![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]() خطة البحث : ................... مقدمة : أن دور الدولة ووظائفها تجاه مواطنيها فاق كل تصور, فلم تعد مهامها محصورة بتسيير مرافق العدالة والأمن والدفاع كما كان عليه الحال في طور الدولة المحايدة , فالدولة اليوم يقع على كاهلها تسير شؤون الجماعة على مختلف الأصعدة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والخدمية . وهذه المهمة الكبيرة التي تقع على كاهل الدولة تستتبع بالضرورة استخدام جيش من الموظفين الذين يشكلون فعلياً الكادر البشري لجسم الدولة والذين يعد نشاطهم وسلوكهم الوظيفي في القيام بالمهام الملقاة على عاتقهم من أهم المعايير من وجهة نظر المجتمع للحكم على سلوك الدولة ومدى كفاءتها في أداء واجباتها تجاه مواطنيها . فالموظفون العموميون يمثلون القطب من الرحى بالنسبة للدولة ولسان حالها, الأمر الذي استتبع ضرورة منحهم ثقة كبيرة في أداء عملهم وتخويلهم سلطات وصلاحيات واسعة تتناسب مع حجم مسؤولياتهم . على أن الدولة مهما حاولت توخي الدقة في اختيار موظفيها لجهة الكفاءة والنزاهة , فإن هذا لن يمنع بشكل تام ولوج بعض ضعاف النفوس إلى عالم الوظيفة العامة والقطاع العام , والذين ما ‘ن يصلوا إلى الوظيفة حتى تتبدى لديهم نوازع المصلحة الشخصية والأنانية الفردية بأبشع صورها فيعمدون على إساءة استخدام السلطة الممنوحة لهم بغية تحقيق مكاسب ومنافع شخصية مادية أو معنوية لا تمت إلى الصالح العام بصلة . وهذا ما يعبر عنه بالفساد الإداري والذي يتمثل في كل انحراف بالوظيفة العامة وأهدافها عن الغرض الذي وجدت لأجله , ألا وهو تحقيق الصالح العام . ولعل من أخطر صور الفساد وابلغها ضرراً سواء فيما يتعلق بمصالح الأفراد وحقوقهم أو ما يتعلق بمصلحة الجماعة ممثلة بالدولة والمجتمع جريمة الرشوة , تلك الجريمة التي تمثل أسوء مظاهر الاستهتار بالمصلحة الاجتماعية بغية تحقيق مصالح فردية ضيقة للموظف العام من خلال اتجار الموظف العام بوظيفته. فالرشوة باتت اليوم من أبرز صور الفساد الإداري وأكثر أدواته تدميراً للمجتمع وتشويها لقيمه ومبادئه , وأكثرها خطراً على الدولة كجهاز كبير يسهر على تلبية حاجات المجتمع المختلفة ويقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين . " والرشوة ليست جريمة حديثة أفرزتها التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي بدأت تطرأ على المجتمعات كافة , بل هي قديمة قدم البشرية حيث وجدت مظاهرها الأولى في التشريعات القديمة وتمثلت هذه الظاهرة على شكل عطاء يقدمه أفراد الطبقات المغلوبة على أمرها في الثروة والسلطان إلى أصحاب النفوذ كالحكام والموظفين حتى بات الاعتقاد القائم أنه ( لا يوجد حاكم لا يرتشي ). "أما في الحضارة اليونانية القديمة فقد ساعد ازدهار الوعي السياسي لدى المواطنين علىالإحساس بالولاء لمدينتهم. الأمر الذي جعل جريمة الرشوة نادرة الحدوث، وجعلالعقوبة التي تفرض على مرتكب هذه الجريمة صارمة تصل في أحيان كثيرة إلى الإعدام . وعلى عكس من ذلك فقد كان القانون الروماني بداية يعاقب على جريمة الرشوةبغرامة مالية تساوي قيمة المبلغ الذي أخذه المرتشي، ثم أصبح للقاضي فيما بعد سلطةتوقيع عقوبة النفي أو الإعدام إذا ترتب على هذه الرشوة التضحية بشخص بريء. ونظراً لخطورة ذلك الفعل فقد تتالت التشريعات التي عاقبت على هذا الفعل وكان أهمها قانون جونيا (Junia ( والذي عاقب الموظف المرتشي بغرامة مالية تتراوح بين مقدار ما أخذ وأربعة أمثاله".[1] ولم يختلف موقف الشريعة الإسلامية عن غيرها من التشريعات من الرشوة , فقد حرمتها وجرمتها واعتبرتها من قبيل أكل أموال الناس بالباطل , وقد وردت في ذلك أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . ومن ذلك قوله تعالى( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون)[2]. "وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة الراشي والمرتشي والرائش ( و هو الوسيط بينهما)، فقد قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما " رواه احمد والطبراني . وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان مرتكبيه منها ما روه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال( كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به قيل وما السحت؟ قال الرشوة في الحكم) ."[3] وتعد الرشوة في الشريعة الإسلامية من جرائم التعزير" و هي جرائم لا حصر لها في الشريعة و لا حد مقرر لها ، حيث يترك لولي الأمر الحرية في تحديدها و تفنينها، و تقنين العقاب الذي يراه مناسبا لها وفقا للتغيرات الزمنية و اختلاف المكان من حيث العادات و التقاليد و الأعراف التي اعتاد عليها الناس ..... فالرشوة إذن تعد من الجرائم التعزيرية في الإسلام و التي اتفق العلماء بالإجماع علي تحريمها تحريما قطعيا"[4] أهمية البحث : أولت التشريعات الوضعية المعاصرة اهتماماً كبيراً بالرشوة كظاهرة إجرامية وبسبل الحد منها وذلك عن طريق النص في قوانينها الجزائية على تجريم الرشوة ومعاقبة مرتكبيها, لذلك كان من الضروري أن نتعرف على الوضع التشريعي للرشوة في التشريعين الفرنسي والمصري ومقارنتها بموقف مشرعنا السوري لنحاول تقييم موقفه ونجاعة الحلول التي وضعها للحد من هذه الجريمة وأثارها الخطيرة , حيث سنتناول تعريف جريمة الرشوة وتحديد طبيعتها القانونية في مطلب تمهيدي , ومن ثم ننتقل إلى دراسة أركانها في مطلب أول , ومن ثم نفرد المطلب الثاني لبيان عقوبتها . مطلب تمهيدي تعريف الرشوة وتحديد طبيعتها القانونية لغة : الرشوة بكسر الراء وضمها , والجمع رُشا بكسر الراء وضمها, وقد رشاه أو أرشاه في إعطاء الرشوة وارتشى أخذ الرشوة واسترشى طلب الرشوة و أرشاه أعطاه الرشوة .[5] فقهاً: هي اتجار الموظف العام في أعمال وظيفته وذلك بتقاضيه أو قبوله أو طلبه مقابلاً نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه [6]. وعلى ذلك فالرشوة هي اتفاق بين موظف عام أو من في حكمه وبين صاحب حاجة , بمقتضاه يحصل الموظف على فائدة أو مجرد وعد بها نظير أدائه لعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن أدائه . ثانياً :طبيعة جريمة الرشوة : "تسلك معظم التشريعات في معالجة جريمة الرشوة أحد مذهبين, مذهب وحدة الرشوة أو مذهب ثنائية الرشوة , وكلا المذهبين له مبرراته فضلاً عن أن اعتناق أحدهما يرتب نتائج قانونية مغايرة عن الأخر . أ- مذهب وحدة الرشوة وفقاً لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية ,تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها الأصلي هو الموظف المرتشي , أما صاحب الحاجة ( الراشي ) فليس إلا شريكاً في هذه الجريمة الأصلية , وتقوم هذه النظرية على أن جوهر الرشوة إنما يتمثل في الاتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها , وهو مالا يتصور وقوعه إلا من جانب الموظف الذي وضعت فيه السلطة العامة ثقتها. فمؤدى مذهب وحدة جريمة الرشوة إذن هو اعتبار الموظف الفاعل الوحيد لها , أما غير الموظف سواء كان راشياً أو وسيطاً بين الراشي والمرتشي ( الرائش ) فيعتبر شريكاً إذا توافرت بالنسبة له جميع شروط الاشتراك . وفي ظل هذا المذهب تنعدم التفرقة بين الرشوة الإيجابية والرشوة السلبية بحيث لا توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام ."