تخمين المأجور وفق القانون رقم /20/ لعام 2015
لقد نصت المادة (7) من قانون الايجار رقم /20/ لعام 2015
مع الاحتفاظ بأحكام الفقرتين أ و ب من المادة 1 من هذا القانون وأحكام المادة 4 منه لا يحكم بالتخلية على مستأجر عقار من العقارات المبينة في هذا القانون الخاضعة للتمديد الحكمي إلا في الحالات الآتية ..
أ-ا- اذا لم يدفع المستأجر الأجرة المستحقة قانونا أو المقدرة حكما خلال ثلاثين يوما من اليوم الذي يلي تبليغه المطالبة بها ببطاقة بريدية مكشوفة أو بانذار بواسطة الكاتب بالعدل ولا تكون المطالبة معتبرة إلا إذا ذكر فيها المبلغ المطلوب والمدة المتعلقة بها أما الأجور المتراكمة عن سنين الإيجار السابقة فتعد دينا عاديا لا يوجب عدم دفعه التخلية وتعد المطالبة البريدية قانونية إذا جرت ببطاقة بريدية مكشوفة تبلغ إلى المخاطب بالذات أو إلى أحد أقاربه المقيمين معه في أماكن السكن أو أحد شركائه أو العاملين لديه في الأماكن المؤجرة لغير السكن عند عدم وجود المخاطب على أن يكون المبلغ قد أتم الثامنة عشرة من عمره.. وإذا تعذر ذلك أو رفض أحد المشار إليهم التبلغ فيلصق الموظف المختص البطاقة على باب محل إقامة المستأجر المعين فيها ويذكر كيفية التبليغ على إشعار الاستلام من قبل الموظف المختص ويشهد على ذلك شاهدان أو مختار المحلة أو أحد أفراد الشرطة أثناء أدائه وظيفته.
أن محل المخاطب يعينه مرسل البطاقة أو الإنذار بصورة واضحة مستنبطة مما صرح به الطرفان في صك الإيجار ويجوز عد العقار المؤجر محلا لإقامة المستأجر في حال عدم تعيين محل المخاطب وعلى مرسل البطاقة أن يبين عنوانه في بطاقة المطالبة.
وإذا صادف آخر الميعاد المحدد للأداء أو الإيداع عطلة أسبوعية أو رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها.
أما الأشخاص الاعتباريون فيتم تبليغهم وفق قانون أصول المحاكمات المدنية وبصورة عامة لا يجوز إجراء أي تبليغ قبل الساعة الثامنة صباحا ولا بعد الساعة السادسة مساء ولا في أيام العطل الأسبوعية أو الرسمية.
2 يحق للمستأجر ولمرة واحدة فقط أن يتفادى الحكم بالإخلاء إذا قام خلال ثلاثين يوما من تبلغه بالذات مذكرة الدعوة للمحاكمة أو مذكرة الإخطار عندما لا تبلغ مذكرة الدعوة بالذات بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 5 بالمئة من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ السداد وعلى المحكمة عند ذلك أن تحكم على المستأجر بالنفقات والرسوم والأتعاب.
ب- إذا أساء المستأجر استعمال المأجور بأن أحدث فيه تخريبا غير ناشىء عن الاستعمال العادي أو استعمله أو سمح باستعماله بطريقة تتنافى مع شروط العقد أو تشكل طغيانا عليه.
ج-1- إذا أجر أو تنازل المستأجر عن المأجور كلا أو بعضا إلى الغير دون إذن خطي من المؤجر.
2- يستثنى من الإخلاء في الحالة المبينة في البند 1 من هذه الفقرة إذا كان العقار المؤجر لأعمال تجارية أو صناعية أو صيدلية أو لمهنة حرة أو فكرية أو علمية منظمة قانونا أو حرفة ورغب المستأجر أو ورثته بيعه أو التنازل عنه بكامله للغير.
وفي هذه الحالة يجب على المستأجر أو ورثته قبل إبرام الاتفاق مع الغير بالبيع والتنازل إبلاغ المالك المستقل أو الورثة او المالكين على الشيوع لثلاثة أرباع الأسهم على الأقل ببطاقة بريدية مكشوفة أو بخطاب يرسل بواسطة الكاتب بالعدل الذي يقع في دائرته العقار المؤجر يعلمه فيه بالثمن المعروض عليه ويكون للجهة المالكة الخيار في حقها بقبض نسبة 10 بالمئة من الثمن المعروض مقابل موافقتها على البيع والتنازل أو في إبداء رغبتها بأفضليتها في الشراء وفي هذه الحالة يجب عليها إيداع الثمن مخصوما منه نسبة 10 بالمئة المشار إليها خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ تبلغها الخطاب العدلي في صندوق دائرة التنفيذ التي يقع في دائرتها العقار المؤجر لمصلحة المستأجر مشروطا بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العقار المؤجر.. ويتم الإيداع وفق أحكام العرض والإيداع المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات وبما لا يتعارض مع أحكام هذه المادة.
وفي حال انقضاء ذلك الأجل دون قيام الجهة المالكة بالإيداع آنف الذكر جاز للمستأجر أن يبيع لغير الجهة المالكة مع التزامه بأن يؤدي لها نسبة 10 بالمئة من الثمن الحقيقي آنف الذكر.
وفي هذه الحالة يعد المشتري خلفا للمستأجر البائع أو ورثته فيما يتعلق بجميع شروط عقد الإيجار.
3- ينحصر الحق بتقاضي نسبة 10 بالمئة من ثمن البيع أو باستعمال حق الأفضلية بالشراء في حال كان حق الانتفاع يعود لغير مالك الرقبة بمالك حق الانتفاع دون سواء.
4- يبقى التنازل أو البيع الوارد في البند 2 من هذه الفقرة خاضعا لاستيفاء الرسوم المالية للقيم التخمينية المقدرة لدى الدوائر المالية مهما كانت قيمة البيع أو التنازل.
5- يستثنى من الإخلاء حالة إدخال شريك في المأجور بشرط بقائه وحدة متكاملة على أنه يحق للجهة المالكة طلب تخمين العقار المأجور فورا مع وجوب تطبيق الأحكام الواردة في البند 2 من هذه الفقرة المتعلقة بحق الأفضلية للمالك واقتطاع النسبة المقررة له.
