية وبذلك فهو يحل محل السلطات العامة في إدارة مرفق عام واستغلاله .
لذلك اهتم الدستور السوري بهذا الشأن وبذلك نجد أساس أو مبرر دستوري لهذه العقود وهو أمر غاية في الأهمية .
وذلك أن هذه العقود نشأت أصلاً في ظل الأنظمة التي تتبع الاقتصاد الحر وهي تقوم على فلسفة تحرير الاقتصاد من الملكية العامة والتخطيط المركزي والتحول إلى اقتصاد السوق الحر .
وهو ما يبدو للوهلة الأولى مخالفاً للدستور السوري الذي يقوم على الفكر الاشتراكي .
و ينص الدستور السوري على أن الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط حسب المادة /13/ من الدستور ،ومفاد ذلك وجوب وجود مركزية تربط الاقتصاد السوري ، كما أكد الدستور على أن ملكية الشعب تشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة وذلك حسب المادة /14/ من الدستور .
لذلك فقد رأى البعض أن اللجوء إلى التعاقد بنظام B.O.T في سورية يتم من دون أساس دستوري باعتبار أن الجزء الأخير من اصطلاح B.O.Tوهو نقل الملكية يعني امتلاك المرفق العام من قبل شركة المشروع أي القطاع الخاص أثناء فترة العقد وهو ما يخالف أحكام الفقرة /أ/ من المادة /14/ من الدستور السوري.
ولكن هناك اتجاه يسير بشكل معاكس ونحن نؤيده بأن التعاقد بنظام B.O.Tلا يؤدي مطلقاً إلى نقل ملكية المرفق العام أو المشروع موضوع العقد إلى القطاع الخاص بل إن الجهة الإدارية المتعاقدة تبقى مالكة للمرفق العام أو المشروع موضوع العقد طيلة مدة العقد وفي جميع مراحله ، وهذه الناحية هي التي تميز بشكل واضح بين عقد B.O.Tو B.O.O.Tكما سبق أن ذكرنا سابقاً وأن مصطلح نقل الملكية لا يعني إطلاقاً تحويل ملكية المرفق محل التعاقد إلى المتعاقد بل له بإجماع الفقه دلالة واحدة وهي إعادة أصول المشروع بعد انتهاء مدة العقد إلى الإدارة بحالة جيدة .
وإذا أمعنا النظر في الدستور السوري نجد أنه ينص على الملكية الخاصة ويحترمها ويحميها .
فوفقاً للمادة/14/ من الدستور السوري تقسم الملكية إلى ثلاثة أنواع:
1- ملكية الشعب: وتشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة و المنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب وواجب المواطنين حمايتها .
2- ملكية جماعية : وتشمل الممتلكات العائدة للمنظمات الشعبية والمهنية والوحدات الإنتاجية والجمعيات التعاونية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى ويكفل القانون رعايتها ودعمها .
3- ملكية فردية : وتشمل الممتلكات الخاصة بالأفراد ويحدد القانون وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطني وفي إطار خطة التنمية ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع مصالح الشعب.
وقد أكد الدستور على أن الملكية الفردية لا تنتزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون وإن المصادرة العامة في الأموال ممنوعة ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي أو بقانون لقاء تعويض عادل حسب المادة /15/ من الدستور وإن حق الإرث مضمون وفقاً للقانون حسب المادة /17/ من الدستور .
ويرى البعض أن نظام B.O.T هو شكل من أشكال توسيع الملكية الخاصة لذلك فهو جائز دستورياً .
وقد أتت المادة /20/ من الدستور السوري على أن هدف استثمار المنشآت الاقتصادية الخاصة والمشتركة هو تلبية الحاجات الاجتماعية وزيادة الدخل القومي وتحقيق رفاه الشعب .
ويلاحظ أن الفقرة /5/ من المادة /71/ من الدستور قد حددت المعاهدات والاتفاقيات التي تستلزم إقرار مجلس الشعب قبل نفاذها ، ومن هذه الاتفاقيات تلك التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية .
ويستنتج مما تقدم :
1- إن المرافق العامة والإنشاءات العامة تقع بشكل طبيعي ضمن نطاق ملكية الشعب وفقاً لنص المادة /14/ من الدستور وهي التي يجب أن تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها .
2- وفقاً للمادة /71/ من الدستور يمكن للدولة أن تبرم اتفاقيات تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية ولكن شريطة مصادقة مجلس الشعب على مثل هذه الاتفاقيات .
3- بالتالي يستنتج أن ما يقع ضمن ملكية الشعب وفقاً للمادة /14/ من الدستور يمكن أن يكون محلاً لاتفاقية امتياز دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير صفته "ملكية الشعب" وبمعنى آخر يمكن للأموال التي وردت في الفقرة الأولى من المادة /14/ أن تدار "لمصلحة مجموع الشعب " أي لمصلحة جميع المنتفعين منها من قبل أشخاص قانونية أخرى غير الدولة ، ولا سيما أن نص الفقرة /5/ من المادة /71/ لاحق على نص المادة /14/
4- ووفقاً لنص الفقرة /5/ من المادة /71/ السالفة الذكر فإنه يمكن للدولة أن تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الوطنية وعندئذ فإن مصادقة مجلس الشعب لا تكون واجبة على مثل هذه الامتيازات وفقاً لمفهوم المخالفة في قراءة النص القانوني .
5- لا يمكن تفسير المادة /14/ من الدستور على أنها تجيز – مقارنة بالمادة /71/- نقل ملكية الشعب إلى الغير بأي حال من الأحوال وإنما المقاربة تسمح بنقل إدارة هذه الأموال دون ملكيتها .
6- إن عقود B.O.Tالمبرمة بين الدولة والأشخاص الأجنبية تحتاج إلى مصادقة مجلس الشعب عليها وإقراره لها وذلك تطبيقاً لنص الفقرة /5/ من المادة /71/ السالفة الذكر من الدستور وذلك لأن عقودB.O.T تضمن مشتملات الامتيازات التي نصت عليها الفقرة /5/ السالفة الذكر وبالتالي فإن إضبارة العقد بعد إنهاء موجباتها من قبل السلطة التنفيذية يجب رفعها إلى السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الشعب لنيل مصادقته عليها ، ولا يعد العقد مبرماً وقائماً إلا بعد صدور هذه المصادقة .
إذ إن ترخيص السلطة التشريعية في هذه الحالة يعد مشاركة في الاختصاص بإبرام العقد .
الفرع الثاني
الأساس التشريعي لعقد الـB.O.T
اتجهت غالبية الأنظمة العربية نحو تشجيع مشاركة القطاع الخاص في إنشاء واستغلال مرافق البنية الأساسية في كثير من القطاعات مثل المطارات ومحطات الكهرباء والطرق وغيرها ،لكن التنظيم التشريعي لم يبرح مكانه حيث أحجمت أغلب تلك الأنظمة على إصدار تشريع عام ينظم هذا التطور بحيث أضحى النظام القانوني التقليدي لعقود الالتزام عاجزاً على مسايرته.
فضلاً عن أن دواعي الاستقرار لعقود الدولة تستلزم إصدار قانون موحد ينظم عقد B.O.T بما يحقق العلانية والمساواة والمنافسة الحرة بين الشركات الراغبة في التعاقد وفقاً لهذا النظام ولكن للأسف لم يتم وضع قانون خاص في سورية ينظم هذه العقود .
ولكن توجد بعض النصوص الموجودة في القوانين المختلفة التي تتعلق بشكل أو بأخر بعقود B.O.T أو كما عبر عنها الدكتور مهند نوح تتقاطع مع مفهوم B.O.T بشكل غير مباشر .
لذلك ومما تقدم ينبغي التوقف عند القانون /51/ لسنة 2004 المتضمن نظام العقود الموحد للجهات العامة لبيان مدى انطباقها على عقود B.O.T وهذا ما سنبحثه في الفقرات الثلاثة التالية .
أولاً: النصوص الواردة في القانون المدني بشأن عقد التزام المرافق العامة .
يذهب رأي واسع من الفقه إلى أن عقود B.O.T هي في حقيقتها تطور حديث لعقود التزام المرافق العامة ، ومن ثم فإن القواعد التي تحكم عقد التزام المرافق العامة تشكل الإطار القانوني العام لعقود B.O.T وهي تطبق على هذه العقود بالقدر الذي يتفق مع هذا التطور .
وقد تناول القانون المدني السوري عقد التزام المرافق العامة من المواد / 634-639/ فقد عرفت المادة /634/ منه عقد التزام المرافق العامة بأنه "عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذي صفة اقتصادية ويكون هذا العقد بين جهة الإدارة المختصة بتنظيم هذا المرفق وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق فترة معينة من الزمن "
وإن هذا التعريف منتقد لأنه يركز على الغرض أو الغاية من العقد وهي إدارة المرفق واستغلاله ويغفل أهم عناصر الالتزام وهو إنشاء المنشآت اللازمة لعمل المرفق والذي هو جوهر عقد B.O.Tأيضاً.
وقد تناولت المواد /635-639/ من القانون المدني تنظيم العلاقات بين الملتزم من جهة والمنتفعين من المرفق من جهة أخرى الذين تسميهم هذه النصوص بالعملاء .
ثانياً: تشريعات حديثة تحكم بعض حالات عقود B.O.T
صدر القانون رقم /2/ لعام 2005 بشأن المؤسسات العامة والشركات العامة والمنشآت العامة وقد نصت المادة /35/ منه على ما يلي " يجوز للمؤسسات العامة والشركات و المنشآت العامة فصل الإدارة عن الملكية في بعض الأعمال والخدمات ويصدر قرار الموافقة عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح معلل من الوزير المختص "
وقد جاء هذا النص ليحكم بعض حالات عقود B.O.Tالعائدة إلى بعض المؤسسات العامة وفي مجالات الاتصالات والنقل خصوصاً .
وإن مفهوم عبارة فصل الإدارة عن الملكية التي أتى بها النص المذكور هو في حقيقته أسلوب استحدثه النص المذكور لإدارة المرافق العامة بطريقة التفويض التعاقدي للمرفق العام الذي يضمن بقاء ملكية الدولة لهذه المرافق وعدم انتقالها للقطاع الخاص والاستفادة في الوقت ذاته من القطاع الخاص في كل ما يتعلق بالتمويل والإدارة وتحمل مخاطر المشرع .
وبالتالي لم يكن النص دقيقاً لأن التنظيم يتيح للمؤسسات العامة أو الشركات العامة أو للمنشات العامة أن تحدد أوضاع أداء الخدمة التي ستقدم من المتعاقد إلى المنتفعين وهو ما يفترض في حد ذاته بقاء الملكية للإدارة ولكن التعبير بلفظ فصل الملكية عن الإدارة لا يفصح عن بقاء حق التنظيم للمؤسسة العامة أو الشركة العامة أو للمنشاة العامة .
كان على المشرع أن يوضح النتائج المترتبة على فصل الإدارة عن الملكية والمتمثلة في استغلال المرفق ذاته إلى المؤسسة أو الشركة أو المنشاة بعد نهاية مدة العقد وبذلك نجد أن هذا النص قد جاء ليحكم بعض حالات عقود B.O.T العائدة إلى بعض المؤسسات العامة وفي مجالات الاتصالات والنقل خصوصاً.
وعلى المستوى القانوني المجرد يلاحظ أن إدارة المرافق العامة إنما تتم بعدة طرق ومن بين هذه الطرق : الإدارة عن طريق المؤسسات العامة والإدارة عن طريق التزام المرافق العامة ، والعقود التي تماثله وللدولة أن تختار أي طريقة من هذه الطرق لإدارة أي مرفق من المرافق وبالتالي فإن اللجوء إلى طريقة التزام المرفق العام B.O.Tيعني العدول عن إدارة المرفق بطريق المؤسسة العامة وما يماثلها ، وهذا يتطلب بحكم اللزوم المنطقي زوال المؤسسة العامة التي كانت تدير المرفق وإسناد إدارة المرفق إلى الملتزم ، ولكن المشرع في المادة /35/ السالفة الذكر قد توجه على ما يبدو نحو النقل الجزئي لإدارة المرفق العام عن طريق الالتزام ، فكون لدينا مرفق عام يدار في معظمه عن طريق المؤسسة العامة وفي جزئه عن طريق عقد الالتزام B.O.T فيكون في هذه الحالة وسيلة الإدارة ذات الطابع مختلط .
ومن الملاحظ أن اللجوء إلى وسيلة الإدارة ذات الطابع المختلط التي تجمع بين أسلوب المؤسسة العامة والالتزام قد أسند بموجب نص المادة /35/ ذاتها إلى سلطة تنفيذية عليا في الدولة (هي مجلس الوزراء)بناءً على اقتراح معلل من الوزير المختص (أي الذي تتبع المؤسسة العامة أو الشركة العامة أو المنشاة العامة لوزارته) .
ثالثاً: مدى إمكانية تطبيق كل من القانون (51) لعام 2004 المتضمن نظام العقود الموحد للجهات العامة والمرسوم (450) لعام 2004 المتضمن دفتر الشروط العامة لنظام العقود على عقود B.O.T .
لا يوجد في التشريع السوري قواعد قانونية تحدد كيفية اختيار المتعاقد في عقودB.O.T ولا في عقود التزام المرافق العامة أو الأشغال العامة ويثور السؤال حول ما إذا كان القانون رقم /51/ لعام 2004 المتضمن نظام العقود الموحد للجهات العامة والمرسوم رقم /450/ لعام 2004 المتضمن دفتر الشروط العامة ينطبق على عقود B.O.T ونجد أن المادة /1/ من مرسوم إصدار القانون رقم /51/ لعام 2004 على ما يلي " يقر نظام العقود المرافق المتضمن طرق تأمين احتياجات الجهات العامة وبيع أموالها "
كما نصت المادة /2/ من القانون ذاته في الفقرة /أ/ منها على ما يلي " تعقد النفقات الناجمة عن تامين احتياجات الجهة العامة بإحدى الطرق التالية......"
في حين نصت المادة /2/ من المرسوم رقم /450/ على أنه تطبق أحكام الباب الثاني من هذا الدفتر على عقود التوريد كما تطبق أحكام الباب الثالث منه على عقود الأشغال " وبناء على ما تقدم يمكن القول : إن نظام العقود الجديد يقتصر حكمه على العقود المتعلقة بتأمين احتياجات الجهات العامة أي عقود الشراء العام وكذلك على عقود بيع أموال هذه الجهات ذاتها أي عقود البيع العام أي إن القانون /51/ ينطبق على عقود الشراء والبيع الإداريين فقط دون عقود الالتزام وعقود B.O.T وما يماثلها وكذلك الأمر بالنسبة إلى المرسوم /450/ الذي نصت المادة /2/ منه صراحة على اقتصار أحكامها على عقود التوريد والأشغال فقط إضافة لذلك فإن القواعد التي تضمنها كل من القانون /51/ والمرسوم /450/ أنفي الذكر في معظم جوانبها لا تتلاءم مع الطبيعة القانونية والاقتصادية لمشروعات B.O.T ذلك أن الأسس التي تصلح للتطبيق في عقود البيع العام والشراء العام والتوريد والأشغال لا تصلح للتطبيق على عقود B.O.T وعقود التزام المرافق العامة ولا تلائم الطبيعة الاقتصادية والتمويلية للمشروعات المنفذة بنظام عقودB.O.T.
لذلك فإنه يلاحظ أن العمل قد بدأ يجري في سورية على اللجوء إلى أسلوب التعاقد بنظام B.O.T غير أن الجهات العامة التي لجأت إلى التعاقد بنظام B.O.T قد عانت من مصاعب قانونية مختلفة في تحديد القواعد القانونية المتوجبة عند إبرام هذا النوع من العقود وعند تنفيذها وعلى ذلك فإن عقود B.O.T في سورية يتم إبرامها خارج نطاق أي فلك قانوني .
لذلك وفي ضوء التطور الحاصل والاتجاه نحو تشجيع مشاركة القطاع الخاص في إنشاء وإدارة العديد من المرافق العامة فإننا نرى أنه يتعين على المشرع السوري أن يتدخل ليصدر قانوناً ينظم عقودB.O.T من حيث إبرامها ومن حيث تنفيذها .
المطلب الثاني
التكييف القانوني لعقود B.O.T
تحظى عملية التكييف القانوني لعقود B.O.T بأهمية بالغة يجب عدم تجاهلها فقد اختلف الوسط الحقوقي اختلافاً شديداً في مجال تكييف عقودB.O.T فقد رأت غالبية الفقه أن عقد B.O.T هو عقد امتياز أو التزام مرفق عام وذلك لأن المتعاقد مع الإدارة في عقدB.O.T يتعهد بالقيام على نفقته ومسؤوليته المالية بأداء خدمة عامة للجمهور وذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن واستيلائه على الأرباح كما هي الحال في نطاق عقد الامتياز أو الالتزام تماماً .
ولكن في الحقيقة يوجد اختلاف بين المصطلحات التالية : الالتزام و الامتياز وB.O.T .
فعقد امتياز المرفق العام يختلف عن عقد الالتزام لأن هذا العقد الأول تكلف الإدارة بموجبه شخصاً من القطاع الخاص أو العام لاستغلال مرفق يسلم إليه بإنشاءاته المعدة مسبقاً من جانب الإدارة وذلك مقابل مبلغ محدد من المال يدفعه إلى هذه الأخيرة فيكون المقابل الذي يحصل عليه هو الفرق بين ما يدفعه إلى الإدارة وما يحصل عليه من استغلال المرفق عن طريق جباية رسوم من المنتفعين من خدمات هذا المرفق.
وبالتالي الفرق واضح إذ يقوم الملتزم بإنشاء مرفق غير موجود ضمن نطاق عقود الالتزام في حين يتسلم المرفق جاهزاً للتشغيل في نطاق الامتياز كما لا يجوز أن نكيف عقد B.O.T على أنه عقد التزام أو امتياز بل يجب أن نقارب عقد B.O.T من عقد الالتزام فقط وذلك على أساس أن الجوهر القانوني لكلا العقدين واحد ولكن يجب أن نشير إلى أن عقد B.O.T لا يتطابق تماماً مع عقد التزام المرفق العام بمعناه التقليدي وإنما يتطابق في الواقع مع نوع شهير جداً من عقود الالتزام هو عقد التزام الأشغال العامة وبالتالي يمكن تكييف عقد B.O.T على أساس أنه عقد التزام أشغال عامة إذا لم يحدث تطابق بين مفهومي المرفق العام والأشغال العامة ويكيف على أساس أنه عقد التزام مرفق عام إذا حدث تطابق بين مفهومي الأشغال العامة والمرفق العام إذ يحدث في هذه الحالة اندماج ما بين المفهومين وتستغرق الأشغال العامة ضمن المرفق العام.
لذلك وللبحث في الطبيعة القانونية لعقود B.O.Tلزاماً علينا أن نبدأ ولو بإيجاز بدراسة الطبيعة القانونية لعقود التزام في حال وجود تطابق بين الأشغال العامة والمرفق العام كي نتمكن من المقارنة فيما بينهما لذلك سنبحث
في الفرع الأول: الطبيعة القانونية لعقود التزام المرافق العامة
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية لعقود B.O.T
الفرع الأول
الطبيعة القانونية لعقود التزام المرافق العامة
اختلفت الاتجاهات والآراء الفقهية حول تحديد الطبيعة القانونية لهذه العقود فقد سادت في الفقه الألماني نظرية مفادها أن الالتزام عبارة عن أمر انفرادي وينحصر دور الملتزم في مجرد قبول الالتزامات الموجودة في وثيقة الالتزام ، وعيب هذه النظرية أنها تغفل تماماً إرادة الملتزم ،مع أن هذه الإرادة تلعب دوراً هاماً في تكوين الالتزام وقد أخذ بهذه النظرية الفقه الايطالي ولا شك أن هذا الرأي وإن احتفظ للإدارة بحقها في التدخل لتعديل شروط الالتزام أو إلغائه دون حاجة لرضاء الطرف الأخر ، إلا انه يغالي في إغفال نصيب الملتزم في إبرام العقد إلى الحد الذي قد يؤدي إلى زعزعة مركزه .
وفي المقابل ينظر لالتزام المرافق العامة من وجهة نظر أخرى على أنه عقداً من عقود القانون المدني يخضع لما تخضع له العقود المدنية من قواعد ،أي أنها ليست سوى عملية تعاقدية بحتة تستوجب إنابة من السلطة العامة تبرز آثارها في تمكين الملتزم من وضع يده على المال العام وجباية أتاوات من المنتفعين من خدمات المرفق ، ولتبرير الطبيعة التعاقدية للشروط التنظيمية التي تحكم سير المرفق الممنوح فقد ذهب أنصار هذه النظرية إلى القول إن اللائحة الموضوعة لأجل تنظيم المرفق من قبل الإدارة قد استغرقت في دفتر الشروط الذي تتحول طبيعته إلى طبيعة تعاقدية بمجرد رضا الملتزم بما يحتويه هذا الدفتر ومتى اكتسب دفتر الشروط هذه الطبيعة غدا مبرماً ومتعذراً المساس به ،ولتفسير مسألة تنظيم المرفق لصالح المنتفعين المستقبليين ، فقد استعار أصحاب هذه النظرية فكرة الاشتراط لمصلحة الغير وذلك على أساس أن الإدارة المانحة حين أبرمت عقد الالتزام قد اشترطت تقديم الخدمة لصالح المنتفعين من المرفق ، وبالتالي فإن دور الملتزم في هذه الحالة يماثل دور الواعد ولكن تبين خطأ هذا الرأي حيث أن الأخذ به على إطلاقه يجعل الإدارة عاجزة عن التدخل في تعديل شروط الالتزام بمجرد إقرارها وفي ذلك تعطيل للقواعد الواجب تطبيقها على جميع المرافق العامة ومنها مبدأ ضمان الإدارة سير المرافق العامة بانتظام واضطراد .
وبالمقابل فإن الملتزم يتمتع في إدارته للمرفق بمزايا لا يتمتع بها الأفراد العاديون ( شغل أملاك الدولة وفرض أعباء على الأفراد تقتضيها إقامة منشأت المشروع وغيرها من المميزات الأخرى ) .