[7] ويذهب غالبية الفقهاء في مصر إلى أن المشرع المصري ينظر إلى الرشوة باعتبارها تؤلف جريمة واحدة فهو لم يضع للرشوة الإيجابية أو الرشوة السلبية أحكاماً خاصة بكل منهما على حدة , بل عرف الرشوة بعناصرها, ووضع لها عقوباتها ثم نص على أن الراشي والوسيط يعاقبان بعقوبة المرتشي [8] ويبدو أن المشرع السوري يتبنى الموقف ذاته حيال جريمة الرشوة باعتبارها جريمة واحدة ذلك أنه نص في المادتين 341 , 342 ق.ع .س على الأفعال المكونة لجريمة الرشوة وعقوباتها ثم نص في المادة 343 على"إن العقوبات المنصوص عليها في المادتين 341 و 342 تنزل أيضاً بالراشي". كما أيدت محكمة النقض السورية ذلك التوجه في قراراتها حيث قضت بأن " الرشوة عمل يتم باتفاق شخصين ووجود إرادتين و إيجاب وقبول بين الراشي و المرتشي فالأول يعرض الرشوة و الأخر يقبلها ولا تتم بغير ذلك"[9] ب- مذهب ثنائية الرشوة : وفقاُ لهذا المذهب الذي تعتنقه معظم التشريعات الجنائية لا يعتبر الراشي صاحب الحاجة مجرد شريك في الجريمة وإنما يعتبر مثله مثل المرتشي الموظف .فاعلاً أصلياً في جريمة مستقلة وهكذا يشتمل مشروع الرشوة على جريمتين منفصلتين : § أحداهما جريمة الموظف المرتشي وتسمى بالرشوة السلبية § والثانية جريمة صاحب الحاجة الراشي وتسمى بالرشوة الايجابية . ولمذهب الثنائية منطقه النظري , إذ أنه بتجزئته الرشوة إلى جريمتين يعكس الاختلاف الذي يميز السلوك الإجرامي لكل من المرتشي والراشي .. ويرتب مذهب الثنائية أو الازدواج في جريمة الرشوة مجموعة أثار قانونية مغايرة لتلك التي تعرضنا لها بشأن مذهب الوحدة ,وهي أثار ترمي في مجموعها إلى تشديد حلقة العقاب على كل من المرتشي والراشي على حد سواء . 1- يسمح ذلك المذهب باستقلال جريمتي المرتشي والراشي في المسؤولية والعقاب ,وهكذا يتصور وقوع إحدى الجريمتين دون وقوع الأخرى بالضرورة ... 2- مؤدى مذهب الثنائية أن يتولد نوع من الاستقلال ( الموضوعي ) بين أركان كل من جريمتي الرشوة الإيجابية والرشوة السلبية, وهكذا فمن المتصور من ناحية أولى أن يكون لكل من الراشي أو المرتشي شركاء في جريمته غير شركاء الطرف الأخر, ومن ناحية ثانية يصبح من الممكن معاقبة شركاء الراشي باعتباره هنا فاعلاً أصلياً لجريمة مستقلة , وهو ما كان غير ممكن في ظل نظرية وحدة الرشوة , حيث كان الراشي مجرد شريك للمرتشي والاشتراك في الاشتراك غير معاقب عليه كما ذكرنا ... 3- إن الاستقلال الموضوعي بين جريمتي الرشوة السلبية والرشوة الإيجابية يرتب بالضرورة استقلالا (إجرائيا ) بين الدعويين المرفوعتين عن كل منهما .وبالتالي فليس من المحتم مباشرة إجراءات متزامنة بهدف تحريك الدعوى الجنائية في نفس الوقت ضد الموظف المرتشي وصاحب المصلحة الراشي . ([10]) وقد تبنى هذه الاتجاه بشكل أساسي المشرع الفرنسي في القانون الفرنسي الحديث الصادر عام 1994م بموجب المواد 432-11 بالنسبة لجريمة الرشوة السلبية ( التي تقع من جانب الموظف ) و المادة 433-1 و 433-11 بالنسبة للرشوة الإيجابية ( التي تقع من قبل صاحب الحاجة ) .[11] وعليه فإنه تستقل كل من الجريمتين في المسؤولية والعقاب حيث يمكن تصور وجود أحداهما دون وجود الأخرى , فمثلاً الموظف العام يُسأل عن جريمة الرشوة إذا طلب المقابل ولو رفض صاحب الحاجة إجابته إلى طلبه, وكذلك الراشي يعد فاعلاً أصلياً في جريمة رشوة ايجابية إذا عرض الرشوة على الموظف لكنه رفضها. هكذا وبعد أن عرفنا جريمة الرشوة وبينا تكييفها القانوني وموقف القوانين الثلاثة محل البحث من هذا التكييف ننتقل لدراسة أركانها في مطلب أول ومن ثم عقوبتها في مطلب ثان . المطلب الأول أركان جريمة الرشوة الركن المفترض : يتعلق بالصفة الخاصة للمرتشي إذ يتعين أن يكون موظفا عاما أو ممن يعدون في حكمه. والركن المادي : وهو الطلب أو القبول أو الأخذ. والركن المعنوي : أو القصد الجنائي. الفرع الأول الركن المفترض وجريمة الرشوة باعتبارها من طائفة هذهالجرائم فإنها لا تشذ عن قاعدتها. والصفة الأساسية اللازم توافرها في فاعل هذهالجريمة هي كونه موظفاً؟ باعتبار أن الرشوة إنما تقوم على الاتجار بالوظيفة العامة. هذا الاتجار الذي لا يمكن أن يقع إلا ممن يملك سلطة التحكم بالوظيفة، ألا وهو الموظف . وقد اتفقت التشريعات الثلاثة محل البحث على ضرورة توفر صفة الموظف في مرتكب جريمة الرشوة ولو أن بعضها كان أوسع في تحديده لمدلول الموظف من بعضها الأخر. وعليه فإننا سنتناول دراسة الركن المفترض فنبحث أولاُ في تحديد مفهوم الموظف العام ومن في حكمه ومن ثم ننتقل لبحث اختصاص الموظف العام وحالة زعمه وتوهمه. أولاً - الموظف العام ومن في حكمه : على اعتبار أن الركن المفترض لجريمة الرشوة يقوم أساساً على كون الفاعل موظفا عاما فكان لابد من التعرف المركز القانوني للموظف وماهيته وإبعاده من خلال التعرف على رأي كل من التشريعات الثلاثة محل البحث لهذا المفهوم. فالمشرع المصري لم يعرف الموظف العام وفق نصوص قانون العقوبات على الرغم من اعتبار هذه الصفة ركناً مفترضاً في جريمة الرشوة بانتفائها لا تقوم الجريمة وعلى ذلك فلابد لنا من الرجوع في سبيل وضع تعريف للموظف العام إلى المعنى الذي حدده القانون الإداري له .[12] وقد عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية الموظف العام بأنه: " الشخص الذي يعين بصفة مستقرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية المركزية بالطريق المباشر. ويقصد بالسلطات الإدارية المركزية في هذه الصدد: الأشخاص العامة الإقليمية والهيئات ومؤسسات" ويمكن أن نستخلص ثلاثة شروط لاعتبار الشخص موظفا عاما وفقاً لهذا التعريف وهي: · أن يساهم الشخص في العمل بمرفق عام. · أن يكون الموظف قائما بعمل دائم. · أن يجري تعيينه بأداة قانونية ومن سلطة تملك ذلك.[13] أما المشرع السوري فقد أورد في المادة 340 من قانون العقوبات السوري تعريفاً للموظف العام بالمعنى المقصود فيباب الجرائم الواقعة على الإدارة العامة، وذلك عندما قرر أنه: " يعد موظفاً بالمعنىالمقصود في هذا الباب كل موظف عام في السلك الإداري أو القضائي وكل ضابط من ضباطالسلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو فيإدارة عامة". من هذه المادة يتبين لنا أن المشرع الجزائي السوري أعطى الموظفالعام تعريفاً شاملاً يختلف تماماً عن سائر القوانين، ولكنه أبقى الموظف العام قيدالتحديد الإداري فالقانون الإداري هو الذي يحدد الشروط التي يعتبر الشخص بموجبها موظفاً. هذه الشروط التي تتمثل بـ : أ ـ صدور صك قانوني يلحق الشخص فيالخدمة العامة . ب ـ أن يكون عمل الشخص منصباً على خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة تديرها الدولةأو أحد أشخاص القانون العام عن طريق الاستغلال المباشر. ولكن لا يشترط أن يشغلالشخص الوظيفة بصفة دائمة، بل تظل له صفته ولو كان يشغلها بصورة مؤقتة ولا يختلفالحال إذا كان الموظف العمومي من أصحاب الرتب العليا أو من المأمورين العاديين،فالحارس والسائق، هم في أدنى درجات السلم الإداري، يعتبرون موظفين خاضعين لجرمالرشوة متى كانت الخدمات والمهام التي يقومون بها تندرج في السير العام للجهاز الإداري للدولة. وأخيراًفإنه لا يشترط رضاء الموظف بالتعيين، فالمكلفون بالتعيين في وظائف معينة هم موظفونعموميون. " أما للقانون الفرنسي فإنه وخلافاً للقانون السوري لم يعرف للموظف ,على أن الفقه الفرنسي اعتبر موظفاً كل من عهد إليه بجزء من السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية ."[14] وبالمقارنة بين التعريفات الثلاثة التي وردت للموظف العام نجد أن الفقه الفرنسي كان الأكثر توفيقاً في تحديده لمفهوم الموظف العام بالمدلول الجنائي ذلك أنه وسع نطاقه ليندرج تحته أكبر عدد ممكن من الأشخاص المرتبطين بشكل أو بأخر بالوظيفة العامة . وتجدر الإشارة إلى أن دراسة مفهوم الموظف في إطار جريمة الرشوة يدعونا للتعرف على حالة ما يسمى بالموظف الفعلي " هو كل شخص يباشر أعمال الوظيفة دون أن يحقق الشروط المطلوبة لشغل هذه الوظيفة. سواءالشروط التي تتعلق بذات الشخص المرشح لشغل الوظيفة كاشتراط سن معينة أو مؤهل محددأو كفاءة معينة. أو الشروط الخاصة بالإجراءات اللازم تمامها لتولي الوظيفة كصدورقرار التعيين من الجهة المختصة أو حلف اليمين القانونية في بعض الأحوال . والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل من المتصور وقوع جريمة الرشوة إذا حدث واتجر مثل هذا الشخص بوظيفة؟ للإجابة على هذا التساؤل ظهرت اتجاهات ثلاثة : الاتجاه الأول : اعتبر أنه في الظروف الاستثنائية يعتبر هذا الشخص موظفاً عاماً سواء كان العيب الذي شاب قرار تعيينه جوهري أو غير جوهري ,أما في حالة الظروف العادية فقد ميز بين حالتي العيب غير الجوهري( أو غير الظاهر ) و العيب الجوهري ( العيب الظاهر). أ- فإذا كان العيب أو النقض الذي شاب إجراءات التعيين مما لا يعتد به أو لأن هذا العيب كان قد خفي أمره على الناس فلم يتبينه أحد, ففي هذه الحالة يكون للشخص بحسب الظاهر صفة الموظف العام مما يوجب تطبيق أحكام الرشوة عليه ,بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص حسن النية أي لا يعلم بالعيب الذي شاب إجراءات تعيينه أم كان سيئ النية يعلم بذلك . ب- أن يكون العيب ظاهراً بحيث يفطن إليه الناس أو أن يكون العيب في إجراءات التعيين جوهرياً , فيعتبر الشخص في هذه الحالة منتحلاً للوظيفة إذا مارسها بغير صفة , وما دام أنه منتحل للوظيفة فلا يمكن اعتباره من الموظفين العموميين, فإذا اتجر في أعمال الوظيفة فلا تطبق عليه أحكام الرشوة وإنما جاز اعتبار فعله احتيالاً. الاتجاه الثاني : يرى بأنه لا محل لتطبيق أحكام الرشوة على الموظف الفعلي وحجته في ذلك ان الفقهاء جميعاً يشترطون أن تكون صفة الموظف صحيحة وقت التزوير في جريمة التزوير المعنوي الذي يقع من الموظف المختص في المحررات الرسمية , ولا يوجد محل للأخذ بغير هذا في الرشوة .[15] الاتجاه الثالث : يتفق مع الاتجاه الأول في وجوب تطبيق نصوص الرشوة على الموظف الفعلي الذي يتجر في وظيفته, على أن هذا الاتجاه قال بتطبيق هذه القاعدة على إطلاقها ورفض الأخذ بالتفرقة التي قال بها الاتجاه الأول , ورأى بأن الأخذ بالتفرقة التي قال بها الاتجاه الأول فيه تقيد بالفكرة الإدارية للموظف العام وإهمال للفكرة الجنائية له .[16] وقد تبنت القوانين الثلاثة ( السوري والمصري والفرنسي) محل البحث الاتجاه الأول القائم على التمييز بين العيب الجوهري (الظاهر) والعيب غير الجوهري (غير الظاهر) . الموظف الحكمي : لا يقتصر المشرع فيما يتعلق بجريمة الرشوة على المدلول الإداري للموظف العام وإنما يتوسع في تطبيق أحكام الرشوة لتطال أحكامها طوائف معينة تعتبر في حكم الموظفين العموميين وهم من يسميهم الفقه بالموظفين الحكميين , وذلك في سبيل تأمين أكبر قدر ممكن من الحماية لنزاهة الأعمال التي تتصل بمصالح الجمهور , وقد انتهجت التشريعات الثلاثة محل الدراسة هذا النهج أيضاً فأعطت لمفهوم الموظف العام مدلولاً جنائياً أوسع نطاقاً من مدلوله الإداري وفيما يلي نبين موقف كل من هذه التشريعات من فكرة الموظف الحكمي : نص المشرع المصري في المادة 111 من قانون العقوبات على الأشخاص الذين يعاملون معاملة الموظفين العموميين فيما يتعلق بالخضوع لأحكام الرشوة وهم : 1- المستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها . 2- أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا معينين أو منتخبين . 3- المحكمون أو الخبراء و وكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون 4- فقرة ملغاة 5- كل شخص مكلف بخدمة عمومية . 6- أعضاء مجالس الإدارة و مديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأي صفة كانت. وقد سلك المشرع السوري ذات المسلك إذ اعتبر بعض الأشخاص من غير الموظفين بحكم الموظفين في خضوعهم لأحكام الرشوة وذلك بنص المادة 341 من قانون العقوبات السوري والتي جاء فيها " كل موظف وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين، وكل امرئ كلفبمهمة رسمية كالحكم والخبير والسنديك التمس أو قبل لنفسه..." إذن فالأشخاص المعتبرين بمثابة موظفين حكميين في نظر المشرع السوري هم : أ)- المندوب لخدمة عامة سواء بالانتخاب أو التعيين فهو كل شخص يقوم بخدمة عامةلصالح المجتمع، دون أن يلتحق أصلاً أوفي سائر عمله بفئة الموظفين شرط أن يكون قدنُدب إلى هذا العمل من السلطة العامة التي تملك هذا الندب قانوناً (كأعضاء المجالس النيابية والمحلية) ، وذلك بغض النظر عنطبيعة ومدة العمل الذي نُدب إليه. ب) - كل امرئ كلف بمهمةرسمية: وهو كل شخص يعاون القضاء أو السلطة الإدارية في أداء رسالتهم، وذلك حسبالتكليف الصادر له إما من السلطة القضائية كالمحكم ووكيل التفليسة الذي تُسلّم إليهأموال التاجر المفلس، أو من السلطة الإدارية كأساتذة المدارس الخاصة والذين يشتركونفي تصحيح أوراق الامتحانات الثانوية الرسمية . أما المشرع الفرنسي : فإنه استعمل تسمية المأمور الرسمي للدلالة على الأشخاص الواردين في المادة 111/3 ق ع م والأشخاص الذين اعتبرهم المشرع السوري مكلفين بمهمة رسمية في المادة 341 ق ع س , , كالخبير والمحكم و المحلف وذلك بنص المادة 434/ 9 ق ع ف . كما نص على انطباق أحكام الرشوة على كل مهني أو طبيب يرتكب الرشوة من أحل إعطاء شهادة غير صحيحة ( م 441/8 ق ع س ) , وكذلك على الرشوة المرتكبة من قبل مستخدم وفقاً للمادة 152/6 من قانون العمل الفرنسي من خلال هذا العرض الموجز لموقف التشريعات الثلاثة محل البحث من الموظفين الحكميين يتبين أن المشرع السوري يتفق مع المشرع المصري بالنسبة للأشخاص المعتبرين موظفين حكميين وإن كان المشرع المصري قد أمعن في التفصيل أكثر من مشرعنا وتجدر الإشارة أن المشرع المصري أضاف بنص المادة 222 من قانون العقوبات أشخاصا آخرين ليأخذوا حكم الموظفين الحكميين الواردين بنص المادة 111 من القانون ذاته , وبالتالي تنطبق عليهم أحكام الرشوة وذلك عندما نص على أن "كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى .....شهادة أو بياناً مزوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة...... أو طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للقيام بشيء من ذلك ....يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة " والمقصود بالطبيب أو الجراح أو القابلة المذكورين أعلاه , أولئك الذين يعملون لحسابهم الخاص باعتبارهم أرباب مهن حرة ,أما إذا كانوا تابعين في عملهم لإحدى الجهات العامة فتنطبق عليهم أحكام المادة 111 ق ع م . ويلتقي المشرعين المصري والفرنسي في هذه الحالة حيث أورد المشرع الفرنسي المادة 441/8 والتي تقضي باعتبار الطبيب الذي يقترف رشوة سلبية بالتماسه مبلغاً من المال لإعطاء شهادة طبية غير صحيحة مرتكباً لجرم الرشوة , أما المشرع السوري وخلافاً للمشرعين المصري والفرنسي فلم يورد نصاً ليحكم هذه الحالة , وإنما أورد نصاً يقضي بتطبيق أحكام الرشوة على المحامي الذي التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً منافياًلواجبات مهنته ( م. 342/ ف2 ق ع س ) . بحثنا فكرة الموظف العام وحالات الموظف الفعلي والموظف الحكمي والآن ننتقل لبحث اختصاص الموظف العام وحالات زعم الاختصاص وتوهمه ثانياً : اختصاص الموظف العام وحالة زعم الاختصاص وتوهمه: لا يكفي لتقرير مسؤولية الموظف عن جريمة الرشوة أن يثبت اتجاره بأعمال الوظيفة, بل لابد من وجود علاقة بين الموظف وبين العمل الوظيفي الذي اتجر فيه, ويتحقق ذلك بأن يكون الموظف مختصاً بهذا العمل , فإن لم يكن كذلك فيجب على الأقل عن طلب الرشوة او قبولها أن يكون معتقداً باختصاصه أو أن يزعم ذلك , فإذا لم يتحقق شيء من ذلك فلا يُسأل الموظف عن رشوة ولو ثبت أنه تقاضى مقابلاً نظير قيامه بعمل أو مقابل الامتناع عنه . اختصاص الموظف العام في التشريع السوري: نصت المادة 341 ق ع س على " كل موظف ..... ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته ....". في التشريع الفرنسي: نصت المادة 432/11ف1 ق ع ف على ما يلي " من أجل انجاز تصرف من تصرفات وظيفته أو مهمته أو وكالته " في التشريع المصري: نصت المادة 103 ق ع م على أن " كل موظف عمومي ....لأداء عمل من أعمال وظيفته...." . وفي بحثنا للاختصاص سنبين بإيجاز كل من الاختصاص النوعي والاختصاص المكاني والاختصاص الزماني : الاختصاص النوعي : ويقصد به صلاحية الموظف للقيام بالعمل وتستمد هذه الصلاحية من القانون واللوائح وتعليمات والأوامر الرؤساء الإداريين . فلكي يكون الموظف مختصاً لابد أن يكون مكلفاً بممارسة هذه العمل بأي وسيلة من وسائل التكليف ولا يشترط في التكليف صيغة معينة أو شكلية محددة كالكتابة بل يعتبر التكليف صحيحاً ولو كان صادراً بطريقة شفهية وهذا ما أقرته محكمة النقض المصرية في حكم صادر عنها حي جاء فيه " في جريمة الرشوة ليس في القانون ما يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قوانين ولوائح ,فليس هناك ما يمنع أن تحدد هذه الأعمال بمقتضى أوامر كتابية أو شفوية "[17] وإنما يشترط في التكليف أن يكون صادراً من الجهة التي تملكه قانوناً , فمثلاً ,الشرطة العسكرية ليس لها صفة الضبط القضائي بالنسبة إلى ما يرتكبه الأفراد من جرائم طالما أنهم لم يكلفوا بذلك من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة .[18] ولا يشترط لاعتبار الموظف مختصا بعمل من الإعمال أن يكون هذا العمل داخلاً بأكمله في وظيفته , بل يكفي أن يكون له نصيب من هذا العمل قل أو كثر , ذلك أن مقتضيات الإدارة الحديثة توجب توزيع العمل على أكثر من شخص , وهذا ما أقرته محكمة النقض المصرية حين قضت " بأن القول بوجوب قيام الموظف بالعمل كله هو وهم يجانب الصواب , فضلاً عن مخالفته لنص القانون الصريح , لان كل ما اشترطه القانون هو أن يكون العمل من أعمال الوظيفة , وما دامت كلمة ( عمل ) جاءت مطلقة فهي لا تتقيد بقدر من العمل ولا بنوع مخصوص بحال من الأحوال [19], ويثبت اختصاص الموظف حتى ولو كان العمل لا يدخل في حدود اختصاصه المباشر, فقد درج الفقه والقضاء على التوسع في تحديد معنى الاختصاص , فهم يقرون بتوافر الاختصاص ولو كان العمل الذي طلب من الموظف أداؤه لا يدخل في حدود العمل الوظيفي المكلف به , إذ يكفي أن تتوافر علاقة بين العمل الوظيفي المسند إلى الموظف والعمل الذي يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه ,وجوهر هذه العلاقة هو أن يسمح له عمله الوظيفي بتنفيذ الغرض من الرشوة [20] وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن شرط الاختصاص لا ينتفي عن الموظف إذا لم يكن مختصاً أصلاً بالقيام بالعمل وقام بممارسته بموجب تفويض له من قبل الموظف الأصيل ( شرط أن يكون التفويض جزئي ) ,أو بموجب إحلاله كنائب محل الموظف الأصيل في حال غيابه أو في حال كان يتمتع بإجازة مرضية أو عادية .[21] يتضح لنا مما تقدم ضرورة توافر الاختصاص النوعي للموظف كشرط للمساءلة عن جريمة الرشوة في حال ارتكابه لها الاختصاص المكاني : يقصد بالاختصاص المكاني : أن يكون العمل داخلاً ضمن دائرة الاختصاص التي يمارس الموظف خلالها عمله . والتساؤل الذي يتبادر إلى الأذهان هو , هل يشترط أن يكون العمل الذي أخذ الموظف الرشوة أو قبلها بسببه داخلاً في دائرة اختصاصه المكاني ؟ أجابت عن هذا التساؤل محكمة النقض المصرية عندما قضت في حكم لها بأنه "لا رشوة ولا شروعاً في رشوة في تقديم نقود إلى باشجاويش مباحث مديرية الجيزة لكي لا يضبط في القاهرة صاجاً مسروقاُ من الجيش البريطاني إذ هذا العمل ليس مما يحق له بمقتضى وظيفته أن يباشره " .[22] والذي يتضح من الحكم السابق أن محكمة النقض المصرية تشترط توافر الاختصاص المكاني أيضاً بجانب الاختصاص النوعي حتى يُسأل الموظف عن رشوة , فإذا انتفى اختصاصه المكاني فلا يسال عن رشوة . أما المشرع السوري فلم يحسم موقفه من هذه المسألة فالمادة 342من قانون العقوبات السوري اقتصرت على القول " .......ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته ....." . وعلى أي حال أؤيد الرأي القائل بقيام مسؤولية الموظف الجنائية عن جريمة الرشوة في هذه الحالة ولو انتفى اختصاصه المكاني وذلك إذا ما قبل الرشوة معتقدا باختصاصه المكاني أو زعم على خلاف الحقيقة باختصاصه [23] ,هو ما سيأتي بيانه لاحقا في هذا البحث . إضافة إلى أن القول بضرورة توفر الاختصاص المكاني يتنافى مع المفهوم الجنائي للموظف العام , ويشكل ثغرة قانونية تمكن بعض ضعاف النفوس من الموظفين من ارتكاب جريمتهم والإفلات من العقاب . الاختصاص الزماني : ويقصد به الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه صفة الموظف العام للقول بقيام جريمة الرشوة من جانب الموظف .. والعبرة في هذه الحالة هي بتاريخ ارتكاب الموظف لجريمة الرشوة ويتم الرجع في هذه الحالة إلى القانون الإداري لتحديد ما إذا كان مرتكب الرشوة متمتعاً بالصفة الوظيفية أم لا . فإذا زالت صفة الموظف العام عن الجاني قبل ارتكابه فعل الرشوة , فإلا تطاله أحكام جريمة الرشوة لانتفاء صفة الموظف العام عنه عند اقترافه للفعل , إلا أن ذلك لا يعني عدم مساءلته نهائياً وإنما يمكن مسائلته كمرتكب لجرم الاحتيال إذا انتحل إحدى الصفات التي نص عليها القانون وتوافرت فيه بقية أركان جريمة الاحتيال . وتجدر الإشارة إلى أن الموظف الذي قدم استقالته ثم اقترف جرم الرشوة قبل أن تُقبل الاستقالة تنطبق عليه أحكام الرشوة لأنه يعتبر موظفاً ولم تنتفي عنه الصفة الوظيفية ذلك أن الاستقالة لا ترتب أثرها بإنهاء الحياة الوظيفية إلا من تاريخ قبولها من قبل الجهة العامة التابع لها الموظف . وقد يسأل سائل عن حالة الموظف الذي تقرر كف يده عن العمل إلى حين التثبت مما نسب إليه من وقائع مسلكية أو جزائية , فهل تنطبق عليه أحكام الرشوة فيما إذا اقترف الفعل خلال فترة كف اليد؟ إن وقف الموظف عن مزاولة أعمال وظيفته بشكل مؤقت إلى حين الفصل بما نسب إليه جرائم مسلكية أو جنائية , لا يزيل عنه الصفة الوظيفية , إذا لا تزول الصفة الوظيفية عنه إلا طبقا للأوضاع التي يقررها القانون , وبالتالي فإن مجرد كف اليد عن العمل لا يحول دون مساءلة الموظف العام بجرم الرشوة إذا اقترف الجرم أثناء فترة الوقف عن العمل طالما لم يُقرر بعد صرفه من الخدمة أو فصله أو طرده . ولكن ما هو حكم الموظف الذي يزاول خارج أوقات دوامه الرسمي أعمالا من جنس العمل الذي يزاوله أثناء فترة دوامه ؟ كعامل التمديدات الكهربائية الذي يقوم بصيانة التمديدات الكهربائية في المنازل خارج أوقات الدوام الرسمي مقابل أجر يحص عليه من أصحابها ,أو كطبيب المتشفى الذي يدعو المترددين عليها لزيارته في عيادته لتوقيع الكشف عليهم مقابل أجر ؟ "يكون العمل الوظيفي خارجاً عن اختصاص الموظف إذا فقد صفة العمل الرسمي , أي إذا باشره الموظف في غير أوقات العمل الرسمية "[24] وبالتالي فإن ما يتقاضاه هؤلاء يوصف على أنه أجر ناتج عن العمل الذي قاموا به خارج أوقات العمل الرسمي إذ أنهم يتقاضونه لقاء عمل يقومون به لحسابهم لا لحساب الدولة ,وبالتالي لا يعتبر المقابل الذي يحصلون عليه رشوة . ومع ذلك يذهب رأي إلى القول بأنه لا تنتفي مسؤولية هؤلاء عن جريمة رشوة إذا كانت أنظمة ولوائح العمل تحظر عليهم مباشرة ما قاموا به ولو في غير أوقات العمل الرسمية , إذ يعد ذلك إخلالاً بواجبات الوظيفة إذا ما قاموا بهذا العمل .[25] زعم الاختصاص وتوهمه : وقد نص المشرع السوري على حالة زعم الاختصاص في المادة 342 ق ع س " ....أو يدعي انه داخل في وظيفته ....". . كما نص على هذه الحالة المشرع المصري في المادة 104 مكرر ق ع م " ..... أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ....". في حين أن المشرع الفرنسي لم يأت على ذكر هذه الحالة . ويتحقق الزعم بالقول المجرد الصادر عن الموظف [27],فلا يشترط أن يدعم مزاعمه بقدر من الطرق لاحتيالية بل أن الزعم بالاختصاص يتوفر أيضاً ولو لم يفصح الموظف صراحة بذلك بل يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في اختصاصه , لأن هذا السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بذلك الاختصاص [28] ولا أهمية لزعم الموظف في عقيدة صاحب الحاجة حيث تقوم مسؤوليته الجنائية عن جرم الرشوة طالما أنه زعم اختصاصه بالعمل الذي دفعت لأجله الرشوة , يستوي في ذلك أن يكون صاحب الحاجة متيقناً من عدم اختصاص الموظف بالعمل أو معتقداً اختصاصه بتأثير هذا الزعم الكاذب .[29] وقد فعل كل من المشرعين السوري والمصري حسناً عندما أخضعا حالة زعم الاختصاص لنفس أحكام الاختصاص الفعلي في جريمة الرشوة ,ذلك أنه إذا كان المشرع يجرم ويعاقب الموظف الذي يقبل الرشوة للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل يدخل ضمن اختصاص وظيفته , فإنه من باب أولى أن يجرم الموظف الذي ينسب لنفسه اختصاصاً لا يملكه من أجل بلوغ الرشوة , ذلك أن هذا الأخير ينم عن خطورة إجرامية أكبر . توهم الاختصاص : تفترض هذه الحالة أن الموظف يعتقد اختصاصه خطاً أي أنه يجهل عدم اختصاصه نتيجة وقوعه في غلط بشأن الاختصاص[30] وقد يقع الموظف في هذا الغلط من تلقاء نفسه أو نتيجة بتأثير عوامل خارجية ساهمت في وقوعه في هذا الغلط . وفي ذلك يختلف الزعم بالاختصاص عن الاعتقاد الخاطئ , فالأول يفترض علم الموظف بعدم اختصاصه أما الثاني فيفترض جهل الموظف بعدم اختصاصه . وقد أضاف المشرع المصري حالة توهم الاختصاص ( الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص ) إلى حالتي الاختصاص والزعم بالاختصاص بالقانون رقم 120 لعام 1962م . وتجدر الإشارة إلى أن العبرة تكون باعتقاد الموظف الخاطئ دون صاحب الحاجة , بمعنى أن جريمة الرشوة تتوافر ولو كان صاحب الحاجة يعلم أن الموظف غير مختص بالعمل الذي من أجله دفع الرشوة .[31] أما المشرع السوري فلم ينص على حالة توهم الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص , وكذلك محكمة النقض السورية , وكان حريا بمشرعنا تغطية هذه الحالة أيضا من أجل التصدي للرشوة بكافة حالاتها وإخضاعها للعقاب . وبع أن تعرفنا على الركن المفترض لجريمة الرشوة وعلى ما يتضمنه من فكرة الموظف العام بمدلوليها الإداري والجنائي وكذلك مفهوم الموظف الفعلي والموظف الحكمي وحالات الاختصاص وزعمه وتوهمه , ننتقل الآن لبحث الركن المادي لجريمة الرشوة وصور هذا الركن وكذلك الركن المعنوي في الفرع التالي . الفرع الثاني الركن المادي والركن المعنوي في الرشوة أولاً : الركن المادي؛إن دراسة الركن المادي لجريمة الرشوة يتضمن البحث في صور السلوك الإجرامي لهذا الجرم وكذلك البحث في موضوع هذا النشاط وهي الفائدة التي يحصل عليها المرتشي . أ - صور النشاط الإجرامي المادة 103 من قانون العقوبات المصري على أن " كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداَ أو عطية لأداء عمل .....". والمادة 341 من فانون العقوبات السوري على أن " كل موظف وكل شخص ندب ....التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة ..." . والمادة 432-11ف1 من قانون العقوبات الفرنسي على أن " يعاقب بعشر سنوات ....التصرف الذي يقوم به شخص ....وذلك بالتماس أو قبول ..عروض أو وعود أو عطايا ...". يتبين من استقراء المواد النصوص الثلاثة السابقة أن المشرعين السوري والفرنسي قد اتفقا مع المشرع المصري بالنسبة لصورتي الطلب والقبول , مع استبدالهما لمصطلح الطلب بمصطلح الالتماس , في أنهما خالفاه فيما يتعلق بالصورة الأهم للسلوك الإجرامي لجرم الرشوة ألا وهو الأخذ , إذ أنهما على النقيض من المشرع المصري لم ينصا على هذه الصورة كنمط للسلوك الإجرامي للرشوة . وسنبين فيما يلي بإيجاز كل من هذه الصور على التوالي : أ – الأخذ : يمثل الأخذ الصورة الغالبة التي تقع بها جريمة الموظف المرتشي ويعبر عنه " بالدفع المعجل " أي دخول الفائدة في حوزة الموظف أو ذمته بفعل إرادي من جانبه , فإذا كان لمقابل الفائدة طبيعة مادية فإن الأخذ يعني تسليم المقابل للمرتشي أي نقل حيازته إليه . ويتطلب الأخذ توافر أمرين : أولهما توافر إرادة الأخذ لدى الموظف , فإذا انتفت هذه الإرادة انتفى السلوك المادي للرشوة ,فمن يدس للموظف أوراق مالية في مستندات يقدمها إليه فيتناولها الموظف دون أن يعلم بما فيها لا تتوافر لديه إرادة الأخذ , وثانيهما : إعطاء من جانب الراشي , فإذا انتفى الإعطاء فلا محل للقول بتوافر الأخذ من جانب الموظف , فإذا سقطت ورقة مالية من جيب صاحب الحاجة أثناء تقديمه للمستندات المطلوبة إلى الموظف دون أ يفطن لسقوطها , وأخذها الموظف اعتقادا منه بأن صاحب الحاجة أعطاها له لقضاء مصلحته فلا يتوافر فعل الإعطاء من جانب صاحب الحاجة . ولا يشترط في الأخذ التسليم الحقيقي للمقابل , فإذا كان الغالب أن ينصب الأخذ على مقابل الرشوة كأن يتسلم الموظف مبلغ النقود الذي أعطاه الراشي , إذا انه من الجائز ألا يوجد تسلم حقيقي في جانب المرتشي ولكن يوجد تسلم رمزي ,كأن يقوم الراشي بتسليم المرتشي مفتاح السيارة أو الشقة موضوع الرشوة . كما لا يشترط أخذ المرتشي العطية لنفسه , فمجرد أخذ الموظف العطية يتحقق به السلوك المادي في جريمة الرشوة بغض النظر عن شخص المستفيد من المقابل , تطبيقاً لذلك حكم بإدانة كاتب صحة أخذ مبلغاً من النقود نظير استخراج شهادة تقدير سن,رغم إدعائه بأنه لم يأخذ المبلغ لنفسه وإنما أخذه لحساب الطبيب المختص بتقدير السن .