منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى الفقهي > مقالات قانونية منوعة

إضافة رد
المشاهدات 40557 التعليقات 0
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-02-2011, 08:17 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سامر تركاوي
عضو مساهم

الصورة الرمزية سامر تركاوي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


سامر تركاوي غير متواجد حالياً


Mmyz مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة

مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة


الملخص
تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على مسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية غير المشروعة، وذلك من خلال استعراض أوجه عدم المشروعية في القرار الإداري كأساس للحكم بالتعويض، حيث أن القضاء الإداري لا يحكم بالتعويض عن القرارات الإدارية السليمة، وهو لا يحكم بالتعويض إلا إذا كان القرار الإداري الذي كان سبباً في الضرر غير مشروع، أي معيب بأحد أوجه عدم المشروعية المعروفة والمتمثلة بعيب : الشكل، عدم الاختصاص، مخالفة القوانين أو اللوائح، أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها وإساءة استعمال السلطة.
وباستعراض أوجه عدم المشروعية هذه يتبين أنها ليست على درجة واحدة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي والسوري، وأنها قد تجعل القرار الإداري غير المشروع قابلاً للطعن بالإلغاء، إلا أنها في مجال التعويض قد لا تكون سبباً كافياً لتوليد مسؤولية الإدارة، وفي هذا يكمن اختلاف قضاء الإلغاء عن قضاء التعويض.
كما أن مسؤولية الإدارة كما تقوم على أساس الخطأ في فرنسا وسورية، فهي تقوم كذلك في فرنسا على أساس المخاطر أو تحمل التبعة أو بدون خطأ، وأن القضاء الإداري السوري رغم أنه لم يتبنى نظرية المخاطر، علماً أنه كان قد اتخذ خطوة جريئة في عام 1988 وقبوله تعويض الأفراد المتضررين من تصرف الإدارة المشروع في قضية بحيرة نبع بردى، فإن الدعوة تكون مفتوحة فقهاً وقضاءً لتبني هذه المسؤولية، وذلك في الحالات التي لا تسعف فيها مسؤولية الإدارة القائمة على أساس الخطأ عن استيعاب حالات وفروض المسؤولية بدون خطأ، وبصورة خاصة في مجال مسؤولية الإدارة عن أعمالها المشروعة وعن عدم تنفيذ الأحكام القضائية، أو في الحالات التي يكون فيها تطبيق قواعد المسؤولية القائمة على الخطأ يتعارض مع مبادئ العدالة التي هي الهدف الأسمى لكل قاعدة قانونية.



مقدمة
العمل القانوني هو النشاط الذي تقوم به الإدارة، وتقصد من ورائه إحداث أثر قانوني معين على المراكز القانونية القائمة، بتعديلها أو إلغائها أو إنشاء مراكز قانونية جديدة سواء كانت عامة أم خاصة.
وهذه الأعمال تأخذ إما صورة القرار الإداري كنتيجة لإرادة الإدارة المنفردة، أو صورة العقد الإداري، كنتيجة اتفاق بين إرادتين، إرادة الإدارة من جهة، وإرادة الطرف الآخر من جهة ثانية.
وإذا كانت مسؤولية الإدارة تنصب على كلا النوعين من هذه الأعمال القانونية، فهي تتبدى في القرارات الإدارية الفردية أكثر منها في اللوائح والأنظمة، لأن هذه الأخيرة تتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة، ولا ينال الأفراد منها ضرراً بطريق مباشر، وإنما يكون مرجع الضرر إلى القرار الإداري الصادر تنفيذاً للائحة غير مشروعة أو معيبة.
كما أن مقتضيات مبدأ المشروعية القانونية الذي يحكم سلطات الدولة، في حال إتيان الإدارة عملاً قانونياً معيباً، أي غير مشروع، هو التعويض. وجزاء التعويض غالباً ما يلحق القرار الإداري المعيب.
على أن مجلس الدولة السوري لا يختص بدعاوى المسؤولية ما لم يكن موضوعها قراراً إدارياً، ومما يدخل في ولايته طبقاً لحكم القانون، وأن يكون الضرر قد ترتب مباشرة على القرار.
من جهة ثانية، فإن ولاية التعويض المقررة لمجلس الدولة مازالت محدودة، فهي تدور من حيث موضوعها مع ولاية الإلغاء، وأن القضاء الإداري لا يحكم بالتعويض إلا إذا كان القرار الإداري الذي كان سبباً في الضرر، غير مشروع أي معيب بأحد عيوب عدم المشروعية.
كما أن القضاء لا يقضي بمسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية أو التعويض عنها، إذا كانت سليمة.
وبناءً على هذه المبادئ العامة في مسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية، سنتناول معالجة هذا الموضوع، وفقاً للخطة التالية:
المبحث الأول: مبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية السليمة.
المبحث الثاني: مبدأ مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة.

وندرس في هذا المبحث:
أولاً- حالات التلازم بين مبدأ مسؤولية الإدارة وأوجه عدم مشروعية القرار الإداري.
وفيه:
1- عيب عدم مشروعية الغاية أو الانحراف بالسلطة.
2- عيب عدم مشروعية المحل " مخالفة القانون".
ثانياً- حالات عدم التلازم بين مسؤولية الإدارة وأوجه عدم المشروعية الأخرى للقرار الإداري.
وفيه:
1- عيب عدم مشروعية السبب.
2- عيب عدم الاختصاص.
3- عيب الشكل.
الخاتمة والتوصيات.