كما سادت نظرية في فرنسا مؤداها أن عقد الالتزام هو عقد من نوع خاص إذ أنه يتميز بخصائص معينة تظهر في تفويض الملتزم بمباشرة بعض امتيازات السلطة العامة (كسلطته في فرض أعباء على الأفراد تقتضيها إقامة منشآت المشروع وسلطته في تحصيل الرسوم من المنتفعين وسلطته في تشغيل الدومين العام ) لذا فإن عقد الالتزام لا يمكن النظر إليه باعتباره عقداً مدنياً كما كان سائدا في الماضي ، بل إنه عقد من نوع خاص لا نظير له في العقود المدنية ، وأحكامه لا تخضع للقواعد المدنية وإنما لأحكامه الخاصة وما تتضمنه قائمة الشروط وما تنص عليه القوانين الخاصة به .
وأخيراً فقد تطور النظر إلى طبيعة الالتزام بظهور نظرية العميد (ديجي) وهي النظرية التي أقرها الفقه والقضاء الإداري الفرنسي في فترة من الفترات وتجد هذه النظرية أصولها الأولى في ملاحظات مفوض الحكومة Blum، وتدور هذه النظرية حول اعتبار أن للالتزام مظهرين:
أولاً: مظهر تنظيمي :
ويتجلى في العلاقة بين المرفق والمنتفعين .
ثانياً: مظهر تعاقدي :
يبدو من خلال العلاقة بين الملتزم والإدارة .
وبالنتيجة فإن الشروط التي يحتويها الالتزام تكون كلها تعاقدية في العلاقة بين الملتزم والإدارة ، ونفس الشروط تعتبر بمنزلة اللائحية ولكن في مواجهة المنتفعين .
وبذلك يصبح الالتزام ضمن كل شروطه عقداً في إطار العلاقات بين الإدارة المانحة والملتزم ، وضمن كل شروطه أيضاً يصير قراراً تنظيمياً ولكن في مواجهة المنتفعين .
ولم تسلم هذه النظرية من النقد حيث رأى بعض الفقه أن قيام العلاقة بين الإدارة والملتزم على أساس تعاقدي بحت يؤدي بالنتيجة إلى عدم إمكانية تعديل القواعد المتعلقة بتنظيم المرفق إلا باتفاق الطرفين . وهذا يؤدي في النهاية إلى تجميد حسن سير المرافق الممنوحة ، كما أن هذه النظرية تقترب جداً من النظرية التعاقدية ولا تختلف عنها إلا بتكييف سريان أثار الالتزام في مواجهة الغير على أساس الطبيعة اللائحية للالتزام بدلاً من اعتباره اشتراطاً لمصلحة الغير ، في حين تبقى العلاقة بين الإدارة والملتزم علاقة تعاقدية في كل تفاصيلها ، وهذا لا ينسجم أبداً مع نظرية المجالات التعاقدية في القانون العام والتي تأبى أن يكون تنظيم المرفق ذاته محلاً لعقد ، كما أنها تسبغ على الشروط المالية ذات الطابع التعاقدي الصرف طبيعة تنظيمية في مواجهة الغير، الأمر الذي لا يبدو مستساغاً أبداً في المنطق القانوني وهي تعطي للتصرف القانوني الواحد طبيعة مختلفة تبعاً للأشخاص الذين يسري في مواجهتهم .
أما في وقتنا الحالي ولتبرير الطبيعة القانونية للالتزام ظهرت نظرية العمل المختلط وهذه النظرية هي الأكثر قبولاً من جانب الفقه والقضاء في فرنسا ، ومؤدى هذه النظرية أن الالتزام كتصرف قانوني يقوم على أساس مركب من عناصر تعاقدية وأخرى تنظيمية بمعنى أن هذا التصرف في جزء منه تعاقدي وفي جزئه الأخر تنظيمي ، ولكن وعلى عكس نظرية الطبيعة المزدوجة فإن هذه الطبيعة المركبة تبرز وفقاً لأنواع الشروط التي يمكن تمييزها في محتوى التصرف، فالشروط التي تتعلق بتنظيم وتسيير المرفق تتمتع بالطبيعة التنظيمية في مواجهة الملتزم والمنتفعين على حد سواء أما الشروط الأخرى وهي التي تتعلق بالأفضليات والمميزات التي تعطيها الإدارة للملتزم مقابل إدارته للمرفق والتي دفعت ذلك الملتزم إلى النهوض بمبدأ المرفق فإنها تتمتع بالطبيعة التعاقدية وهذه الشروط لا تعني المنتفعين بل يكونون غرباء عنها عملاً بمبدأ الأثر النسبي للعقود وبالتالي يكون هناك نوعين من الشروط :
أولاً: الشروط التنظيمية أو اللائحية .
وهي نصوص تتعلق بتنظيم المرفق العام وتسييره ،فالالتزام وإن اعتبر أسلوباً لإدارة المرفق العام فإن الأخير يظل محتفظاً بطبيعته كمرفق عام ، وتضم قائمة الشروط أركان استغلال المرفق وكيفية سيره . فقائمة الشروط الخاصة بالتزام مرفق النقل بالسكة الحديدية تتضمن تحديد تعرفه الأسعار وعدد القطارات التي يجب أن تسير كما تحدد الإجراءات الكفيلة بحفظ المنتفعين وتأمين سلامتهم .
فالشروط اللائحية لا تقتصر على تنظيم العلاقة بين الإدارة والملتزم وإنما تطال الغير أي المنتفعين بخدمات المرفق ويستطيع المنتفعون الاحتجاج بها على الإدارة أو الملتزم فهي شروط توجد دائماً سواء تم إدارة المرفق بطريق الاستغلال المباشر أو الاستغلال غير المباشر .
وتملك الإدارة تعديل هذه الشروط في كل وقت وفقاً لحاجة المرفق موضع الاستغلال ، ولذلك فإن الالتزام ينشئ في أهم شقيه مركزاً لائحياً يتضمن تخويل الملتزم حقوقاً مستمدة من السلطة العامة ، يقتضيها قيام المرفق واستغلاله وهو مركز لائحي ينشئه الالتزام والذي يتصل بالمرفق العام الذي يسود العملية بأسرها .
أما المركز التعاقدي فيعتبر تابعاً له ، وليس من شأنه أن يحول دون صدور نصوص لائحية جديدة تمس الملتزم ، وأنه لو أن الشروط اللائحية تتقرر باتفاق يبرم بين السلطة مانحة الالتزام والملتزم إلا أن هذا الاتفاق ليس عقداً ، ولا يترتب عليه التزامات دائنية ومديونية ، بل يقرر قاعدة تنشئ مركزاً قانونياً أو لائحياً ، فإن حق الدولة في تعديل هذا المركز بإدارتها المنفردة من الأمور التي تخرج عن نطاق الجدل .
ثانياً: الشروط التعاقدية
تتضمن هذه الشروط حقوق والتزامات طرفي العقد والتي يتفق عليها الطرفان ويقرانها وأغلبها تختص بالحقوق والالتزامات المالية وبمدة الالتزام وكيفية استرداد المرفق وتنفيذ الأشغال العامة التي يتضمنها عقد الالتزام وهذه الشروط تحكمها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .
ويتضح جلياً أن هذه الشروط التي تحكم العلاقة بين الملتزم والسلطة مانحة الالتزام لا وجود لها لو أن المرفق تم استغلاله بطريق الاستغلال المباشر من قبل الإدارة .
وتأسيساً على ذلك يعتبر عقد التزام المرافق العامة عقداً إدارياً ذا طبيعة قانونية مركبة من خلال ما يحتويه من شروط لائحية تملك الإدارة تعديلها في كل وقت وفقاً لحاجة المرفق وشروط أخرى تعاقدية تحكمها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .
وكما هو واضح فإن هذه النظرية توفق بين المصلحتين المتناقضتين اللتين يقوم عليها الالتزام : فهناك من جهة مصلحة الشخص الذي سينهض بعبء المرفق والذي يرغب في حماية هذه المصلحة عن طريق علاقة عقدية تجمعه مع الإدارة وهناك من جهة أخرى مصلحة الإدارة التي يجب أن تظل سيدة على المرفق الذي يهدف إلى تحقيق النفع العام .
ولكن الأساتذة لوبادير وديلفولفيه ومودرن في مطولهم عن العقود الإدارية يكيفون الالتزام على أنه اتفاقاً منتجا لأثار تنظيمية .
أما الدكتور مهند نوح فيضيف إلى التكييف السابق ونحن من مؤيديه على أن الالتزام هو اتفاق منتج لأثار تنظيمية محتو على شروط تعاقدية وليس على شروط تنظيمية وسبب ذلك أن محل هذا الاتفاق بشكل رئيسي إنما يتمثل بتنظيم وتسيير وإدارة مرفق عام وليست الشروط التعاقدية سوى عناصر ملحقة بالعناصر التنظيمية وتابعة لها ومرتبطة بها وجوداً وانعداماً ، وبالتالي فإن التركيز على الشروط التعاقدية وتكييف الالتزام على أنه عقد تبعاً لذلك ، يأتي من باب تعميم حكم الجزء على الكل وبناء القاعدة على أساس الاستثناء .
الفرع الثاني
الطبيعة القانونية لعقود B.O.T
أوضحنا في الفرع الأول من هذا المطلب الطبيعة القانونية لعقد التزام المرافق العامة ، حيث يعتبر هذا العقد بصورته التقليدية (عقداً إدارياً ذا صفة مركبة ) ولكن ما مدى توافر الشروط التي يتطلبها الاجتهاد القضائي الإداري لاعتبار عقد B.O.T عقداً من العقود الإدارية وخاصة ما يتعلق بتوافر الشروط غير المألوفة في القانون الخاص–سواء أكانت هذه الشروط مقررة في ذات العقد أو تقررها القوانين واللوائح – وبالتالي تخضع أحكامه لقواعد القانون الإداري وتدخل المنازعات الخاصة به في اختصاص القضاء الإداري ؟ أو أنه عقد من عقود القانون الخاص تتساوى فيه مصالح الطرفين وتتوازى ويخضع طرفاه لسلطان الإدارة ولمبدأ العقد شريعة المتعاقدين وبالتالي تطبق على أحكامه قواعد القانون لخاص وتدخل المنازعات المتعلقة به في اختصاص القضاء العادي ؟
كما أننا نتساءل إلى أي مدى يقترب هذا العقد من عقود التزام المرافق العامة ؟ وهل يعتبر بعناصره صورة من صور التزام المرافق العامة ؟ نجيب بداية عن التساؤل الأول من خلال تطبيق معيار العقد الإداري على هذا العقد ،ثم ننتقل للإجابة عن التساؤل الثاني وذلك وفقاً للترتيب التالي :
- تطبيق معيار العقد الإداري على عقود B.O.T
لا يمكن تغليب الطبيعة الإدارية لعقود الـB.O.T بصفة مطلقة على طبيعتها العقدية (التجارية) أو العكس ، فتعتبر هذه العقود عقوداً إدارية في أحوال معينة وعقوداً مدنية في أحوال أخرى .
فقد تبرم الإدارة عقودB.O.T مع القطاع الخاص باعتبارها سلطة عامة فتأخذ بوسائل وأساليب السلطة العامة وتقوم بإدراج شروط استثنائية أو غير مألوفة في العقد ،ونضرب مثالاً على ذلك " حالة إبرام الإدارة عقود B.O.T لإنشاء أو تطوير المرافق العامة واستغلالها حيث تقتضي مصلحة المرفق وجود مثل تلك الشروط وفي الحالة تعتبر تلك العقود عقوداً إدارية .
ومن ناحية أخرى قد تقوم الإدارة بإبرام عقود B.O.T بصورة تتجرد فيها من مظاهر وأساليب السلطة العامة أي باعتبارها شخصاً من أشخاص القانون الخاص ، وهي الحالة التي قد تلجأ إليها الدولة لتنمية أموالها الخاصة وتعتبر العقود في هذه الحالة من عقود القانون الخاص .
لذلك علينا أن نتعامل مع كل عقد على حده إلا أننا على يقين بأن عقود الـB.O.T في الصورة التي نتناولها فيها باعتبار الدولة سلطة عامة في هذا البحث إنما هي عقود إدارية وبإخضاع هذه العقود إلى معيار العقد الإداري يتأكد لنا ذلك .
ويتمثل معيار العقد الإداري في أمور ثلاثة :
1- أطراف العقد : يتعلق هذا المعيار بأطراف العقد أي صفتهم وطبيعتهم، فوفقاً لهذا المعيار العضوي لكي نتحدث عن وجود عقد إداري يجب أن تكون الإدارة أو أحد الأشخاص العامة طرفاً فيها وهي الدولة والأشخاص العامة الإقليمية كالمحافظات والبلديات والهيئات العامة والعبرة في تحديد صفة الشخص العام هي وقت إبرام العقد .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العقود التي تبرمها الهيئات المهنية (نقابات المحامين والأطباء والمهندسين ....) مع أشخاص القانون الخاص لا يزال القضاء الإداري السوري يتخذ موقفاً متردداً منها فهو لا يعتبرها من أشخاص القانون العام ولا يعد عقودها إدارية ولا يمد اختصاصه إليها خلافاً لما يفعله القضاء الإداري الفرنسي .
ويجب التنويه إلى أن الطرف الأخر في العقد الإداري يمكن أن يكون هو الأخر شخصاً من أشخاص القانون العام كما قد يكون شخصاً من أشخاص القانون الخاص ، وهذا هو الغالب في العقود الإدارية .
2- أن يتعلق العقد بمرفق عام : لكي نكون أمام عقد إداري يجب إلى جانب توافر الشرط المفترض (الإدارة كطرف في العقد) أن يتعلق محل هذا العقد أو موضوعه بمرفق عام والمرفق لغةً ما يرتفق به وفي قصة أصحاب الكهف يقول المولى سبحانه (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ). وإن مصطلح "المرفق العام" مبهم كما عبر كثير من فقهاء القانون عن ذلك ومع إبهامه له معنيان :أولهما :عضوي ويفيد المنظمة –أو الجهاز- التي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة ويتعلق هذا المعنى بالإدارة أو الجهاز الإداري .والثاني معنى موضوعي: ويتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباع حاجات عامة خاضعة لتنظيم وإشراف ورقابة الإدارة . ونحن نرى أن معيار تعلق العقد بمرفق عام هو معيار موضوعي فالمرفق العام بصفة عامة هو عبارة عن نشاط تضطلع به الإدارة سواء بنفسها أو تحت توجيهها أو رقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة لدى الجمهور .وقد عرف القضاء الإداري المرفق العام بأنه (كل مشروع تتولاه الإدارة العامة بنفسها أو تحت إشرافها ورقابتها للوفاء بالحاجة ذات النفع العام ، كمرفق الصحة والعدل والتعليم والمواصلات والدفاع ......) وهذا المفهوم هو الذي تمسك به الفقه الحقوقي الفرنسي .وقد أكد القضاء الإداري السوري على ضرورة اتصال العقد بنشاط مرفق عام حتى يمكن اعتباره إدارياً وهذا ما أوضحته محكمة القضاء الإداري في قرارها رقم 135لعام 1977 عندما قضت بأنه "حتى يكون العقد إدارياً يدخل الفصل في المنازعات الناشئة حوله في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، فإنه يجب أن يتصل بالمرفق العام الذي تقوم عليه الإدارة ، أما إذا لم يكن كذلك كما لو تعلق العقد بالقيام بأعمال هي من أعمال الأفراد العاديين كتأجير عقار واستثماره دون أن يتصل ذلك بسير المرفق العام أو يكون لذلك صفة النفع العام ، ابتعدت صفة العقد الإداري عن العقود "
3- أن تظهر في العقد نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام : وفحوى ذلك أن العقد يعد إدارياً إذا تضمن بنوداً غريبة أو غير مألوفة بالنسبة لعقود القانون الخاص والتي تنشأ عن مبدأ المساواة بين المتعاقدين وبين إرادتهما لذلك يطلق على هذا الشرط تسمية الشروط الاستثنائية ويرى العميد فيدل أن الشرط الاستثنائي هو المعيار الوحيد الكافي لإضفاء الصفة الإدارية على العقد ، ويستدل على خضوع العقد لروابط القانون العام إما بالشروط التي تثير امتيازات السلطة العامة أو بالشروط غير المألوفة في القانون الخاص . وفي الحقيقة لا يوجد تعريف علمي ودقيق لأنواع الشروط التي يتضمنها العقد الإداري والتي تدل على خضوعه لروابط القانون العام كما أنه يتعذر وضع قائمة بتلك الشروط غير أنه بإمكان القضاء فحص الشروط الاستثنائية في كل عقد تعرض عليه منازعاته.
ويرى جانب من الفقه أن الشروط غير المألوفة هي تلك التي لا يمكن تفسيرها إلا على ضوء نظريات القانون الإداري ومن قبيلها الشروط التي تعطي المتعاقد الحق في إعادة التوازن الاقتصادي للعقد نتيجة المخاطر الإدارية أو الاقتصادية .وكذلك جميع الشروط المستوحاة من اعتبارات الصالح العام التي تستهدفها الإدارة .ويمكن إجمال الشروط الاستثنائية وغير المألوفة برأي المحامي محمود زكي شمس بما يلي :
1- الشروط التي تتضمن امتيازات للإدارة لا يمكن أن يتمتع بها المتعاقد الأخر .
2- الشروط التي تخول المتعاقد مع الإدارة سلطات استثنائية في مواجهة الغير .
3- الإحالة على دفتر شروط تتضمن شروطاً استثنائي
4- الشروط التي تمنح المتعاقد حقوقاً غير مألوفة في العقود المدنية .
مما تقدم فإذا كانت العناصر السابقة هي التي يتم من خلالها تحديد وتمييز العقد الإداري أي تعد بحد ذاتها معياراً للعقد الإداري وبالتالي تشترط الإدارة لنفسها التمتع ببعض امتيازات السلطة العامة ،ولكننا نجد أن القضاء الإداري لم يصل إلى وضع ضوابط دقيقة للمقصود بالشروط الاستثنائية . وقد حاول الفقه الفرنسي تحديد مفهومها وطبيعتها .
و في سورية نجد أن العقد لكي يطلق عليه الصفة الإدارية يجب اجتماع العناصر الثلاثة السابقة ، وهي :
تحقق الشرط المفترض أي أن يكون أحد طرفي العقد على الأقل شخصاً اعتبارياً عاماً.
وأن يتصل العقد بمرفق عام وأن يتضمن بنفس الوقت بنوداً غير مألوفة أو استثنائية بالنسبة لعقود القانون الخاص .
فإذا تخلف عنصر من هذه العناصر الثلاثة انتفت صفة العقد الإداري وأصبح العقد من ضمن عقود القانون الخاص فيخضع لأحكامه وتدخل المنازعات المتعلقة به في اختصاص القضاء العادي سواء المدني أو التجاري
أما في فرنسا فلا يشترط تحقق اجتماع هذه العناصر معاً حتى يمكن وصف عقد إداري وإنما يكفي وجود عنصرين منها فقط .
فإلى جانب تحقق الشرط المفترض أي أن يكون أحد طرفي العقد شخصاً من أشخاص القانون العام – يجب أن يتحقق أي من العنصرين الآخرين وهما إما (تعلقه أو اتصاله اتصالاً وثيقاً بالمرفق العام ) – ومعنى ذلك أن يكون الهدف من العقد تنظيم المرفق العام أو تنفيذه أو تسييره فلا يكفي مجرد الإسهام البسيط في شأن من شؤون المرفق أو وجود بنود غير مألوفة أو شروط استثنائية في العقد .
فالقضاء الإداري الفرنسي يكتفي بأحد العنصرين السابقين للاستدلال على صفة العقد الذي تبرمه الإدارة فيكفي وجود أحدهما إلى جانب الشرط المفترض لتكييف العقد بأنه عقد إداري فكل من معيار المرفق العام ومعيار البنود غير المألوفة يعتبر بديلاً للآخر .
ومن خلال تطبيق المفاهيم السابقة لمعيار العقد الإداري على عقد B.O.T نجد في فرنسا أنه لا توجد ثمة مشكلة في اعتبار هذا العقد إدارياً إذ يتحقق في عقد B.O.T العنصران التاليان :
1- الشرط المفترض : حيث يعتبر الإدارة طرفاً رئيساً في هذا العقد .
2- المرفق العام : حيث أن الهدف من عقود B.O.T في هذا المقام هو إنشاء أو تطوير المرفق العام وإدارته واستغلاله ثم نقل حيازته للدولة .
فإذا كان القضاء الفرنسي يشترط تعلق العقد أو اتصاله اتصالاً وثيقاً بالمرفق العام فإن هذا الاتصال قد يكون في شكل أن يعهد للمتعاقد بمهمة تنفيذ أو تسيير المرفق العام أو في شكل إشراك المتعاقد في تسيير المرفق العام أو في شكل التنفيذ ذاته للمرفق العام .
وجميع صور ومظاهر هذا الاتصال الوثيق بالمرفق العام متوفرة في عقودB.O.T بل إن درجة الاتصال الوثيق بالمرفق العام قد بلغت ذروتها في هذا العقد وهذان العنصران على درجة كبيرة من الوضوح وباجتماعهما تتحقق الصفة الإدارية في عقد B.O.T فإن ذلك يغنينا عن الخوض في العنصر الثالث ( البنود غير المألوفة أو الشروط الاستثنائية) في فرنسا .
أما بالنسبة للوضع في سورية التي تتطلب تحقق الشروط أو العناصر الثلاثة المجتمعة فيمكن القول لا توجد مشكلة في انطباق العنصرين السابقين وهما الشرط المفترض واتصال العقد بالمرفق العام بالنسبة لعقدB.O.T .
حيث أن الطرف الأول في إبرام عقد B.O.T التي نتناولها هنا هي الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة وهو ما يتحقق به العنصر الأول كما أن المقصود من هذه العقود في هذا المجال هو استخدامها كطريق لإنشاء أو تطوير ما ينطبق عليه وصف المرفق العام وإدارته وتشغيله – أي استغلاله من خلال تقديم الخدمة أو المنتج وأخذ المقابل – ثم نقل ملكيته للدولة وهو ما يتحقق به العنصر الثاني .