[32] ومتى تحقق الأخذ من جانب المرتشي توافر في حقه الركن المادي للرشوة دون توقف على أداء العمل أو الخدمة المطلوبة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة ليس من أركان هذه الجريمة . ونذكر بأن المشرع المصري انفرد بالنص على هذه الصورة من صور السلوك الإجرامي الركن المادي للرشوة خلافا للمشرعين السوري والفرنسي اللذان أغفلا ذكرها . ونرى بأنه من الأحسن لو أن التشريعين الأخيرين قد نصا على هذه الصورة كإحدى صور السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة كونها الأكثر شيوعاً في جرائم الرشوة . الطلب : وهو تعبير المرتشي عن رغبته في الحصول على رشوة مقابل عمله الوظيفي وبشرط وصول هذا الطلب إلى علم صاحب الحاجة .[33] وقد اتفقت التشريعات الثلاثة ( المصري والسوري والفرنسي ) على النص على القبول كصورة من صور الركن المادي للرشوة . ولما كانت الرشوة هي سلوك المرتشي , فإنها تتحقق بمجرد صدور الطلب من جانب الموظف "[34]ولو لم يصادفه قبول من جانب صاحب المصلحة , فيسأل الموظف عن رشوة ولو تظاهر صاحب المصلحة بموافقة المرتشي على طلبه حتى يتمكن من إبلاغ السلطات العامة . وتجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط صدور الطلب عن الموظف المرتشي في شكل معين , فيستوي أن يكون الطلب قد صدر عنه كتابة أو شفاهة , كما يجوز أن يكون الطلب قد صدر في عبارات صريحة أو مستفاد ضمناً من سلوك الموظف المرتشي , كما لو نظر إلى صاحب الحاجة نظرة ذات مغزى تدل على وجوب دفعه مبلغاً من النقود حتى ينجز له مصلحته , أو قام بفتح درج مكتبه ثم أومأ برأسه لصاحب المصلحة كتعبير عن رغبته في الحصول على مقابل نظير القيام بالعمل . ويشترط أن يصل طلب الموظف إلى علم صاحب الحاجة , وذلك لأن الطلب لا يعد متحققاً في مدلوله القانوني إلا إذا بلغ علم صاحب المصلحة, وعلى هذا إجماع الفقه , فمادام الطلب لم يصل إلى علم صاحب الحاجة فلا مجال لتقرير مسؤولية الموظف طالب الرشوة عن جريمة رشوة تامة . ولاشترط لتقرير مسؤولية الموظف عن جريمة الرشوة أن يكون طلب الرشوة لنفسه , فتتحقق مسؤوليته ولو كان قد طلب الرشوة لغيره . القبول : وهو موافقة الموظف على إيجاب صادر من صاحب المصلحة مضمونه وعد بعطية نظير قيامه بالعمل أو الامتناع المطلوب منه , فالموظف المرتشي يرضى بتلقي العطية في المستقبل من خلال وعد من الراشي بتقديمها , أي أن القبول ينصرف إلى عطية مؤجلة .[35] ويقتضي القبول توافق إرادتين هما إرادة الراشي المتمثلة في إيجاب صادر عنه مضمونه وعد بعطية , وإرادة المرتشي المتمثلة في قبول الوعد بالعطية . ويشترط في القبول أن تكون الإرادة جادة , ومن ثم لا ينبغي تقرير مسؤولية الموظف عن جريمة الرشوة إذا كان غير جاد في قبوله كما لو تظاهر الموظف بقبول الرشوة ليسهل على السلطات القبض على الراشي متلبساً بجريمته. ولا يشترط في القبول - شأنه شأن الطلب – أن يتخذ شكلاً معيناً , فيستوي أن يكون مكتوباً أو شفهياً أو أن يصدر في شكل إشارة , كذلك يصح أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً . ولا يشترط أن يصدر القبول في مواجهة الراشي بل يكفي إبلاغه لوسيط . ومتى توافر القبول على النحو الذي بيناه سُئل الموظف عن رشوة تامة . ويستوي أن يكون قبول الموظف للوعد بالعطية لنفسه أو لغيره , ولكن إذا كان الوعد لغير الموظف ,فيلزم أن تتوافر مصلحة شخصية للموظف حتى تقوم الجريمة بقبوله الوعد.[36] وقد اتفق المشرع المصري والسوري والفرنسي على النص على القبول كإحدى الصور التي من يقوم بها الركن المادي لجريمة الرشوة . ب – الفائدة ويقصد بالفائدة كل ما يشبع حاجة النفس ويستوي أن تكون الحاجة التي تشبعها هذه الفائدة ذات طبيعة مادية أو غير مادية . وقد أورت كل من التشريعات الثلاثة محل البحث تحديداً لمعنى الفائدة حيث جاء في : المادة 107 من قانون العقوبات المصري " ...يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة حصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك أو علم به ووافق عليه أياً كان اسمه ونوعها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية ..." . والمادة 341 من قانون العقوبات السوري والتي جاء فيها " ...هدية أو وعد أو أية منفعة أخرى ...." . والمادة 432-11 من قانون العقوبات الفرنسي والتي جاء فيها " ...عروض أو وعود أو عطايا أو هدايا أو فوائد ( منافع ) من أي نوع كانت ..." . والملاحظ أن المشرعين الثلاثة قد استعملوا ألفاظاً فضفاضة غير محددة لبيان موضوع النشاط الإجرامي الصادر من الموظف , وحسناً فعلوا , ليكون النص شاملاً للكل أشكال المنافع التي تقترف الرشوة لبلوغها . وتتنوع أشكال الفائدة فقد تكون نقود , شيكات , سندات مالية , مجوهرات , هدايا عينية , وبالعموم كل ما كانت له طبيعة مادية ويمكن تقويمه بالنقود , ويعتبر من قبيل الفائدة القرض الذي يمنحه الراشي للمرتشي مقابل أعمال الوظيفة . ولا يقتصر مدلول الفائدة فقط على الأشياء ذات الطبيعة المادية التي يمكن تقويمها بالنقود , بل تشمل الفائدة كذلك الخدمات التي تقدم للموظف المرتشي مقابل الاتجار بأعمال وظيفته , ومن أمثلتها ترقيته ,إعطاءه تصريح ركوب مجاني لوسائل النقل والمواصلات ....الخ . ويثور التساؤل عن مدى صلاحية المواقعة الجنسية كموضوع للنشاط الإجرامي ؟ يذهب معظم الفقهاء في مصر إلى أن المواقعة الجنسية تصلح مقابلاً في جريمة الرشوة , لأن المواقعة فائدة , والقانون اعتبر الفائدة ركناً في هذه الجريمة وترك النص عليها عاماً بغير تخصيص فلا معنى لتحديد نوعها على نحو لا أساس له في القانون , وقد أخذ بهذا الرأي القضاء في كل من مصر وفرنسا . وأرى بأنه يجب التسليم بصلاحية المواقعة الجنسية كموضوع للسلوك الإجرامي في الرشوة , كما أرى ضرورة تشديد عقوبة الموظف بموجب نصوص قانوني خاص إذا ثبت من خلال التحقيقات أن المقابل المتفق عليه هو المواقعة الجنسية , وذلك لما ينم عنه هكذا اتفاق من نوازع شخصية دنيئة لدى الموظف ,وعن استغلال قذر للسلطات الممنوحة له . والآن وبعد أن انتهينا من دراسة الركن المادي وصوره في جريمة الرشوة ننتقل للبحث في الركن المعنوي والقصد الذي يتطلبه المشرع كركن لقيام جريمة الرشوة . ثانياً : الركن المعنوي: تعتبر جريمة الرشوة من الجرائم العمدية وهذا يتطلب أن يتوفر في الجريمة القصد الجنائي . والقصد الجنائي المتطلب يجب توافره لدى الموظف العام أو من في حكمه باعتباره سيد جريمة الرشوة وفاعلها ,أما بالنسبة للراشي أو الرائش فإن القصد المتطلب لديهما هو قصد الاشتراك في جريمة الرشوة . وعليه فإننا سنبحث في نوع القصد المتطلب في جريمة الرشوة , ومن ثم ننتقل للبحث في عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة : أ- نوع القصد الجنائي في جريمة الرشوة : ذهب بعض الفقهاء إلى أن القصد الجنائي المتطلب في جريمة الرشوة هو القصد الجنائي الخاص , وهو أن تتوافر لدى الموظف نية الاتجار في أعمال الوظيفة , بحيث إذا انتفت لدى الموظف هذه النية فلا تقوم جريمة الرشوة [37] في حين ذهب غالبية الفقهاء إلى القول بأن القصد الجنائي المتطلب لدى الموظف هو القصد العام , وأن نية الاتجار بالوظيفة بذاتها لا تدخل في البنيان القانوني لجريمة الرشوة وإنما هي تمثل علة التجريم بدليل أن جريمة الرشوة تقوم ولو كانت إرادة الموظف متجهة منذ البداية إلى عدم تنفيذ العمل الذي تلقى الفائدة كمقابل له , وبما أن القصد الجنائي العام يقوم على أساس العلم والإرادة فإنه يتعين أن تتجه إرادة الجاني إلى قبول العطية أو الوعد بها مع علمه بأن الغرض من تقديمها إليه هو حمله على القيام بعمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه. كما يجب من ناحية أخرى أن يعلم الموظف بالغرض الذي من أجله قدمت العطية , أي