المبحث الأول: مبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية السليمة
يتمثل المبدأ العام في عدم مسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية المشروعة، أي السليمة المبرأة من عيوب عدم المشروعية، وأن مسؤولية الإدارة لا تقوم إلا على أساس وجود قرار إداري غير مشروع.
ومفاد ذلك باتفاق الفقه والقضاء الإداري أن لا مسؤولية عن القرارات الإدارية السليمة، وأن مناط اختصاص القضاء الإداري هو وجود قرار إداري.
وعلى هذا، سنتناول بالبحث هاتين الفقرتين.
أولاً- مناط اختصاص القضاء الإداري وجود قرار إداري
وفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة السوري رقم / 55/ لعام / 1959 / ينعقد الاختصاص في التعويض عن القرارات الإدارية المعيبة للقضاء الإداري. فالمادة التاسعة من قانون المجلس نصت على أن " يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة ( أي المادة 8 من أولاً حتى تاسعاً) إذا رفعت إليه بصورة أصلية أو تبعية". وقد اشترطت المادة 8 في طلبات الإلغاء عن القرارات الإدارية " أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح، أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها وإساءة استعمال السلطة".
ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح.
وعلى هذا فقد جعل المشرع مناط مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة والتي تسبب أضراراً للغير هو وقوع عيب في القرارات المنصوص عليها قانوناً. فإذا انتفى هذا العيب فلا مسؤولية على الإدارة مهما ترتب على القرار من أثر أضر بالأفراد.
ولكن حتى يختص القضاء الإداري بقضاء المسؤولية عن القرارات الإدارية المعيبة، يجب أن يترتب الضرر على قرار إداري بمعناه الفني المتفق عليه فقهاً وقضاء، وأن يكون من ضمن القرارات التي تدخل في اختصاص القضاء الإداري بهيئة قضاء إداري.
ففي الفقه، ومع تعدد التعريفات للقرار الإداري، يعرف الفقيه فالين ( Waline القرار الإداري بأنه : " التصرف الحقوقي الذي يصدر عن الإدارة المختصة بصفتها سلطة عامة وحيد الطرف، وعلى أن يحدث بحد ذاته آثار حقوقية ".
أما العميد هوريو Hauriou فقد عرف القرار الإداري بانه: " تصريح وحيد الطرف عن الإرادة صادر عن السلطة الإدارية المختصة بصيغة النفاذ وبقصد إحداث أثر حقوقي" ([1] ).
ويعرف القضاء الإداري السوري، القرار الإداري بأنه: " إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناءً على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح حين تتجه إرادتها إلى إنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً وبباعث من المصلحة العامة التي يبتغيها القانون " ([2] ).
على أن القرار الإداري إذا كان مناط اختصاص القضاء الإداري من جهة، هو في نفس الوقت مناط مسؤولية الإدارة عن القرارات الصادرة عنها، ولكن المعيبة بأحد عيوب عدم المشروعية المعروفة " عيب عدم الاختصاص – عيب الشكل – مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها - وإساءة استعمال السلطة".
والتعويض عن القرار الإداري المعيب قد يكون عن طريق دعوى التعويض التي ترفع مع دعوى الإلغاء في قضية واحدة، وقد يكون عن طريق رفع دعوى الإلغاء والتعويض استقلالاً. حيث أنه وبصورة عملية لا يوجد تلازم بينهما، إذ قد ينقضي ميعاد رفع دعوى الإلغاء فلا يبقى أمام المضرور سوى طريق دعوى التعويض.
ولكن نظراً لخطورة النتائج التي تترتب على الإلغاء، فقد قيد المشرع دعوى الإلغاء بميعاد قصير، حدده بستين يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن فيه " العلم اليقين "، المادة ( 22) من قانون مجلس الدولة لعام / 1959 /.
وهذا الميعاد كما هو صريح المادة ( 22 ) من قانون مجلس الدولة يقتصر على دعاوى الإلغاء، وأن طلبات التعويض لا تسقط، إلا بمدد التقادم العادية.
وفي هذا الخصوص تقول محكمة القضاء الإداري السورية: " أن إصدار الإدارة قراراً بتعديل قرار سابق لها، وتسوية وضع الموظف قد يفتح مجدداً باب المهل المقررة قانوناً، للطعن بالقرار الجديد"، وهذه المدة محددة بستين يوماً لإقامة الدعوى بعد رفض الإدارة التظلم ( [3]).
كما أن اجتهاد القضاء الإداري مستقر على اعتبار دعاوى الترفيع من قبيل دعاوى الإلغاء التي يخضع قبولها إلى شرط رفعها ضمن الميعاد القانوني المحدد في المادة " 22 " من قانون مجلس الدولة، وأن تكرار طلبات الترفيع بعد فوات ميعاد الطعن بقرار الإدارة الضمني برفض الطلب الأول، لا يفتح مجدداً موعداً للطعن، بعد أن سقط هذا الموعد منذ أن انقضت فترة إقامة الدعوى([4] ). وذلك حرصاً على استقرار الأوضاع القانونية التي مضى عليها هذا الردح من الزمن، وتفادياً من زعزعة المراكز القانونية التي ترتبت خلال تلك الحقبة.
وعليه، فالقرينة القانونية قاطعة الدلالة على وجوب تقديم دعوى الإلغاء خلال ستين يوماً من تاريخ نشر القرار، أو إعلان صاحب الشأن به. والحكمة في ذلك هي الحفاظ على استقرار القرارات الإدارية من جهة بأن لا تكون معرضة للإلغاء وقتاً طويلاً، لأن طلب التعويض مشروط بحلول الضرر من جراء القرار الإداري، وهذا الضرر لا يترتب في الواقع إلا على تنفيذ القرار الإداري.
لذلك لو أن ميعاد الستين يوماً كما أوضح د. الطماوي يسري على طلب التعويض لكان مقتضى هذا أن يلزم رفعه حتى لو لم يحل الضرر بصاحب الشأن، وهذا ما تأباه البداهة القانونية ([5] ).
أما دعوى التعويض التي ورد النص بشأنها، كما ذكرنا في المادة " 9 " من قانون مجلس الدولة السوري فقد نصت على أن " يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت إليه بصورة أصلية أو تبعية ".
ومفاد ذلك أن هذه الدعوى غير محددة بميعاد لرفعها، وهي تخضع لقواعد التقادم العادية.
مع ذلك، هناك صورة نواجهها في القرارات الإدارية وهي التي تنص بشكل أو بآخر على اعتبارها مبرمة وغير خاضعة للطعن بأي طريق من طرق الطعن.
وبدون مناقشة دستورية ومشروعية هذا التقليد، فإنه يتبادر إلى الذهن فوراً أن إغلاق طرق الطعن بالإلغاء في هذه القرارات لا يوصد الباب بالطعن فيها بطريق التعويض، حيث يبقى هذا الطريق هو الطريق الوحيد لجبر الضرر الذي تحدثه أمثال هذه القرارات.
وهذا ما يمكن تصوره أيضاً بالنسبة للقرارات التي تصدر معيبة، وينال الأفراد منها الضرر من جراء تنفيذها " كقرار بهدم منزل، أو منع مواطن من السفر، أو القبض عليه"، ففي هذه الصور من المؤكد أن إلغاء القرار الإداري يصبح غير ذي موضوع، وأن دعوى التعويض تصبح هي البديل المتعين لدعوى الإلغاء.
ودعوى التعويض عن القرارات الإدارية المعيبة التي تهمنا، يمكن أن ترفع من الدولة على الأفراد أو العكس، وذلك كما لو أقامت الدولة الدعوى برد غير المستحق، أي باسترداد مبلغ دفع لأحد المواطنين بدون حق، أو كمعاش بدون وجه حق.
أو في قضايا العقود الإدارية التي ترفعها الدولة ضد الأفراد.
والقضاء الإداري في طلبات التعويض يكون مختصاً متى كانت الدعوى مؤسسة على قرار إداري مشوب بعيب عدم المشروعية، وأياً كان المدعى عليه سواء الإدارة أم الأفراد.
واختصاص القضاء الإداري في طلبات الإلغاء والتعويض إذا كان منوطاً بوجود قرار إداري، فهذا لا يعني أن اختصاصه عام ومطلق، بل هو مختص فقط بالنظر في القرارات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة .
واجتهاد مجلس الدولة السوري مضطرد في هذا الخصوص.
فمن القرارات التي لا يختص بها مجلس الدولة السوري وفق اجتهاده، القرارات التالية:
- قرارات النقل ليست من بين القرارات التي تختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغائها بحسب الاختصاص الذي حدد لها في قانون مجلس الدولة، ومن ثم تخرج هذه القرارات عن اختصاص المحكمة إلا أن تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما تختص المحكمة أصلاً بنظره ([6] )، أي ما لم تكن منطوية على عقوبة تأديبية.
- قرار رفض طلب الموظف إجازة دراسية بدون راتب لمدة سنة.
- طلب إلغاء القرار الصادر بإلغاء ترشيح أحد المعيدين لإحدى البعثات، لأن هذا القرار لا ينطوي على تعيين أو ترقية.
- رفض طلب إعارة أحد الموظفين للعمل في دولة أجنبية.
- القرارات المتعلقة بإنشاء درجات أو بتخصيص جزء من اعتماد إجمالي يدرج في الميزانية لرفع الدرجات الوظيفية ( [7]).
- امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار باعتبار موٌرث المدعية مستفيداً من إلغاء قرار تسريحه لا يشكل قراراً داخلاً ضمن اختصاص القضاء الإداري ( [8]).
- المنازعات المتعلقة بمرتبات المستخدمين، المادة ( 63/ ف.ب من القانون المدني السوري)، حيث ينعقد الاختصاص فيها لمحاكم الصلح. وقد أصل مجلس الدولة هذا الاختصاص بقوله أنه " إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من قانون مجلس الدولة قد نصت على أنه : " يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح " فإن ذلك لا يعني جعل اختصاص مجلس الدولة في دعاوى الإلغاء شاملاً كل رفض أو امتناع من جانب الإدارة أياً كان موضوعه، بل إن هذا الاختصاص محدد كما هو معلوم بالبنود الواردة في المادة(8) المذكورة، وهو بالنسبة لطعون الوظيفة يقتصر على ما ورد في البنود( 3 – 4 – 5 ) وليس فيها امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي ([9] ).
على أن السياسة الحكيمة لمجلس الدولة السوري، تجلت في تبني التفسير الموسع للفقرات الواردة في المادة ( 8 ) من قانونه، والمتعلقة بطعون الموظفين، حيث حاول سد ثغرة بقاء الموظفين إزاء بعض القرارات بدون حماية، فمد اختصاصه إلى القرارات التأديبية إذا كانت تحمل في طياتها "جزاء أو عقوبة تأديبية مقنعة"، وتوسع كذلك في تفسيره لقرارات النقل – الإحالة على المعاش – الاستيداع – الفصل عن غير الطريق التأديبي.
ولكن على الرغم من هذا التأصيل لاختصاص مجلس الدولة في نظر القرارات الإدارية بهيئة قضاء إداري، فإن المادة ( 85) من قانون الموظفين الأساسي رقم ( 135 ) لعام / 1945 / التي تنص على صرف الموظف بمرسوم من مجلس الوزراء دون ذكر الأسباب التي دعت إلى هذا الصرف، تشكل ثغرة خطيرة في نطاق الشرعية القانونية، وتشكل سلاحاً خطيراً، ضد أمن واستقرار موظفي وعمال الإدارات العامة، سيما وأن هذه القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء لا تخضع لرقابة القضاء.. ، أو كما تقول المحكمة الإدارية العليا أن : الصرف من الخدمة هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة بلا معقب عليها من القضاء ما دامت خالية من عيب إساءة استعمال السلطة، وأنه يحق للسيد رئيس مجلس الوزراء الصرف من الخدمة لأسباب يعود إليه تقديرها، ولا تستوجب الإفصاح عنها( [10]).
على كل حال، مهما يكن من أمر هذه المادة، فإن القرار الإداري المعيب هو مناط اختصاص القضاء الإداري في دعوى التعويض، وأن مجلس الدولة لا يختص بدعوى المسؤولية ما لم يكن موضوعها قراراً إدارياً، ومما يدخل في ولايته طبقاً لحكم القانون، وأن يكون الضرر مترتباً مباشرة على القرار الإداري.
ويترتب على هذا :


ثانياً: لا تعويض عن القرارات الإدارية السليمة
المبدأ العام الذي استقر عليه القضاء الإداري سواء في مصر أم في سوريا، أنه لا يقضي بمسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية أو التعويض عنها إذا كانت سليمة. وقد اضطردت أحكام المحكمة الإدارية العليا لتقرير التعويض أن يكون القرار غير المشروع مشوب بأحد عيوب عدم المشروعية المعروفة وهي " عيب عدم الاختصاص، عيب الشكل، عيب مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها، عيب إساءة استعمال السلطة"، وأن الإدارة لا تسأل عن نتائج القرار الإداري إذا كان سليماً، ومهما بلغت جسامة الضرر المترتبة عليه، وذلك لانتفاء ركن الخطأ، إذ لا مندوحة من أن يتحمل الأفراد نشاط الإدارة المشروع، أي المطابق للقانون([11] ).
وأحكام القضاء الإداري تؤكد أيضاً أن المناط في مساءلة الحكومة بالتعويض عن القرار الإداري هو قيام خطأ في جانبها، وذلك بأن يكون القرار الإداري غير مشروع، وأن يترتب على القرار الضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر([12] ).
وتؤكد المحكمة الإدارية العليا السورية أنه: "إذا كان المناط في مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية هو الخطأ الذي يتمثل في إصدار قرار إداري غير مشروع، فإن القرار المطابق للقانون، والمقصود به تحقيق مصلحة عامة وغير مشوب بسوء استعمال السلطة، لا يجوز مساءلة الإدارة عن الأضرار التي تنتج عنه" ([13] ).
على ضوء هذه الاجتهادات يتبين أن عدم مشروعية القرار الإداري هي أساس الحكم بالتعويض عما يحدثه من أضرار. وأن القرار الإداري السليم لا يولد هذا الحق في التعويض وفقاً لمذهب القضاء الإداري الذي يشترط الارتباط الوثيق بين عدم المشروعية، وبين مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية([14] ).