6- كما يستثنى من الحق بالتخلية أيضا العقار المؤجر قبل نفاذ القانون رقم 6 لعام 2001 لإحدى الوزارات والإدارات والهيئات العامة والوحدات الإدارية والبلديات والمؤسسات والشركات والمنشآت العامة وجميع جهات القطاع العام والمشترك والمصالح العامة وإدارتها سواء أكان طابعها إداريا أم اقتصاديا إذا تنازلت هذه الجهة عن المأجور كلا أو بعضا إلى إحدى الجهات المشار إليها بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء وتعد الجهة المتنازل لها خلفا للجهة المستأجرة فيما جرى التنازل لها عنه فيما يتعلق بجميع شروط العقد ويحق للمؤجر في هذه الحالة طلب تخمين المأجور المتنازل عنه فورا ويشترط في هذا التنازل استعمال المأجور استعمالا مماثلا لما حدد في عقد الإيجار وألا تقل الأجور المخمنة للعقار عن النسبة المحددة لها قبل التنازل.
د- يعد الشريك الشاغل للعقار الشائع بحكم المستأجر في حال موافقة أغلبية المالكين لحق الإدارة وتقدر الأجرة وفقا للأحكام المذكورة آنفا ويحكم عليه بتخلية العقار في حال مطالبته بالأجرة المقدرة بالحكم وعدم دفعه لها خلال المدة المنصوص عليها في الفقرة أ من هذه المادة.
أما الشريك الذي يقطن عقارا له فيه حصة وبيع هذا العقار نتيجة حكم قضائي بإزالة الشيوع فلا يعد بحكم المستأجر ولا يحق له البقاء في العقار دون إرادة المالك الجديد ما لم يكن مستأجرا حصص شركائه الآخرين بعقد ثابت التاريخ قبل الادعاء بإزالة الشيوع.
ه- إذا طلب المالك المستقل السكني بعقاره المأجور للسكن شرط توافر الآتي ..
1- أن يكون العقار المطلوب تخليته مؤلفا من شقة واحدة وألا يكون طالب التخلية الذي أجرها أو جرى تأجيرها خلال فترة تملكه مالكا لسواها قبل نفاذ هذا القانون.
2- أن يكون قد مضى على تملكه وانحصار ملكيته للعقار المطلوب تخليته مدة سنتين على الأقل ويعد بحكم المالك المستقل الأقارب الآتي ذكرهم الذين يملكون مشتركين تمام العقار .. الزوجان .. الزوجان وأولادهما .. الأصول والفروع .. الأخوة والأخوات وأولادهم.
ويدخل في ذلك من كان تحت ولاية أحد ممن ذكر أو وصايته كما يعد الورثة بحكم المالك المستقل الذي أجر العقار المطلوب تخليته.
3 -لا يحكم بالتخلية للسبب المبين في هذه الفقرة إذا كان المستأجر أو زوجه فقط موظفا أو مستخدما أو عاملا خاضعا لقانون العاملين الأساسي أو من العسكريين أو عاملا في القطاع العام أو في القطاع المشترك أو أيا ممن تنتهي خدمته من المذكورين بصورة قانونية لأي سبب كان غير الوفاة إذا خصص بمعاش أو معاش عجز أو شيخوخة إلا إذا كان المالك عاملا أو موظفا أو مستخدما أو عسكريا وعاد إلى البلدة التي فيها المأجور منقولا أو محالا على التقاعد أو مسرحا لأي سبب كان أو عادت إليها أسرته بعد وفاته.
على أنه إذا كان المالك هو الذي أجر عقاره لمستأجر تتوافر فيه أو في زوجه أسباب الحماية المشار إليها آنفا جاز له أو لورثته أن يطلب إخلاء المستأجر شرط أن ينذره بطلب التخلية بواسطة الكاتب بالعدل قبل ثلاثة أشهر من إقامة الدعوى بالتخلية.
ولا يحكم بالتخلية للسبب المبين في هذه الفقرة إذا كان مستأجر العقار قد استشهد أو فقد أثناء العمليات الحربية أو أسر واستمرت أسرته في إشغال المأجور دون أن تحصل على سكن من الدولة ويقصد بالأسرة في هذه الحالة الزوجة والأولاد مجتمعين أو منفردين طيلة استحقاقهم أو استحقاق أحدهم للمعاش التقاعدي وكذلك من كان يعيلهم المستأجر من أبوين وأخوة وأخوات مجتمعين أو منفردين إذا كانوا مقيمين معه في المأجور ويثبت الاستشهاد أو الفقدان بوثيقة تصدر من وزارة الدفاع.
و-.. إذا أراد مالك العقار المبني إقامة بناء جديد كامل بدل البناء القديم عدا العقارات المؤجرة للجهات العامة إلا في حالتي الهلاك الكلي أو الجزئي للمأجور إذا أصبحت العين في حالة لا تصلح معها للانتفاع الذي أجرت من أجله أو إذا نقص هذا الانتفاع نقصا كبيرا.
ز-.. إذا أراد مالك العرصة المأجورة أو مالك جزء منها إقامة بناء جديد كامل فيما يملكه ويشترط للحكم بالتخلية في الأحوال الموصوفة بهذه الفقرة والفقرة “و” السابقة أن يثبت المالك أنه حصل مسبقا على رخصة بإقامة البناء الجديد.
ح-.. إذا كان المستأجر مالكا مستقلا لدار صالحة لسكناه خالية أو يستطيع بمقتضى القوانين النافذة إخلاءها.
ط-.. إذا تملك المستأجر على وجه الاستقلال أو بنى بعد الاستئجار دارا صالحة لسكناه وأجرها إلى الغير أو لم يؤجرها أو باعها أو تصرف فيها.
ي-.. إذا ترك المستأجر المأجور للسكن بلا مسوغ مدة سنة كاملة دون انقطاع يدل دلالة قاطعة على استغنائه عنه نهائيا.
وكذلك نصت المادة (8) من قانون الايجار رقم /20/ لعام 2015
للمستأجر المحكوم عليه بالتخليه استنادا للفقرتين “و” و “ز” من المادة السابقة الحق بان يشغل البناء الجديد أو جزءا منه يشابه العقار الذي أخلاه إذا أمكن الانتفاع منه على الوجه الذي كان ينتفع به قبل الإخلاء وتجديد البناء على أن يخضع الماجور الجديد لقاعدة تحديد الأجور بطريق التخمين.