أنها قدمت كمقابل للعمل الوظيفي , فإذا كان يجهل ذلك فلا يسأل الموظف عن جريمة رشوة . ويبدو أن الرأي الثاني هو الأقرب للصواب , فلا مبرر لاشتراط نية الاتجار بأعمال الوظيفة , وإنما من الأفضل الاكتفاء بالقصد العام المتمثل بتوافر العلم والإرادة لقيام الرشوة , لقيام مسؤولية الموظف . ب- عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة : بما أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو القصد الجنائي العام لدى معظم الفقهاء فإن هذا العنصر يتكون من عنصري العلم والإرادة . فيجب أن يعلم الموظف المرتشي بأركان الجريمة جميعاً , فيعلم أنه موظف عام أو من في حكمه ويعلم بأنه مختص بالعمل المطلوب منه , ويفترض ذلك علمه في صورة مجملة بطبيعة هذا العمل . ويتطلب القصد اتجاه إرادة المرتشي إلى الأخذ أو القبول أو الطلب وهذه الإرادة تنتفي في حالتين أولاهما حين يُدس المقابل في يد الموظف أو ملابسه أو درج مكتبه فيسارع على الفور أو بعد تردد قليل إلى رفضه فيرد المقابل أو يبلغ السلطات وثانيهما موضعها أن يتظاهر الموظف بتوافر هذه الإرادة لديه منتوياً في الحقيقة الإيقاع بعارض الرشوة والعمل على ضبطه متلبساً , ولا فرق في هذه الحالة الأخيرة بين أن يكون تدبير الموظف من تلقاء نفسه , أو بناء على ترتيب متفق لعيه بين هذا الموظف والسلطات العامة .[38] وبعد أن انتهينا من بحث أركان جريمة الرشوة في هذا الباب ننتقل الآن لدراسة العقوبة المقررة لجريمة الرشوة وحالات تشديدها وتخفيفها المطلب الثاني عقوبة الرشوة الفرع الأول عقوبة المرتشي نصت المادة 341من قانون العقوبات السوري على ما يلي : " كل موظف وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين، وكل امرئ كلفبمهمة رسمية كالحكم والخبير و السنديك التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أوأية منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلىثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به". المادة 342 ق . ع . س: " 1ـ كل شخص من الأشخاص السابق ذكرهم التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أووعداً أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً منافياً لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفتهأو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامةلا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به. 2ـ ............" ويتبين لنا من هذه النصوص أن الرشوة في التشريع السوري قد تكون جريمة جنحوية أو جنائية , بحسب طبيعة الأداء المطلوب من الموظف العام القيام به كمقبل للفائدة التي طلبها أو قبلها أو قبل الوعد بها ,. فإذا تقاضى أو قبل الموظف أو من في حكمه الرشوة ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته فإن جريمته تكون جنحوية الوصف ويعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلىثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به , وذلك وفقاً لمنطوق المادة 341 ق ع س . أما إذا تقاضى أو قبل الرشوة ليقوم بعمل يتعارض مع أعمال وظيفته , كحارس السجن الذي يتقاضى الرشوة ليمكن أحد السجناء من الفرار , أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه , أو كان زاعماً اختصاصه بها خلافاً للواقع, فإن جريمته تكون جنائية الوصف وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة وغرامةلا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به , وذلك وفقاً لمنطوق المادة 342 ق ع س . وتجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات الاقتصادية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 37 لعام 1966م جرم الرشوة في المادة 25 منه واعتبرها جريمة اقتصادية وعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة المؤقتة . في التشريع المصري : نصت المادة 103 من قانون العقوبات المصري على انه : "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالإشغال المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أُعطي أو وُعد به ". يتضح من النص السالف الذكر أن العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة بالإضافة إلى الغرامة . في التشريع الفرنسي : نصت المادة 432-11 من قانون العقوبات على ما يلي : "يعاقب بالحبس لمدة 10 سنوات وبغرامة 150الف يورو فعل شخص له قدر من السلطة العامة أو مكلف بخدمة عامة أو مندب إلى خدمة عامة عندما يلتمس أو يقبل بدون حق , بشكل مباشر او غير مباشر ,عروض أو وعود بهدايا أو بعطايا من أي نوع وذلك : 1- من أجل قيامه أو امتناعه عن انجاز عمل من أعمال وظيفته أو مهمته أو ولايته ." ويتبين من النص السابق أن العقوبة التي قررها المشرع الفرنسي لجريمة الرشوة هي البس لمدة عشر سنوات بالإضافة إلى الغرامة . وبالمقارنة بين موقف التشريعات الثلاثة نجد أن كلا المشرعين المصري والفرنسي قد اعتبرا عقوبة الرشوة جنائية الوصف في كافة الأحوال ومهما كانت عليها صورة النشاط المطلوب من الموظف المرتشي لقاء الرشوة , سواء كان يتمثل في صورة القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة , في حين أن المشرع السوري ميز بين حالتين لعقوبة الرشوة , أحداهما جنحوية والأخرى جنائية الوصف وفق ما سبق تفصيله , وكان من الأفضل لو أن المشرع السوري أضفى الوصف الجنائي على الرشوة بصرف النظر وكذلك نلاحظ بالمقارنة بين مواقف المشرعين الثلاثة أن المشرع المصري كان الأكثر تشددا فيما يتعلق بالعقوبة الماسة للحرية حيث جعلها الأشغال الشاقة المؤبدة , وإن كان قد أجاز للمحكمة أن تنزل بالعقوبة درجة أو درجتين وفقاً للمادة 17 ق ع م , إذا ارتأت الرأفة بالجاني فتوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة او الحبس بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة . أما فيما يتعلق بالعقوبة المالية فنجد بالمقارنة أن المشرع الفرنسي قد تشدد أكثر من المشرعين السوري والمصري فجعل الغرامة 150 ألف يورو , وهي عقوبة كبيرة نسبيا بالمقارنة مع الغرامة التي قررها كل من المشرعين السوري والمصري . وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن كل من التشريعات الثلاث أجاز فرض العقوبات الإضافية إلى جانب العقوبة الأصلية المقررة لجريمة الرشوة الفرع الثاني عقوبة الراشي التشريع الفرنسي: ذهب المشرع الفرنسي إلى اعتبار جريمة الراشي جريمة تامة ( الرشوة الإيجابية ) وذلك بصرف النظر عن رد فعل الموظف الذي عرضت عليه الرشوة سواء قبلها أو رفضها ,, وبالتالي فإن مجرد قيام صاحب المصلحة بعرض الرشوة يعد جريمة تامة ويعاقب عليها بمقتضى المادة 433-1ق ع ف والتي نصت على ما يلي " يعاقب بعشر سنوات حبس و 150 ألف يورو فعل اقتراح , بدون وجه حق , بشكل مباشر أو غير مباشر , عروض أو وعود بهدايا أو عطايا أو فوائد من أي نوع من اجل الحصول من شخص له قدر من السلطة العامة أو مكلف بخدمة عامة أو مندب إلى الخدمة العامة : 1- من أجل القيام أو الامتناع عن انجاز عمل من أعمال الوظيفة أو المهمة أو الولاية . " أما المشرعين المصري والسوري فقد ميزا بين حالة ما إذا قبل الموظف عرض الراشي صاحب الحاجة , وبين حالة ما إذا رفض الموظف عرض الراشي ( الرشوة الخائبة) ففي الحالة الأولى نكون أمام جريمة رشوة , وتكون عقوبة الراشي هي ذاتها العقوبة المقررة للموظف المرتشي باعتباره شريكه في الجريمة