المبحث الثاني: مبدأ مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية غير المشروعة
إذا كانت القرارات الإدارية السليمة لا تنشئ الحق في التعويض، فإن القرار الإداري غير المشروع وبمفهوم المخالفة هو أساس الحكم بالتعويض.
وبمقتضى هذا الارتباط بين هاتين القاعدتين، يتبين لنا مدى الارتباط بين الإلغاء والتعويض إذا طلبا في دعوى واحدة، حيث إذا رفض طلب الإلغاء، توجب رفض طلب التعويض، وأن العكس صحيح، أي إذا قبل طلب الإلغاء، قبل طلب التعويض.
على أن مثل هذا الأمر لا يصدق إلا في حال رفع دعوى الإلغاء والتعويض معاً، أو أن يسبق طلب الإلغاء طلب التعويض.
أما إذا رفعت دعوى التعويض بصورة مستقلة، فإن وجه عدم مشروعية القرار يتم فحصه أولاً، حتى إذا ما ثبت عدم مشروعيته قضي بالتعويض.
على أن أوجه عدم المشروعية في القرارات الإدارية والمتمثلة في :
1- عيب مخالفة الشكل .
2- عيب عدم الاختصاص .
3- عيب عدم صحة السبب .
4- عيب محل القرار .
5- عيب مخالفة الغاية أو عيب الانحراف بالسلطة،
ليست على درجة واحدة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي أو السوري أو المصري من جهة، ومن جهة ثانية فهي قد تجعل القرار الإداري غير المشروع قابلاً للطعن بالإلغاء، أما في مجال قضاء التعويض فهي قد لا تعتبر سبباً كافياً لتوليد المسؤولية، وفي هذا يكمن اختلاف قضاء الإلغاء عن قضاء التعويض. فمجلس الدولة قد يقضي بإلغاء القرار نتيجة عيب من عيوب عدم المشروعية، ولكنه مع ذلك لا يقضي بأحقية المدعي بالتعويض.
ومن استعراض أحكام القضاء في هذا الخصوص نجد أن بعض أوجه عدم المشروعية في اجتهاد القضاء الإداري هي دائماً مصدراً للمسؤولية كما في عيبي عدم مشروعية الغاية أو الانحراف بالسلطة وفي عدم مشروعية المحل.
أما العيوب الأخرى وهي: عيب الشكل، عدم الاختصاص، عدم صحة السبب، فهي ليست كذلك مصدراً دائماً للمسؤولية.
وعلى هذا، لما كانت نظرية مسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية غير المشروعة من صنع مجلس الدولة الفرنسي، ويبدو أن المعيار المعتمد في هذا التمييز هو جسامة الخطأ الذي يحتوي عليه كل عيب من عيوب عدم المشروعية، فإننا نقترح أن نتناول هذا التلازم بين مسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية وبين أوجه عدم المشروعية التي تصيب القرار الإداري في المطلبين التاليين :
المطلب الأول: حالات التلازم بين مسؤولية الإدارة وعدم المشروعية في القرار الإداري
وهذه الحالات هي:
1- عيب عدم مشروعية الغاية أو الانحراف بالسلطة.
2- عيب عدم مشروعية المحل " مخالفة القانون ".
المطلب الثاني: حالات عدم التلازم بين مسؤولية الإدارة وأوجه عدم المشروعية الأخرى في القرار الإداري
وهذه الحالات هي:
1- عيب عدم مشروعية السبب .
2- عيب عدم الاختصاص .
3- عيب الشكل .
وعلى هذا سنرى تباعاً :



المطلب الأول: حالات التلازم بينمسؤولية الإدارة وعدم المشروعية في القرار الإداري
تتجلى حالات التلازم بين مسؤولية الإدارة وبين عدم المشروعية في القرار الإداري في عيب الغاية وعيب المحل.
أولاً- عيب عدم مشروعية الغاية أو الانحراف بالسلطة

ركن الغاية أو الهدف في القرار الإداري هو الهدف النهائي الذي يسعى القرار الإداري إلى تحقيقه، وعلى رجل الإدارة أن لا يهدف في جميع تصرفاته إلا تحقيق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي يتوخاه المشرع في ممارسة نشاط معين، إذ على رجل الإدارة أن يتقيد بالغاية التي رسمها المشرع .
ومن تعريف ركن الغاية أو الهدف في القرار الإداري يبدو أن عيب عدم مشروعية الغاية أو الانحراف بالسلطة vice de détournement de pouvoir يعد في اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي من العيوب التي تولد دوماً مسؤولية الإدارة ([15]).
ويتجلى عيب الانحراف بالسلطة في صورة الخطأ الجسيم، أي في تلك الصورة البشعة التي يرمي فيها رجل الإدارة إلى تحقيق غرض بعيد عن الصالح العام:
كغرض الانتقام أو تحقيق مصلحة شخصية أو نفع شخصي لرجل الإدارة أو لغيره. وهذا العيب كما يقول الفقيه فالين يولد بكل تأكيد مسؤولية الإدارة ([16]).
وقد يبدو هذا العيب في صورة أخف تتجلى في مخالفة رجل الإدارة لقاعدة " تخصيص الأهداف "، أي التي يسعى فيها رجل الإدارة إلى تحقيق مصلحة للإدارة لا يخوله القانون سلطة تحقيقها. وهنا نكون أمام خطأ متعمد من رجل الإدارة يترتب عليه ضرر، ويكون من العدل أن لا يتحمل هذا الضرر فرد بذاته. وفي هذا يذهب العميد Duez إلى القول أنه ليس هناك من حكم كشف فيه مجلس الدولة عن عيب الانحراف بالسلطة إلا وأقر بمسؤولية الإدارة وقضى بالتعويض ([17]).
ومن أمثلة اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي بوجود عيب الانحراف بالسلطة، نذكر على سبيل المثال الحالات التالية:
- رفض الإدارة منح ترخيص باستعمال المال العام، لا لمصلحة عامة بل لمصلحة جمعية سائقي التاكسي .
- رفض الإدارة الترخيص لجمعية بتحصيل رسوم مقابل الانتفاع بقناة من القنوات لإجبارها على التنازل عن حقها فيها.
- حرمان أحد المهندسين من حقوقه لصالح مهندس آخر.
- رفض الإدارة منح ترخيص لمجرد النكاية.
- القبض على أحد الموظفين لمنعه من الالتحاق بوظيفته.
- رفض تعيين مواطن لأسباب لا تتصل بصالح العمل.
- الانحراف بالسلطة لتحقيق غايات شخصية لمصدر القرار أو لغيره.
- الانحراف بالسلطة بدافع الانتقام أو الهوى.
- الانحراف بالسلطة بدوافع سياسية أو دينية أو حزبية.
- الانحراف بالسلطة خروجاً عن قاعدة " تخصيص الأهداف "،ومن هذا القبيل:
- إساءة استعمال سلطة نزع الملكية للمنفعة العامة، نزع ملكية عقار تحقيقاً للربح لا لمنفعة عامة، نزع ملكية عقار تعهدت الإدارة بإعادته بانتهاء عقد الإيجار، ولما كانت إعادته مكلفة لجأت الإدارة إلى نزع ملكيته بهدف توفير التكاليف.
- استخدام الانحراف بسلطة الضبط الإداري لتحقيق أغراض مالية.
- رفض ترخيص بناء دار عرض للسينما بداعي احتمال منافسة هذه الدار لمسرح البلدية.
- قرار منع مرور السيارات على إحدى الطرق التابعة للبلدية بسبب سرعة تهدمها، في حين أباح المرور للعربات التي تجرها الحيوانات، دون تحديد لوزنها أو حمولتها، حيث أن الهدف هو توفير نفقات صيانة الطريق.
- وفي سورية حكمت محكمة القضاء الإداري بإلغاء الأمر العرفي الصادر عن وزير الداخلية بصفته نائب الحاكم العرفي بمصادرة دار للسينما وإدارتها تأميناً لاستيفاء ديون عائدة للمصرف التجاري السوري، وقضت بالتعويض ([18]).
- ومن ذلك أيضاً حكم المحكمة الإدارية العليا بقولها : " إن الحكم الحائز لقوة الأمر المقضي، وقد قضى بإلغاء القرار المطعون فيه، هو إعدام لهذا القرار ومحو آثاره من وقت صدوره في الخصوص وبالمدى الذي حدده الحكم، وإذا كان القرار الملغى الصادر بالتسريح كما في هذه الدعوى استتبع إلغاؤه قضائياً بحكم اللزوم إعادة المدعي كما كان في وظيفته التي كان يشغلها عند تسريحه بمرتبتها ودرجتها، كما لو لم يصدر قرار بالتسريح " ([19]).
- وكذلك حكمت المحكمة الإدارية العليا السورية بقولها " إن الموقوف لأسباب أمنية أو سياسية ثم نثبت براءته يعتبر وكأنه على رأس عمله مدة توقيفه، وتصرف له كافة الأجور والتعويضات والترفيعات الدورية أسوة بزملائه، وبدل الإجازات وأيام العطل والأعياد وتعتبر مدة بقائه خارج العمل خدمة فعلية مؤهلة للترفيع وداخلة في حساب المعاش التقاعدي " ([20]).
- كماقضتالمحكمةالإداريةالعليافيالحكمرقم 86 فيالطعنرقم 17 لعام 1990 أن " ثبوتإلحاقالضرربعقارالجهةالمدعيةجراءالترخيصوالبناءالمخالففيالعقارالمجاور،يعطيهاالحقفيالمطالبةبالتعويضعمالحقهامنضرريتمثلبتدنيقيمةالعقار " ([21]).
ثانياً- عيب عدم مشروعية المحل " مخالفة القانون"