أما بالنسبة للعنصر الثالث وهو وجود بنود غير مألوفة أو استثنائية في العقد فإنه يجب علينا توضيح ماهية هذه البنود غير المألوفة فإذا كان العنصران السابقان من الوضوح بحيث لا حاجة إلى التفصيل فيهما فإن البنود غير المألوفة يكتنفها عادة بعض الغموض ، لذا وجب الإيضاح لحسم الأمر .
ونجد أن القضاء في سوريا أو فرنسا لا يميل إلى وضع تعريف محدد للبنود غير المألوفة أو ما يطلق عليها الشروط الاستثنائية فهو يكتفي عادة بتقرير أو نفي صفة العقد الإداري للعقد المعروض عليه إذا ما ارتأى وجود مثل هذه البنود وفقاً لتقديره وبالرغم من ذلك نستطيع أن نجد بعض المحاولات لوضع تعريف للبنود غير المألوفة ومثالها حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في عام 1950 حيث يعرفها بأنها " تلك البنود التي يكون موضوعها إعطاء المتعاقدين حقوقاً أو إلزامهم بالتزامات تخرج بطبيعتها عن تلك التي يمكن أن يقبلها بحرية أي متعاقد في إطار القوانين المدنية والتجارية" وتقول محكمة التنازع الفرنسية في حكمها الصادر عام 1952 "بأنها البنود التي تختلف بطبيعتها عن تلك التي يمكن أن ينص عليها في عقد مماثل في القانون الخاص "
وذهب البعض إلى الربط بين فكرة البنود غير المألوفة وفكرة الصالح العام بالقول إن البنود غير المألوفة هي البنود الغريبة على العقد والتي نادراً ما تتضمنها لارتباطها بفكرة المصلحة العامة وهي فكرة غريبة على عقود الأفراد التي ترتبط بالمصالح الخاصة للمتعاقدين .
ومما سبق يتضح لنا أنه ليس هناك تعريف واحد جامع محدد متفق عليه لفكرة البنود غير المألوفة أو كما يطلق عليه أغلب الفقه الشروط الاستثنائية .
حيث أن القضاء يبحث في كل حالة على حدة ويقرر ما إذا كانت البنود المتضمنة في العقد المعروض عليه بنوداً غير مألوفة ، فيعتبر العقد إدارياً ويتم التعامل معه بمقتضى ذلك أم أن البنود الواردة بنود عادية ومن الممكن أن تتضمنها عقود القانون الخاص فيعامل العقد معاملة عقود القانون الخاص .
ولا شك أن عدم وجود تعريف محدد ومتفق عليه لفكرة البنود غير المألوفة يؤدي إلى الاختلاف في الرأي وإلى اختلاف أحكام القضاء بالنسبة لما يعد وما لا يعد بنوداً غير مألوفة بل وقد ينصب الاختلاف على ذات البند فتعتبره بعض الأحكام غير مألوفة بينما تعتبره أحكام أخرى بنداً عادياً ومألوفاً ، لهذا حاول القضاء من خلال المنازعات التي عرضت عليه ونظرها وفصل فيها أن يضع قائمة للبنود غير المألوفة التي يمكن أن يتضمنها العقد الإداري وهي قائمة طويلة تحتوي على بنود متنوعة ومختلفة يصعب حصرها إلا أنه يمكن ردها إلى قسمين كبيرين يتعلق أولهما بامتيازات القانون العام وتشمل امتيازات تتمتع بها الإدارة وأخرى تمنح للمتعاقد ، ويتعلق القسم الأخر بقواعد القانون العام وهي بنود نجدها في العقود الإدارية وتكون غير مألوفة في عقود القانون الخاص لارتباطها بالقواعد والمتميزة والمعروفة بالقانون العام والتي تدور أساساً حول فكرة المصلحة العامة وضرورة تحقيقها والحفاظ عليها في كل ظرف .
وبعد هذا العرض الموجز للبنود غير المألوفة أو الشروط الاستثنائية نتساءل هل تتضمن عقود B.O.T بنوداً غير مألوفة ؟ حينما تبرم عقود B.O.T بقصد إنشاء وإدارة واستغلال ما يأخذ وصف المرفق العام ، فيتمخض عن تلك العقود امتيازات لجهة الإدارة وأخرى للمتعاقد لا مثيل لها في عقود القانون الخاص وتعتبر هذه الامتيازات وفقاً لما تقدم بنوداً غير مألوفة .
فمن ناحية أولى : نجد أن مهمة إنشاء المرفق العام واستغلاله وإدارته للقطاع الخاص لا يلغي دور الإدارة الرئيس والأساسي في تسير المرفق العام وتقديم الخدمة العامة فمبدأ ضمان الإدارة لسير المرافق العامة بانتظام واضطراد هو مبدأ إداري واضح وصريح وهو من النظام العام لا يمكن التنازل عنه أبداً . فالإدارة ليس لها بأي عقد كان أن تتنازل عن دورها في ضمان هذا المبدأ وعليها أن تعمل في كل وقت على ضمان سير هذه المرافق وضمان حصول الأفراد على الخدمة ولتحقيق ذلك فإن لها أن تراقب تنفيذ وتطبيق تلك العقود ولها الحق في الإشراف على المرافق والتدخل عند الضرورة كما لها الحق في أن تعدل في العقد (الشق اللائحي) أو أن تقوم باسترداد المرفق قبل نهاية مدة العقد تحقيقاً لصالح المرفق العام مع تعويض المتعاقد معها تعويضاً كاملاً .
ومما لا شك فيه أن امتيازات السلطة العامة تلك تعد بنوداً وشروطاً استثنائية لا مثيل لها في عقود الفانون الخاص .
ومن ناحية أخرى : فإن عقود B.O.T كثيراً ما تتضمن امتيازات تعطى للمستثمر (المتعاقد معه الإدارة) الحق في طلب نزع الملكية أو الحق في طلب الاستيلاء المؤقت على الملكية الخاصة أو اعتبار أشغال المستثمر أشغالا عامة أو منحة تخفيضات جمركية أو إعفاءات ضريبية .
وبناءً عليه نتساءل ألا تعد هذه الامتيازات بنوداً غير مألوفة أو شروطاً استثنائية لا مثيل لها في عقود القانون الخاص ؟
ومما سبق :
يتضح لنا من العرض السابق أن عقد B.O.T متى ما تعلق موضوعه بإنشاء أو استثمار المرفق العام هو عقد إداري يخضع لقواعد القانون العام الإداري وتدخل المنازعات المتعلقة به كأصل عام باختصاص القضاء الإداري .
ويأبى هذا العقد وفقاً للمفاهيم السابقة ، أن يكون من عقود القانون الخاص ، تتساوى إرادة السلطة العامة مع إرادة الأفراد (القطاع الخاص) وتطبق عليها ذات القواعد . وعلة ذلك إن إرادة الدولة لا بد أن تعلو إرادة المتعاقد معها فهي الراعية والضامنة لسير المرافق العامة وليس لها وسيلة في ذلك إلا باللجوء لأساليب القانون العام فالقاضي الإداري وهو بصدد نظر منازعة حول العقد الإداري يمكنه الاستئناس بقواعد القانون المدني أو التجاري والتي تتوافق مع طبيعة علاقات القانون العام ولا تتعارض معها ، كما يمكنه تطويعها وتطويرها وتطبيعها وفقاً لاحتياجات سير المرافق العامة وبإمكان القاضي الإداري الاستعانة ببعض قواعد القانون الخاص وتطبيقها على العقود الإدارية كمنح المدين أجلاً أو أجالاً إذا رأت المحكمة محلاً لذلك ولم يكن هناك ضرر على الدائن كما يمكن تطبيق القواعد المتعلقة بالحادث الفجائي والقواعد التي تسمح بتصحيح الأخطاء المادية في العقود ..........الخ .
و قد يكون القاضي ملزماً أحياناً بتطبيق قواعد القانون الخاص وذلك حينما ينص المشرع صراحة على تطبيق تلك القواعد على عقد من العقود وننوه أن هذا التطبيق لا يعني أبداً اعتبار ذلك العقد من ضمن عقود القانون الخاص بل يبقى عقداً إدارياً طالما توافرت فيه عناصر العقد الإداري .
خلصنا مما سبق إلى القول بأن عقد B.O.T هو من فئة العقود الإدارية ولكن إلى أي مدى يقترب هذا العقد من عقود التزام المرافق العامة التقليدية وبماذا يختلف عنها ؟ فالحقيقة التي نراها أن عقد B.O.T يحتوي على أغلب العناصر المعروفة التي يحتويها عقد التزام المرافق العامة ، وباستعراض هذه العناصر يتأكد لنا ذلك :
1- فعقدB.O.T يبرم بين جهة الإدارة وشركة المشروع وهو شرط مفترض في كل العقود الإدارية الأخرى .
2- موضوع عقدB.O.T إدارة مرفق عام : فقد أوضحنا فيما سبق أن عقد الـB.O.T هو أحد الوسائل التي تسند فيها الإدارة للقطاع الخاص مهمة إدارة المرفق العام حيث يقوم القطاع الخاص بدوره في إنشاء المرفق وإدارته واستغلاله ثم نقل حيازته إلى الدولة .
3- يبرم عقد B.O.T لمدة محددة تتسم عادة بالطول: حيث يتميز عقد الـB.O.T كعقد التزام المرافق العامة تماما بطول المدة المحددة له وذلك حتى يتمكن المستثمر من تعويض ما تكبده من نفقات في سبيل إنشاء المرفق وإدارته وصيانته وفي الغالب تتراوح مدد عقود B.O.T ما بين 20 عشرين إلى 30 ثلاثين عاماً وهي المدة المعتادة لمثل هذه العقود وقد تصل في بعض الأحيان إلى 50 خمسين أو 99 تسعة وتسعين عاماً وتعد هذه المدة الأخيرة مبالغاً فيها .
4- وتقوم الإدارة في عقود B.O.T بتخويل الملتزم بعض حقوق وامتيازات السلطة العامة فيما يقتضيه قيام المرفق العام واستغلاله ، وهو ما يتفق تماماً مع عقد التزام المرافق العامة ، فقد يعطي الملتزم في الحق في الحصول على مقابل من الأفراد ، وهذا المقابل لا يعد آجراً بل هو في حقيقته رسم ويعطى الملتزم الحق في طلب ضم أراض أخرى مجاورة تكون لازمة للمشروع فضلاً عما يمنح من حق في طلب نزع الملكية أو الحق في طلب الاستيلاء المؤقت على الملكية الخاصة أو غيرها من الامتيازات الأخرى التي تتضمنها عقود التزام المرافق العامة .
5- يعتبر الملتزم في عقود B.O.T نائباً عن الدولة في أمر هو من أخص خصائصها فهذا العقد لا يعتبر تخلياً من الدولة عن المرفق العام بل تظل ضامنة و مسؤولة عن إدارته عن طريق هذا العقد كلما اقتضت المصلحة العامة هذا التدخل ،ويعد هذا المبدأ من النظام العام ولا يمكن التنازل عنه أبداً وبالتالي يطبق على عقود B.O.T تماماً كما يطبق على عقد التزام المرافق العامة .
وإذا كان عقد التزام المرافق العامة ينشئ بالإضافة إلى المراكز التعاقدية مركزاً لائحياً للملتزم ، تتولى الإدارة من خلاله التوجيه والرقابة والتعديل لكثير من أحكام استغلال المرفق بل واسترداده ، كما ينشئ مركزاً لائحياً للأفراد المنتفعين فإن عقود B.O.T تنشئ ذات المراكز وتتحقق بها ذات الأوضاع.
ذلك لأن موضوع هذه العقود هو إدارة واستغلال المرافق العامة سواء أكانت هذه المرافق اقتصادية أم إدارية ، ومن ثم فإن صاحب الامتياز (الملتزم) هو الذي سيتعامل مباشرة مع الجمهور وهو الذي سيقوم بتقديم الخدمة .
ومما سبق نجد أن عقد B.O.T في دول النظام اللاتيني ومنها سورية هو عقد إداري بطبيعته .ولا يؤثر في ذلك كون هذا العقد في الدول التي نشأ فيها أصلاً وهي دول النظام الأنكلوسكسوني يعد عقداً مدنياً أو تجارياً ذلك أن هذه الدول لا تعرف نظام العقد الإداري أصلاً فهي لا تعرف نظام القضاء المزدوج وإن عقد B.O.T تتوافر فيه جميع أنواع الشروط الاستثنائية التي تميز العقود الإدارية.
وقد توصلت الدراسة إلى أن عقد B.O.Tهو الصورة الحديثة لعقد التزام المرفق العام . ذلك أنه إذا كانت إدارة المرفق هي الالتزام الجوهري الذي يقع على عاتق الملتزم في الصورة التقليدية لعقد الالتزام إلا إن إشادة المنشات اللازمة لقيام المرفق وتجهيزها هي مسائل تدخل في صميم عقد الالتزام وهذا ما يعبر عن حقيقة عقود B.O.T، لذلك يطبق على هذا العقد كل ما يطبق على العقود الإدارية بشكل عام وخاصة شرط التحكيم لاقتراب عقد B.O.T من العقود التجارية التي تتطلب السرعة في فض المنازعات كما أن إطالة أمد التقاضي مع استمرار وقف المشروع عن العمل يؤدي إلى إهدار مبالغ كبيرة نتيجة لوجود مشاكل حقيقية في النظام القضائي الرسمي تتمثل في بطء التقاضي الذي يصل إلى عدد كبير من السنوات في كثير من المنازعات نتيجة لبطء الإجراءات وطولها وإغراق التشريعات الإجرائية في الشكلية التي تؤدي إلى سلسلة من الإجراءات الطويلة التي تؤذي العدالة .
لذلك يجب علينا أن نتعرف على التحكيم في عقود B.O.Tومزاياه وهو موضوع دراستنا في الفصل الثاني من هذا البحث .
الفصل الثاني
تسوية منازعات عقودB.O.T عن طريق التحكيم
عُرف التحكيم منذ زمن طويل،وله أصل وأساس في أحكام الشريعة الإسلامية "بقوله تعالى "
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبيراً }
واستناداً إلى ذلك اعتبر التحكيم "قضاء" واشترط في المحكم نفس شروط القاضي وإن كان لا يملك اختصاصاً مثله في مجالس القصاص والحدود .
وقد شاع التحكيم في عهد الإسلام واستند إلى اتفاق الأطراف واختيارهم ،فإذا صدر الحكم بينهم أصبح ملزماً لهم.
لذلك أصبح في الوقت الحالي من مظاهر العصر لأهميته في المعاملات التجارية. فالاعتبارات العملية تدعو دائماً إلى الاتفاق على التحكيم لطرح المنازعات على أشخاص محل ثقة الخصوم بدلاً من طرحها على المحاكم المختصة وذلك بهدف الإفادة من خبرتهم الفنية ولتجنب علانية جلسات القضاء مع الاقتصاد في الوقت والجهد والنفقات في كل الأحوال.
ومن هنا كان التحكيم وسيلة مثالية لحسم المنازعات في عقود B.O.T
وسوف نقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث :
المبحث الأول :ماهية التحكيم .
المبحث الثاني :مزايا التحكيم في عقود B.O.Tوعيوبه .
المبحث الثالث : القانون الواجب التطبيق على التحكيم في عقود B.O.T.
المبحث الأول
ماهية التحكيم
ترتبط الماهية بالاسم المجرد أو المعنى كما ينش عنه التعريف والذي يعبر عن عدد من الصفات تفهم من تصور التعريف وبالنسبة للتحكيم فإن تحديد ماهيته يبينها تعريفه باعتبار إن ماهية الشيء هي حقيقته ويتم التوصل إليها من خلال التعريف لذلك ومن البديهي أن نبدأ بتعريف التحكيم.
المطلب الأول
تعريف التحكيم وذاتيته
لابد في بداية الحديث عن التحكيم أن نتعرف على هذا الأسلوب لفض المنازعات بطريق سلمي دون اللجوء إلى القضاء وتمييزه عن أساليب فض المنازعات السلمية، لهذا سنقسم هذا المطلب إلى فرعين الأول نبدأ بالتعرف على التحكيم وفي الفرع الثاني ذاتية التحكيم.
الفرع الأول
تعريف التحكيم
التحكيم هو اتفاق على طرح نزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة.
ومن ثم فهو عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف نزاع معين على عرض خلافهم على محكم أو أكثر للفصل فيه في ضوء قواعد القانون ومبادئه العامة التي تحكم إجراءات التقاضي ، أو على ضوء قواعد العدالة ، وفقاً لما ينص عليه الاتفاق ،مع تعهد أطراف النزاع بقبول الحكم الذي يصدر عن المحكمين، والذي يحوز حجية الأمر المقضي ويصدر بتنفيذه أمر من السلطة القضائية في الدولة التي يراد تنفيذه بها .
وعرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة /1790/بأنه"عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما ، لفصل خصوماتهما ودعواهما .وقد عرف القانون /4/الصادر في 17/3/2008 التحكيم على أنه أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من القضاء سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضي اتفاق الطرفين منظمة أم مركزاً دائما للتحكيم أم لم تكن كذلك .
وجاء في الكامل في التحكيم بأنه "قيام شخص طبيعي أو أكثر تم اختياره من قبل أطراف النزاع للفصل في النزاع المثار بينهم بدلاً عن القاضي النظامي ."
ويتضح من عبارات الفقهاء قي تعريفهم لمعنى التحكيم وإن اختلفت الألفاظ أن التحكيم هو " تولية وتقليد وتفويض من طرفي الخصومة لطرف ثالث ليفصل فيما تنازعا " وعلى ذلك فإن التحكيم يمر بثلاث مراحل : المرحلة الأولى هي الاتفاق على التحكيم طريقاً لحل النزاع أولاً بدلاً من اللجوء إلى القضاء العام سواء وقع هذا الاتفاق قبل وقوع النزاع أو بعد وقوعه ثم ثانياً الاتفاق بين الخصوم والشخص الذي سيتولى الفصل في النزاع وهذه المرحلة هي مرحلة تولية وتقليد الحكم أي منحه سلطة الفصل في النزاع ثم تبدأ المرحلة الثالثة وهي مرحلة تلي التولية والتفويض وهذه المرحلة تبدأ بإجراء وتنتهي بحكم لذلك قيل التحكيم أوله اتفاق و أوسطه إجراء وأخره قضاء .
فالقضاء والتحكيم عنوانان لمفهوم واحد هو الفصل في الخصومات التي تثار بين الناس في معاملاتهم .إلا أن القضاء يختلف عن التحكيم في أن السلطة في الدولة هي التي تنصب القاضي وتلزم الناس بالتقاضي أمامه وتتعهد بتنفيذ الأحكام التي تصدر عن القاضي جبراً على المحكوم عليه بينما في التحكيم فإن الخصوم هم الذين يختارون القاضي أي المحكم الذي يفصل في النزاع .
وكان الخصوم في الماضي هم الذين يلزمون أنفسهم بتنفيذ حكم المحكم بوازع ضميرهم ،وتحت الضغوط الأدبية والعلاقات الاجتماعية التي يعيشون بمقتضاها في مجتمعهم وأحيانا تحت تأثير مكانة المحكم في المجتمع وضمانته .وفي العصر الحديث بدأ التحكيم يأخذ منحى أخر فقد أخذت الدولة تتولى تنظيم شؤونه وتشرف عليه وتتولى تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمين ، بواسطة السلطة التنفيذية التي تتمتع بها ، بحيث أضحى التحكيم والحالة هذه قريباً من القضاء النظامي إلا في مجال اختيار المحكمين ، وسرعة الفصل في النزاع.أي أن القضاء والتحكيم عادا إلى سيرتهما الأولى .
والتحكيم اصطلاح عام يقترن به مسميات فرعية تختلف بحسب المنازعة التي يراد حسمها ، فإذا كانت المنازعة تجارية سمي بالتحكيم التجاري وإذا كانت المنازعة مدنية أطلق عليه تحكيماً مدنياً ، وإذا كانت المنازعة إدارية سمي التحكيم إدارياً.
والتحكيم الإداري هو وسيلة قانونية تلجأ إليها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة الأخرى لتسوية كل أو بعض المنازعات الحالية أو المستقبلية الناشئة عن علاقة قانونية ذات طابع إداري عقدية أو غير عقدية فيما بينها أو بين إحداها وأحد أشخاص القانون الخاص الوطنية أو الأجنبية ، سواء كان اللجوء إلى التحكيم اختيارياً أو اجبارياً وفقاً لقواعد القانون الآمرة .
وعلى هذا يضحي التحكيم نظام قضائي خاص أو طريق استثنائي لفض الخصومات بعيداً عن طريق التقاضي العادية ويتم اللجوء إليه بمقتضى اتفاق الأطراف لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية عقدية أو غير عقدية .
وقد يتفق الأطراف على التحكيم قبل حدوث النزاع في صورة اتفاق مستقل أو كبند أو شرط ضمن بنود العقد المبرم بينهم ويسمى بشرط التحكيم ومؤداه إحالة ما قد يثور من منازعات بمناسبة العلاقة التعاقدية ويعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزء من العقد ويجوز الاتفاق على التحكيم بعد نشوء النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية ويسمى هذا الاتفاق بمشارطة التحكيم .
ومن جميع ما تقدم يتضح أن التحكيم يقوم على عدة أسس منها :
1- اتفاق طرفي النزاع بإرادتهما الحرة إلى ولوج سبيل التحكيم لفض النزاع والخلاف في وجهات النظر بينهم .
2- اتفاق طرفي النزاع على اختيار المحكم أو المحكمين وغالباً ما يكون المحكمين من غير رجال القضاء وغالباً ما يكون هؤلاء المحكمين من المتخصصين في المجال الذي يجري التحكيم في نطاقه .
3- اتفاق طرفي النزاع على إلزامية القرار الذي يصدر من هيئة التحكيم ورضاهما المسبق بتنفيذه كما يصدر .