وفي حال عدم إمكان المستأجر المحكوم عليه بالتخلية من الانتفاع بالعقار الجديد فيلتزم المالك بأن يدفع له تعويضا يعادل 40 بالمئة من قيمة العقار المأجور للسكن الذي كان يشغله.
أما بالنسبة للعقارات الاخرى فعلى المحكمة عند تحديد هذا التعويض أن تلاحظ جميع عوامل الخسارة وفوات الربح التي تصيب المستأجر فتأخذ خاصة في الحسبان نوع العمل الذي تعاطاه وكثرة إقبال الزبائن أو قلته وقيمة المؤسسة وإمكان المستأجر من استئجار عقار في الجهات المجاورة القريبة يشابه العقار الذي أخلاه ونفقات الانتقال إلى العقار الجديد وتجهيزه … وإذا ثبت في أي وقت عدم إمكان المستاجر من الانتفاع بالعقار الجديد فله أن يطالب بالتعويض بدعوى مستقلة.
وعلى ضوء ما تقدم فان عقد الإيجار يعد من أهم العقود التي تنظم معاملات الناس، وقد عُنيت التشريعات منذ القدم بوضع الأحكام والضوابط التي تحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في ضوء النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة. وقد حظي عقد الإيجار باهتمام بالغ من المشرع السوري؛ نظراً إلى خطورة شأنه وكثرة تداوله وأثره البالغ في كثير من نواحي النشاط الاجتماعي والاقتصادي.
وتعدّ من أهم المشـكلات التي تثار في العلاقة الإيجارية زيادة الأجرة المتفق عليها بين المؤجر والمســتأجر؛ لذلك أجاز المشـرع لهما في حالات معيّنة إعادة النظر في تحديــد بدل الإيجار رضاءً أو قضاءً.
وقد نُظم جواز طلب تقدير بدل الإيجار قضائياً -أي ما يسمى بالتخمين- بقانون الإيجار ذي (الرقم 63) تاريخ 31/12/1950 ثم بقانون الإيجارات الصادر بالمرسوم التشريعي ذي رقم /111/ تاريـخ 11/2/1952 وتعديلاته ثم في قانون الإيجار الجديد ذي الرقم /6/ تاريخ 15/2/ 2001والقانون رقم /20/ لعام 2015.
ولا يخفى على أحد أن القصـد من وجود القواعد القانونية الناظمة لتحديد أجور العقارات إنما هو فتح الطريق لإزالة ما قد يكون عالقاً ببدلات الإيجار المحـددة في عقود الإيجار المحـررة من غبن وإرهاق، هذا الغبن والإرهاق الذي يتعرض له المستأجر أكثر مما يتعرض له المؤجر.
والتخمين موضوع تطرق إليه القانون المدني في أحكام قواعد الإيجار في حكم المادة (530) منه في تحديد أجر مثل عقار، وفي المادة (533) منه في نقص الانتفاع في المأجور، وكذلك في المادة (537) في تعيب المأجور.
أولاً: تعريفه
التخمين لغة: كلمة جاءت من الفعل الثلاثي خمّن، وخمن الشيء يخمّنه تخميناً، وخمن يخمن خمناً: قال فيه بالحدس والتخمين؛ أي بالوهم والظن، وقد جاء عن ابن دريد: التخمين القول بالحدس، وقال أبو حاتم: هذه كلمة أصلها فارسية عربت، وأصلها من قولهم خماناً على الظن والحدس. وهذا الحدس والتوهم والظن يصبح حقيقة قاطعة بقرار من المحكمة المختصة.
والتخمين قانوناً هو «تحديد قانوني للأجور يتم بواسطة المحكمة حسب نسب قانونية محددة استناداً إلى تقويم الخبراء للعقار المأجور بهدف إيجاد توازن بين المنفعة والأجر ومنع الاستغلال».
والتخمين تدبير قانوني اقتضته الضرورات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فإن أحكامه تعدّ من النظام العام، فلا يجــوز التنازل عنها، ويبطل كل اتفاق أو إجراء يقصـد منه التحايل عليها والتهرب من تطبيقها ولو كان حكماً قضائياً. ولذلك فإن شرط تنازل المستأجر عن حقه في التخمين باطل، وتحريره سنداً على نفسه للمؤجر ضماناً لعدم التخمين باطل أيضاً. وإجراؤه صلحاً صورياً أمام القضاء على مبلغ التخمين قبل تسلّمه العقار باطل أيضاً. وإن إيراد نص في عقد الإيجار على أن الإصلاحات يتحملها المستأجر بقصد خرق قاعدة تحديد الأجرة يعد باطلاً، ويبقى للمستأجر مطالبة المؤجر بدفع قيمة الإصلاحات الضرورية دون الإصلاحات الكمالية في حالة تخمين المأجور. وقضى الاجتهاد أيضاً أنه يمكن للمستأجر إثبات صورية التخمين القضائي بالبينة الشخصية. وبذلك كرس الاجتهاد القضائي مبدأ عدالة الأجرة وتوازنها مع المنفعة بعد أن أغلق الباب على جميع المحاولات الرامية إلى الانتقاص من قاعدة تحديد الأجرة والتحايل على أحكام القانون حتى لو كانت هذه التدابير لها مساس بأحكام قطعية.
ثانياً: التخمين الاتفاقي والقانوني
قد يتفق المؤجر مع المستأجر رضائياً وخارج مجلس القضاء ودون وجود دعوى قضائية على إعادة تحديد بدل الإيجار دون تحديد مدة سريان هذا الاتفاق، فلا يحق للمؤجر الادعاء بالغبن قبل مضي سنة على هذا الاتفاق وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي؛ وهذا ما يعبر عنه بالتخمين الاتفاقي.
وقد يتفق المستأجر مع المؤجر على تعديل رضائي لبدل الإيجار، ويتصالحان في مجلس القضاء عند نظر دعوى التخمين، فيفترض أن يكــون هذا الصلح الجاري بينهما راعى النسـب القانونية؛ وبالتالي فإن هذا الصلح يقوم مقام حكم التخمين، ويرتب الآثار القانونية نفسها التي يرتبها التخمين؛ لأن المستأجر الذي استقر في المأجور، وأضحى في مأمن من العوامل التي أدت به إلى النزول على إرادة خصمه وشروطه؛ إذا تصالح مع خصمه بحضور القاضي عن بدل الإيجار كان مسؤولاً عن اتفاقه هذا الذي يتمتع بنتائج تماثل تلك التي تترتب على الحكم المكتسب قوة القضية المقضية، وتمنع إعادة النظر في المسائل التي سوّاها وحسمها ما لم تنقضِ مهلة ثلاث سنوات. وليس له بعد ذلك نقضه إلا بالاستناد إلى الأسباب العامة التي تؤدي إلى إبطال عقد الصلح. وإن المصالحة لا تعد سارية المفعول إلا بعد إقرارها أمام المحكمة والتصديق عليها من قبلها.