محل القرار يعني موضوع القرار أو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة.
وعيب عدم مشروعية محل القرار يعني مخالفة القرار لمجموعة القواعد القانونية التي قد تظهر في صورة نصوص مدونة أو غير مدونة كالمبادئ القانونية العامة. وهذا العيب الذي يسمى بعيب مخالفة القانون violation de la loi ، أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، ينصب على محل القرار ويظهر من خلال مخالفته أحكام ومقتضى القواعد القانونية التي يتوجب على الإدارة العامة " أو على رجل الإدارة " مراعاتها تطبيقاً لمبدأ المشروعية، وسواء كانت هذه القواعد قواعد عرفية أم مكتوبة، ووفقاً لتدرج قيمتها ومكانتها في سلم ومصادر المشروعية. ويمتد هذا العيب ليشمل جميع أوجه إلغاء القرار الإداري، حيث يلازم أو يولد مسؤولية الإدارة بصورة دائمة. والتطبيقات العملية لعيب المحل متعددة، نذكر منها :
1- المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية.
2- الخطأ في تفسير القاعدة القانونية.
3- الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية.
4- مخالفة نص قانوني مدون أو غير مدون.
5- عدم تطبيق أحكام القوانين أو التأخير في تنفيذها.
6- مخالفة مبدأ الشيء المقضي به.
7- تراخي الإدارة في تنفيذ الشيء المقضي به.
وسوف نتناول تطبيقات هذه الصور لعيب عدم مشروعية المحل على التوالي:


آ-مخالفة القانون :
تبدو هذه المخالفة في الصور التالية:
1- مخالفة قاعدة حجية الشيء المقضي به، ويظهر فيها :
آ- رفض الإدارة تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها .
ب- امتناع الإدارة عن القيام بواجبها في المعاونة على تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة بعض الأفراد.
2- مخالفة القانون بسبب الامتناع المستمر عن تطبيق القانون أو اللائحة.
3- مخالفة القانون في صورة الخطأ المباشر في تطبيق القانون.
4 - مخالفة القانون في صورة الاعتداء على حرية عامة.
5- مخالفة المبادئ العامة للقانون، كمخالفة مبدأ المساواة أمام القانون، أو مبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة، أو في تحمل أعباء الاستيلاء، مبدأ مساواة المواطنين أمام الضرائب، مبدأ مساواة المنتفعين من الخدمات التي تقدمها الدولة " المرافق العامة"، أو مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، أو مخالفة مبدأ حرية الانتفاع بالمال العام.
6- مخالفة القانون في صورة انعدام الأسباب أو الخطأ في تطبيق القانون.
وتتجلى مخالفة القانون في صورة المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية " أي الخطأ في تطبيق القانون "، وسواء اتخذت هذه المخالفة صورة عدم احترام أحكام القاعدة القانونية: سواء بمستواها " درجتها" أو قيمتها، أو بتجاهلها كلياً أو جزئياً، بصورة مقصودة أم غير مقصودة.
وتتجلى أيضاً بصورة سلبية أم إيجابية أي بامتناع الإدارة عن القيام بعمل أوجب القانون عليها القيام به، أو قيامها بعمل يحرمه القانون عليها.
ومن تطبيقات الخطأ المباشر في تطبيق القاعدة القانونية نذكر:
- المخالفة السلبية للقاعدة القانونية، ومنها :
*- امتناع الإدارة عن منح ترخيص لمستدعيه الذي استوفى الشروط القانونية لمنحه هذا الترخيص. ففي حكم لمحكمة القضاء الإداري السورية ألغت فيه قرار الإدارة رفض إعطاء المستدعي الرخصة النهائية للبناء في القطع العقارية التي آلت إليه نتيجة الإفراز والتقسيم، وذلك بعد أن منحته الإدارة رخصة مبدئية لحفر الأساسات فيه([22] ).
*- امتناع الإدارة عن منح ترخيص لأحد المواطنين بعد استيفاء شروطه.
*- استبقاء أحد المواطنين في الخدمة العسكرية على خلاف القانون.
*- إدراج شرط مخالف للقانون في أحد العقود.
*- قرار منع أحد الأطباء من مزاولة مهنته رغم أحقيته في ذلك، استناداً لمرسوم يتعلق بتنظيم فتح عيادات جديدة.
· على أنه إذا كانت مخالفة الإدارة للقاعدة القانونية المقررة لصالح الإدارة ذاتها وليس لصالح الأفراد، فليس للأفراد الاستناد إلى ذلك في طلب التعويض.
· - ومن صور مخالفة القاعدة القانونية نذكر كذلك :
· - فرض عقوبة تأديبية على موظف لم يرتكب مخالفة.
· فرض عقوبة غير منصوص عليها.
· إصدار قرار رجعي بفصل موظف .
ب- مخالفة المبادئ القانونية العامة violation des principes generaux des droit
ومقتضى المخالفة هنا تقوم على أساس مخالفة المبادئ القانونية العامة غير المدونة، وتطبيقاتها تتمثل في:
- الإخلال بمبدأ المساواة :
ويتجلى ذلك بكافة أوجه تطبيق هذا المبدأ ([23] )، سواء في الحقوق العامة كالمساواة بين المواطنين في دخول الوظائف العامة أو الانتفاع بالخدمات التي تقدمها المرافق العامة، أو أمام الأعباء العامة كالمساواة في أداء الخدمة العسكرية أو المساواة أمام الأعباء الضريبية، وغير ذلك من حالات تطبيق هذا المبدأ ذو القيمة الدستورية.
ومثال ذلك قرار الإدارة بالاستيلاء على أخشاب تدفئة المدعية، تفوق في حدها ما استولت عليه من الملاك الآخرين([24])، ذلك أن الإدارة أصدرت قراراً بالاستيلاء على كميات من الأخشاب بقصد استعمالها للتدفئة العامة، وذلك بما لها من حق مقرر في ذلك. فقرار الإدارة يكون قد فرض عليها أعباء تفوق الأعباء التي تحملها غيرها من الملاك، فيكون هذا القرار قد خالف بذلك مبدأ العدالة في توزيع هذا العبء المشروع، ويكون قد صدر مخالفاً للقانون لاحتوائه على خطأ من طبيعة تولد مسؤولية الإدارة.
- مخالفة الإدارة مبدأ حرية الانتفاع بالمال العام violation de principe de l’acces aux dependances du domain public .
- مخالفة مبدأ مساواة المنتفعين بالخدمات التي تقدمها الدولة والمرافق العامة.
- مخالفة مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية.
- مخالفة مبدأ مساواة المواطنين أمام الضرائب العامة. ومن ذلك حكم مجلس الدولة المصري لعام 1949 من أن على الإدارة أن تسوي في المعاملة بين الناس إذا اتحدت ظروفهم. ومن ذلك أيضاً قرار المحكمة الإدارية العليا السورية لعام 1990 بقولها: إن "الإخلال بمبدأ المساواة بين المتماثلين في الأوضاع، والتفاوت في الضوابط والمعايير في صدد الوقائع الواحدة، يعد نأياً عن الوزن بالقسطاس المستقيم الذي هو عنوان العدالة ومثلها الأعلى، وهو أمر غير مقبول في القانون أو المنطق التشريعي " ([25]).
ج- مخالفة القانون في شكل اعتداء على حرية عامة violation d'une liberbté publique :
وتطبيقات هذه الصورة من صور مخالفة القانون غزيرة وعديدة في فرنسا، بسبب اعتزاز المواطنين في فرنسا بحرياتهم العامة وتعلقهم بها. من ذلك :
- قرار مجلس الدولة لعام 1909 Abbé Olivier حيث قرر أنه ما لم تقم ضرورة للحفاظ على النظام تقضي بتدخل سلطة البوليس للحد من حريات المواطنين، فإن هذا التدخل يعتبر تصرفاً غير مشروع ويستوجب التعويض.
- رفض أحد العمدة إقامة معرض تجاري.
- رفض إقامة سينما بلدية على خلاف القانون.
- المنافسة غير المشروعة من قبل أحد أطباء المجلس البلدي للأطباء الأحرار.
- القبض التعسفي على أحد الأفراد ([26]).
- منع إحدى الشركات من استغلال محل للتجارة.
*- مخالفة القانون في صورة عدم تطبيق القوانين أو تأخير تنفيذها:
وهذه الصورة من صور مسؤولية الإدارة تقوم في حال تجاهل الإدارة الالتزام المفروض عليها بالقانون من أجل تطبيق أحكامه، الأمر الذي يرتب مسؤوليتها في حال تأجيلها تنفيذ الأحكام القانونية ([27]).
أما إذا لم ينص القانون على ميعاد معين لتطبيق أحكامه، فللإدارة في مثل هذه الحالة أن تؤجل تطبيقه إلى الميعاد المعقول الذي تراه مناسباً لذلك، شريطة ألا يكون هذا التأخير من التصرفات التي تقع مشوبة بتجاوز حد السلطة ([28]).
أما إذا كان تأخير الإدارة في تطبيق أحكام القانون يعود لاعتبارات تتعلق بالصالح العام، فلا مسؤولية على الإدارة في هذه الحالة. ولكن بصورة عامة يتوجب أن لا تكون مدة التأخير طويلة، بل أن تكون ضمن مدة معقولة، وهذه يعود تقديرها للقضاء في حال المنازعة.
*- مخالفة مبدأ الشيء المقضي به violation de la chose jugée :
مخالفة الإدارة لحجية الشيء المقضي به يتجلى في صورة خطأ جسيم يرتب عليها المسؤولية لإخلالها بقاعدة قانونية أساسية تستلزمها ضرورة استقرار العلاقات الاجتماعية ([29] ).
وعلى هذا، فإن مجلس الدولة الفرنسي يقضي باحترام حجية الأحكام كاحترام القانون نفسه، إن لم يكن أعلى حجية، لأن في حجية الشيء المقضي به إعلان للشرعية التي تفرض نفسها فوق كل الاعتبارات.
ومخالفة حجية الشيء المقضي به قد تكون في صورة رفض الإدارة تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، كإصرار الوزير مثلاً على عدم إعادة الموظف إلى وظيفته، رغم صدور حكم من مجلس الدولة يقضي بإلغاء قرار إحالته إلى المعاش. أو بوضع العراقيل أمام هذه الأحكام في سبيل عدم تنفيذها، حيث وصلت المغالاة في عدم تنفيذ الإدارة لأحكام القضاء إلى درجة وصفها العميد هوريو في أحد تعليقاته على هذه المسألة بنوع من " المبارزة ما بين المجلس والإدارة " ([30])، وفي هذه المبارزة تجاهل فاضح لقوة الشيء المقضي به، ومثل هذا التجاهل يشكل خطأً جسيماً من شأنه أن يولد مسؤولية الإدارة.
ولمجابهة مثل هذا الموقف فقد اضطر مجلس الدولة الفرنسي إلى تقرير مسؤولية الموظف الشخصية مع مسؤولية الإدارة في حال الامتناع عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة. ولعل العميد هوريو كان أول من اقترح هذا الحل للتغلب على عناد بعض رجال الإدارة في عدم تنفيذهم الأحكام القطعية المتمتعة بحجية وقوة الشيء المقضي به .
ويلحق بهذه الصورة من عدم تنفيذ الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به تلك التي تتراخى فيها الإدارة في التنفيذ، حيث أن الإدارة لم تمتنع هنا عن تنفيذ الحكم القضائي، ولكنها تتباطأ وتتراخى في التنفيذ قصد الإفلات مع مرور الوقت من تنفيذ الحكم. من ذلك، تراخي الإدارة في تنفيذ حكم صادر بإخلاء عقار لعدة أشهر، مما جعل المجلس يقرر أن الإدارة في تأخيرها تنفيذ حكم الإخلاء الصادر لصالح المدعي بطرد أحد مستأجري عقاره، يشكل خطأً جسيماً ويرتب عليها المسؤولية.
ولكن إذا قامت الإدارة بتنفيذ الحكم في مدة معقولة، فلا مسؤولية عليها ولا تعويض، إلا أن تحديد معيار التأخير يعود تقديره للقضاء. والقضاء بصورة عامة يحكم بالتعويض إذا وجد أن الامتناع عن التنفيذ لا مبرر له، أو إذا كان الامتناع له ما يبرره في حالة كان هناك خطر على النظام والأمن، ولكن إذا انتفى الخطأ هنا، فقد يحكم القضاء في فرنسا بالتعويض على أساس فكرة المخاطر أو تحمل التبعة.
المطلب الثاني : أوجه عدم المشروعية الأخرى ومسؤولية الإدارة :