أما التحكيم في عقود B.O.T فهو اتفاق طرفي عقد B.O.Tعلى فض المنازعات المحتملة بينهم عن طريق التحكيم سواء كان ذلك عن طريق مراكز التحكيم المتخصصة أو عن طريق أفراد عاديين يتفق طرفا عقد B.O.T على اختياره لاحقاً أو تحديدهم عند بداية إبرام عقد B.O.T وذلك لإصدار قرار ملزم لطرفي العقد في شأن المنازعة المطروحة بين طرفي العقد.
وعلى هذا يتضح أن للتحكيم في عقود B.O.T وجهين الوجه الأول هو الطابع الإتفاقي للتحكيم في عقود B.O.T حيث الإرادة الحرة هي الركيزة الأساسية للتحكيم .
ويبدو الوجه الثاني للتحكيم في الطابع القضائي للتحكيم ويبدو ذلك من خلال الإلزام الذي يرد في قرار المحكم ومن خلال استبدال القاضي العادي المختص أصلاً بنظر المنازعة بالمحكم الذي تتوافق إرادة طرفي النزاع على اختياره ليصبح قاضياً للخصومة المطروحة بين طرفي عقد B.O.T
الفرع الثاني
ذاتية التحكيم وتمييزه عن الأسلوب القضائي لتسوية المنازعات
تحسم المنازعات بغض النظر عن نوعها إما قضاءً وإما صلحاً ، أو توفيقاً ويتمتع التحكيم بوصفه وسيلة لتسوية المنازعات بذاتية خاصة تميزه عن الأساليب القضائية لمنازعات عقود الـB.O.T .
حيث أننا نجد أن عملية التحكيم تبدأ اعتباراً من تاريخ الاتفاق على التحكيم وتنتهي بصور الحكم وطلب تنفيذه . لذلك ولمعرفة ذاتية التحكيم يجب أن نتطرق بإيجاز إلى النظريات الفقهية التي رافقت عملية التحكيم وأهمها النظرية التعاقدية التي ترى في العملية أنها "عقد" من بدايتها إلى نهايتها ثم النظرية القضائية التي ترى فيها أنها "عمل قضائي" صرف،وأما الرأي الحديث فإنه يرى أنها ذات طبيعة مزدوجة ، تبدأ بالتعاقد وتنتهي بالحكم . وفي ضوء ذلك يمكن القول إن اللجوء إلى التحكيم يعتبر في طبيعته اختياراً محضاً غير أن التطور الاقتصادي في البلدان النامية وظهور القطاع العام فيها والاتجاه إلى حل منازعاته بواسطة التحكيم حصراً أسبغ على العملية طابعاً إلزامياً من دون أن يكون لإرادة الخصوم خياراً في ذلك مما يظهر العملية بأنها ذات طابع قضائي صرف . ومن خلال ذلك سوف أتناول هذه النظريات على الشكل الأتي:
أولاً: النظرية التعاقدية لعملية التحكيم :
1- أفكار النظرية :
لقد ساد الاعتقاد لدى الفقه والقضاء الدوليين بداية انتشار نظام التحكيم ، أن مركز الثقل في النظام يكمن في اتفاق الأطراف على اختيار التحكيم كأسلوب لحل نزاعاتهم القائمة أو المستقبلية التي تنجم عن العقد الأصلي . ويركز هذا الاتجاه على مبدأ سلطان الإرادة فلا يقوم اتفاق ، ولا يجري تحكيم بين الأطراف ، دون أن تظهر هذه الإرادة بشكل صريح .
ويرى مؤيدو هذه النظرية أن مصدر قرارات التحكيم يكمن في اتفاق أطراف النزاع على هذا الحل ، ولا تجد هذه القرارات قوتها التنفيذية إلا في هذا الاتفاق الخاص . وإن طبيعة التحكيم التعاقدية تنسحب على تلك القرارات، وتشكل مع اتفاق التحكيم ((كلاً)) لا يتجزأ .
وكانت أول مسألة أثارت هذا النقاش في عام 1812 ، عندما قدم النائب العام لدى محكمة النقض الفرنسية الأستاذ ((مارلين)) تقريره بدعوى طلب تنفيذ حكم المحكمين الأجنبي الصادر في إنكلترا التي احتاج الأمر فيها إلى وجوب تحديد ((صفة حكم المحكمين )) ، من أجل تعيين كيفية إجراء التنفيذ الواجب إتباعه في فرنسا . وفي هذا الخصوص تمسك النائب العام ((بالصفة الاتفاقية لنظام التحكيم ، ودافع عن وجهة نظره دفاعاً قوياً ، وقد تساءل في هذا المجال عما إذا كان الحكم المذكور يعتبر غير ناتج عن الاتفاق ؟ يجد أن الحكم التحكيمي يشكل مع الاتفاق جسماً واحداً ، وبدون الاتفاق يصبح ورقة تافهة بدون معنى ، وأن الاتفاق يعطيه وجوده وفيه يستخلص كيانه وجوهره، ولا يوجد إلا مع الاتفاق فله إذن مثل الاتفاق ((طبيعة العقد )) ، واستناداً إلى ذلك فقد اقتنعت محكمة النقض بهذه الطبيعة وآليتها بالحكم الصادر عنها .
2- نقد النظرية:
على الرغم من أن محكمة النقض الفرنسية أيدت في قرارها الصادر بتاريخ 9/7/1928 ضرورة وجود دور للقضاء في منح حكم المحكمين القوة التنفيذية، فإنها بقيت تتمسك بطبيعة الاتفاقية ، وحسمت الموضوع بموجب قرارها الصادر في عام 1973 واعتبرت التحكيم عملية تعاقدية يختار فيها الأطراف قضاتهم بأنفسهم وبرضائهم ويلتزمون مقدماً بتنفيذ الأحكام الصادرة بهذا الشأن .
ورغم تأثر الفقه والقضاء في سورية ومصر ((بنظرية الطبيعة القضائية )) وتبنيهما فكرة اعتبار إجراء ((منح حكم المحكمين صيغة التنفيذ وسيلة قضائية للتأكد من إنفاذ اتفاق الأطراف )) فإنهما يعتبران توليه التحكيم لأفراد عاديين أو لهيئات خاصة تصبغة بالصفة التعاقدين أيضاً ،ذلك أن اتفاق التحكيم لا يتعدى أن يكون عقداً عادياً ، تصبح شروطه شريعة للمتعاقدين ، ولا يمكنهما التحلل منها إلا بإرادتهما المشتركة ، وهو جوهر الطبيعة التعاقدية .
وحيث إن هذه النظرية تعتمد في الدرجة الأولى على إرادة الخصوم واتفاقهم على التحكيم وتحديد قوانين واجبة التطبيق على موضوع النزاع وإجراءات التحكيم إلا أنها لم تلاحظ أثر حكم المحكمين في إنهاء النزاع بين المتخاصمين مثله مثل الحكم القضائي والنهائي ولم تلاحظ التطور الدولي وظهور العقود الدولية النموذجية وتطور الأنظمة الاقتصادية في عدد من البلدان النامية وتبنيها نظام الاقتصاد الموجه وانتشار القطاع العام فيها واعتبارها نظام التحكيم قضاءً خاصاً لحل كافة النزاعات التي تنشأ فيما بينها مع الغير بصورة إلزامية لذا اعتبر البعض أن الواقع الجديد يجعل مبدأ سلطان الإرادة والحرية المتولدة عنه في إبرام عقود التحكيم وهماً وخداعاً . بعد أن بدأ هذا الواقع يفرض التحكيم جبراً على أطراف العلاقة التجارية الدولية سواء في العقود الدولية ذات الشكل النموذجي أو في عقود القطاع العام التي تبرم بين مؤسساته وهيئاته أو بين أحدهما والغير، وأمام هذا النقد الموجه وجدت النظرية القضائية .
ثانياً : النظرية القضائية لعملية التحكيم :
1- أفكار النظرية :
يدور محور هذه النظرية على أساس إثبات ((الصفة القضائية)) لحكم المحكمين الذين ينتج عن عملية التحكيم ، ونفي ((الطبيعة التعاقدية )) عنه . ويستند مؤيدوها إلى اعتبار المحكم بمثابة ((القاضي)) الذي يملك سلطة البت بصحة اتفاقات التحكيم ، وتقرير اختصاصه وحسم النزاع يحال إليه بصورة نهائية.
ويرى أنصار هذه النظرية أيضاً أن التعرف على طبيعة التحكيم يجب أن يكون بتغليب المعايير الموضوعية والمادية ، أي بتغليب المهمة التي توكل إلى المحكم وبالتفتيش عن الغرض من هذا النظام ليس الوقوف عند معايير شكلية باعتبار أن الأساس القانوني لفكرة وجود التحكيم يقوم على قاعدة تخلي الدولة عن الادعاء باحتكار وظيفة إقامة العدالة بين الأطراف عن طريق القضاء فقط لأن إقامة العدل بين الأفراد لا يقتصر على اختصاص الدولة وحدها وإنما يجوز-بناءً على موافقة المشرع- لأفراد المجتمع أن يلجئوا إلى مؤسسات التحكيم الخاصة ويحيلوا إلى محكم أو ثلاثة محكمين جميع النزاعات التي اتفقوا على إحالتها أو بعضاً منها بموجب اتفاق مكتوب ليحصلوا منهم على قرار نهائي بفضل النزاع بصورة سريعة .
ويستند أنصار النظرية القضائية لتأييد وجهة نظرهم هذه بأن التحكيم باعتباره((قضاء)) صرفاً كان الشكل البدائي لإقامة العدالة ، وسبق في الظهور تنظيم الدولة للسلطة القضائية ، الأمر الذي يجعل إنكار الطبيعة القضائية من التحكيم وقراراته هو في الواقع إنكار لجوهره الحقيقي .
وتأسيساً على ذلك اعتبر مؤيدو هذه النظرية عملية التحكيم بكاملها عملية قضائية ، لأن العبرة في نظرهم هي للحكم الذي يصدر من المحكمين بفضل النزاع ، وإن كانت العملية تبدأ بعمل إرادي يتمثل في ((اتفاق التحكيم)) لأن هذا العمل في اختيار نظام التحكيم ، كوسيلة لفض نزاعات الأطراف ، يصبح شأنه شأن العمل الإرادي في الالتجاء إلى قضاء الدولة .
غير أن أنصار هذه النظرية اختلفوا حول مسألة ((أساس سلطة المحكم )) التي تضفي الصفة القضائية على عملية التحكيم ، وهل يستمد هذه السلطة من اتفاق الأطراف أو من نصوص القانون ؟ فالبعض رأى أن أساسها يستند إلى ((تفويض المحكم من الدولة )) ليقوم بصفة مؤقتة بمباشرة وظيفة عامة هي إقامة العدل بين الأفراد وأن هذا التفويض منصوص عليه في صلب النظام القانوني الذي يجيز التحكيم بناءً على الاتفاق فيما بينهم .
أما البعض الأخر فرأى أن نظام التحكيم يعتبر ((قضاءً موازياً)) لقضاء الدولة ، وأن قضاء الدولة وقضاء التحكيم متماثلان ومتوازيان لأن وظيفة المحكم تماثل وظيفة القاضي .
وتأييداً للاتجاه الأخير تبنى المؤتمر السادس للتحكيم التجاري الدولي المنعقد في مدينة مكسيكو عام 1978 فكرة اعتبار (( التحكيم والقضاء يشكلان عمليات قانونية متممة لبعضها البعض ، وهما ليسا متناقضين أو متزاحمين ، وإنما هما شركاء في نظام القضاء التجاري الدولي )).
2- نقد النظرية القضائية :
إن الرأي الذي يتمسك بمعيار الطبيعة القضائية للتحكيم وإن كان يصح تطبيقه على التحكيم الإلزامي الذي تخضع له نزاعات المؤسسة العامة الاقتصادية ومشاريع القطاع العام التي تنشأ مع أمثالها كما هو الشأن في دول المجموعة الاشتراكية أو التي تنشأ مع الغير من أشخاص القانون الخاص، إلا أنه لا يصح تطبيقه على قضايا التحكيم الخاص التي تبدأ بعمل إرادي في تنظيم اتفاق التحكيم وتنتهي بعمل قضائي قوامه صدور حكم المحكمين الأمر الذي يجعل هذه العملية تجمع بين العمل الإرادي والعمل القضائي وتصبح ذات طبيعة مختلطة .
ثالثاً: النظرية المختلطة لعملية التحكيم
1- أفكار النظرية :
ظهرت هذه النظرية في بداية النصف الثاني من هذا القرن بعد أن ظهرت مثالب النظريتين السابقتين التعاقدية والقضائية .
ويرى أنصار هذه النظرية بأن عملية التحكيم لا تقتصر على إرادة الأطراف ولا على النتيجة التي تنتهي بها بحسم النزاع وصدور حكم نهائي فيه ، وإنما هي تحتل موقعاً وسطاً بين النظريتين ، وبالأحرى إنها تجمع بين أفكارهم بين إرادة الخصوم والنتيجة القضائية التي ينتهي إليها المحكمون بالفصل في النزاع وبهذه الميزة تمثل هذه النظرية نظاماً مختلطاً تبدأ باتفاق الأطراف على التحكيم وتنتقل إلى إجراءات التحكيم ثم تنتهي بقضاء هو حكم المحكمين .
ويبرر مؤيدو النظرية ذلك بمصلحة التجارة الدولية التي تتطلب إطلاق حرية الاتفاق على التحكيم في بدايته ، ثم تحويله في مرحلته الأخيرة إلى قضاء ليكتسب القرار الذي يصدر فيه حجية بذاته فلا يحتاج إلى دعوى يعقبها حكم يضفي عليه هذه الحجية لأن هذه الحجية يكتسبها من تاريخ صدوره وإن كان تنفيذه القانوني يحتاج إلى إجراء قضائي يقضي بمنحه صيغة التنفيذ.
ويبدو أن محكمة النقض الفرنسية بدأت تتأثر بهذا الاتجاه الحديث في تكييف التحكيم ، وإن كانت في قرارها الصادر بتاريخ 27/7/1937 قد أكدت على الصفة الاتفاقية للتحكيم ، واعتبرت حكم المحكمين الأجنبي كالحكم الوطني لا يحتاج تنفيذه إلى إقامة الدعوى أمام المحكمة بكامل هيئتها وإنما إلى مجرد طلب يقدم إلى رئيس المحكمة ليأمر بوضع صيغة التنفيذ عليه وهو ما أكدت عليه المادة (2477/2) من قانون المرافعات الفرنسي الحديث .
ورغم هذا التطور في تكييف التحكيم فإن المحاكم الفرنسية الأدنى بقيت متمسكة بوجهة نظرها التي تؤكد على الطبيعة القضائية الصرفة للتحكيم مما دفع محكمة النقض الفرنسية في عام 1949 إلى العدول من اجتهادها السابق ، واعتبار التحكيم نظاماً مختلطاً يبدأ بإرادة الأطراف وينتهي بسلطة المحكم بإصدار حكم استناداً إلى نصوص القانون وإخضاع الحكم إلى الاستئناف على أساس أن الاستئناف يرد على الأحكام ولا يرد على العقود.
وبناءً على ذلك أعطت جميع قوانين المرافعات أو التحكيم أهمية كبيرة إلى إرادة الخصوم باللجوء إلى التحكيم وإلى الآثار القانونية التي يرتبها حكم المحكمين على موضوع النزاع وأطراف التحكيم والمحاكم المختصة بأصل النزاع الذي يمتنع عليهم إعادة بحث وقائع حكم المحكمين بسبب الحجية التي يكتسبها من تاريخ صدوره لأنه بالأصل ذو طابع قضائي معترف به ، وهذا يجعله قابلاً للتنفيذ في كل بلد بمجرد حصول الأطراف على صيغة شكلية تقضي بتنفيذه بناءً على طلب يقدمه المحكوم له إلى المرجع المختص .
2- نقد النظرية المختلطة :
غير أن هذه النظرية وإن كانت تمثل مرحلة متطورة في تكييف عملية التحكيم وفي الجمع بين مزايا النظريتين التعاقدية والقضائية ،إلا أنها لم تسلم من النقد باعتبار أنها تبنت موقفاً وسطاً بين النظريتين السابقتين ولأنها قللت من شأن الطبيعة القضائية لنظام التحكيم التي توازي طبيعة النظام القضائي العادي .
فضلاً عن ذلك فإنها جعلت الحكم انعكاساً لاتفاق التحكيم ،الأمر الذي لا يعطي الوظيفة القضائية التي يتولاها المحكمون الأهمية الخاصة التي تعطى لوظيفة القاضي رغم استناد وظيفة المحكم بتولي وظيفة قضائية مؤقتة إلى إجازة المشرع وموافقة أطراف النزاع بفصل النزاع الذي يحال إليه بحكم نهائي وملزم تكون له حجية على أطراف التحكيم والمحاكم المختصة بأصل النزاع ما لم يكن اتفاق التحكيم باطلاً .
مما تقدم نجد أن التحكيم له طبيعة خاصة مع تأييدي للنظرية المختلطة فهو يختلف عن الطبيعة التعاقدية أو القضائية ونجد إثباتات الاختلاف والتأكيد على هذه الطبيعة الخاصة من خلال النقاط التي يختلف فيها عن القضاء.
1- الاختلاف من حيث الأساس :
أساس اللجوء للتحكيم هو إرادة طرفي النزاع ، وعلى العكس من ذلك فإن اللجوء إلى القضاء لا يحتاج إلى اتفاق أطراف النزاع على ذلك ، حيث بوسع كل من يدعي أن له حقاً لدى آخر أن يلجأ إلى القضاء طالباً الحماية القضائية لحقه الذي ينازعه فيه آخر ، وهنا ينشأ لهذا الآخر حق الدفاع عن نفسه أمام القضاء .
ومن ثم فإن الالتجاء إلى القضاء هو بمثابة حق عام للخصم له أن يستعمله تلقائياً دون الحاجة إلى الحصول على موافقة الخصم الآخر ، أو الاستناد إلى نص خاص .
واللجوء للتحكيم لا يعد بمثابة تنازل عن حق اللجوء للقضاء لتعلق هذا الحق بالنظام العام ، ولو تم مثل هذا التنازل فإنه يعد تنازلاً باطلاً لا يرتب أثراً قانونياً .
2 – الاختلاف من حيث نطاق الاختصاص :
نطاق اختصاص القضاء أوسع بالمقارنة بنطاق اختصاص هيئة التحكيم نظراً لما يتمتع به القضاء من ولاية عامة تمكنه من الفصل في جميع المنازعات في حين أن نطاق التحكيم يقتصر على المنازعة المتعلقة بحقوق مالية ، من الجائز الصلح والتنازل فيها.
ومن ثم فلا يمتد نطاق اختصاص التحكيم إلى الفصل في المنازعات المتعلقة بمشروعية أعمال الإدارة كدعوى الإلغاء مثلاً .
3- الاختلاف من حيث الأثر :
الأصل العام في الأحكام القضائية هو تمتعها بحجية نسبية ، حيث تقتصر آثار الحكم على أطراف الدعوى دون أن تمتد لسواهم ، ويستثنى من هذا الأصل العام الأحكام الصادرة في الدعوى ذات الطبيعة العينية كدعوى الإلغاء حيث تتمتع الأحكام الصادرة فيها بحجية مطلقة ، تسري في مواجهة الكافة .
وعلى العكس من ذلك فإن حكم التحكيم ليس له في جميع الأحوال سوى حجية نسبية حيث يقتصر أثره على طرفي النزاع وحدهما .
4- الاختلاف من حيث قابلية الحكم للتنفيذ:
الحكم القضائي يكون واجب التنفيذ بمجرد صدوره وانقضاء مواعيد الطعن ما لم يكن قد قضى بوقف تنفيذه .
وعلى العكس من ذلك فإن أحكام المحكمين لا بد لتنفيذها من صدور أمر بذلك من السلطة القضائية .
المطلب الثاني
تمييز التحكيم عن غيره من وسائل فض المنازعات في عقود B.O.T
سنتعرض في هذا المطلب لبعض الصور التي تتشابه مع التحكيم بشكل موجز مثل التفاوض والوساطة و التوفيق و الصلح و المحاكمات المصغرة و الخبرة الفنية .
أولاً: التفاوض: هو حوار بين طرفين أو أكثر حول موضوع معين بهدف الوصول إلى اتفاق بين المتفاوضين بما يحقق مصلحة كل منهم .
وقد تكون عملية التفاوض في مرحلة إبرام العقد وذلك عند صياغته فينصب التفاوض على بنود العقد ذاته وضمانات حسن التنفيذ وقد تكون المفاوضات في المرحلة اللاحقة لإبرام العقد وأثناء تنفيذه وذلك إذا ما ثار خلاف حول عملية التنفيذ ،وقد يكون التفاوض عن طريق شخص واحد أو عن طريق فريق كامل كي يساعد كل منها الأخر في إيجاد الحلول البديلة في حال الوصول إلى طريق مسدود بالنسبة لأي منهم وذلك لضمان استمرار عملية التفاوض . كما يتعين أن يكون كل فريق من فريقي التفاوض لديه الرغبة الصادقة في الوصول إلى حل النزاع وتسويته .
ثانياً: الوساطة : وهي لجوء طرفي عقد B.O.T إلى طرف ثالث لمساعدتهم في حل الخلاف بينهم والوصول إلى اتفاق يجنبهم الكثير من الجهد والوقت والنفقات إذا ما اتجهوا إلى التحكيم أو القضاء .
والوساطة تهدف إلى مساعدة الأطراف المتنازعة في الحديث إلى بعضهم البعض بهدف حل الخلافات التي نشبت بينهم وإزالة سوء التفاهم حول نقاط الخلاف التي نشبت بينهم من أجل تجنب الوقوف في ساحات القضاء .
وتمتاز الوساطة بأنها الطريق الذي يحفظ العلاقات الودية بين الأطراف ويلجأ إليها الأطراف دون اللجوء إلى طريق التحكيم الذي يمتاز بطول إجراءاته وصعوبة اختيار المحكمين وغالباً ما يتم اللجوء إلى القضاء لتنفيذ حكم المحكمين وتتم الوساطة عن طريق اختيار طرف ثالث محايد ومؤهل لمساعدة الأطراف في تسوية المنازعات والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف .
كما أن الوساطة كوسيلة لحل النزاع بين طرفي عقدB.O.T تهدف إلى اختصار الوقت فحيث لا تتجاوز المدة الزمنية المطلوبة للوساطة ستة أشهر على أسوء الأحوال فإن إجراءات التقاضي قد تستغرق سنوات طويلة كما أن المصروفات والنفقات التي تتطلبها الوساطة فهي مصروفات بسيطة تكون رمزية بالنسبة لنفقات التقاضي والتحكيم كما أن الوساطة تكفل قدراً كبيراً من الخصوصية والسرية لا تتوفر في إجراءات التحكيم والتقاضي .
وفي البداية يتفق طرفا عقد الـ B.O.T على اختيار الوسيط وينبغي أن تتوافر في الوسيط عدة شروط أولها الإلمام الكامل بموضوع الوساطة مسبقاً حتى يتمكن من مناقشة الطرفين في موضوع الوساطة بالإضافة إلى قوة الشخصية والقدرة على إجراء الحوار مع سرعة البديهة والقدرة على التصرف وفي جملة القول أن يتمتع بالذكاء حتى يتمكن من الفصل في النزاع و يكون قراره أكثر عدالة .
ويمكن الاتفاق على الوساطة كوسيلة لتسوية المنازعات أثناء التعاقد ، كما يمكن الاتفاق عليها عند نشوب النزاع وقد تقيد الوساطة بقيد زمني يقتضي إنجازها في وقت محدد قبل اللجوء إلى القضاء ، غير أنه في جميع الأحوال يجب أن يشتمل اتفاق الوساطة على أمرين :
الأول : كيفية سير عملية الوساطة وبيان تاريخها ، ومكانها وتكاليفها ، والشخص الذي يقوم بها .
الثاني: الإطار القانوني الذي يحكم عملية الوساطة ، ويتضمن كيفية اختيار القانون الواجب التطبيق ومدى حرية الوسيط في الأخذ بمبادئ العدالة كبديل عن القانون لحسم النزاع ، وماهية الإجراءات المستخدمة .
ثالثاً: الصلح : الصلح شأنه كشأن التحكيم لتسوية المنازعات الإدارية بديلة عن اللجوء للقضاء العام في الدولة .
ويشبه الصلح التحكيم في أن أساس كل منهما اتجاه إرادة طرفي المنازعة إلى تسويتها بعيداً عن القضاء ، سواء كانت تلك المنازعة قد وقعت بالفعل أو ستقع مستقبلاً . وعلى الرغم من أوجه التشابه السابقة إلا أن هناك اختلافاً بيناً بين الصلح والتحكيم يتمثل في أن الأول ينطوي على تنازل كل من طرفي النزاع على كل أو بعض ما يتمسك به في مواجهة الطرف الأخر ، في حين تتجه إرادة طرفي اتفاق التحكيم إلى الاتفاق على إحالة النزاع للتحكيم مع اختيارهم للمحكم الذي سيتعهدون إليه بحسم النزاع بحكم يلزمهم دون أن ينطوي ذلك على تنازلات متبادلة بين طرفي النزاع .
وبناء على ما تقدم فإن الصلح والتحكيم يختلفان في أن الصلح نظاماً اتفاقياً صرفاً من بداية إجراءاته إلى نهايتها، أما التحكيم فهو رضائي فقط في أساسه ، أي من حيث حرية اللجوء أو عدم اللجوء إليه .
رابعاً: التوفيق: ويقصد به اختيار طرفي عقد B.O.T موفقاً أو أكثر يتصف بالحياد ليتولى وضع الحلول الوسط والبدائل المختلفة للمنازعات والخلافات التي تنشأ بين الأطراف ومن الملاحظ أن العديد من الدول قد لجأت إلى هذا الطريق في حل المنازعات الناتجة عن إبرام عقود B.O.T وذلك نظراً لفاعلية التوفيق في حل المنازعات الناتجة عن إبرام عقودB.O.T .
وبهذا يضحي التوفيق هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على تفويض شخص واحد أو أكثر لحسم النزاع بينهما بطريقة ودية .
من خلال الوساطة في إجراء تسوية ودية عن طريق الموفق الذي يدرس النزاع ويقدم مقترحات وسط للتقريب بين الأطراف وليس قرارات ملزمة مثل التحكيم .
وبهذا يتضح أن إجراءات التوفيق تجري من خلال مساعي حميدة بعيداً عن فكرة الخصومة وهو ما يمكن الطرفين من الاحتفاظ بعلاقات طيبة ويكون لكل من الطرفين الحرية في قبول أو رفض اقتراحات الموفق غير أن اقتناع طرفي النزاع بحياد الموفق يدعوهما في الغالب إلى النظر بعين الاعتبار إلى المقترحات التي يقوم بتقديمها والحلول التي يطرحها .
ومما يؤكد على أهمية دور الموفق أن يكون الموفق متخصصاً في نفس المجال الذي توجد فيه دور المنازعة على عقدB.O.T وهنا يصبح الدور الذي يقوم به الموفق أكثر فاعلية وإثماراً لحل النزاع وإجبار طرفي عقدB.O.T على حسم المنازعة بينهم بطريق التوفيق .
ومن الملاحظ أن التوفيق يتشابه مع التحكيم في عقود B.O.T في أن كل منهما يدخل في مفهوم الوسائل الاتفاقية لحل منازعات عقودB.O.T عن طريق أشخاص يتم اختيارهم من طرفي النزاع . على أنه توجد بينهما أوجه اختلاف تتمثل في أن قرار الموفق لا يكون ملزماً لطرفي النزاع ولكنه يحمل نوع من الضغط و الإكراه الأدبي على وجوب احترامه والقبول به في حين أن قرار التحكيم يكون ملزماً وعند امتناع أحد طرفي المنازعة عن تنفيذ هذا القرار يكون للطرف الأخر اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة للحصول على الصيغة التنفيذية الملزمة .
وعندما يقوم الموفق بإنهاء مهمته بالنجاح بين طرفي المنازعة في عقود B.O.T يتم توقيع اتفاق لإنهاء المنازعة بين طرفي العقد وعندما يعجز الموفق عن إيجاد حل للمنازعة فلا يوجد ما يمنع من لجوء طرفي العقد إلى وسائل أخرى لحل النزاع مثل الخبرة الفنية .
خامساً: الخبرة الفنية : الخبير لا يقوم بالفصل في النزاع ولكن دوره يقف عند حد إبداء الرأي في مسائل فنية محل خلاف بين الأطراف المتعاقدة ويمكن أن يجمع الخبير بين هذا الوصف وبين وصفه ودوره كمحكم في موضوع النزاع وهذا يتم باختيار الأطراف حيث يحدث أحياناً نزاع في مواصفات البضاعة وخصائصها .
وهنا تصبح الخبرة وسيلة تعين القاضي أو المحكم على الفصل في النزاع ذا الطابع الفني وغالباً ما يتم الاستعانة بخبير أو أكثر لإبداء الرأي أو تقديم تقرير بصدد الجوانب الفنية في الموضوع سواء كانت هندسية أو زراعية أو طبية أو محاسبية ورأي الخبير غير ملزم للمحكمة وغير ملزم للخصوم في عقودB.O.T على الاحتكام إلى خبير فني ومجموعة خبراء لإبداء الرأي في المسائل الفنية المطروحة .
وهكذا يجوز لطرفي المنازعة في عقود B.O.T اللجوء إلى الخبير الفني المتخصص ليبدي رأيه في مسائل فنية محل خلاف بين الطرفين وغالباً ما يكون الخبير محكماً في موضوع النزاع وذلك بغية كسب الوقت وتوفيراً للجهد .
سادساً : المحاكمات المصغرة : يهدف هذا النظام إلى حل النزاع بأقل قدر من التعقيدات والمشاكل والتكلفة المادية ، ويتلخص هذا الأسلوب في أن النزاع يحال إلى هيئة مكونة من رئيس محايد وعضوين يختار كل من الطرفين المتنازعين واحداً منهما من كبار موظفيه في الإدارة العامة ممن لهم دراية بتفاصيل النزاع ويتولى العضوان اختيار الرئيس وإن لم يتفقا على شخص تعينه جهة محايدة مثل غرف التجارة أو مراكز التحكيم .
ويطلب من الهيئة المشكلة على النحو السابق إعداد مشروع للتسوية وتقديمه للأطراف وإن لم يتمكن الأعضاء من التوصل إلى مشروع مقبول منهم جميعاً، يتقدم الرئيس بمشروع من إعداده هو . ويلتزم الأطراف بعدم السير في أي إجراء قضائي أو طلب التحكيم أثناء هذه المحاكمة المصغرة ولكن لا يلتزمون بقبول مشروع التسوية الذي يتم إعداده كما لا يمكن لأي من الطرفين استعمال أي معلومات أو دليل يتصل بعمله أثناء المحاكمة المصغرة ضد خصمه إذا لم تكلل إجراءاتها بالنجاح .
ومن الواضح أن أسلوب المحاكم المصغرة لا يلزم ذوي الشأن في أعماله بالإجراءات المطلوبة والمعقدة أمام المحاكم لاستصدار حكم ملزم لطرفي النزاع، فالغاية من هذا الأسلوب هي طرح أبعاد النزاع – الفنية والقانونية - على أطرافه أنفسهم أو ممثليهم ، ولكن نتيجة الأسلوب غير ملزمة لهم إلا برضائهم ، وهو ما يفترض أن التسوية التي يتم التوصل إليها سوف تكون مرضية لطرفي النزاع ، الأمر الذي يكفل تنفيذها دون صعوبات .
هذه هي أهم الوسائل البديلة لتسوية المنازعات بطريقة ودية وبعيداً عن التحكيم والتقاضي ويجمع بينها أنها تقوم على أن نتيجة التسوية غير ملزمة للأطراف إلا برضائهم ، ومن الواضح أن مصلحة المشرع محل العقد ومصلحة أطرافه تقتضي التوصل إلى تسوية سريعة ، لا يعقل إجراءاتها إنجاز الأعمال في التوقيتات المحددة وفي نفس الوقت تتضمن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لطرفي العقد .
ورغم أن الطرق البديلة للتقاضي والتحكيم في تسوية منازعات صناعة التشييد والبناء لا تقوم على مبدأ الخصومة القضائية وما يتطلبه من إجراءات إلا أن التوصل من خلالها إلى تسوية مرضية لطرفي النزاع يتطلب القبول بقواعد مسبقة تتضمنها أنظمة مؤسسية قائمة أو يجري الاتفاق عليها بين طرفي النزاع وفي هذه الحالة الأخيرة يجب أن يراعى التوفيق في صياغة بنود الاتفاق المتعلقة بنطاق عمل الجهاز القائم بالتسوية وسلطاته ومدى إلزامية القرارات التي يصدرها كل ذلك في ضوء أحكام القانون الواجب التطبيق على النزاع خصوصاً إذا كان أحد أطرافه دولة أو مؤسسة عامة .
فإذا لم تفلح محاولات التسوية بالوسائل البديلة فلا مفر من الالتجاء إلى التحكيم أو القضاء مع الأخذ في الاعتبار ما يتضمنه العقد من أحكام في هذا الخصوص .
المبحث الثاني
مزايا وعيوب التحكيم في عقود الـ B.O.T
التحكيم والقضاء شريكان في تحقيق هدف واحد هو تسوية المنازعات وإن اختلف الأول عن الثاني في أنه يستند إلى إرادة طرفي النزاع كأساس لقيامه ، حيث تتجه تلك الإرادة إلى التحكيم لتسوية المنازعات الحالية أو المستقبلية بصدد موضوع معين بحكم ملزم لأطراف المنازعة مفضلة بذلك نظام التحكيم عن اللجوء إلى القضاء ، ولذلك يعد التحكيم وسيلة لفض المنازعات الناتجة عن إبرام وتنفيذ عقودB.O.T وهذه الوسيلة تحاول تلافي العيوب الموجودة في نظام قضاء الدولة حتى تكتسب أرضاً جديدة ويقبل عليها طرفا الخصومة بإرادتهم الحرة وكلما نجح التحكيم في الحد من المشاكل الناتجة عن النظام القضائي الذي تنظمه الدولة وتضع أسسه كلما زاد الإقبال عليه .
وعلى هذا فسنعرض في هذا المبحث لموضوعين مهمين هما المزايا الناتجة عن التحكيم في عقودB.O.T والمساوئ الناتجة عن التحكيم في عقود B.O.T وسيكون ذلك في مطلبين على الوجه الأتي :
المطلب الأول : مزايا التحكيم في عقود B.O.T
المطلب الثاني: عيوب التحكيم في عقودB.O.T
المطلب الأول
مزايا التحكيم في عقود الـB.O.T
تتعدد العيوب التي يمكن أن تلحق بالنظام القضائي الرسمي الذي تنظمه وتضع أسسه وقواعد العمل به الدولة بكافة هيئاتها القضائية وهذه العيوب هي التي تدفع المتقاضين إلى الهروب من النظام القضائي الرسمي واللجوء إلى التحكيم ولما كان للتحكيم هيئاته ومراكزه التي يدرك كثير من فقهاء القانون لأزمة عيوب النظام القضائي الذي تديره الدولة فهم يعمدون إلى تلافي هذه العيوب والعمل على تحقيق أكبر قدر من المزايا لنظم التحكيم والوصول بأساليب ونظم التحكيم إلى درجة مقبولة ومعقولة تكفل للمتنازعين قدراً لا بأس به من المزايا تدفعهم إلى التمسك بالتحكيم .
وتتعدد مزايا التحكيم وتتنوع فمنها السرعة في الفصل في المنازعات وتحقيق العدالة الواقعية وتحقيق السرية والتحرر من ظلم النص القانوني وسنعرض لهذه المزايا على الوجه الأتي :
الفرع الأول
تحقيق السرعة
هناك أمور أدت إلى تباطؤ القضاء النظامي بالفصل في الدعوى وفي المقابل فإن المحكم ملزم بالفصل في النزاع المعروض عليه ضمن مدة محددة له مسبقاً ولا يجوز له مدها إلا بموافقة أطراف النزاع ويرجع ذلك إلى كثرة الدعاوى المعروضة على القضاء النظامي وقلة عدد القضاة وحداثة عهد بعض القضاة وقلة خبرتهم في مجال القضاء النظامي وتعقيد إجراءات التقاضي أمام المحاكم النظامية وعدم تطويرها .
وبذلك نجد أن آفة النظام القضائي الرسمي هي البطء وهذه حقيقة لا ينكرها منصف وتتعدد أسباب هذا البطء فمنها ما يرجع إلى رغبة المشرع في سد كافة السبل التي تؤدي إلى مشاكل وأضرار في النظام القضائي وغالباً ما يستخدم المشرع النصوص القانونية كأداة يحاول بها أن يسد ثغرات وعيوب في الإجراءات ليحول بين المتلاعبين بالنصوص القانونية وبين تحقيق العدالة وغالباً ما تنظم هذه النصوص تفصيلات و فرعيات وشكليات يؤدي الإغراق فيها إلى البطء الذي يجعل النظام القضائي بكافة أدواته من نصوص قانونية ومحاكم وقضاة ومتقاضين عاجزاً عن تحقيق العدالة الواقعية .
فعندما يسعى المشرع بغية الوصول إلى الكمال إلى وقف الدعوى لحين الفصل في الدعوى الجنائية المرتبطة بها وحتى لا يقضي للمدعي بالحقوق المدنية أمام المحاكم المدنية بتعويضات قد لا تتفق مع ما تصدره المحاكم الجنائية من أحكام نهائية وباتة.
فهذا يؤدي إلى وقف الدعوى المدنية لسنوات طويلة وكثيرة إلى حين الفصل في الدعوى الجنائية بأحكام نهائية وباتة حتى تصبح عنواناً للحقيقة وبعد ذلك تأتي المحاكم المدنية لتبدأ إجراءات التقاضي في الدعوى المدنية التي غالباً ما تحتاج إلى سنوات طويلة أخرى وهكذا يظل المضرور صاحب الحق الثابت في التعويض واقفاً أمام المحاكم يناضل للوصول إلى حقه .
في حين أنه صاحب حق ثابت ولا ينكره منصف أو عاقل لأنه أُضير من الفعل أساس التقاضي وهكذا تصبح الإجراءات أمام المحاكم عقبة حقيقية تحول بين المضرور وبين الوصول إلى حقه .
وهكذا يقف الرجل البسيط من غير رجال القانون مذهولاً من هذه العقبات والإجراءات التي تحول بين المتقاضي المضرور وحقوقه التي يراها ثابتة ولا جدال في وقوعها وحدوثها .
ولما كانت المنازعات التي تنجم عن إبرام عقودB.O.T هي منازعات مالية لأن شركات المشروع التي تقدم على تنفيذ مشروعات B.O.T غالباً ما تقوم بالاقتراض من البنوك ويكون لعنصر الزمن والوقت أهميته القصوى حيث أن هذا الوقت يقاس بالمال وعلى هذا يضحي اللجوء إلى النظام القضائي الوطني في دولة مقر المشروع نوع من العبس لدى شركة المشروع .
لذا تسعى وتصمم شركة المشروع إلى النص على اللجوء إلى مراكز التحكيم والبعد عن النظام القضائي الوطني لدولة مقر المشروع .
لأن التحكيم يتسم بالسرعة وبساطة الإجراءات لذا يفضله الأطراف لتفادي ما تتسم به طرق التقاضي من بطء وتعقيد وخصومات ومماطلة وتكاليف وضياع للوقت .
وتدرك مراكز التحكيم أن للتحكيم مزية أساسية وهامة وهي تحقيق العدالة السريعة ولهذا تعمد مراكز التحكيم إلى تبسيط إجراءات الفصل في المنازعات محل التحكيم والحكم فيها بسرعة كما تذهب هذه المراكز أيضاً إلى تحديد مدة زمنية قصيرة يجب خلالها الفصل في النزاع وهذا لا يتوفر في الإجراءات المطولة أمام المحاكم بشكل لا تتحمله طبيعة التجارة الداخلية والدولية .
كما تعمد مراكز التحكيم إلى جعل التحكيم على درجة واحدة فقط وليس على درجات متعددة كما هو في النظام القضائي الوطني لدولة مقر المشروع حيث إن تعدد درجات التقاضي والطعن في الأحكام يؤدي إلى إطالة أمد النزاع والبطء الشديد فيه ولما كانت المحاكم في النظام القضائي الذي تنظمه وتديره الدولة تنظر الدعوة ويتم تأجيلها أكثر من مرة وينقضي الموسم القضائي دون الفصل في الخصومة وتحل محل الهيئة التي نظرت الدعوى منذ بدايتها هيئة أخرى تبدأ من جديد في دراسة الموضوع وبحثه وهذا يؤدي إلى زيادة بطء التقاضي وطول مدته وفي المقابل وفي مراكز التحكيم تقوم هيئة التحكيم بنظر موضوع التحكيم ومنذ بدايته وتقوم نفس الهيئة بإصدار حكم في موضوع التحكيم ودون إحالته إلى هيئة أخرى وهذا يؤدي إلى سرعة إنجاز لا تتوافر في القضاء العادي .
وبذلك نجد أن التأخر في الفصل في القضايا أمام المحاكم في الكثير من البلدان لسنوات طويلة يؤدي إلى تكبد المتنازعين نفقات باهظة تفوق ما يتكبدونه كمصاريف للتحكيم وأتعاب المحكمين هذا فضلاً عن أن التأخير في حسم المنازعات يذهب بحقوق المتنازعين أدراج الرياح لاسيما إذا تم حسم منازعاتهم بعد أمد طويل تتوالى فيه المتغيرات الاقتصادية وتنخفض فيه القوى الشرائية للنقود وتصبح العدالة البطيئة بحق نوع من الظلم البين .
ولتحقيق السرعة المطلوبة في الانجاز تعمد مراكز التحكيم إلى إعطاء طرفي النزاع الحرية في تحديد الوقت المفروض انتهاء التحكيم خلاله لأنهما يعرفان أكثر من سواهما مدى الفترة الزمنية اللازمة للصفقة المعروضة على المحكمين فيحددان في ضوء ذلك مهلة إصدار الحكم علما بأنه يعود لهما وحدهما أن يحددا هذه المهلة إذا بدا لهما أن طلب مد مهلة الحكم هو مبرر .
وهكذا يبدو جلياً أن السرعة من أهم مميزات التحكيم وعندما تعجز الهيئات القضائية الرسمية التي تنظمها الدولة عن حل مشكلة بطء التقاضي ستزداد أهمية التحكيم وسيغفل المتقاضون أفراداً عاديين أو شركات أو دول اللجوء إلى محاكم الدولة والبعد عن بطء التقاضي الموجودة في النظم والهيئات التي تنظمها الدولة وهكذا لا نجد مانع من ضرورة تنبيه المشرع إلى ضرورة تعديل الإجراءات واختصارها بغية الوصول بالعدالة إلى طرفي النزاع في زمن معقول وبما لا يؤدي إلى إلحاق الضرر بهم ولأنه كلما زادت الإجراءات وكثرت التعقيدات وطال وقت التقاضي كلما فقد المتقاضون الثقة في النظام القضائي الرسمي الذي تديره الدولة وكلما لجأ المتقاضون إلى التحكيم بأنواعه المختلفة لحل منازعاتهم بل والى سلوك سبل غير قانونية لحسم منازعاتهم بعيداً عن النظام القضائي الرسمي المتسم بالبطء والتعقيد في الإجراءات .
ونستنتج من ذلك أن إجراءات التحكيم بسيطة حيث يحدد أطراف النزاع تلك الإجراءات الأمر الذي يؤدي إلى سرعة إصدار قرار التحكيم إضافة لما في التحكيم من اختصار لدرجات التقاضي حيث تصدر هيئة التحكيم حكم بات غير قابل للطعن فيه من حيث الموضوع وقابل للتنفيذ الفوري .