وقد لا يتم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على تعديل بدل الإيجار؛ فيكون من حق كل واحد منهما اللجوء إلى القضاء طالباً تخمين العقار المأجور لإعادة تحديد بدل الإيجار عن طريق الدعوى التخمينية.
وقد قضى الاجتهاد أن الدعوى ســواء اقترنت بتصديق المصالحة أم بتقدير القيمة من قبل خبراء لا تخرج عن كونها دعوى لتحديد الأجرة بطريق تقدير القيمة، فلا يجوز بعدها سماع دعوى تحديد الأجرة إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ الادعاء السابق؛ لأن العبرة في ممارسة حق تخمين المأجور هي للمراجعة القضائية دون سواها. وهو ما يعبر عنه بالتخمين القانوني.
ثالثاً: شروط إقامة دعوى التخمين
لا تسمع دعوى التخمين إلا إذا تحققت الشروط الآتية:
1- وجود علاقة إيجارية بين الطرفين: إذ لا يجوز للمحكمة أن تحكم بالدعوى التخمينية قبل التحقق من هذه العلاقة بالطرق المقبولة قانوناً.
2- أن يكون البدل محدداً، وهو لقاء انتفاع المستأجر بالمأجور الذي يشغله.
3- ألا يكون المأجور مستثنى من التخمين: وأن يباشر الدعوى المؤجر أو المستأجر أو وكيل أحدهما أو المالك أو الشريك على الشيوع أو من يملك حق الإدارة. إذ يمكن أن تقام الدعوى من مؤجر غير مالك، كما يمكن إقامتها من مالك غير مؤجر إذا أقر بوجود العلاقة الإيجارية مع المستأجر، وفي حال وجود أكثر من مستأجر للمأجور فيجب أن تقام الدعوى على جميع المستأجرين لصحة الخصومة.
4- انقضاء المدة العقدية: أو انقضاء ثلاث ســنوات على بداية العقد أيهما أقل إذا كان المدعي هو المؤجر، ولا يوجد تخمين سابق. وتبدأ مدة ثلاث سنوات لتحديد الأجرة من تاريخ التعاقد أو من تاريخ الادعاء السابق عملاً بأحكام الفقرة /أ/ من المادة /12/ من القانون /6/ لعام 2001 في حين كانت سابقاً في القانون (111) لعام 1952 وتعديلاته خاصة القانون رقم /20/ لعام 2015. تبدأ هذه المدة من تاريخ الادعاء السابق فقط. وقد قضى الاجتهاد القضائي بأنه يحق للمؤجر الادعاء بالغبن بعد انقضاء ثلاث سنوات على مدة العقد؛ إذا كان معقوداً لأكثر من هذه المدة، وبعد انتهاء المدة العقدية إذا كان معقوداً لأقل من ثلاث سـنوات.
5- انقضاء ثلاث سنوات على التخمين السابق في حال وجوده. وتبدأ المدة من تاريخ الادعاء السابق، وليس من تاريخ الحكم إلا إذا تبين للقاضي وجود تحايل على القانون في ذلك الادعاء. وإن عدم جواز زيادة الأجرة قبل انقضاء ثلاث سنوات هو شرط قانوني، ويؤدي إلى إسقاط حق المدعي بالادعاء بالغبن خلال المـدة المحددة فيه، وهي ثلاث سـنوات، وهي المدة القانونية لكل دورة تخمينية. مع الإشارة إلى أن التأخر في فصل دعوى التخمين السابقة لا ينبغي أن ينال من حق المؤجر في إقامة دعوى تخمين جديدة إذا كان قد مضى على الادعاء السابق مدة ثلاث سنوات، بيد أنه يتوجب في مثل هذه الحالة تقرير وقف الدعوى إلى حين البت في الدعوى السابقة.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه إذا باع المستأجر المتجر أو المصنع مع الموجودات للغير فهل يحق للمؤجر تخمين المأجور بهذه الحالة؟ للجواب على ذلك لابد من التفريق بين حالتين: الحالة الأولى: إذا تنازل المستأجر عن المأجور مع جميع موجوداته إلى الغير، وأعلم المؤجر بذلك؛ فإنه من حق المؤجر أن يطلب تخمين العقار بمواجهة المستأجر. والحالة الثانية: إذا نظم للمستأجر الجديد المتنازل له عن المأجور عقد إيجار جديد مع المؤجر؛ فإن المؤجر بهذه الحالة لا يحق له أن يطلب تخمين العقار مباشرة، وإنما يحق له ذلك عند انتهاء مدة العقد الجديد المعقود ما بين المستأجر الجديد المشتري وبين المؤجر؛ لأنه تثبيت لخلفية البائع المستأجر القديم، وليس عقداً جديداً بالمعنى الكامل.
رابعاً: الفرق بين دعوى التخمين ودعوى أجر المثل
نصت المادة (530) مدني على أنه «إذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة أو على كيفية تقديرها، أو إذا تعذر إثبات مقدار الأجرة، وجب اعتبار أجر المثل».
وقد استقر الاجتهاد القضائي على أن دعوى أجر المثل إنما هي تعويض لمالك العقار عن إشغال العقار من قبل الغير دون عقد أو دون سبب مشروع، ولكن هذا لا يمنع من تحديد أجر المثل في حالة التأجير وعدم الاتفاق على مقدار الأجرة أو تعذر تقديرها وإثباتها.
ففي حال وضع اليد على العقار دون مسوغ مشروع فإنه لا يشترط وجود رابطة عقدية بين المؤجر والمستأجر، وإنما يشترط أن يكون هناك وضع يد غير مشروع على العقار، وعلى الأخير في هذه الحالة أن يدفع الأجرة المقررة بموجب تقرير الخبرة عن مدة إشغال العقار.