وذلك بمقتضى المادتين 107 مكرر من قانون العقوبات المصري والمادة 343 من قانون العقوبات السوري . أما في الحالة الثانية وهي التي يرفض فيها الموظف عرض صاحب الحاجة , فإننا نكون أمام جريمة أخرى تدعى جريمة عرض الرشوة أو الرشوة الخائبة . وإذا كان المشرعين السوري والمصري قد اتفقا فيما يتعلق بالنص على الرشوة الخائبة كجريمة مستقلة , فإنهما اختلفا من حيث عقوبتها , فقد نص المشرع المصري في المادة 109 ق ع م على أن "من عرض رشوة ولم تُقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تتجاوز مائتي جنيه." أما المشرع السوري فقد نص على جريمة عرض الرشوة في المادة 345 ق . ع . س: " من عرض على شخص من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة 341هدية أو أية منفعة أخرى أو وعده بها على سبيل أجر غير واجب ليعمل أو لا يعمل عملاًمن أعمال وظيفته أو ليؤخر تنفيذه عوقب إذا لم يلاق العرض أو الوعد قبولاً بالحبسثلاثة أشهر على الأقل وبغرامة لا تنقص عن ضعفي قيمة الشيء المعروض أو الموعود". وبالمقارنة بين هذين النصين نجد أن المشرع السوري فرض لجريمة عرض الرشوة عقوبة جنحية وهي الحبس ثلاثة أشهر على الأقل , بالإضافة إلى غرامة تساوي ضعفي قيمة الشيء المعروض أو الموعود , في حين أن المشرع المصري اعتبر جريمة عرض الرشوة جنائية الوصف فيما إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام وبالتالي قرر لها عقوبة وهي السجن[39] , بالإضافة لغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن 1000جنيه . وكان حرياً بتشريعنا أن يحذو حذو التشريع المصري فيقرر لجريمة الرشوة عقوبة جنائية , نظراً لجسامة هذه الجريمة وما فيها من تحقير للوظيفة العامة . ومن جهة أخرى نجد أن المشرع المصري كان موفقاً عندما فرض عقوبة الرشوة الخائبة ,حتى ولو كان الشخص الذي عرضت عليه الرشوة من غير الموظفين , الأمر الذي لم ينص عليه مشرعنا مكتفيا بمعاقبة عرض الرشوة إذا حصلت لموظف عام . وحبذا لو وسع مشرعنا نطاق التجريم في المادة 345 وبالتالي لا يفلت عارض الرشوة من العقاب حتى ولو كان العرض مقدماً لعامل من عمال مشروعات القطاع الخاص . الخاتمة : بعد أن بحثنا الواقع التشريعي لجريمة الرشوة في كل من التشريعات الثلاثة السوري والمصري والفرنسي فعرفناها وبينا اتجاهات الفقه في التكييف القانوني لها و وبحثنا في أركانها وفي العقوبات المقررة لها , يمكننا القول بأن موقف مشرعنا من جريمة الرشوة كان جيداً ومتطوراً كما أن الأسلوب الذي انتهجه كان مميزاً من حيث سعيه لتجريم وعقاب مختلف صور هذه الجريمة, وإن كان من الضروري أن يأخذ بعين الاعتبار ما يلي : 1- حبذا لو أسبغ المشرع الوصف الجنائي على جريمة الرشوة في كافة حالاتها وصورها ملغيا بذلك التمييز الوارد في المادتين 241 و242 منه , ذلك أنه لا مبرر للتمييز في المعاملة بين من تقاضى آو قبل الرشوة للقيام أو الامتناع عن عمل شرعي من أعمال وظيفته , وبين ذاك الذي قبلها للقيام بعمل مناف لأعمال وظيفته , فكلا الحالتين وجهان لجريمة واحدة ولا تقل إحداهما عن الأخرى خطورة على الوظيفة العامة ونزاهتها. 2- كان من المستحسن لو أن مشرعنا شمل عمال المشروعات الخاصة بأحكام جريمة الرشوة فيضمن بذلك حماية هذه المشاريع من عبث من تسول له نفسه من عمالها , خصوصاً أن هذه المشروعات باتت اليوم تلعب دوراً هاماً الحياة الاقتصادية السورية , بحيث أصبح من غير الممكن تجاهل نشاطها ودوره في نمو الاقتصاد الوطني , خصوصا بعد أن اتجهت سوريا نحو اقتصاد السوق الاجتماعية . 3- حبذا لو قرر المشرع جعل عقوبة المصادرة عقوبة إضافية , وجوبية , بحيث تلتزم المحكمة بفرضها إلى جانب العقوبة الأصلية بدلاً من تركها جوازية وفقاً لأحكام المادة 69 ق ع س , ذلك أن خزانة الدولة أحق من المحكوم عليه في هذه الجريمة بالمقابل الذي وُعد به للموظف أو دُفع له , أو الذي عُرض عليه في حالة الرشوة الخائبة 4- اعتبر المشرع عرض الرشوة ( الرشوة الخائبة ) جريمة جنحية , فحبذا لو يقرر جعلها جريمة جنائية على غرار ما فعله المشرع المصري , فتغدو العقوبة أكثر ردعاً وفاعلية سواء بالنسبة لمرتكب الجريمة أو غيره مما يساهم في محاصرة هذه الجريمة والقضاء عليها في المهد . وأخيراً لابد من التأكيد على أن الرشوة كأية جريمة أخرى لا تعدو عن كونها ظاهرة اجتماعية مرضية , وبالتالي فإن محاصرة هذه الظاهرة الخطرة على الدولة والمجتمع بان معاً لا يتحقق من خلال العقوبة وحدها , فالعقوبة ما هي إلا أداة من مجموعة أدوات أخرى ينبغي تفعيلها لمواجهة هذه الجريمة ومحاصرتها ما أمكن , فمحاربة الرشوة مسؤولية الجميع ابتداء من الأسرة باعتبارها الخلية الأولى في المجتمع , وذلك من خلال غرس الحس بالمسؤولية والقيم الأخلاقية والدينية في نفوس الناشئة والتي تساهم بدور كبير في حماية المجتمع من الجريمة بمختلف أشكالها بما فيها الرشوة , وانتهاء بالدولة من خلال تبنيها للأنظمة الرقابية والمحاسبية الفعالة في أجهزتها الحكومية المختلفة وما يتبعها من هيئات ومؤسسات , وكذلك من خلال مراعاة معايير الكفاءة ما أمكن عند اختيارها للأشخاص المرشحين لشغل الوظائف العامة, وكذلك من حسين الظروف المعيشية للموظفين العموميين زيادة مرتباتهم , وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب بشكل أكبر في مجال الوظيفة العامة و من خلال مساءلة ومعاقبة من يثبت تقصيره وإهماله من الموظفين , وبالمقابل مكافأة من يثبت مكافئته , وأخيرا , لابد من تشديد العقوبات المقررة لجريمة الرشوة , للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه من الموظفين استغلال الوظيفة العامة من اجل تحقيق مصالح شخصية ضيقة . ........................... ............. ..... المراجع : الكتب والمؤلفات : 1- قانون العقوبات اللبناني– الدكتور سليمان عبد المنعم والدكتور محمد زكي أبو عامر – الطبعة الأولى لعام 1996م ص 346,347 2- شرح قانون العقوبات المصري – القسم الخاص – د . محمود نجيب حسني 3- جرائم الاعتداء على الوظيفة والمال العام – د. إبراهيم حامد طنطاوي. 4- جريمة الرشوة في النظام السعودي– أسامة محمد عجب نور. الأبحاث 5- جريمة الرشوة (دراسة مقارنة) - نهى سيد عويس - موجودة على موقع 4 Shared ) ) الإلكتروني . 6- جريمة الرشوة في القانون المقارن– رولا بهاء الدين التونجي – دراسة أعدت لنيل درجة الدبلوم في العلوم الجنائية – كلية الحقوق ,جامعة حلب . النصوص القانونية : قانون العقوبات السوري . قانون العقوبات الفرنسي . قانون العقوبات الفرنسي . البحث من إعداد طاهر كرابيج |
|||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اجتهادات هامة جزائية | ردين حسن جنود | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 1 | 17-12-2013 07:51 PM |
مسودة قانون التأمينات الجتماعية السوري الجديد | عمار حمودي | مشاريع القوانين | 1 | 13-09-2011 02:25 PM |
التحكيم في عقود B.0.T -Build-Operate-Transfer | سامر تركاوي | أبحاث في القانون الإداري | 1 | 12-04-2011 06:40 PM |
اجتهادات قضائية في الاختصاص | المحامي مهند اسماعيل | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 0 | 17-02-2011 03:13 PM |
القانون المدني السوري - الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام | المحامي محمد صخر بعث | موسوعة التشريع السوري | 10 | 03-12-2006 08:25 PM |
![]() |