الفرع الثاني
تحقيق السرية
السر هو كل ما يضر إفشاؤه بالسمعة أو الكرامة ، وتتعدد وتتنوع الأسرار وتختلف باختلاف الأشخاص والظروف فما يعتبر سراً في ظروف معينة قد لا يعتبر سراً في ظروف أخرى .
فمثلاً توجد أسرار صناعية واقتصادية ويراد بها كل ما يتعلق بالنشاط الصناعي والاقتصادي القومي الذي يمس الدفاع عن الدولة ، وتتعاظم أهمية الأسرار الاقتصادية في الوقت الراهن والمستقبل بالنسبة للدول والمشروعات الخاصة حيث أصبحت الأسرار الاقتصادية هي أساس المنافسة الاقتصادية بين الدول والكيانات الاقتصادية .
وللتدليل على أهمية وخطورة الأسرار الاقتصادية فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل نظام ايشيلون Echelon للتجسس على الاتحاد السوفيتي في النواحي العسكرية إلى التجسس لصالح الشركات الأمريكية ونقل الأسرار التجارية والاقتصادية وبما يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة للولايات المتحدة وشركاتها المتعددة الجنسيات العابرة للقارات .
وقد ورد في تقرير البرلمان الأوربي أن وكالة الأمن القومي الأمريكية راقبت في عام 1995 الاتصالات الهاتفية بين شركة Tomson csf والسلطات البرازيلية بخصوص عقد قيمته مليار و نصف المليار دولار لإنشاء نظام مراقبة عن طريق الأقمار الصناعية للأحراج الاستوائية المسيطرة وقد قدمت وكالة ناسا تفصيلات عن العرض لمنافسي أمريكا وعن الرشاوي التي دفعها الفرنسيون للمسؤولين البرازيليين وعلى هذا فقد قدمت وكالة الأمن القومي الأمريكية للشركات الأمريكية التي قامت تنافس الشركة الفرنسية كافة المعلومات السرية المطلوبة لإتمام الصفقة ولقد تكللت مساعي وكالة الأمن القومي الأمريكية بالنجاح .
وأضاف تقرير البرلمان الأوربي بأن وكالة الأمن القومي الأمريكية في عام 1993 قامت باعتراض مكالمات بين اتحاد الشركات الأوربية Airbus لتصنيع طائرات الاير باص والخطوط الجوية السعودية والحكومة السعودية وكانت قيمة العقد تربو على خمسة مليارات دولار وقد رسا العقد على الشركة الأمريكية المنافسة للشركات الأوربية وتم توقيع العقد بين مصانع وشركات بيونج الأمريكية وماكدونالد وغلاس الأمريكية والحكومة السعودية وخسرت أوربا الصفقة نتيجة لقيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بنقل أسرار الاتصالات بين الحكومة السعودية وشركة الاير باص الأوربية ومن الملاحظ أن شركة اير باص الأوربية قامت بتسريح العديد من العمال في كافة مصانعها في أوربا نظراً للصعوبات الاقتصادية والمشاكل المالية التي تواجهها .
وهكذا تصبح للأسرار الاقتصادية أهميتها وضرورتها في عالم التجارة الدولية ولعل هذا ما يبرر حرص منظمة التجارة العالمية على التشدد في شأن ضرورة المحافظة على الأسرار التجارية وتحظر إفشاء هذه الأسرار لأن إفشاؤها سيحقق ميزة منافسة كبيرة للمنافس أو لأن إفشاء هذه الأسرار سيكون له أثراً سلبياً على الشخص مقدم المعلومات وتشدد منظمة التجارة العالمية على ضرورة حفظ هذه المعلومات السرية وعدم الكشف عنها إلا بتصريح محدد من صاحب هذه المعلومات السرية .
وهكذا ونظراً لأهمية وخطورة الأسرار التجارية والاقتصادية في مجال التجارة الدولية وخوفاً من إذاعة هذه الأسرار فإن أطراف عقود B.O.T غالباً ما يلجؤون إلى التحكيم لحماية أسرارهم من إطلاع الغير عليها خصوصاً وأن القوانين الإجرائية في النظم القضائية التي تديرها الدولة تعتبر أن العلانية في الإجراءات والأحكام من المبادئ الهامة التي تحرص عليها وهكذا يحق لكل مواطن ومن الغير أن يتقدم ليحصل على صورة من حكم صدر في منازعة تجارية بين شركتين بما يتضمنه هذا الحكم من أسرار تجارية تمس وتؤثر على مركز الشركات الاقتصادي والمالي .
وكم من تاجر أو مستثمر يفضل خسارة دعواه على كشف أسرار تجارته أو صناعته التي تمثل في نظره قيمة أعلى من قيمة الحق الذي يناضل من أجله في الدعوى .
وبذلك نجد أن للتحكيم ميزة أخرى ينفرد بها عن قضاء الدولة وهي السرية التي لا تحرص عليها المحاكم العادية ويزيد من خطورة الأمر أن الكثير من أمناء السر بالمحاكم(كُتاب المحاكم) يقومون بتيسير الاطلاع على كافة الأسرار والمستندات للأغيار بشكل يجعل الأسرار المتنازع بشأنها متاحة للكافة للإطلاع عليها وبما قد يؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر بطرفي الخصومة .
وبذلك نجد أن القضاء العادي تتصف إجراءاته بالعلانية وبمقتضى تطبيق العلانية لدى المحاكم النظامية تصبح أبواب المحاكم مفتوحة لكل إنسان لحضور جلسات المحاكم وسماع النزاعات المعروضة على القضاء بالإضافة لعدد القضاة التي تعرض عليهم الدعوى الواحدة بحكم تعدد درجات التقاضي وعدد الموظفين الذين تمر عليهم الدعوى بحكم عملهم وهو أمر لا يفضله أطراف النزاع لما تؤدي إليه تلك العلانية من كشف لأسرارهم المهنية أو لمركزهم الاقتصادي الأمر الذي يلحق بهم ضرراً قد تفوق جسامته خسرانهم للدعوى،لذلك فإنهم يجدون في اللجوء للتحكيم بغيتهم حيث إن إرادتهم هي التي تحدد إجراءاته ولهم إذا أرادو ذلك جعلوا كافة إجراءات التحكيم سرية إذا رأوا أن في علانيتها ما يلحق بها الضرر وهو الأمر الذي لا يملكونه في حالة التقاضي أمام القضاء العادي والتي لا تكون جلساته سرية إلا إذا تعلق الأمر بالحفاظ على الآداب العامة أو أمن الدولة الخارجي أو الداخلي وفق تقدير المحكمة المنظور أمامها النزاع .
الفرع الثالث
تحقيق العدالة الواقعية
لما كانت العدالة تعني إعطاء كل ذي حق حقه كما يؤدي تحقيق العدالة إلى إنصاف المظلومين ورد الحقوق إلى أصحابها ومنع حدوث الضرر وجبره بعد وقوعه، وعلى هذا أصبحت العدالة غاية يسعى إليها المشرع في كل زمان ومكان كما أنها أصبحت غاية كل مشتغل بتطبيق القانون بل وغاية المتقاضين أيضاً.
وعلى هذا يحقق التحكيم بما يوفره من ضمانات قدراً لا باس به من العدالة يزيد بكثير عن هذا القدر الذي تحققه المحاكم العادية وقضاء الدولة وذلك لأن التحكيم يعطي الطرفين فرصة اختيار المحكم المتخصص الذي يثقون فيه كما أن التحكيم يؤدي إلى عدم التمسك بحرفية النصوص التي قد تضر بالعدالة كما أن المحكم يستطيع أن يقود طرفي المنازعة إلى التصالح الذي يحقق لكل طرف ما يريده ويسعى إليه بالإضافة إلى أن التحكيم يقود إلى تطبيق أعراف التجارة الدولية التي تحقق مصلحة طرفي المنازعة .
وعلى هذا سنعرض لهذه الأسباب على الوجه الأتي :
أولاً- اختيار المحكم:
حيث يقوم طرفا المنازعة باختيار المحكم أو المحكمين الذين تتوافر فيهم الخبرة والتخصص في النزاع محل وموضوع التحكيم فعندما يتعلق النزاع بمسائل فنية هندسية فيجب اختيار المحكم أو المحكمين المتخصصين في المجال الهندسي محل وموضوع التحكيم وعندما يتعلق الأمر بموضوع محاسبي فيجب اختيار المتخصص في مجال المحاسبة ليكون محكماً بين طرفي النزاع وعندما يتعلق الأمر بمسائل مالية تتعلق بنشاط البنوك فيجب أن يكون المحكم متخصصاً في نفس المجال .
وهذا بدون شك يؤدي إلى تحقيق العدالة لأن القاضي في محاكم الدولة قد يكون فقيهاً بارعاً ولكنه قليل الخبرة بشؤون الموضوع محل النزاع أو بالتجارة الدولية فيتعذر عليه الفصل في المنازعة وقد يؤدي هذا إلى الاستعانة بخبير يرشده ويكشف له ما استغلق عليه من جوانب النزاع وهذا يؤدي بدوره إلى إطالة أمد التقاضي إلى سنوات طويلة .
فاللجوء إلى خبراء متخصصين وفي نفس المجال يؤدي إلى اختصار الوقت والجهد والمال لأن المنازعات المتعلقة بالتحكيم غالباً ما تكون فنية معقدة وتحتاج إلى خبراء متخصصين .
كما أن إعطاء طرفي النزاع سلطة اختيار المحكم يؤدي إلى حدوث نوع من الثقة نظراً لمعرفتهم السابقة به وثقتهم بنزاهته.
ثانياً- تَحرر المحكم من ظلم النص القانوني:
عندما يقوم المشرع بسن قانون أو نص قانوني فإنه في غالب الأحوال يسعى لتحقيق العدالة ولكن الواقع العملي بتطبيقاته المتعددة والكثيرة قد يؤدي إلى استخدام هذا النص بما لا يحقق العدالة أو أن هذا النص قد يعجز عن تحقيق العدالة وعلى هذا يقوم المشرع بالتدخل بتعديل النص الذي عجز عن تحقيق غاية المشرع وهدفه أو سن نص قانوني جديد لتحقيق نفس الغاية .
وإذا كانت العدالة هي غاية المشرع ومنتهى مراده فإن النص القانوني هو وسيلة المشرع للوصول إلى هذه الغاية وأحياناً ما تعجز الوسيلة عن بلوغ الغاية وهنا يعود المشرع للتدخل.
فقد جرى التقليد على اعتبار القواعد الخاصة بالمسؤولية عن الفعل الشخصي قواعد عامة في المسؤولية المدنية ولكن الانقلاب الصناعي وانتشار استعمال الآلات وظهور المخترعات الحديثة ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر أدى إلى زيادة الأضرار الناتجة عن الأشياء وخاصة الآلات الميكانيكية زيادة كبيرة وكانت هذه الأضرار تخضع للقواعد العامة في المسؤولية المدنية شأنها في ذلك شأن الأضرار الناشئة عن الفعل الشخصي وبخاصة القاعدة التي تضع عبء الإثبات على المدعي، غير أنه سرعان ما بدا مقدار ما في تطبيق القاعدة التي تضع عبء الإثبات على المدعي من إجحاف بالمضرور إذا كان عجزه عن إثبات خطأ المدعى عليه يعرضه إلى فقدان حقه في التعويض .
وهكذا أصبحت نصوص المسؤولية عن الفعل الشخصي الموجودة في القانون المدني عاجزة عن حماية المضرور وتحقيق العدالة ولهذا قام المشرع بسن نص المادة /179/ من القانون المدني بحيث تسهل هذه المادة على المضرورين الحصول على حقوقهم لأنه ليس من العدل أن نكلف المضرور في حادث من حوادث السيارات بإثبات خطأ قائد السيارة .
وهكذا يصبح النص القانوني مانعاً وعائقاً من وصول الحقوق إلى أصحابها إذا تمسكنا بهذه النصوص وبحرفيتها فكثيراً ما يتراخى صاحب الحق في إقامة دعواه لمرضه أو لعجزه أو لسفره أو لسبب أخر وبعد إقامة الدعوى وثبوت الحق يجد القاضي نفسه مضطراً إلى القضاء بعدم القبول لرفع الدعوى بعد الميعاد أو لمخالفة شرط إجرائي معين بضرورة العرض على لجنة مثل لجان فض المنازعات وبهذا يضحي( هذا النص القانون المفترض فيه أنه أداة المشرع ووسيلته لتحقيق العدالة ) عائقاً يحول بين صاحب الحق والوصول إلى حقوقه.
وفي التحكيم يسعى المحكم إلى تحقيق العدالة دون الالتزام بنصوص معينة ويكون المحكم حراً في الوصول إلى العدالة غير مقيد بنصوص معينة تحكمه سوى ما أتفق عليه الطرفان .
وعلى هذا يصبح القاضي في المحاكم العادية مقيداً بنصوص القانون وعندما يسعى القاضي إلى تطبيق روح النص ومخالفة حرفيته تأتي أحكامه معيبة واجبة النقض وبهذا تصبح النصوص القانونية تقود إلى تحقيق عدالة صماء لا تراعي مصالح طرفي الخصومة.
في حين أن المحكم غير المقيد أو المكبل بنصوص قانونية يسعى إلى تحقيق العدالة بين طرفي المنازعة بل إنه قد يعمد إلى الوصول إلى عدالة مرنة دون مراعاة الاعتبارات القانونية المحضة .
و هكذا يسعى المحكم إلى تطبيق مبادئ العدالة التي هي مجموعة القواعد التي يكشف عنها العقل ويوصي بها الضمير ويرشد إليها النظر الصائب والفكر السليم .
ثالثاً – دور المحكم في تسوية النزاع :
لما كان المحكم أو المحكمين هم محل ثقة طرفي المنازعة فغالباً ما يسعى المحكم إلى وضع يده على نقاط الخلاف بين الطرفين ويحاول إقناع كل طرف بوجهة نظر خصمه أو إجباره بطريقة أدبية على تقديم قدر من التنازلات بحيث يتم وصول طرفي المنازعة إلى نقطة اتفاق وعلى أثرها يتم حسم المنازعة صلحاً.
هذا فضلاً عن أن المحكم يسعى إلى الوصول إلى الحل التوفيقي بين طرفي المنازعة لأنه غير مقيد بالنصوص القانونية الجامدة بصفة أساسية بل إنه يعمل على الوصول إلى حل توفيقي يُرضي الطرفان .
وبهذا يصف البعض التحكيم بأنه قضاء العلاقات المتصلة يحضر الطرفان إلى المحكم والعلاقات قائمة بينهم وينصرفان ولا تزال العلاقات بينهم قائمة وقد انقشع ما أسدل عليها من خلاف وذلك لأن قرارات المحكمين تنص وعن قصد حلولاً وسطاً أو أقرب إلى الوسط ولو كان الحق كله في جانب أحد الخصمين دون الأخر .
في حين أن المنازعات المعروضة على القضاء العادي في غالب الأمور ما يستخدم كل طرف من الطرفين أساليب الكيد للطرف الأخر .
وتنتهي المسألة إلى حد لا عودة للعلاقات بينهما ويذهب الفقه إلى القول بأن الأطراف يدخلون إلى القضاء العادي وهم ينظرون إلى الوراء بينما يدخلون إلى التحكيم وهم ينظرون إلى الأمام فيصبح القضاء العادي هو قضاء العلاقات المحطمة يحتكم إليه الخصمان فيغلب إدعاء أحدهما على إدعاء الأخر ثم ينصرفان غريمين .
رابعاً – مراعاة أعراف التجارة الدولية ومبادئها العامة :
في بعض الأحيان عندما يتم تطبيق قانون الدولة في نزاع معين له طابع دولي قد يؤدي إلى الوصول إلى نتيجة غير عادلة وغير مرضية وذلك لأن طبيعة التجارة الدولية قد تختلف عن ما هو معمول به في النظم القانونية الداخلية وبهذا يبدو أن عدم ملائمة القواعد الوطنية لحكم منازعات العقود الدولية ليس أمراً غريباً على فقه التجارة الدولية فهذا الأخير قد سجل ذلك منذ فترة طويلة عندما لاحظ أن القواعد الوطنية لا يمكن أن تقدم بطريقة كافية حلولاً مناسبة للعلاقات الدولية .
ومثال ذلك ما جاء في النظام الأنكلو أمريكي من تحريم وبطلان الشروط الجزائية ومنعها وتطبيق هذا في نطاق القوانين الوطنية لبعض الدول يؤدي إلى الاصطدام والتعارض مع واقع التجارة الدولية وأخذها بفكرة الشروط الجزائية وهكذا يبدو أن تطبيق القواعد الموجودة بالنظم القانونية الوطنية قد يتعارض مع المبادئ المعمول بها في نطاق ووقائع التجارة الدولية .
وعلى هذا يحقق التحكيم للمحكم ولطرفي الخصومة حرية اختيار المبادئ القانونية التي تحكم موضوع النزاع والابتعاد عن القواعد المعمول بها في النظم الداخلية التي قد تتعارض مع غايات ومراد طرفي الخصومة وتطبيق المبادئ المستقرة في مجال التجارة الدولية .
وهكذا يبدو أن للتحكيم العديد من المزايا التي تفسر وتبين انتشار التحكيم وازدهار مراكزه وكثرة اللجوء إليه وإن كان الكثير من هذه المزايا مستمدة من ضعف وسوء حالة القضاء وبطئه وإغراقه في الشكل دون الاهتمام بفكرة العدالة باعتبارها هدف وغاية المشرع وكافة المشتغلين بتطبيق القانون والخصوم بالإضافة إلى اهتمام التشريعات الوطنية في غالب الأمور بالتفاصيل الدقيقة التي تؤدي إلى ضياع الأفكار الهامة والمبادئ العامة والجوهرية في زحام هذه التفاصيل البسيطة الدقيقة التي قد تؤدي إلى الوصول إلى نتائج تناقض ما هو وارد في المبادئ العامة.
المطلب الثاني
عيوب التحكيم في عقود الـB.O.T
رغم أن التحكيم في عقودB.O.T له العديد من المزايا كما عرضنا لها في المطلب الأول إلا أنه وفي نفس الوقت له عيوب ومساوئ لا ينكرها منصف ومن هذه العيوب سيطرة الدول الصناعية المتقدمة على مراكز التحكيم التجاري الدولي واستغلالها لتحقيق مصالحها بالإضافة إلى عدم دقة وموضوعية بعض المحكمين هذا فضلاً عن ارتفاع نفقات التحكيم وسنعرض لهذه الموضوعات على الشكل الأتي:
الفرع الأول : استغلال الدول الصناعية للتحكيم لتحقيق مصالحها.
الفرع الثاني : عدم موضوعية ودقة بعض المحكمين .
الفرع الثالث: افتقاد قرارات التحكيم إلى القوة الملزمة .
الفرع الرابع : ارتفاع نفقات التحكيم.
الفرع الأول
استغلال الدول الصناعية للتحكيم لتحقيق مصالحها
يذهب الكثير من الفقه إلى القول بأن التحكيم أصبح وسيلة بيد الدول صاحبة الاقتصاد الحر والفكر الرأسمالي تستطيع من خلال هذه الوسيلة فرض وجهات نظرها الاقتصادية على دول العالم النامي وضمان تبعتها الاقتصادية حيث يستطيع المحكم اختيار القانون الذي يحكم النزاع وغالباً ما لا يختار المحكم قوانين الدول النامية.
وحقيقة الأمر إن اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع يشبه العمليات الحسابية البسيطة فغالباً ما يعرف طرفي المنازعة أن تطبيق قانون دولة ما على النزاع يؤدي نتائج محددة قد تكون في صالح أحدهم وضد الأخر ولهذا يعمد الطرف القوي على الضغط على خصمه وصولاً إلى تطبيق القانون الذي يحقق مصالحه وهكذا تصبح المسألة هي مسألة اختيار القانون الذي يحقق مصلحة الطرف الأقوى وغالباً ما تضغط الدول الرأسمالية وشركاتها الدولية العابرة للقارات على دول العالم الثالث لتطبيق القانون الذي يحقق مصالح الدول الرأسمالية الصناعية وشركاتها الدولية .
وفي الغالب تعرض شركات الدول المتقدمة شروط التحكيم في عقودها مع أطراف الدول النامية ، مما يعكس آثار هذه الشروط سلباً على اقتصاديات هذه الدول وحتى على مواطنيها .
الفرع الثاني
عدم موضوعية بعض المحكمين
قد يعمد بعض أطراف النزاع إلى اختيار محكمين بدوافع خاصة ، دون النظر إلى خبرة المحكم القانونية لدرجة قد تكون غير كافية في تحقيق العدالة لطرفي النزاع ، والتقيد بالمبادئ الأساسية في التقاضي وهذا لا يوفر الضمانات التي يُحتمها مبدأ سيادة القانون إلا أن هذا الأمر عائد لإرادة أطراف النزاع أنفسهم وليس مرده إلى التحكيم بحد ذاته لذلك تشترط بعض أنظمة التحكيم توافر شروط معينة في المحكم لتلافي هذا المحذور الذي يقع فيه أطراف النزاع قليلي الخبرة وحتى بعض الناس يظنون أن المحكم المختص في مجال النزاع هو الصلح في التحكيم . وبالرغم من أن اختيار المحكمين يتم بواسطة طرفي الخصومة وهذا يؤدي افتراض الثقة بالمحكمين ولكن في بعض الأحيان قد يتم الضغط على المحكمين من قبل الشركات الدولية للقضاء لصالح هذه الشركات وهكذا يمكن التأثير على المحكمين وهذا أمر نادر الحدوث في قضاء الدولة ومثال ذلك ما حدث في قضية الشيخ شخبوط شيخ أبو ظبي وقضية شركة أرامكو ففي الأولى قام المحكم بتطبيق القانون الانكليزي بدلاً من القانون الإماراتي بدعوى أنه يمثل تجسيداً للمبادئ العامة للقانون أما في الثانية فقد قامت هيئة المحكمين بإعمال القانون الدولي العام على الرغم من اتفاق الأطراف على إخضاع النزاع للقانون السعودي بدعوى وزعم أن إعمال وتطبيق القانون السعودي ليس سوى تطبيق للشريعة الإسلامية التي لا تكفي أحكامها لتنظيم وتسوية المنازعات التي تثيرها عقود البترول .