أوجه عدم المشروعية الأخرى تتمثل في عيب عدم مشروعية السبب، عدم الاختصاص، وعيب الشكل.
وهذه العيوب قد تكون سبباً لإلغاء القرارات التي أصيبت بعدم المشروعية هذه، دون أن تكون سبباً للتعويض. والمعيار المعتمد في تقدير التعويض في هذه العيوب هو جسامة الخطأ، بمعنى أنه إذا كان الخطأ جسيماً تحققت مسؤولية الإدارة، وإذا كان الخطأ من الأخطاء التي يطلق عليها الفقه "بالأخطاء العرضية "([31])، فلا مسؤولية على الإدارة، رغم إمكانية إلغاء القرار المشوب بعيب عدم المشروعية الذي لا يلازم مسؤولية الإدارة.
ونستعرض هذه الأوجه تباعاً على التفصيل التالي :
أولاً- عيب عدم مشروعية السبب أو " عدم صحة السبب" ومسؤولية الإدارة:

سبب القرار هو الأمر الذي يسبق القرار ويكون دافعاً إلى وجوده ،وهو عنصر موضوعي خارجي عن متخذ القرار يبرر إصدار القرار، أو هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تحمل رجل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني. ومع الفقيه لوبادير سبب القرار هو الواقعة الموضوعية السابقة على القرار والخارجة عنه، ويكون وجودها هو الذي دفع مصدر القرار إلى إصداره والقيام به ([32]).
وعيب السبب vice de motif هو من العيوب التي لا تثير دوماً مسؤولية الإدارة. فهو إن كان من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء القرار، فهو لا يؤدي دائماً إلى مسؤولية الإدارة، وهو لا يكون سبباً للمسؤولية إلا إذا كان الخطأ جسيماً.
ففي الحالات التي لا يكون فيها عيب السبب من الجسامة يقضي مجلس الدولة بإلغاء القرار دون أن يحكم بالتعويض. والمثال على الإلغاء دون الحكم بالتعويض هو حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية Vuldy لعام 1940 التي تتلخص وقائعها في أن المدعي طلب ترخيصاً لبناء مبنى من سبع طوابق على قطعة أرض يملكها في أحد الميادين الهامة في العاصمة الفرنسية. إلا أن المدير قد منحه ترخيصاً ببناء خمسة طوابق فقط، ولأن تلبية طلبه يتنافى وتناسق المظهر الذي يجب أن يكون عليه الميدان.
وقد قضى المجلس في هذه القضية بالإلغاء معتبراً أن عدم المشروعية في هذه القضية ناجمة عن رفض رخصة بناء، وأن هذا الرفض قد بني على تقدير الضرر الذي قد يلحقه البناء على المنطقة الأثرية لأحد ميادين باريس.
ولكن إذا كان المجلس قد قضى بإلغاء القرار لأنه " بني على خطأ في التقدير"، وأن هذا الخطأ في التقدير يتمثل في الخطأ الحاصل في تكييف طبيعة الموقع الأثرية، حيث طلبت الرخصة ببناء سبع طوابق، فمنحت الرخصة ببناء خمس طوابق فقط ، فإنه مع ذلك رفض التعويض، لأن الخطأ في التقدير في ظروف هذه الدعوى لا يكون خطأً من طبيعته توليد مسؤولية بلدية باريس ([33]).
ولكن في حالات أخرى يقضي مجلس الدولة بالتعويض عندما يرى في عيب عدم مشروعية السبب خطأً على درجة من الجسامة تولد مسؤولية الإدارة، من ذلك حكمه في قضية Jeunesse indépendante chrétienne Féminine لعام 1948 حيث اعتبر المجلس في هذه القضية أن سحب الإدارة للترخيص الذي منحته لاتحاد الشباب الحر في باريس لإقامة احتفال ديني في إحدى حدائق باريس الأثرية غير مشروع، لأن الوقائع تثبت أن الإدارة سبق لها ومنحت مثل هذا الترخيص سابقاً، وأن سحب الترخيص ليس فيه ما يهدد بإتلاف الآثار الموجودة في ذلك المكان الأثري، لذلك فهو غير مشروع، وهو في ظروف هذه الدعوى يشكل خطأً تسأل عنه الإدارة ([34]).
وموقف المجلس في هذا الخصوص مضطرد وثابت، حيث في كل مرة يرى فيها خطأً على درجة من الجسامة يقضي بالتعويض. ولكن أحكام المجلس في هذا الخصوص لا يظهر فيها التعميم، بل تأتي في صيغ يقرر فيها المجلس:" في ظروف هذه الدعوى"، أو " الحالة المعروضة "، وذلك حتى لا يكون في حكم المجلس تعميماً للتعويض الذي يقدره في كل حالة على حدة، وذلك تبعاً لظروف القضية، وتكييف طبيعة الخطأ الكامن في عدم مشروعية السبب ([35]).
ويبدو أن اجتهاد مجلس الدولة السوري يسير في هذا الاتجاه حيث يقضي بأنه " إذا ثبت أن السلطة التي أصدرت القرار الإداري قد ذكرت سبباً لا وجود له، فإن العيب الذي يشوب القرار يعتبر انحرافاً في استعمال السلطة لخروجه عن غايته، ألا وهي تحقيق المصلحة العامة " ([36]). كما قضى بأن " تسريح المستخدم لضرورات المصلحة في تخفيض نفقات المؤسسة التي يعمل فيها، إذا ثبتت أن الإدارة لجأت بعد تسريح المستخدم إلى ملء الشاغر الذي حدت بتسريحه، فذلك يكشف عن عدم جدية السبب المتذرع به من أجل التسريح، كما أن إجراءات تسريح المستخدمين الجماعي بسبب تخفيض النفقات يجب أن تكون مسبوقة بدراسات فنية " ([37]).
ومن ذلك أيضاً ما قضى به أنه " بعد أن تبين للمجلس أن شكل البناء وتصميمه المعماري ليس فيه ما يشير إلى كونه من المباني الأثرية، وأنه غير مرتبط بحدث تاريخي أو قومي معين، وأنه بالنتيجة، فإن البناء المذكور لا يعتبر أثرياً طبقاً لنصوص قانون الآثار، وأن قرار الإدارة في التمسك بالصفة الأثرية للعقار المذكور يعتبر غير قائم على سند قانوني مقبول، وهو خليق بالإلغاء " ([38])، إلا أن المحكمة لم تقضي بالتعويض.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه في حال تعدد أسباب القرار الإداري فإن مجلس الدولة الفرنسي وكذلك السوري يميل إلى التمييز بين الأسباب الرئيسة والأسباب التابعة، ويقرر أن الأخطاء أو العيوب التي تتعلق بالأسباب التابعة لا تبرر إلغاء القرار الذي يستند إلى أسباب رئيسة صحيحة، ومن ثم فلا يقضي بالتعويض ([39]).
ثانياً: عيب عدم الاختصاص