وفي حال عدم الاتفاق على الأجرة أو تعذر إثباتها -أي وجود رابطة إيجارية غير محددة البدل- يصار في هذه الحالة إلى تحديد بدل الإيجار عن طريق القضاء بادعاء يطالب فيه المالك بأجرة المأجور، ويشترط لذلك أن يكون هنالك عقد إيجار بين الطرفين أصولاً، وألا يوجد اتفاق بينهما على مقدار الأجرة أو كيفية تقديرها، وأن يتعذر إثبات الأجرة بينهما. وبذلك تختلف دعوى أجر المثل عن دعوى التخمين التي هي تقدير أجرة مأجور حين وقوع خلاف من بعد اتفاق بين طرفي العقد على مقدارها.
ويحدد القاضي أجر مثل العقار استناداً إلى تقرير الخبير المختص، ويغدو هذا التقدير أساساً للتعامل بين الطرفين عن سائر مدة الإيجار، ويمكن اعتماده في المطالبة بأجور فترات لاحقة للانتفاع كما يمكن اعتماده في توقيع الإخلاء عند التقصير في وفاء أجور هذه الفترات. وقد استقر اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض أن أجر المثل المحكوم به عن مدة سابقة لا يعد بمنزلة أجل مسمى عن مدة لاحقة إلا إذا استشفت المحكمة -من اتفاق الطرفين بصورة صريحة أو ضمنية- إقامة علاقتهما على أساس رضائهما بأجر المثل المقدر عن مدة سابقة واعتباره أجراً عن مدة لاحقة.
ويلاحظ أن أجر المثل عند عدم وجود الأجر المسمى يأخذ صفة الأجر، أما أجر المثل عند وضع اليد فيأخذ صفة التعويض، ويجب تقديره سنة فسنة. ولا يمكن اتخاذه أساساً للمطالبة بالأجور عن مدة لاحقة. وفي حال تحديد أجر المثل عند عدم وجود الأجر المسمى فإن هذا التحديد يعدّ أيضاً بمنزلة تخمين للعقار.
خامساً: العقارات الخاضعة للتخمين القضائي
يشمل التخمين القضائي جميع العقارات المؤجرة، سواء كانت عقارات بطبيعتها أم عقارات بالتخصيص، وسواء كانت تجارية أم صناعية أم سكنية، وسواء أكانت مستأجرة أم مملوكة من الدولة أو من المؤسسات العامة أو شركات القطاع العام أو المشترك أو الأوقاف أو الأفراد أو الجمعيات التعاونية أو الاجتماعية أو الرياضية أو النقابات إلا ما استثناه المشرع بنص خاص.
سادساً: الدعوى التخمينية وإجراءاتها
لقد نصت المادة /6/ من قانون الإيجارات رقم /6/ لعام 2001 والمادة (7) و/8/ من قانون الايجار رقم /20/ لعام 2015
من ذلك يتضح أن طلب التخمين يحتاج إلى ادعاء أمام قاضي الصلح المدني عملاً بأحكام الفقرة /أ/ من المادة /64/ من قانون أصول المحاكمات، وهذا الادعاء يكون عادة إما من المؤجر يطلب فيه تخمين العقار المأجـور لزيادة بدل إيجاره، وإما يكون هذا الادعاء من المســتأجر يطلب تخمين العقار وإنقاص الأجرة. وإن تحديد بدل الإيجار في دعاوى تحديد بدل الإيجار إنما يتم على أساس وجهة الاستعمال الفعلي يوم قيد الدعوى، دون أن يتعدى ذلك إلى شروط عقد الإيجار التي تبقى نافذة بين الطرفين، ويمكن تعديل بدل الإيجار إذا تغير وجه الاستعمال الفعلي.
ودعوى التخمين تقوم على ركنين أساسيين:
1- النسبة القانونية التي حددها المشرع وفقاً لطبيعة استعمال العقار: نصت الفقرة /ج/ من المادة الأولى من القانون ذي الرقم /6/ لعام 2001 وتعديلاته بالقانون رقم /20/ لعام 2015 على أن «تحدد أجور العقارات المعيّنة بالفقرة /ب/ من هذه المادة وفقاً للنسب الآتية من قيمة العقار المأجور بتاريخ الادعاء وذلك عن سنة ميلادية:
أ- (5) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة للسكن مضافاً إليها 20 بالمئة من قيمة الأثاث الداخل في عقد الإيجار.
ب- (6) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو من الدوائر الرسمية أو الوحدات الإدارية أو البلديات أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات أو المأجورة لمزاولة مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً.
ج- (7) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة للدوائر الرسمية لاستعمالها محاكم أو المأجورة للاستثمار التجاري أو الصناعي أو لمهنة حرفية.
د- (8) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة لاستعمالها مدارس».
2- قيمة المأجور: يحدد القاضي قيمة المأجور استناداً إلى تقرير الخبير أو الخبراء المختصين وفق الأسس الآتية:
أ- اختيار الخبراء وتعيينهم وتبديلهم والاعتراض عليهم: إن تسمية الخبراء تعود إلى الطرفين أولاً، ولا يتدخل القاضي في تلك التسمية إلا عند الامتناع أو الاختلاف، وهذا من النظام العام. فإذا اتفقوا على خبير واحد فليس للقاضي تعيين ثلاثة خبراء، وإن اتفقوا على ثلاثة خبراء فليس للقاضي الاعتراض عليهم أو على أحدهم أو الإصرار على تعيين واحد فقط. وإن اختيار المحكمة خبيراً من تلقاء نفسها قبل التحقق من عدم اتفاق الطرفين غير جائز. وإذا اختار كل طرف خبيره كان عليه أن يختاره من الخبراء الواردة أسماؤهم في جدول الخبراء الذي تصـدره وتعلنه وزارة العدل دورياً كل سنتين تطبيقاً لقانون الخبراء رقم (42) تاريخ 15/3/1979 المادة الثانية منه حيث نصت على أنه «يعمل بجدول الخبراء الاختصاصيين مدة سنتين بدءاً من تاريخ إعلانه في لوحة إعلانات وزارة العدل، ويجوز بقرار من وزير العدل بناءً على اقتراح لجنة الخبراء إعادة النظر فيه قبل بدء كل سنة لإضافة خبراء جدد إلى بعض أنواع الخبرة إذا اقتضت الضرورة ذلك». أما الخبير الثالث فللطرفين الاتفاق على اختياره دون التقيد بجــدول الخبراء وعلى القاضي إقرار ذلك، وإن تعيين القاضي لخبير غير مسجل بجدول الخبراء لا يعدّ مخالفاً للنظام العام إذا لم يعترض على تسميته أحد الخصوم، فإذا اعترضوا كان على القاضي التقيد بجدول الخبراء. وإن عدم تعيين المحكمة خبيرها بجلسة علنية يجعل إجراءات الخبرة باطلة؛ لأن إجراءات الخبرة من النظام العام. وإن اختيار أحد الطرفين خبيره السابق في الخبرة الأولى لا يجرح تقرير الخبرة الثانية. وإن اختيار أحد الطرفين لخبير سابق عاين العقار بصورة شـخصية، وأعطى رأيه بقيمته جائز، ولا يخالف القانون. والخبير كالشــاهد وبالتالي لا يجوز تعيين من لا تصلح شهادته وفق أحكام المادة (61) من قانون البينات كالوصي لليتيم والوكيل لموكله والشريك لشريكه والكفيل لمكفوله، ويتم تعيين الخبراء بقرار من المحكمة.