وهكذا تصبح عدم الموضوعية أو عدم الحيدة لدى بعض المحكمين سهماً يوجه إلى التحكيم وعلى هذا يجب على مراكز التحكيم أن تحرص على اختيار المحكمين الذين يتسمون بالحيدة والنزاهة والموضوعية وإلا أصبح لقضاء الدولة الرسمي ميزة السبق في هذا المجال إذ يصعب التأثير على قضاء الدولة إذ يحرص القضاء بشكل دائم و مستمر على اختيار العناصر الجيدة والممتازة والتي تتمتع بسمعة ممتازة للجلوس على منصة القضاء .
الفرع الثالث
افتقاد قرارات التحكيم إلى القوة الملزمة
يرى البعض أن التحكيم سلطة بلا أنياب ويظهر ذلك في عدم فاعلية وكفاية السلطة الممنوحة لمحكمة التحكيم مع أهمية النزاع وما قد يتطلبه الأمر من ضرورة منح محكمة التحكيم سلطات أكثر وعلى سبيل المثال الذي يظهر عدم كفاية سلطات محكمة التحكيم عدم قدرة محكمة التحكيم على استدعاء الشهود للمثول أمام محكمة التحكيم وتوقيع العقوبة عليهم سواء كان بالغرامة أو الحبس في حال عدم المثول ونظراً لعدم قوة وفاعلية السلطات التي تتمتع بها محكمة التحكيم مما قد يدفعها أحياناً إلى غل يدها عن حسم النزاع على نحو مرض يحقق العدالة بين الأطراف .
وتأكيداً لما تقدم لا يستطيع الطرف المحكوم لصالحه في التحكيم تنفيذ حكم المحكمين إلا بعد الحصول على الصيغة التنفيذية من السلطة القضائية الوطنية في البلد الذي يراد فيه التنفيذ .
ومع مرور الوقت تصدر بعض أحكام المحكمين قد تخالف المبادئ الأساسية للقانون أو مبادئ العدالة ولمواجهة هذه الحالات تذهب مراكز التحكيم إلى السماح بالطعن على أحكام المحكمين بهدف مواجهة حالات قصور بعض أحكام المحكمين وبهذا تضع قواعد عامة تؤدي إلى الطعن على أحكام المحكمين وتؤدي بالتالي إلى إطالة أمد التقاضي والقضاء على ميزة التحكيم الأساسية وهي السرعة وهنا تقع مراكز التحكيم في الفخ الذي سبق أن وقعت فيه الدولة وهيئاتها القضائية بفتح أبواب الطعن لمواجهة قصور الأحكام وصولاً إلى تحقيق عدالة حقيقية .
وهكذا يصبح فتح باب الطعن في أحكام المحكمين سبباً لإطالة أمد التقاضي والقضاء على سرعة التحكيم ومن خلال ما تقدم فإن سقوط بعض أحكام المحكمين وترديها في الخطأ الجسيم قد يكون سبباً مقبولاً للطعن على أحكام المحكمين ولكنه لا ينبغي أن تحاول مراكز التحكيم فتح أبواب الطعن على الأحكام بما يؤدي إلى إهدار ميزة السرعة التي تتمتع بها مراكز التحكيم لأن فتح أبواب الطعن على الأحكام الصادرة من المحكمين يؤدي إلى التشابه مع النظم القضائية التي تديرها الدولة والطعون العديدة على الأحكام في المحاكم التي تديرها غاية حميدة وهي تقليل حالات الخطأ والوصول إلى عدالة حقيقية ولكن أثبت الواقع العملي أن فتح باب الطعون يؤدي إلى إساءة استغلال طرفي الخصومة لهذا الحق بما يؤدي إلى القضاء على كل مميزات النظام القضائي الذي تديره الدولة .
وبذلك من الأفضل قبول التحكيم بما يحققه من المزايا وما له من مساوئ قد تصل إلى حد الظلم في البعض أو القليل من الأحكام دون فتح أبواب الطعون على مصراعيها للقضاء على ميزة التحكيم الأساسية وهي السرعة .
الفرع الرابع
ارتفاع نفقات التحكيم
تعتبر أتعاب التحكيم مرتفعة إذا ما قيست بنفقات القضاء النظامي ، في الدول التي تفرض رسوماً ونفقات للتقاضي أمام القضاء النظامي ، ومع ذلك لا يقاس ارتفاع تكاليف التحكيم بهذا المعيار ، وإنما يجب أن يقاس بالفائدة التي يجنيها طرفي النزاع من اللجوء إلى التحكيم من حيث التريث في فهم النزاع و في حرية اختيار المحكمين وفي سرعة الفصل في موضوع النزاع وفي تنفيذ الحكم في ظروف النشاط التجاري وفي ارتفاع معدلات الأرباح في العمل التجاري .
ومن خلال ذلك نجد ارتفاع نفقات التحكيم حيث يتم تقدير أتعاب المحكمين بنسبة من قيمة النزاع المطروح وهذه النسبة غالباً ما تكون مبالغ كبيرة في حين أن رسوم التقاضي أمام القضاء الوطني للدولة هي عبارة عن مبالغ زهيدة .
وهكذا توجد العديد من المسالب والمساوئ التي يمكن أن تؤثر في نجاح التحكيم إلا إذا تضافرت جهود جميع القائمين على مراكز التحكيم للحد من هذه المسالب وتضييق نطاقها إلى أقل قدر وحجم ممكن بل يجب عليها لضمان نجاح التحكيم واستمراره مواجهة هذه المسالب ومحاولة القضاء عليها .
كما أن نجاح الدولة في القضاء على الصعوبات والمثالب التي تواجه القضاء الرسمي للدولة يضع التحكيم في موقف أضعف ويدفع المتقاضين إلى التمسك بنظام الدولة الرسمي للقضاء وعجز الدول عن وضع حلول لمشاكل نظامها القضائي يدفع المتقاضين إلى اللجوء لمراكز التحكيم .
المبحث الثالث
القانون الواجب التطبيق على التحكيم في عقود B.O.T
تبرم عقود الـ B.O.Tكما سبق وأن بينا بين الدولة أو أحد الأشخاص العامة وبين أحد أشخاص القانون الخاص يتخذ عادة شكل شركة المشروع بغية تسير مرفق عام وترتدي طابعاً مميزاً يتغلب بموجبه الصالح العام على المصلحة الخاصة وتنصرف فيه الإدارة إلى الأخذ بأسلوب القانون العام فيما ينطوي عليه من شروط استثنائية خارجة عن نصوص القانون العادية . وبالتالي فهي عقد إداري يطبق عليه ما يطبق على هذا العقد . لذلك سنبدأ في هذا المبحث التكلم عن جواز التحكيم في القضايا الإدارية في المطلب الأول.
ومن ثم خصوصية إجراءات التحكيم في منازعات عقود B.O.T في المطلب الثاني.
المطلب الأول
جواز التحكيم في القضايا الإدارية
تعددت الآراء حول جواز التحكيم في العقود الإدارية فمنهم من رفض هذا الاتجاه ومنها فرنسا بادئ الأمر ومصر ومبرر ذلك مساس التحكيم لسيادة الدولة وعدم النظر فيها إلا من القضاء الوطني واستند الفقه الفرنسي القديم إلى ثلاث نظريات منبثقة جميعها من المبادئ العامة للقانون وهي :
1- مبدأ فصل السلطات الإدارية عن السلطات القضائية .
2- مفهوم النظام العام .
3- نظرية عدم أهلية الإدارة للجوء إلى التحكيم .
فمبدأ فصل السلطات يقضي بوجود جهة قضائية متخصصة تتولى الفصل في المنازعات الإدارية ومن بينها منازعات العقود الإدارية ، وهذه الجهة هي مجلس الدولة .ويترتب على ذلك أن إباحة التحكيم في منازعات العقود الإدارية يعتبر اعتداء على اختصاص مجلس الدولة وبالتالي اعتداء على مبدأ الفصل بين الهيئة القضائية والهيئات الإدارية .
ومن ناحية أخرى ، فإن مبدأ حظر لجوء أشخاص القانون العام إلى التحكيم يجد أساسه في فكرة النظام العام .بمعنى مجموع المصالح العليا للمجتمع التي تسمو على المصالح الفردية .
ومن ناحية ثالثة ، فإن مبدأ حظر لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم يقوم على نظرية عدم أهلية هذه الأشخاص لإبرام اتفاق التحكيم لأن المشرع لم يمنحها الأهلية اللازمة من الناحية القانونية لإبرام هذا الاتفاق ، بل حظر عليها ، بمقتضى نصوص تشريعية صريحة اللجوء على التحكيم . أما سوريا فكان لها وجه نظر مختلفة منذ أن عرفت العقد الإداري.
وسنبحث ذلك في هذين الفرعين على الشكل الأتي
الفرع الأول
أصالة التحكيم قانونا في سورية
تكرست قاعدة حظر اللجوء إلى التحكيم ضمن منازعات القانون العام في فرنسا بموجب المادة /2060/ من القانون المدني الفرنسي (المعدلة بالقانون 5/7/1972) فقد كانت هناك حالات استثنائية يسمح فيها المشرع الفرنسي للإدارة بأن تلجأ إلى التحكيم في نطاق العقود الإدارية ومن أهم هذه الحالات عند إبرام عقود مع شركات أجنبية (أي في حالة العقود الدولية ) وبهدف تحقيق عمليات تتعلق بالمصلحة الوطنية .
وفي الواقع إن حظر لجوء الأشخاص العامة إلى التحكيم إنما يجد أصله التاريخي في فرنسا في نظرية الوزير القاضي التي سادت فترة من الزمن في القرن التاسع عشر إذ كان محظوراً على الوزير بوصفه قاضياً في نطاق المنازعات الإدارية أن يفوض سلطاته القضائية إلى محكمين مما يؤدي إلى زعزعة نظام التقاضي وخاصاً أن مجلس الدولة نفسه كان عند إنشائه مجلساً استشارياً مهمته إعداد مشروعات المراسيم والقرارات التي تطلبها الإدارة العاملة ، وكان لابد لنفاذها من تصديقها من الإمبراطور أو الوزراء المختصين ، كما أنه ينظر في المنازعات التي يرفعها الأفراد ضد الإدارة وإصدار أحكام فيها ولكن هذه الأحكام لم تكن نهائية وواجبة التنفيذ إلا بعد تصديق الإمبراطور عليها . ومن ثم فإن الاختصاص القضائي الذي تقرر للمجلس كان ناقصاً وسمي بالقضاء المعلق أو المقيد نظراً لضرورة تصديق الإمبراطور عليه لإمكان نفاذه .
لذلك كان المشرع السوري سباقاً في إعطاء الحق للإدارة باللجوء إلى التحكيم ، فمنذ صدور قانون مجلس الدولة رقم /55/ لسنة 1959 اعترف المشرع بإمكانية لجوء الإدارة العامة للتحكيم لفض منازعاتها ، فقد قررت المادة /44/ من قانون مجلس الدولة عدم جواز اللجوء إلى أي صلح أو تحكيم دون استفتاء مجلس الدولة ، وبذلك يكون المشرع قد قرر ضمناً إمكانية لجوء الإدارة العامة للتحكيم مع تعليقه على شرط الاستفتاء المذكور .
كذلك فإن قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم/98/ لسنة /1961/ قد تحدث في المادة /80/منه عن وضع المحكمين إذا كانوا من أعضاء القضاء العادي وأشار فيها إلى إمكانية أن تكون جهات القطاع العام طرفاً في التحكيم .
وعندما صدر المرسوم التشريعي رقم /228/ لسنة 1969 المتضمن نظام عقود هيئات القطاع الإداري نص صراحة في المادة /75/ منه على إمكانية اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية من قبل الإدارة وفق الإجراءات التي حددتها المادة المذكورة .
وحين صدر القانون رقم /51/ لسنة 2004 المتضمن نظام العقود الموحد في الدولة فقد نص صراحة في المادة /66/ منه على جواز اللجوء إلى التحكيم في إطار منازعات العقود الإدارية والتي تنص على ما يلي
ب- يجوز أن ينص في دفاتر الشروط الخاصة والعقد على اللجوء إلى التحكيم وفقا للأصول المتبعة أمام القضاء الإداري وتشكل لجنة التحكيم برئاسة مستشار في مجلس الدولة يسميه رئيس مجلس الدولة وعضوين تختار أحدهما الجهة العامة ويختار المتعهد العضو الأخر .
ج- يمكن أن ينص في العقود الخارجية بموافقة الوزير المختص بالذات على جهة تحكيمية خاصة خلافاً لأحكام البندين أ و ب السابقين ) .
وقد صدر مؤخراً قانون التحكيم رقم /4/ لسنة 2008 الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والتجارية ، وقد نصت الفقرة /2/ من المادة /2/ منه على جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية مع بقائه خاضعاً لأحكام المادة /66/ أنفة الذكر من القانون رقم /51/ لسنة 2004 .
وفي رأي الدكتور محمد أديب الحسيني حيث اعتبر أن القانون /51/ المذكور وفي مادته الأولى يتعلق بطريق تأمين احتياجات الجهات العامة وبيع أموالها فقط وليس بجميع أنواع العقود الإدارية أي أنه يقتصر على عقود التوريد والأشغال والخدمات والبيع ، فإن النص في قانون التحكيم رقم /4/ لسنة 2008 يصرح بجواز التحكيم في العقود الإدارية مع إبقائه خاضعاً لأحكام المادة /66/ من القانون /51/ لسنة 2004 كأنما يعتبر أن النص الوارد في المادة /66/ المذكورة يطبق على جميع أنواع العقود الإدارية وليس على عقود الشراء والبيع العام فقط ،وهو الرأي المتبع باعتقادي لوجود الفراغ التشريعي وذلك لعدم وجود قانون للتحكيم ينظم العقود الإدارية الأخرى .
أما الدكتور مهند نوح ونحن من مؤيديه فبرأيه إن النص لا ينطبق إلا على عقود التوريد والأشغال والخدمات والبيع دون غيرها من العقود الإدارية وذلك نظراً لاقتصار حكم القانون 51 لسنة 2004 على هذه العقود دون غيرها .
الفرع الثاني
موقف مجلس الدولة من شرط التحكيم في العقود الإدارية
أوضح مجلس الدولة السوري على أن التحكيم قضاء حقيقي يسعى إليه أطراف النزاع بمحض إرادتهم وبذلك فإن القضاء الإداري في سوريا قد أخذ بالاتجاه الراجح فقهاً وقضاءً بأن حكم التحكيم هو عمل قضائي بالمعنى الصحيح .
وقد استقر مجلس الدولة السوري على أن شرط التحكيم الذي يرد في العقد الإداري يعتبر ملزماً للطرفين ولا يستطيعان التحلل منه أو تعديله إلا بالاتفاق المتبادل بينهما ، وإن إلزامية هذا الشرط من شأنها أن تحجب الاختصاص عن المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع .
وعلى ذلك فإنه يمتنع على جهة الإدارة بعد أن ارتضت التحكيم طريقاً لفض نزاعها مع المتعهد أن تنكل عن تنفيذ هذا الشرط بعد إبرامها العقد معه .
وقد حرص مجلس الدولة السوري على حماية شرط التحكيم الوارد في العقد الإداري فإجراء التحكيم في نزاع ما يتعلق بالعقد لا يحجب اللجوء ثانية للتحكيم لحل غيره من النزاعات المتعلقة بذلك العقد . فقيام نزاعات أخرى لم تكن معروضة على لجنة التحكيم السابقة ليس من شأنه أن يجعل باب التحكيم موصداً أمامها إذ تبقى الإدارة بعد أن ارتضت عند التعاقد قبول التحكيم طريقاً للتقاضي وحل الخلافات مع المتعهدين ملزمة بالسير في طريق التحكيم حتى تصفية جميع الخلافات .
وقد ذهب مجلس الدولة السوري إلى أبعد من ذلك فقرر أن شرط التحكيم الوارد في العقد الإداري يعتبر ملزماً للطرفين وإن للمحكمة حق إثارته من تلقاء نفسها الأمر الذي يجعل من الحكم الذي انتهى إلى إعلان عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري للنظر في النزاع محل الدعوى ، بحسبان أن اختصاص النظر فيه معقود إلى التحكيم قائم على أساس سليم من القانون وإن ما ذهب إليه القضاء الإداري بذلك يتجاوز ما استقر عليه نظيره القضاء العادي . ذلك إن قضاء النقض في سورية قد استقر على أنه لا يجوز للمحكمة أن تثير شرط التحكيم من تلقاء نفسها لأن ذلك ليس من النظام العام .
وبذلك يكون مجلس الدولة قد كرس شرط التحكيم في العقود الإدارية وأضفى عليه حماية تامة معتبراً أن التحكيم قضاء حقيقي يسعى إليه أطراف النزاع بمحض اختيارهم ولا يسوغ لأي طرف من أطراف العقد أن يتحلل من شرط عقدي ملزم للتحكيم .
المطلب الثاني
خصوصية إجراءات التحكيم في عقود B.O.T
إن التحكيم في عقود B.O.T شأنه شأن التحكيم في أي عقد إداري أخر ونظراً لأهمية شرط التحكيم في عقود B.O.T (وفي عقود التجارة الدولية عموماً ) فإنه لا بد من إعمال القواعد التالية عند صياغة هذا الشرط :
الفرع الأول
تسمية لجنة التحكيم
لا يجوز أن ينظر محكم فرد أيا كان في منازعات العقود الإدارية فالمادة /66/ من القانون /51/ لسنة 2004 نصت على تشكيل لجنة تحكيم وحددت كيفية تسمية أعضاء هذه اللجنة وهو نص أمر ويتعلق بالنظام العام .
وعندما ينشب نزاع بين الإدارة والمتعاقد معها بشأن عقد إدري يتضمن شرط التحكيم ، فقد جرى مجلس الدولة السوري على أن يتقدم طالب التحكيم وهو غالباً المتعهد باستدعاء لرئيس مجلس الدولة مرفق بنسخة عن العقد المتضمن شرط التحكيم يطلب فيه مقدمه من رئيس المجلس إعلان الجهة الإدارية بالطلب وتكليفها لتسمية محكمها ، ويحدد الطالب في استدعاء طلبه النقاط التي يطلب البحث فيها وحلها عن طريق التحكيم فإذا استجابت الإدارة للطلب وسمت محكمها وكان طالب التحكيم قد سمى محكمه يسمي رئيس مجلس الدولة أحد المستشارين في المجلس محكماً مرجحاً يرأس لجنة التحكيم.
فقد حددت المادة /66/ من القانون /51/ لسنة 2004 تشكيل لجنة التحكيم وفقا لنص آمر يعد من متعلقات النظام العام ، حيث نصت بأن تشكيل لجنة التحكيم برئاسة مستشار في مجلس الدولة يسميه رئيس مجلس الدولة وعضوين تختار أحدهما الجهة العامة ويختار المتعهد العضو الأخر .
ويلاحظ أن المادة /66/ أنفة الذكر قد نسخت بحكمها ما كانت تنص عليه الفقرة /أ/ من المادة /75/ من المرسوم التشريعي رقم /228/ لسنة 1969 من إمكانية أن تكون لجنة التحكيم مشكلة برئاسة قاض عادي يسميه وزير العدل، وحصرت أمر رئاسة اللجنة المذكورة من قبل مستشار في مجلس الدولة يسميه رئيس المجلس لذلك فقد انعدمت إمكانية أن يكون رئيس لجنة التحكيم قاض من القضاء العادي .
وحتى ولو تضمن العقد أن يسمى رئيس هذه اللجنة من قبل رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة القضاء الإداري فقد استقر اجتهاد مجلس الدولة على إناطة أمر تسمية رئيس لجنة التحكيم في النزاعات المتولدة عن العقد الإداري برئيس مجلس الدولة دون غيره لارتباط هذه التسمية بالاختصاص النوعي في رؤية العقود الإدارية وبأن النزاع التحكيمي هو فرع من الأصل مما يحجب هذه التسمية عن غيره وقد أوضحت دائرة فحص الطعون لدى المحكمة الإدارية العليا السورية العلة التي تكمن وراء تحديد رئيس لجنة التحكيم من قبل رئيس مجلس الدولة وذلك على أساس أنه يمثل السلطة العليا في القضاء الإداري .
غير أنه لا شيء يمنع أن يكون محكم الإدارة أو المتعهد من القضاء العادي ، وعندئذ يتوجب مراعاة ما ورد في المادة /80/ من قانون السلطة القضائية بهذا الصدد فإذا كان القاضي العادي محكماً عن المتعهد فيجب أخذ موافقة مجلس القضاء الأعلى ، أما إذا كان محكماً عن الإدارة فيجب أن يحال الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى لتحديد القاضي المحكم.
وبطبيعة الحال فإنه لا يشترط في محكم الإدارة أن يكون قاضياً كما لا يلتزم محكمها بالحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى إلا إذا اختير من بين السادة القضاة وفق ما تشير إليه المادة /80/ من قانون السلطة القضائية .
وقد تمتنع الإدارة عن الجواب على طلب تسمية محكم عنها أو تعلن عدم رغبتها في التحكيم لأي سبب كان وعندئذ فإن رئيس مجلس الدولة يبلغ طلب التحكيم هذا الرفض . ويحق لطالب التحكيم أن يقدم دعوى لمحكمة القضاء الإداري بإلزام الإدارة بالتحكيم وتسمية محكم عنها فإذا رفضت الإدارة تسمية محكم تعين المحكمة المذكورة جلسة قريبة دون حاجة لتحضير الدعوى من قبل مفوض الدولة ، وفي ضوء النصوص العقدية و الدفوع المتبادلة تقضي المحكمة بالإلزام بالتحكيم وبتسمية محكم عن الإدارة الممتنعة أو تقضي برفض الطلب ، ويكون قرار المحكمة في هذا الشأن خاضعاً للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وعلى ذلك فإذا لم يعين أحد أطراف النزاع محكمه فإن محكمة القضاء الإداري هي التي تعين ذلك المحكم في سياق دعوى الإلزام بالتحكيم .