ركن الاختصاص في القرار الإداري يعني " القواعد التي تحدد الأشخاص أو الهيئات المخولة قانوناً بمباشرة أعمال إدارية معينة " ([40]). أو هو عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين جعله المشرع من اختصاص سلطة أو هيئة أو فرد آخر " ([41]).
ومخالفة قواعد الاختصاص في إصدار القرار الإداري تعد من أقدم أوجه الإلغاء في القضاء الإداري الفرنسي. وعيب عدم الاختصاص هو العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام.
ويتجلى عيب عدم الاختصاص في صور:
- غصب السلطة usurpation de pouvoir .
- عدم الاختصاص الموضوعي l’incompetence ratione materia .
- عدم الاختصاص الزماني l’incompetence ratione temporis .
- عدم الاختصاص المكاني l’incompetence ratione loci .
وعيب عدم الاختصاص وإن كان يجيز رفع دعوى الإلغاء، فهو أيضاً سبب لرفع دعوى التعويض عن القرارات المشوبة بهذا العيب.
وفي مجال مسؤولية الإدارة إزاء عيب عدم الاختصاص حاول الفقه أن يضع قاعدة تمكن من تحديد الإدارة إزاء القرارات المشوبة بعيب الاختصاص.
فذهب رأي إلى التمييز بين حالة عدم الاختصاص الموضوعي الذي مرجعه إتيان رجل الإدارة عملاً لا يملكه إطلاقاً، ورتب مسؤولية الإدارة عن هذا العيب نظراً لكون المخالفة هنا جسيمة، وبين عدم الاختصاص الشخصي الذي تكون فيه المخالفة أو عدم المشروعية أقل جسامة، ولا يرتب مسؤولية الإدارة، لأن الضرر كان من الممكن أن يصيب الفرد فيما لو صدر ذات القرار من الموظف المختص ([42]).
أما الفقيه Weil فقد ذهب إلى ترتيب مسؤولية الإدارة عن عيب عدم الاختصاص مهما كانت صورة عدم المشروعية في هذا العيب ([43]).
ولكن من استعراض أحكام القضاء الإداري الفرنسي يبدو أن مجلس الدولة يقضي بالتعويض بناءً على عيب عدم الاختصاص في حالة الخطأ الجسيم، ويقضي بالإلغاء فقط دون التعويض في حال عدم جسامة الخطأ ([44]).
ومن الحالات التي قضى فيها المجلس بالتعويض نذكر :
- التعويض عن قرار صادر عن جهة إدارية غير مختصة بمنع أحد الأفراد من البناء.
- التعويض عن صدور قرار بفصل أحد الموظفين من جهة غير مختصة.
- التعويض عن صدور قرار من جهة غير مختصة بإنهاء ترخيص باستغلال مقلع"محجر ".
- التعويض عن صدور قرار من موظف غير مختص بتوقيع عقد من العقود.
- التعويض عن صدور قرار من أحد العمد دون تفويض من المجلس بتكليف أحد المهندسين ببناء دار البلدية " العمودية "، أو بإعداد خطة تجميل للمدينة، والدعوى هي تقدير ومطالبة بالأتعاب.
أما الحالات التي قضى فيها المجلس بالإلغاء دون التعويض، فنذكر منها :
- في حال صدور قرار عن جهة إدارية غير مختصة بإصداره في شأن أحد الموظفين، وكان من المتعين أن يصدر القرار من الجهة المختصة. وفي هذا تقول محكمة القضاء الإداري المصرية بأن " القرار الباطل بسبب عيب عدم الاختصاص لا يصحح بالاعتماد اللاحق فيما بعد من صاحب الشأن فيه، بل يجب أن يصدر منه إنشائياً بمقتضى سلطته المخولة له " ([45]).
على أن المحكمة الإدارية العليا المصرية تعتد من جانبها بالتصديق اللاحق للقرار من جهة غير مختصة، إذ تعتبر تصديقه مزيلاً لعيب عدم الاختصاص الذي شابه " ([46]).
وفي معيار جسامة الخطأ يميز القضاء الإداري السوري ما بين عيب الاختصاص الجسيم وعيب الاختصاص البسيط، ويرتب على عيب الخطأ الجسيم الذي يشوب القرار المطعون فيه انعدامه وعده في نطاق الأعمال المادية التي لا يتقيد الطعن فيها بمواعيد الطعن بالإلغاء، وينقلب حق المضرور فيه إلى المطالبة بالتعويض.
وذلك على خلاف عيب الاختصاص البسيط الذي يشوب القرار ويجعله قابلاً للإلغاء وليس للانعدام ([47]).
- ومن ذلك أيضاً، إذا أخطأ أحد العمد في تحديد نطاق سلطاته برفضه منح إعانة بطالة لطالبها، ظناً منه أنه من اختصاص هيئة أخرى. فاعتبر المجلس هنا أن الخطأ الذي يتمثل في صورة عدم الاختصاص السلبي لا يولد مسؤولية الإدارة .
ولكننا نعتقد أنه لو كان عدم الاختصاص السلبي ناجماً عن نية وقصد، لكان من شأنه أن يثير مسؤولية الإدارة. ولهذا نرى المجلس يقول بأن الخطأ المرتكب من قبل العمدة في معرفة مدى اختصاصاته لا يكون في ظروف هذه الدعوى، خطأً من طبيعته أن يولد مسؤولية الإدارة ([48]).
وبالنظر إلى معيار جسامة الخطأ يبدو أن المجلس كما يقول الدكتور محسن خليل يقرر المسؤولية والتعويض في كل حالة على حدة ([49]).
ثالثاً- عيب الشكل ومسؤولية الإدارة

يقصد بعيب الشكل في القرارات الإدارية"عدم التزام الجهات الإدارية بالقواعد الشكلية التي توجبها القوانين واللوائح في إصدار القرارات الإدارية" ([50])، أو يقصد بركن الشكل تلك القواعد التي تحددها القوانين واللوائح في إصدار القرارات الإدارية. وعيب الشكل من المعلوم هو من العيوب التي تؤدي إلى إلغاء القرار الإداري.
أما في نطاق التعويض فهل كل مخالفة في شكل القرار تؤدي إلى مسؤولية الإدارة؟. حول هذه النقطة يبدو أن الفقه كما سنرى فرق بين العيوب الجوهرية وبين العيوب الثانوية التي تصيب القرار الإداري.
فذهب رأي إلى أن العيوب الأولى من شأنها أن تؤدي إلى الإلغاء والتعويض معاً، أما العيوب الثانية فتؤدي إلى الإلغاء دون التعويض.
والمعيار في ذلك هو فيما إذا كان عيب الشكل جوهري في هذا الإجراء أو ذاك، أو فيما إذا كان غير جوهري بين شكل وآخر.
ويبدو أن هذا الموقف لا يمكن التسليم به، وأن مجلس الدولة الفرنسي يبدو أنه لم يتشدد كثيراً في إغراق الإدارة بالشكليات، خاصة إذا كان إهدار هذه الشكليات لا يضر بمصلحة الأفراد.
كما أن قواعد الشكل لا تعتبر من النظام العام ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
والهدف من التقيد بقواعد الشكل والإجراءات هو من أجل حماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد بآن معاً، وذلك بإخضاع الإدارة لاحترام القواعد الشكلية المقررة قانوناً.
وعلى هذا فإن القواعد الشكلية التي تقررها القوانين أو اللوائح تشكل ضمانة جدية وقوية لحماية حقوق الأفراد.
على أن البطلان الذي ينجم عن عيب الشكل يمكن أن يزول بتنازل من وضعت هذه الشكلية لمصلحته. والشكلية قد يكون مصدرها التشريع أو النظام صراحة أو ضمناً. والالتزام باحترام الشكلية قد يكون صريحاً كما في حال اشتراط إخطار ذوي الشأن قبل إصدار القرار " كقرار الهدم أو الإزالة مثلاً "، أو وجوب تعليله وتسبيبه، أو تضمينه بيانات معينة كما في إعلان صفة النفع العام في صلب قرار استملاك أحد العقارات.
وقد يكون الالتزام بالشكلية ضمنياً كما في حال توجب نشر القرار في إحدى الصحف بصيغة كتابية. وقد يكون مصدر الشكلية المنطق والمعقول كما في حال القرارات التي لها الطابع التأديبي. وصور الشكلية كما ذكرنا قد تكون شكلية جوهرية يترتب على مخالفتها إلغاء القرار الإداري، أو شكلية ثانوية سمح فيها القضاء بتصحيح عيب عدم الشكل، ولا يرتب عليها جزاء إلغاء القرار.
وسنتناول توضيح صور الشكلية على النحو التالي:




1- شكليات يتوجب مراعاتها قبل إصدار القرار الإداري ، ومنها :
أ‌- إذا فرض المشرع على الإدارة ضرورة أخذ رأي فرد أو هيئة قبل إصدار قرار معين .
وفي هذه الصورة نلحظ بصورة عامة أنه حتى لو كان الرأي الاستشاري غير ملزم للإدارة، فإن إهمالها لهذا الإجراء يعرض قراراها للإلغاء. من ذلك ، استطلاع رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة 31 من النظام الأساسي للعاملين في الدولة في حال نقل العامل إلى خارج الجهة العامة التي يعمل لديها، أو إلى خارج حدود المحافظة دون طلب من العامل.
وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا السورية في عام 1991 من أن ندب العامل لا يكون إلا بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، وبعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في الفقرة ج من المادة 31 من قانون العاملين الأساسي، وأن ندب العامل المدعي الذي تم كرد فعل من الإدارة على ما نسبته إليه من خطأ في عمله دون أن تؤخذ بشأنه موافقة اللجنة المذكورة يعتبر مخالفاً للقانون " ([51]).
- من ذلك أيضاً استشارة رأي مجلس الخدمة المدنية في الوظيفة العامة، وهذه ضمانة أكيدة وجدية يؤدي إغفالها إلى إبطال القرار المعيب لهذه الجهة.
ب- ضرورة استيفاء الإجراءات والمدد قبل إصدار القرار، من حيث :
1- إخطار صاحب الشأن وتمكينه من بيان دفوعه وسماع أقواله في الأمر الذي سوف يصدر قرار الإدارة بخصوصه ، كإنذار المخالف بضرورة إزالة المخالفة قبل إصدار قرار الهدم، أو تمكين الموظف الذي تنسب إليه الإدارة مخالفة مسلكية من بيان أقواله ودفوعه تجاه ما ينسب إليه، قبل اتخاذ الإدارة قراراها بمعاقبته. وهذه الشكلية تفرض على الإدارة بدون نص في ظل مبدأ حق الدفاع regle Audi Alteram partem ou " principe du droit de la défense”. ومن ذلك ضرورة إنذار صاحب المدرسة الخاصة بوجوب تدارك المخالفات المنسوبة، قبل اتخاذ الإدارة قرارها بغلق المدرسة، وهذا ما قضت به محكمة القضاء الإداري السوري في القرار رقم 204 القضية رقم 1 لعام 1974، أي ضرورة استكمال الإجراءات الجوهرية التي ينص عليها القانون.
ج- من الشكليات الجوهرية التي ينص عليها القانون أيضاً قبل إصدار القرار: الشكلية التي تتعلق بضرورة تقديم طلب أو إجراء تحقيق:
من ذلك تقديم طلب بحفر بئر، أو تقديم طلب بترخيص كشك أو محل.
د- شكلية مراعاة المدد والنظر بالتظلمات قبل إصدار القرار :
أي ضرورة انتظار واحترام المهل الممنوحة قانوناً بالإنذار قبل اتخاذ القرار بالهدم، أو تقديم وثائق معينة، وذلك بقصد تمكين الأفراد من إبداء ملاحظاتهم والدفاع عن حقوقهم. وعليه فالمدة القصيرة الممنوحة لتقديم الدفوع أمام اللجنة التأديبية تعد غير كافية لتحضير الدفاع وتقديمه، ومن ثم فهي تعيب القرار وتؤدي مخالفة هذا الإجراء إلى إبطال القرار.
ومن متطلبات الشكلية كذلك ليس فقط أن تسمح الإدارة للموظف الإطلاع على إضبارته، بل أن تمنحه المدة الكافية للإطلاع على الملف والوثائق، وأن يكون في وضع يسمح له بالإطلاع عليها. ونعتقد أن احترام هذه الشكلية نادر الحدوث من قبل الإدارة بالمعنى القانوني الدقيق.
2- شكليات يفترض مراعاتها عند إصدار القرار الإداري :
أي مراعاة الأشكال والإجراءات التي يشترطها القانون أو اللوائح عند إصدار القرار، كصدوره بأغلبية أصوات الحاضرين في الاجتماع الأول أو بترجيح جانب الرئيس عند تساوي أصوات الحاضرين، أو ضرورة صدوره بالإجماع، أو بأغلبية ثلثي الأعضاء، أو عند عدم توافر النصاب القانوني المطلوب إرجاء الاجتماع لموعد آخر لاتخاذ القرار في جلسة قادمة .
وصدور القرار بأغلبية غير التي يحددها القانون أو النظام يجعل القرار معيباً في الشكل ومستوجب الإلغاء.
3- شكليات يفترض مراعاتها في القرار ذاته " تعليل أو تسبيب القرار " :
الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتعليل أو تسبيب قراراتها ما لم يكن ثمة نص قانوني صريح على وجوب التسبيب ([52]). وعليه إذا اشترطت النصوص التشريعية أو اللائحية صراحة أو ضمناً ضرورة تسبيب قرارات معينة، فعندها يصبح التقيد بهذا الإجراء شكلاً جوهرياً أو أساسياً يترتب على إهماله بطلان القرار، لأن تسبيب القرارات يعد من أنجع الضمانات لحقوق وحريات الأفراد، وسواء كان التسبيب مفروضاً بالقانون أو بحكم القضاء . كما أن تسبيب القرارات يسمح للقضاء بممارسة رقابته المعتادة على مشروعية تصرفات الإدارة.
وعليه، إذا تطوعت الإدارة وبينت سبب قرارها سواء من ذاتها أو بناءً على طلب من القضاء، فإن القضاء الإداري يبسط رقابته على مشروعية القرار المتخذ. وفي هذا تقول محكمة القضاء الإداري المصرية " أن قرار الإزالة يجب أن يكون مسبباً، وأن يكون التسبيب في صلب القرار ذاته، وإلا كان مفتقداً لشرط شكلي جوهري لازم لصحته، ولا يكفي أن تستند الإدارة في إصدار القرار بالقول بأنه صدر لقيام المدعي بالبناء دون ترخيص " ([53]).
لهذا نجد أن المشرع الفرنسي في قانون 18 /7/1979 ألزم الإدارة بتسبيب جميع قراراتها الإدارية الفردية التي لا تكون في صالح الأفراد، وأن يكون التسبيب مكتوباً، إلا ما قد يصدر في حالة العجلة القصوى urgence absolue ، أو في حالة القرارات الضمنية. وفي غياب التعليل فإن هذا لا يثير عدم مشروعية القرار ولكنه يسمح للمضرور أن يحصل بناءً على طلبه معرفة السبب، وخلال مدة شهر من تاريخ طلبه.
وبصورة عامة منذ صدور قانون 1979 في فرنسا، يجب تعليل القرارات الإدارية التالية:
- القرارات الفردية المقيدة للحريات العامة ،
- إجراءات البوليس ،
- القرارات التي تفرض عقوبة ،
- القرارات التي تخضع التراخيص إلى شروط مقيدة ،
- القرارات التي تسحب أو تلغي قرارات مكسبة للحقوق ،
- القرارات التي تثير التقادم ، أو التي يسقط الحق فيها بمضي المدة ،أي سقوط الحق فيها بفوات الميعاد،
- التي ترفض ميزة أو منحة تشكل حقاً للأشخاص الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية،
- تلك التي لا تراعي القواعد العامة المحددة بالنصوص القانونية ([54]).
ومن نصوص قانون 1979 في فرنسا يبدو أن التعليل ليس مشروطاً لمشروعية القرارات الضمنية، ولكن سبب القرار يجب أن يبلغ إلى صاحب الشأن إذا طلبه ضمن المدة القانونية للطعن القضائي، أي خلال شهر من تاريخ طلب التعليل من قبل صاحب الشأن، حيث تبدأ مدة الطعن القضائي.
وتعليل القرار يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً، ليتمكن المضرور من الطعن فيه. على أن الخطأ في الإسناد وكما تقول المحكمة الإدارية العليا السورية لا يجرد القرار من مشروعيته إذا كان المقصود منه مفهوماً وسببه ظاهراً، أو يتبدى صراحة عند تنفيذه ([55]).
4- الشكليات المفترض مراعاتها بعد صدور القرار الإداري :
من هذه الشكليات مثلاُ تصديق القرار من السلطة الوصائية أو الرئاسية للسلطة التي أصدرته ، " كقرارات موازنات الإدارة المحلية ".
- نشر القرار في الصحف.
- إعلانه في مقر الإدارة العامة التي أصدرته.
- تبليغه لأصحاب الشأن.
ومخالفة الإدارة لمثل هذه الشكليات تعيب القرار وتفضي إلى إلغائه، إذا كانت من الجسامة والأهمية ومقررة لصالح الأفراد.
ونظراً لما لاحترام الشكلية من أهمية في سلامة القرارات الإدارية، سواء كانت لمصلحة الإدارة أم لمصلحة الأفراد، فقد عني الفقه والقضاء بوضع معايير واضحة للتمييز ما بين الإجراءات الشكلية الجوهرية les formes substantielles التي يترتب على مخالفتها إلغاء القرار لعيب الشكل، وبين الإجراءات غير الجوهرية أو الثانوية les formes secondaires التي لا يؤدي إهمالها إلى إلغاء القرار، والتي يمكن للإدارة أن تعيد تصحيح القرار طبقاً للشكلية المطلوبة، ومن ثم لا إلغاء ولا تعويض.
ومن استعراض موقف القضاء والفقه في هذا الخصوص، يبدو أن الإجراء الجوهري هو الإجراء الذي من شأنه التأثير على مضمون القرار، أو هو الشكل أو الإجراء الذي يمثل ضماناً للأفراد.
أما إذا كانت الشكلية مقررة لصالح الإدارة فيبدو أنها لا تعد من الشكليات الجوهرية، وذلك ما لم يؤثر احترام هذه الشكلية على مصالح الأفراد.
ومن قواعد التمييز بين الإجراءات أو الشكليات الجوهرية وغير الجوهرية ، نذكر:
1- إذا كان هناك إلزام قانوني يقضي بضرورة استيفاء القرار لشكليات وإجراءات معينة، حيث يعد وجوب إتباع الإدارة لهذه الشكليات والإجراءات إلى اعتبارها من الإجراءات الجوهرية، خاصة إذا كان الإلغاء منصوصاً عليه كجزاء في حال إهمال الإدارة لهذه الشكليات المفروضة قانوناً " كإلزام التعليل مثلاً ".
2- إذا كانت الشكلية غير مفروضة بقانون أو نظام، وإنما ببلاغات أو تعليمات وزارية، فإن مخالفتها لا تعد مخالفة لإجراء جوهري ما لم يؤدي إهمالها إلى الإضرار بحقوق وحريات الأفراد، أو كان من شأنها التأثير في مضمون القرار.