ويحق لكل طرف من أطراف الدعوى الاعتراض على تسمية الخبراء أو أحدهم، إما لعدم الكفاءة وإما لخصومات شخصية وإما لوجود مصلحة للخبير قد تؤثر في وجدانه في التقدير. فإن لم يستجب القاضي لذلك؛ كان من حق المعترض رد الخبير وفق أحكام المادة (176) وما بعدها من قانون أصول المحاكمات.
وإذا ترك الأطراف أمر تعيين الخبير أو الخبراء إلى المحكمة كان من حق القاضي إجراء التبديل، ويتم التبديل في مجلس الحكم، ولا يجوز أن يتم في أثناء الكشف إلا إذا وافق الطرفان على ذلك. وإذا حدد القاضي موعد الكشف، وتأخر الخبير عن الحضور، فإن كان خبيراً مسمى من المحكمة، وبُلِّغ أصولاً؛ جاز للقاضي تبديله قبل الكشف دون انتظاره الساعة القانونية، وإلا فلا يبدل إلا بموافقة الطـرف الذي عيّنه. وإذا تخلف خبير أحـد الطرفين دون عذر أو اعتذر، وقبل اعتذاره، وتمنع الطرف الذي عيّنه عن تبديله؛ كان من حق المحكمة اختيار أحد الخبراء بدلاً منه في مجلس الحكم، وللخبير أن يعتذر عن المهمة، ويطلب إعفاءه خلال خمسة أيام من صدور قرار تعيينه عملاً بأحكام المادة (145) من قانون البينات. ولا يجوز تبديل الخبير دون بيان السبب. وللمحكمة الحق باستبدال الخبراء الذين يتخلفون عن الحضور والكشف رغم تبلغهم أو تفهمهم الموعد أصولاً، ودون الرجوع لرأي أو رغبة الطرفين. وإن شطب اسم الخبير من قائمة الخبراء فيما بعد لا ينال من صحة خبرته التي قدمها قبل ذلك إن صح هذا الشـطب فعلاً.
ويجب على المحكمة تحليف الخبراء اليمين المنصوص عليها في المادة (144) من قانون البينات قبل تسلّمهم لمهمتهم تحت طائلة البطلان. وإذا كان الخبراء قد أدرجت أسماؤهم في جدول الخبراء فيكفي أن تذكرهم المحكمة باليمين التي سبق أن حلفوها عند إدراج اسمهم في الجدول دون حاجة إلى تحليفهم إياها مجدداً عند مباشرتهم أعمال الخبرة.
ب- الكشف على المأجور وتسليم الخبراء مهمتهم: لابد من أجل تقدير قيمة المأجور من معاينته من قبل المحكمة والخبير. فتقوم المحكمة بحضور الخبراء بالكشف على المأجور وتحديد مواصفاته ومشتملاته، ومن ثم يتوجب عليها تحديد المهمة الموكلة للخبراء بالتفصيل وفقاً لأحكام الفقرة /ج/ من المادة (140) من قانون البينات التي نصت على بيان المسائل التي يراد الاستعانة بخبرتهم فيها وما يرخص لهم في اتخاذه من التدابير العاجلة عند الاقتضاء، وأن تحصر مهمتهم بتقدير قيمة المأجور بتاريخ الادعاء.
ويسوغ للقاضي إجراء الكشف على العقار المأجور في غياب الخصم المتخلف عن الحضور دون حاجة إلى تبليغه موعد الكشف.
كما يتعين على المحكمة أن تبين للخبير جميع الاعتبارات التي تدخل في تقدير قيمة العقار المأجور وأن تبرزها له؛ ليكون تقديره للقيمة أقرب ما يمكن للصواب. وإن إهمال ذكر مشتملات المأجور في محضر الكشف والمعاينة يجعل الخبرة مشوبة بالغموض.
وإذا قرر القاضي إجراء معاينة المأجور، ثم شخُص إليه، ووجده مغلقاً؛ فعليه أن يتابع تنفيذ قراره في وقت لاحق لا أن يكلف الخبير بالعودة ثانية إليه ومعاينته منفرداً وتقديره؛ لأن القانون أوجب أن تتم المعاينة والكشف من قبل القاضي الذي ينظم محضراً بوصف المأجور مستعيناً بالخبير.
كما أنه ليس للخبير أن يعتمد في تقدير قيمة المأجور على العقار المجاور له بعد أن وجد المأجور موضوع الادعـاء مغلقاً، إذ لابد من إجراء الكشـف على العقار المدعى به ذاتـــه وتقديره.
بعد كل ذلك يوقع القاضي والخبراء وأطراف الدعوى على محضر الكشف. وإن امتناع أحد أطراف الدعوى عن توقيع محضر الكشف أو توقيعه مع التحفظ لا يؤثر في صحة هذا المحضر.