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا سمت الإدارة محكمها على سبيل الاحتياط خوفاً من إعطاء الحكم بتسمية محكم لا ترغب به فلا يعتبر ذلك ارتضاء منها بالتحكيم طوعاً.
أما بالنسبة لأتعاب المحكمين فإن نص الفقرة /د/ من المادة /75/ من المرسوم التشريعي رقم /228/لسنة 1969 كان واضحاً حيث كان يقضي بأن يتحمل الفريق الخاسر نفقات التحكيم بنسبة خسارته ، وفي الحقيقة فقد كان هذا النص جيداً لأنه واضح ويعتمد على المبدأ العام في توزيع أتعاب المحكمين المعتمد عليه. إلا أن المادة /66/ من القانون /51/ لسنة 2004 قد ألغت هذا النص ولم يعد قانون العقود يشير إلى كيفية توزيع أتعاب المحكمين ولكن المحكمة الإدارية العليا السورية قد وضعت مبادئ عامة بهذا الشأن إذ قررت أن لجنة التحكيم كمحكمة تماماً تترخص في تحديد الأتعاب والنفقات وتقرر تحميلها لأحد الطرفين أو كليهما بالنسبة التي ترتئيها على مقتضى ما تستظهره من دوافع الخلاف وموقف الخصوم منه .
الفرع الثاني
شرط إجازة التحكيم
إن لإجازة التحكيم من قبل اللجنة المختصة في مجلس الدولة أهمية كبرى في إجراءات التحكيم لأنها إعمال لنص أمر ، فقد نصت الفقرة /2/ من المادة /44/ من قانون مجلس الدولة صراحة على انه : ( لا يجوز لأية وزارة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها على خمسة ألاف جنيه بغير استفتاء الإدارة المختصة) .
وهذا يعني أن هناك شرطاً جوهرياً تجب مراعاته قبل اللجوء إلى التحكيم وهو ذلك المتعلق بالحصول على إجازة التحكيم من الإدارة المختصة لدى مجلس الدولة ، ولكن إجازة التحكيم شرط مطلوب في النزاعات التي تزيد قيمة العقد فيها عن خمسة وأربعين ألف ليرة سورية وهذا يعني بالمفهوم المعاكس أن التحكيم في العقود التي تقل قيمتها عن الحد النقدي المذكور ليست بحاجة إلى إجازة من مجلس الدولة .
غير أن ارتفاع القيم الاقتصادية في الوقت الحاضر يجعل جميع العقود الإدارية بحاجة إلى إجازة قبل التحكيم .
ويثير نص الفقرة /2/ من المادة /44/ أنف الذكر عدة تساؤلات :
فهل إن هذه الإجازة لازمة في عقود المؤسسات والشركات العامة التي اعتبرها القانون تاجراً في علاقاتها مع الغير وأعفى عقودها من تصديق مجلس الدولة ؟
وهل يغني استفتاء الجهة المختصة في مجلس الدولة عند إبرام العقد المتضمن شرط التحكيم عن الاستفتاء بشأن إجازة التحكيم ؟
ثم هل يتعين الحصول على إجازة التحكيم في التحكيم الداخلي والخارجي ؟
لقد حسم مجلس الدولة السوري هذه المسائل حيث اعتبر أن إعفاء العقود والعمليات التي تجريها المؤسسات والشركات العامة من تصديق مجلس الدولة لا يعفي تلك الجهات من الحصول على إجازة التحكيم المنصوص عليها في المادة /44/ من قانون مجلس الدولة وإن قيام الإدارة باستفتاء الجهة المختصة في مجلس الدولة عند إبرام العقد لا يغني عن الاستفتاء في صدد إجازة التحكيم كما اعتبر مجلس الدولة أن هذه الإجازة واجبة سواء كان التحكيم داخلياً أو خارجياً .
غير أن ما ذهب إليه مجلس الدولة من وجوب الاستحصال على إجازة التحكيم بصدد العقود المعفاة من تصديق مجلس الدولة ، وكذلك بصدد العقود التي تم استفتاء مجلس الدولة عند إبرامها كان موضع انتقاد ، فقد رأى البعض أن إعفاء بعض العقود من الاستفتاء يشمل بالضرورة جميع بنود العقد ومنها شرط التحكيم وإن مباشرة إجراءات التحكيم ليست إلا تنفيذاً لشرط التحكيم العقدي الملزم للأطراف وكذلك في حال استفتاء مجلس الدولة على العقد برمته المتضمن شرط التحكيم فإن هذا الاستفتاء يشمل بالضرورة استفتاء حول شرط التحكيم الوارد فيه ، ويكون وجوب الحصول على إجازة التحكيم ثانية عند مباشرة إجراءات التحكيم أمراً لم تنص عليه المادة /44/ من قانون مجلس الدولة .
والأصل إن واجب استفتاء مجلس الدولة بشأن اللجوء إلى التحكيم إنما هو ملقى على عاتق الإدارة المعنية حسبما بينت الفقرة الثانية من المادة /44/ من قانون مجلس الدولة إلا أنه لا شيء يمنع على المحكمة الناظرة في الدعوة المقامة بشأن إلزام الإدارة بالتحكيم من استطلاع رأي اللجنة المختصة بقسم الفتوى والتشريع لمجلس الدولة قبل البت في تلك الدعوى حسبما جرى عليه التعامل والتطبيق الفعلي منذ نفاذ قانون مجلس الدولة ذي الرقم /55/ لعام 1959 كما يجري التطبيق العملي على أن يقدم طلب إجازة التحكيم من قبل خصم الإدارة في التحكيم ويتعين على لجنة التحكيم التقيد ببحث الموضوعات التي تضمنتها إجازة التحكيم ولا تملك أن تبحث موضوعاً لم تخولها اللجنة المختصة في مجلس الدولة في إجازة التحكيم صلاحية البت فيه ، وعلى هذا الأساس فإن الحكم التحكيمي الذي بحث في نطاق تجاوز الموضوعات التي تضمنتها إجازة التحكيم يكون جديراً بالإلغاء .
كما يكون قرار لجنة التحكيم بعدم البت في طلبات لم تشملها إجازة التحكيم إنما هو في محله القانوني . وإن قبول الإدارة عرض نزاع بصدد عقد إداري على هيئة المحكمين دون استفتاء مجلس الدولة أولاً يعتبر من العيوب التي تمنع تنفيذ قرار المحكمين باعتبار أن جزاء التغاضي عن شرط إجازة التحكيم هو تقويض التحكيم من أساسه واجتثاثه من جذوره على نحو يفقده وجوده القانوني .
وعلى هذا الأساس فإن ساحة لجنة التحكيم الأفقية ضيقة جداً وذلك إن اللجنة لا تستطيع أن تنظر إلا في حدود النزاع الذي فوضت بحله والوارد في إجازة التحكيم دون غيره أما القضاء فينظر بالنزاع برمته مع ملحقاته وفروعه والطلبات المعروضة له ولهذا قيل أنه في مجال القانون الإداري لا تسري في التحكيم ما يسمى بقاعدة: قاضي الأصل هو قاضي الفرع .
وبذلك نجد أن شرط التحكيم في عقود B.O.T قد شاع وأنه يكاد يصبح أحد الشروط الثابتة فيها وإن معظم الدول التي كانت تحظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية قد عدلت قوانينها بما يؤدي إلى ضمان اللجوء إلى التحكيم لحل منازعات هذه العقود .
في حين أن عقود B.O.T هي من أكثر العقود الإدارية مدعاة للتمعن والتمحيص في بنودها وشروطها .ففي هذه العقود تتخلى الدولة عن إدارة مرافق عامة اقتصادية أساسية وتعهد بها إلى شركات مستثمرة خاصة محلية أو أجنبية لتقوم بإنشاء المرفق على نفقتها ومسؤوليتها وتشغيله وإدارته واستيفاء الرسم من المنتفعين أضف إلى ذلك أن هذه العقود تبرم لفترة طويلة قد تصل إلى تسع وتسعين سنة كما حصل في مصر . وكثيراً ما تتضمن هذه العقود شروطاً توصف بأنها شروط سالبة للسيادة كشرط الثبات التشريعي الذي ينص صراحة على استبعاد أي قانون جديد أو معدل للقانون النافذ وقت إبرام العقد ، وشرط خضوع العقد للقانون الخاص وشرط التحكيم .
الأمر الذي يدعو إلى التساؤل فيما إذا كان من الأفضل تجنب إدراج شرط التحكيم في عقد B.O.T كلما ازدادت فيه الشروط الأخرى السالبة للسيادة باعتبار أن إضافة شرط التحكيم إلى مجمل شروط أخرى سالبة للسيادة في العقد من شأنها أن تشكل عبئاً عقدياً سلبياً على الإدارة .
ولعل الإدارة العقدية الرشيدة تقتضي بأنه كلما كثرت الشروط السالبة للسيادة في عقدB.O.T فإن ذلك يقتضي أن تتضاءل إمكانية وضع شرط التحكيم في العقد .
خاتمة:
بعد ما انتهى البحث بحمد الله تعالى وبعد الاستعراض المقدم يسوغ لي أن أتطرق للنتائج المستخلصة التي تمخضت عنها الدراسة ، وعدد من المقترحات أمام هذه المشكلات التي تحيط بتطبيق التحكيم في عقدB.O.T.
النتائج :
1- إن ترجمة عقود الـ B.O.T إلى عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ترجمة غير دقيقة وقد أيدت الدكتور محمد الروبي بأن الترجمة الصحيحة لهذا المصطلح يجب أن تكون عقود التشييد والاستغلال والتسليم .
3- إن نظام B.O.T هو علاقة تعاقدية بين أطرافها . وإن عقد B.O.T في مفهوم هذا البحث هو عقد بين الدولة أو أي من الجهات الإدارية التابعة لها من جهة وبين طرف وطني أو أجنبي من جهة أخرى بهدف إنشاء مرفق عام ذي طبيعة اقتصادية على حساب شركة المشروع وقيامها مقابل ذلك تقوم شركة المشروع (الملتزم) بإدارة المشروع واستثماره طوال مدة العقد ثم تسليم المرفق في نهاية مدة العقد إلى جهة الإدارة وهو بحالة جيدة وبدون مقابل .
4- إن عقد B.O.T هو عقد إداري بطبيعته ولا يؤثر ذلك كون هذا العقد نشأ في الأصل بدول النظام الأنكلو أمريكي ،حيث أنه يعد فيها عقداً مدنياً أو تجارياً ذلك أن هذه الدول لا تعرف نظام العقد الإداري أصلاً فهي لا تعرف ازدواجية القضاء العادي و القضاء الإداري وإن عقد B.O.T تتوافر فيه جميع أنواع الشروط الاستثنائية التي تميز العقود الإدارية . هذا بالإضافة إلى أن ارتباط عقد B.O.T بالمرفق العام هو ارتباط وثيق لا يقبل الانفصام ومن خلال الدراسة توصلت إلى أن عقدB.O.T هو الصورة الحديثة لعقد التزام المرفق العام .
5- عدم وجود نظام قانوني يحكم عقودB.O.T في سورية وأن كلا من القانون/51/ المتضمن نظام العقود الموحد للجهات العامة والمرسوم /450/ لسنة 2004 المتضمن دفتر الشروط العامة لنظام العقود لا ينطبق البتة على عقود B.O.T وأن العمل يجري في سورية على اللجوء إلى أسلوب التعاقد بنظام B.O.T في ظل غياب أي تنظيم قانوني يحكم هذه العقود وان الأمر يستدعي تدخل المشرع السوري لإصدار قانون يحكم عقود B.O.T .
التوصيات:
1- ضرورة الإسراع لوضع نظام قانوني متكامل لا يحكم إبرام عقود B.O.T وتنفيذها فحسب بل يجب أن يكون قانوناً يحكم جميع حالات التفويض التعاقدي للمرفق العام ومن بينها حالة التعاقد بنظام B.O.T . وخاصاً بعد كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 276/1 تاريخ 13/1/2010 المعطوف على كتاب مصرف سورية المركزي المتضمن مقترحات المركزي لمعالجة معوقات تمويل المشروعات وفق مبدأ B.O.T حيث ذكر القرار " لحين إصدار تعديل قانون العقود الموحد رقم /51/ لعام 2004 وقانون التشاركية بين العام والخاص يراعى في مشروعات B.O.T وكل حالة على حدة المبادئ العامة التالية ...." ودون أن نذكر المبادئ نسأل أيهما أقوى المبادئ أم القانون ماذا لو أن العقد الذي يصدر لمشروع B.O.T خالف أحد بنود قانون التشاركية أو أحد البنود لقانون العقود الموحد بهذه الحالة الشريك أو بالأحرى القضاء هل يعتمد القانون أم المبادئ ؟
2- وفي سبيل خلق مناخ مهني وفني مناسب لإبرام عقود B.O.T وتنفيذها لا بد من إيجاد نظام قانوني ناضج ومتكامل للعمل الاستشاري الهندسي والقانوني والمحاسبي ،بحسبان أن هذا العمل الاستشاري هو اللازم لتشكيل البيئة الفنية الصحيحة لإبرام عقود B.O.T وتنفيذها ويتكامل ذلك مع ضرورة إيجاد المناخ التدريبي للكوادر المعنية بهذه العقود لدى الجهات العامة المختلفة ولاسيما على الصعيد القانوني والمحاسبي .
3- وحفاظاً على ميزة السرعة التي في التحكيم فإننا نرى أنه يجب على المحكمين وهيئات التحكيم الابتعاد قدر الإمكان عن الشكلية والإفراط فيها لأنها آفة النظام القضائي الرسمي الذي تديره الدولة ويجب أيضاً عدم اعتبار الطعون على أحكام التحكيم طريقة للطعن على هذه الأحكام لأن تعداد درجات التقاضي يجعل التحكيم قريباً من قضاء الدولة الرسمي بما فيه من عيوب .
4- كما يجب على القائمين على التحكيم الاعتراف بوجود أوجه قصور للتحكيم ينبغي العمل وبجد على تلافي هذه العيوب وأوجه القصور ويجب على الجميع إدراك أن عدم وجود طريق للطعن على أحكام المحكمين لتخليص هذه الأحكام من عيوبها قد يؤدي إلى وجود أضرار حقيقية قد تلحق بالعدالة وعلينا قبول هذه الأضرار ما دامت مزايا التحكيم الأخرى تكفي لترجيح كفة مزاياه على عيوبه .
5- ويجب على المحكمين الاهتمام بالمبادئ الأساسية للتقاضي مثل مبدأ المواجهة بين الخصوم وإعطاء الدفاع الفرصة الكاملة للدفاع .
6- وينبغي على جميع القائمين على إبرام عقود B.O.T إدراج نصوص تؤكد على ضرورة تطبيق قانون دولة مقر المشروع باعتباره القانون الأكثر ملائمة لحكم موضوع عقد B.O.T ولأن هذا يجعل دولة مقر المشروع بمأمن من تطبيق قوانين أخرى قد لا تعلم نصوصها.
7- جعل التشريع مواكباً بشكل دائم لكافة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ولواقع المشروعات الاستثمارية الجديدة بحيث يمكن تعديل النصوص الحالية بما يلائم الواقع الجديد .
8- الاهتمام بسياسة التدريب والتأهيل وإعداد المحكمين المؤهلين في النظر في العقود الإدارية المختلفة .
9- الاهتمام بنشر ثقافة التحكيم من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مجال التحكيم .
10- الاهتمام بعقد المؤتمرات والندوات القانونية حول التحكيم في المنازعات الإدارية وأهم القضايا والمشكلات العملية التي تتعلق بها.
وأخيراً فإنني لا أجد بعد إتمامي هذا البحث أحسن من قول العماد الأصفهاني:"إني رأيت أنه ما كتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده ...لو غيرت هذا لكان أحسن ... ولو زيد كذا لكان يستحسن ... ولو قدم هذا لكان أفضل ...ولو تركت هذا لكان أجمل ... وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"
وأفضل منه قوله عزّ وجلّ :ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً"
وختاماً فإنني لا أعرف لنفسي فضلاَ ، ولا أدعي لها جهداً ولا علماً أو أنني بلغت الكمال فالكمال لله وحده ولكنها محاولة لإلقاء الضوء على مشكلة عملية ظهرت في الواقع القانوني وقد حاولت – قدر الإمكان – وضع بعض الحلول لمعالجتها فإن كنت قد أصبت فهذا فضلٌ من الله وإن أخطأت فهذا من نفسي .
"والله ولي التوفيق"
قائمة المراجع
(كتب عامة وخاصة – رسائل – مقالات )
1- د.إلياس ناصيف – عقد B.O.T - المؤسسة الحديثة للكتاب – طرابلس – 2006.
2- د.أحمد الشيخ قاسم – مفهوم التحكيم وطبيعته – مجلة المحامون – العدد 3 ،4 لعام 2008 السنة 73 .
3- د.أحمد محمد أحمد بخيت –تطبيق عقد البناء والتشغيل والإعادة(B.O.T) في تعمير الأوقاف والمرافق العامة – بحث علمي مقدم في الدورة التاسعة عشرة في منظمة المؤتمر الإسلامي .
4- د.أحمد محي الدين أحمد – تطبيق نظام البناء والتملك B.O.T في تعمير الأوقاف والمرافق العامة – بحث علمي مقدم في الدورة التاسعة عشرة في منظمة المؤتمر الإسلامي .
5- د.خالد محمد القاضي – موسوعة التحكيم التجاري الدولي – الطبعة الأولى – دار الشروق -2002 .
6- د.عبد الله طلبة – مبادئ القانون الإداري – الجزء الأول – الطبعة التاسعة – منشورات جامعة دمشق – 2001- 2002.
7- د.عبدالله طلبة – مبادئ القانون الإداري – الجزء الثاني – الطبعة الخامسة – منشورات جامعة دمشق – 2003- 2004.
8- د.عبد العزيز عبد المنعم خليفة – التحكيم في منازعات العقود الإدارية والدولية – دار الكتب القانونية – مصر – 2006 .
9- د.عصام أحمد البهجي – التحكيم في عقود البوت – دار الجامعة الجديدة للنشر – الإسكندرية – 2008 .
10- د.عمار التركاوي – قواعد إعداد الرسائل والبحوث القانونية – مجلة المحامون – العددان 5 ،6 – لعام 2009 –السنة 74.
11- أ.غادة أنس كيلاني ،هاني القرشي ، أنس كيلاني – الكامل في التحكيم – بلا ناشر – 2008 .
12- د.محمد أديب الحسيني – الإدارة التعاقدية للمرفق العام وفق نظام B.O.T- رسالة دكتوراه – جامعة دمشق -2009
13- د.محمد وليد منصور – التحكيم في عقود B.O.T - مجلة المحامون - العددان 7 ،8 – 2006 – لسنة 71 .
14- د.محمد وليد منصور – التحكيم في العقود الإدارية – مجلة المحامون- العددان 5 ،6 – 2008- لسنة 73 .
15- محمود زكي شمس – الأسس العامة للعقود الإدارية – الجزء الأول – الطبعة الأولى – مطبعة الداودي – دمشق – عام 2000.
16- د.مهند مختار نوح – عقد البناء والتشغيل والتحويل – هيئة الموسوعة العربية – 2007 .
17- د.مهند مختار نوح – الإيجاب والقبول في العقد الإداري – رسالة دكتوراه –جامعة عين شمس – القاهرة – 2002 .
18- د.ناهد علي حسن السيد - حقيقة نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT- بحث علمي مقدم في الدورة التاسعة عشرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي – إمارة الشارقة .
19- د.وضاح محمود الحمود - عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية B.O.T حقوق الإدارة المتعاقدة والتزاماتها – الطبعة الأولى – دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – 2010.
الفهرس
مقدمة .................................................. .................5
الفصل الأول: ماهية عقد الـB.O.T....................................9
المبحث الأول:تعريف عقد الـ B.O.Tومزاياه ..........................10
المطلب الأول : نشأة وتعريف عقد B.O.T ............................11
المطلب الثاني:مزايا عقد الـB.O.T.....................................18
الفرع الأول :إيجابيات وسلبيات عقدB.O.T...........................19
الفرع الثاني: أهداف اللجوء إلى عقد الـB.O.T.........................22
المبحث الثاني: تمييز عقد الـB.O.T عن العقود المشابهة...............25
المبحث الثالث: الطبيعة القانونية لعقود الـB.O.T......................34
المطلب الأول : الأساس القانوني لعقود الـB.O.T ......................35
الفرع الأول :الأساس الدستوري لعقد الـB.O.T.........................35
الفرع الثاني:الأساس التشريعي لعقد الـB.O.T.........................40
المطلب الثاني : التكييف القانوني لعقود الـB.O.T.....................45
الفرع الأول :الطبيعة القانونية لعقود التزام المرافق العامة...................47
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية لعقود الـ B.O.T ....................53
الفصل الثاني :تسوية منازعات عقود الـB.O.T عن طريق
التحكيم .................................................. ..............67
المبحث الأول : ماهية التحكيم........................................... 69
المطلب الأول : تعريف التحكيم وذاتيته..................................69
الفرع الأول : تعريف التحكيم ...........................................69
الفرع الثاني :ذاتية التحكيم وتمييزه عن الأسلوب القضائي لتسوية
المنازعات .................................................. .............73
المطلب الثاني : تمييز التحكيم عن غيره من وسائل فض المنازعات
في عقود B.O.T .................................................. ...83
المبحث الثاني : مزايا وعيوب التحكيم في عقود الـ B.O.T ........... 91
المطلب الأول :مزايا التحكيم في عقود B.O.T..........................92
المطلب الثاني : عيوب التحكيم في عقود B.O.T......................106
المبحث الثالث: القانون الواجب التطبيق على التحكيم في
عقود B.O.T .................................................. .....112
المطلب الأول : جواز التحكيم في القضايا الإدارية ......................112
المطلب الثاني : خصوصية إجراءات التحكيم في
عقود B.O.T .................................................. .....118
الخاتمة .................................................. ...........126
المراجع .................................................. ........... 131
الفهرس .................................................. .............133