ج- تقرير الخبرة والأسـس التي يجب أن يعتمدها الخبراء في التقويم: بعد تسلّم الخبراء مهمتهم وتحليفهم اليمين القانونية عليهم أن يتصلوا بطرفي الدعوى لسـماع أقوالهم وملاحظاتهــم، وينظموا محضراً بذلك يوقع عليه الخصوم عملاً بأحكام المادة (150) من قانون البينات. وقد قضى الاجتهاد بأنه يتوجب على الخبير دعوة الطرفين عند إجرائه الخبرة، وإن عدم دعوة الخبير لأطراف الخصومة للاستيضاح منهم عن بعض الأمور الغامضة يعدّ إخلالاً بحق الدفاع موجباً للنقض. بيد أن اجتهاد محكمة النقض قد استقر أنه لا محل للتقيد بالإجراءات المتعلقة بالخبرة والمنصوص عليها في قانون البينات في مجال تحديد أجور العقارات باعتبار أن قانون الإيجار هو قانون استثنائي، وقد عالج هذه النواحي. ووفقاً لذلك فإن للخبراء أن يقدموا تقريرهم فوراً على ضبط الكشف كما أن لهم أن يستمهلوا لتقديم تقرير مفصل بالنتيجة.
ويجب على الخبراء عند التقويم مراعاة الأسس الآتية:
(1) يجب أن يوزعوا قيمة الأرض على عدد الطوابق المسموح ببنائها حسب الأنظمة حتى لو كان المأجور عرصة أو داراً عربية.
(2) اعتبار القيمة الفعلية للعقار، ويدخل في الاعتبارات المؤثرة في التخمين وتقدير القيمة الشرائية للمأجور موقع العقار ومسـاحته ومشـتملاته وطراز بنائه والمواد المبني عليها وتوزيعه الطابقي ودرجة الانتفاع به إذا كانت مؤثرة في قيمته الشرائية إلى جانب الاعتبارات الأخرى التي تقدرها محكمة الموضوع. وتتخذ قيمة المأجور الشرائية أساساً لتحديد البدل، دون الالتفات لإمكانية استفادة المستأجر من هذا المأجور أو احتمال زيادة الاستفادة منه، فيما لو قام المؤجر ببناء طوابق على أرض العقار، ما دام المستأجر رضي بتسلّم المأجور بحالته الراهنة.
(3) مراعاة كون العقار مؤجراً، وهذا يعني إنزال المبلغ المعادل للفروغ من القيمة الإجمالية للعقار؛ لأن الفروغ من حق المستأجر وثمن لجهده ونشاطه وسمعته واســمه التجاري وزبائنه في المحلات التجارية فقط.
(4) عدم إدخال الإصلاحات والتحسينات التي يجريها المستأجر من ماله الخاص في المأجور بالتقدير حتى لو تبرع بها للمالك. والمحكمة هي التي تحدد التحسينات الجارية من قبل المسـتأجر في حال وجودها، وتكلف الخبير بتنزيل قيمتها من أصل القيمة المقدرة بعد الإثبات، مع مراعاة أن التحسينات التي يجريها المستأجر السابق على المأجور المخصص بغرض تجاري أو صناعي تدخل في تقدير قيمة العقار في معرض تخمين أجرته بمواجهة المستأجر اللاحق بصفته مشترياً ذلك المتجر أو المصنع إذا كانت تتعلق بالبناء بحيث لا تنفصل عنه كتغيير الدرج أو البلاط إلى نوع أفضل، أما إذا كانت من النوع الذي يمكن فصله عن العقار كالخزائن والسقيفة و«الفترينات» وغير ذلك فلا تدخل في التقدير.
(5) مراعاة مساحة العقار وطراز بنائه وموقعه والمواد المبني عليها. وإن المساحة التي يؤخذ بها في القضايا المتعلقة بتحديد بدل المأجور هي المساحة التي تظهر نتيجة القياس الذي يجريه الخبراء في الخبرة التي تجري بإشراف المحكمة المختصة، وليست المساحة المدونة في البيان المساحي الصادر عن مديرية المساحة، باعتبار أن المساحة المدونة في هذا البيان هي مساحة تقريبية إضافة إلى أنها قد تكون مؤقتة.
(6) تحديد القيمة بتاريخ الادعاء، وإن خلو تقرير الخبرة من بيان أن التقدير كان بتاريخ الادعاء لا يبطـل الخبرة؛ لأنه لا يعـدو أن يكون غموضاً يمكن تداركه بسـؤال الخبير عنه. وبالتالي فإن الحكم الصادر بتعديل الأجرة في دعوى التخمين ينفذ بتعديل الأجرة من تاريخ رفع الدعوى وفقاً للقاعدة العامة؛ لأن الأحكام في الأصل كاشفة لا مقررة. مع التنويه أن رفع الدعوى لا يعفي المستأجر من الاستمرار في دفع الأجرة المستحقة عليه إلى أن يحكم بتعديلها، وبعد صدور الحكم تسري الأجرة المعدلة، وتصفى الحقوق على أساسها ابتداء من تاريخ رفع الدعوى بالتعديل.
(7) إدخال جميع مشتملات العقار وملحقاته في التقدير. وعلى الخبراء أن يذكروا في تقريرهم أنهم أخذوا تلك العوامل جميعاً بالحسبان، وإلا كان التقرير ناقصاً. وتكفي الإشارة في تقريرهم إلى أنهم قد راعوا جميع العوامل الداخلة في التقويم عند التقدير.
د- الطعن في تقرير الخبرة وحرية القاضي في الأخذ به: يحق لأطراف الدعوى الطعن في تقرير الخبرة وبيان ملاحظاتهم حوله. ولا يكون لملاحظاتهم اعتبار إلا إذا كانت تتعلق بنقص موضوعي أو غموض في تقرير الخبرة أو بطلان في إجراءاتها.
والخبرة في قضايا الإيجارات ليست للاستئناس، وإنما هي ملزمة للقاضي متى جاءت مستكملة لإجراءاتها وشروطها، ولا يملك القاضي إعادتها ولو لم يقتنع بصحتها؛ لأن القاضي ليس بخبير. ولا يملك القاضي إعادة الخبـرة إلا لنقص فيها أو غموض أو بطلان في إجراءاتها. وعند وجود النقص أو الغموض يتوجب عليه دعوة الخبراء للإيضاح منهم قبل تقرير إعادتها. وفي حال اختلاف الخبراء بآرائهم كأن يتقدم كل من الخبراء الثلاثة برأي يختلف عن رأي الآخر، أو يتقدم أكثرية الخبراء برأي، وينفرد الخبير الآخر برأي مخالف؛ فإن من حق القاضي أن يأخذ بالرأي المولد لقناعته واعتماده في الحكم دون الآراء الأخرى، شريطة أن يعلل تعليلاً كافياً أخذه بهذا الرأي دون الآخر، لتتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على الحكم. وعلى هذا استقر اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض على أنه يجوز للمحكمة عدم التقيد برأي الخبير على أن تبين الأســباب التي أوجبت إهماله، كأن تأخذ بخبرة خبير واحد، وتهمل تقرير ثلاثة خبراء.
وكذلك فإن حرية القاضي في التقدير لا تبيح له الأخذ بالحد الوسط بين الرقم المحدد من قبل أكثرية الخبراء والرقم المعيّن من قبل الخبير المخالف؛ لأن هذا التقدير يكون مستنداً إلى علم القاضي الشخصي.
وإذا كان الاختلاف في التقدير كبيراً بين أكثرية الخبراء والخبير المخالف وجب دعوتهم جميعاً للإيضاح قبل الحكم. وإذا جرى الاستيضاح من الخبراء حول التفاوت الكبير فيما بينهم في التقدير، كان للمحكمة الأخذ بالرأي الذي تراه والذي أبداه فريق الأكثرية أو الخبير الثالث المخالف. مع التنويه أن التفاوت بين أكثرية الخبراء والأقلية لا يوجب بحد ذاته إعادة الخبرة ما لم يكن مدعماً بأدلة تؤدي على الأقل إلى الشك في صحة التقدير. وإذا رأت المحكمة عيباً في الخبرة الثانية؛ فلا يحق لها العودة إلى الخبرة الأولى والأخذ بها، ولابد لها من إجراء خبرة جديدة. ويجوز للمحكمة عدم التقيد برأي الخبير على أن تبين الأسباب التي أوجبت إهماله، كأن تأخذ بخبرة خبير واحد، وتهمل تقرير الخبيرين.
هـ- الحكم بتحديد الأجرة وأثره في المدعي والمتدخل والشركاء: تسري الأجرة الجديدة المحددة في قرار التخمين بدءاً من تاريخ الادعاء. وإذا شطبت الدعوى وجددت؛ فإن الأجرة الجديدة تسري من تاريخ التجديد. وفي حال تصحيح الخصومة في أثناء سير الدعوى فإن التخمين يبدأ من تاريخ التصحيح لا من تاريخ الادعاء الأصلي. وإذا طلب التخمين بطلب عارض تبدأ الأجرة من تاريخ الطلب. أما إذا كان هناك ادعاء بالتقابل فإن ذلك الادعاء ينسحب أثره إلى تاريخ الادعاء الأصلي، ويتوجب على القاضي أن يبين في حكمه تاريخ بدء سريان الأجرة الجديدة، وإلا كان قراره معرضاً للنقض. وقضى الاجتهاد القضائي أنه في العقارات المشتركة يسري الحكم بتحديد الأجرة الصادرة في مواجهة بعض الشركاء المؤجرين أو المستأجرين الذين يملكون أغلبية الحصص على الباقين؛ ما لم يثبت أن الحكم مبني على غش أو حيلة. وإن عدم ملكية غالبية السهام في العقار يمنع تخمين كامل العقار. وإن بقاء المأجور مسجلاً باسم مورث المدعيين في السجل العقاري يستدعي إبراز حصر إرث يبين مقدار حصتهما الإرثية لمعرفة مقدار نصيبهما الإرثي في المأجور؛ وبالتالي معرفة ما إذا كانا يملكان غالبية السهام.
و- توزيع الرسوم والمصاريف في دعوى التخمين: بحسب نص الفقرة /د/ من المادة السادسة من قانون الإيجار رقم /6/ لعام 2001 وتعديلاته من القانون رقم /20/ لعام 2015 فإن مصاريف الدعوى تقع على عاتق المدعى عليه في الدعوى الذي خسر الدعوى، وجرى إلزامه بمطالب المدعي المحقة؛ أي إذا ظهر أن الغبن كان جسيماً. أما إذا ظهر للمحكمة أن الغبن ليس بجسيم أو تأكدت أن المدعي في الدعوى الذي طلب إزالة الغبن قد تسبب في إنفاق مصاريف لا فائدة منها، ففي هذه الحالة ترك المشرع للقاضي الذي ينظر في دعوى التخمين أن يوزع هذه المصاريف بين الطرفين المدعي والمدعى عليه بحسب ما تقتضيه قواعد العدالة والإنصاف ووفق الوقائع التي تقتنع بها المحكمة لهذه الجهة.
عوارض المحاكمة في قضايا التخمين
في أثناء سير الدعوى التخمينية قد تحدث عدة عوارض كأن يتوفى أحد المدعين المالكين على الشيوع، فقرر الاجتهاد القضائي أن وفاة أحد المالكين على الشيوع لعقار في أثناء النظر بدعوى تخمينية لا يوجب قطع الخصومة؛ لأنه بالإمكان السير بالدعوى لجهة حصص بقية المالكين المدعين. أو أن تكون الخصومة فيها ابتداءً غير صحيحة، ومن ثم تصحح الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولى بطلب أحد الخصوم، ففي هذه الحالة كما سبق بيانه إذا صححت الخصومة؛ فإن التخمين يسري من تاريخ التصحيح لا من تاريخ الادعاء الأصلي. أو أن يتنازل المدعي المستأجر عن دعواه بطلب التخمين ورفض المدعى عليه المؤجر هذا التنازل. ففي هذه الحالة قرر الاجتهاد القضائي أنه ينبغي لكي يحكم بتعديل البدل على ضوء تقرير الخبرة أن يكون لدى المحكمة ادعاء من قبل المؤجر بالغبن؛ لأن الادعاء مرتكز على الغبن، وفي حال انتفائه وعدم قبول التنازل يصار إلى رد الدعوى. وكذلك إذا ثبت للخصم بعد الخبرة في دعوى التخمين أنه هو المغبون وليس المدعي؛ فله أن يرفع الدعوى المتقابلة لإزالة الغبن عنه بدءاً من تاريخها حتى لو تقدم بها بعد إجراء الخبرة، ولا يحد من حقه في هذا الخصوص تنازل خصمه المدعي عن الدعوى الأصلية ما لم يقترن هذا التنازل بموافقته. وكذلك أيضاً إن استيفاء الأجور عن مدة لاحقة للمدة المتعاقد عليها أو المدفوع أجورها عند التعاقد لا يعدّ تجديداً لهذه المدة الأخيرة، وإنما هو تجديد بمفعول القانون يخوله استعمال حق التخمين ولو عن مدة مدفوع أجورها واقعة بعد تاريخ الادعاء بالتخمين.