3- لا تعد من العيوب الجوهرية الإجراءات التي تكون مقررة لصالح الإدارة لا لمصلحة الأفراد، أو كانت هذه الإجراءات لا تؤثر في سلامة القرار موضوعياً. مثال ذلك، رفض مجلس الدولة الفرنسي إلغاء القرار الخاص بتطوع أحد الأفراد في الجيش بسبب عدم إجراء الكشف الطبي عليه، إذ اعتبر أن هذه الشكلية إنما هي شكلية مقررة لمصلحة الجيش،وأن لوزير الحربية وحده حق التمسك بها([56]).
ومن ذلك أيضاً، القرارات الصادرة عن أحد المجالس لا تكون قابلة للإلغاء لمجرد كتابة ضبط الجلسة من قبل كاتب غير الكاتب الذي عينه القانون، لأن هذه المخالفة لا تأثير لها على المناقشة التي تمهد لاتخاذ القرار.
ومن ذلك ما قضت به محكمة القضاء الإداري السورية من " أن إلزام القانون بنشر الإعلان عن تعديل المخططات بتوسيع الشوارع والساحات وسائر الأعمال التي يصرح أنها ذات نفع عام في صحيفتين يوميتين وفي بهو المحافظة، مما يجعل النشر في صحيفة يومية وأخرى أسبوعية مخالفاً لأحكام القانون، إلا أن هذه المخالفة لا يترتب عليها انعدام الإجراءات والقرار الصادر بالاستناد إليها، ويتوجب على كل ذي مصلحة أن يطعن في ذلك ضمن الميعاد القانوني "([57]).
وهذا على عكس ماإذا تجاهلت الإدارة القيام بإجراء معاملة النشر، حيث يقضي المجلس بالإلغاء والتعويض.
وبصورة عامة، يمكن القول أن المعيار المميز في عيب الشكل بين الإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية هو جسامة عيب الشكل الناتج عن إهمال الإدارة له. فإن كان العيب جسيماً لدرجة تصعب تجنبه وكان من الممكن أن يؤثر في القرار ويغير من مضمونه وجوهره، كان هذا العيب جوهرياً. أما إذا كان غير ذلك، فإن مخالفة الإجراء تكون غير جوهرية.
وفي موضوع مسؤولية الإدارة عن عيب الشكل يبدو أن القضاء يميل إلى الأخذ بدرجة الخطأ، بحيث إذا كان الخطأ الذي يحتويه عيب الشكل من الجسامة، أمكن التعويض، وإلا فلا يقضي بالتعويض رغم تقرير البطلان، كما لو تصرفت الإدارة دون أن تأخذ برأي اللجنة الاستشارية، ولكن كان في وسعها أن تأخذ بها بعد ذلك. ومن ذلك ما قضت به المحكمة الإدارية العليا المصرية من أن " اكتفاء الإدارة بعرض ملخص عن التقارير السرية عن بعض سنوات الخدمة على الجهات المختصة بالترقية دون عرضها كاملة، لا يرتب البطلان، وإن ألزم القانون عرض هذه التقارير السرية عليها، وذلك في حكم كون هذا الملخص وافٍ يشتمل على جميع العناصر الجوهرية لهذه التقارير".( [58])
أما إذا كانت الشكلية جوهرية على التفصيل الذي سبق بيانه، فإن المجلس يقضي بالتعويض حسب جسامة الخطأ، وحسب ظروف وحال كل دعوى على حدة.
وهذا يعيدنا إلى طرح التساؤل فيما إذا كان في وسع الإدارة أن تقوم بعد الحكم بعدم مشروعية القرار، أن تقوم بتصحيح وجه عيب المشروعية " تصحيح عيب الشكل " بإجراء صحيح لاحق للشكل، أو بقبول صاحب الشأن للقرار المعيب بعيب الشكل ؟ .
قي الشق الأول من هذا التساؤل يبدو أن الاتجاه القضائي يميل إلى عدم جواز تغطية العيب بالتصحيح اللاحق للشكل، وذلك منعاً للإدارة من التسرع في إصدار قرارات، وتتخذ فيما بعد قاعدة التصحيح اللاحق ذريعة، حيث لا يخفى ما في ذلك من إهدار لضمانات الحقوق والحريات التي تحميها الإجراءات الجوهرية.
على أنه تجدر الإشارة إلى أن تغطية عيب الشكل تكون ممكنة إذا كانت راجعة لسبب أجنبي لا يد للإدارة فيه، وسواء تمثل هذا السبب الأجنبي في صاحب المصلحة أو في شكل استحالة مادية أو قوة قاهرة تمنع من إتمام الشكلية المطلوبة. ومعنى القوة القاهرة المقصود في هذا الخصوص كما في حال تغيب الموظف عن عمله في حالات القوة القاهرة- هو العذر المقبول ممن يملك التقدير، ولا يعني القوة القاهرة بشروطها وأركانها المعروفة في القانون الخاص. وهذا يفيد حسب حكم المحكمة الإدارية العليا السورية أن على الإدارة أن تتحقق بادئ ذي بدء من أن غياب الموظف لديها كان لسبب قاهر، فإن كان كذلك امتنع عليها عد هذا الموظف بحكم المستقيل، وهي إن أهملت هذا التحقق أو أنكرت وجود السبب القاهر، واتخذت قراراها باعتبارها الموظف الغائب بحكم المستقيل، فإن قرارها هذا يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإداري "([59]).
أما فيما يتعلق بقبول صاحب الشأن في القرار المعيب، فيبدو أن القضاء يميل إلى اعتبار موافقة صاحب الشأن لا تمحو العيب، خاصة إذا كان العيب في الشكل جوهرياً، ويتعلق بالنظام العام وشرع لمصلحة عامة، وليس فقط لمصلحة الأفراد، وحيث أن عدم الاعتراض على القرار المعيب في الشكل لا يمنع من الادعاء ببطلانه.
أما إذا كانت الشكلية مقررة لمصلحة الأفراد صراحة، فإن تغاضي صاحب المصلحة عن التمسك به يغطي عيب الشكل الحاصل ويحصن القرار من الإلغاء. ومفاد هذا، أن على طالب الإلغاء والتعويض إلزام إثبات عيب الشكل الذي يدعيه، رغم أن مراجعة نص القرار وتفحص بياناته وتدقيق إجراءات صدوره وقياس مدى تطابقها مع ما يفرضه القانون أو النظام أو أحكام القضاء، تمكن من تقدير وجود عيب الشكل من عدمه بشكل ظاهري.
وفي هذا يصعب رسم توجه عام للقضاء في خصوص عيب الشكل، وإن كان هذا التوجه ينبئ بأن عيب الشكل ومعه عيب الاختصاص ليسا من المبادئ التي تلازم مسؤولية الإدارة في التعويض، وأن هذا يعود للقاضي، ليقرر في كل حالة على حدة ماهية الخطأ وأهميته وجسامته.
المطلب الثالث: القرارات الإدارية وتطبيقات المسؤولية الإدارية بدون خطأ
استكمالاً لدراسة مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية ونظراً لأن القضاء الإداري السوري لم يأخذ بنظرية المخاطر أو بمسؤولية الإدارة بدون خطأ في مجال المسؤولية الإدارية، ونظراً لأن تطبيقات هذا النوع من المسؤولية تتنوع وتحتاج إلى دراسة معمقة وجادة، لبيان الأسباب التي تدعو إلى الأخذ بهذه المسؤولية في سورية كأساس تكميلي للمسؤولية القائمة على أساس الخطأ، فإننا نقترح معالجة تطبيقات هذه المسؤولية في القرارات الإدارية وفي مجالين هما:
1- مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية
2- مسؤولية الإدارة عن أعمالها المشروعة، ويتجلى ذلك في مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع لموظفيها.
وسنتناول معالجة هاتين الحالتين في القرارات الإدارية تباعاً.
أ‌- مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع لموظفيها:
من المسلم به أن للإدارة أثناء قيامها بتنظيم المرافق العامة وضماناً لحسن إدارتها، أن تلجأ إلى إلغاء بعض الوظائف، الأمر الذي يستتبع فصل شاغليها بقرارات تكون مشروعة وغير معيبة بأي عيب من عيوب عدم المشروعية. ومع ذلك، فإن من حق الموظف المفصول أن يطالب بالتعويض، ولكن ليس على أساس الخطأ لأن قرار الإدارة سليم ولا عيب فيه، وإنما على أساس الضرر الاستثنائي الذي تحمله الموظف من هذا الفصل المفاجئ.
ولهذا فإن مسألة تعويض الموظفين الذين يفصلون فجأة نتيجة لإلغاء الوظيفة إلغاءً قانونياً، تأخذ أهميتها الكبرى في حال لجوء الإدارة إلى فصل عدد من الموظفين بقرارات تعسفية ، ويكون من نتيجتها خلق الاستياء في الرأي العام، وتذرع الحكومة بأن قرارات الفصل هي قرارات تقديرية، أو تدخل في حدود سلطتها التقديرية.
ولكن السيد هوريو حمل هجومه على هذا الموقف وذلك على أثر قضية BERGOERN لعام / 1896 / وقد تبنى مفوض الحكومة رأي السيد هوريو والذي من مقتضاه أن تكون الإدارة مسؤولة كلما كانت العقوبة الموقعة لا تتناسب بدرجة كبيرة مع الخطأ المنسوب إلى الموظف.
ومن ثم فقد سلم مجلس الدولة الفرنسي بهذا المقتضى، رغم اعترافه بان موضوع مناسبة العقوبة للخطأ المنسوب إلى الموظف هو من اطلاقات السلطة التقديرية للإدارة ودون معقب عليها من القضاء.
ثم عاد المجلس وتخطى هذه المرحلة واعتبر أن الإدارة مسؤولة عن قرارات فصل صدرت سليمة، ولكن بدون إلغاء القرار، وإنما بالتعويض عنه. وجرياً على هذا النهج اعتبر أن للإدارة حق سحب القرارات الصادرة بالفصل، سواء كان القرار الصادر صحيحاً أم غير صحيح، وذلك رغم فوات مدة السحب، ولكن بشرط أن لا تكون الإدارة قد عينت في وظيفة المفصول موظفاً آخر تعييناً سليماً، ذلك لأن معنى السحب في هذه الحالة يحمل في طياته فصل الموظف الذي عين بعد فصل الموظف الأول، وهذا لا يجوز.
وفيما يتعلق بالتعويض ، فقد قرر المجلس مسؤولية الإدارة بضرورة دفع التعويض رغم اعترافه بأن قرار إلغاء الوظيفة كان سلمياً، معتبراً أن فصل الموظف فجأة وبدون صدور خطأ منه يستحق هذا الفصل هو بمثابة ضرر استثنائي يجب تعويضه، ولأن السير العادي للأمور هو استقرار الموظف في وظيفته، وكان هذا في قضية villenave لعام 1903( [60]).
وقد استند مجلس الدولة الفرنسي في تقرير المسؤولية الإدارة إلى نظرية المخاطر، حيث أن التعويض هنا غير مرتبط بأي خطأ من جانب الإدارة .
ولكن بعض الفقهاء حاول إسناد مسؤولية الإدارة في هذه الحالة إلى أساس غير المخاطر ، حيث اقترح البعض إرجاعها إلى فكرة العقد. ولكن هذه الفكرة لا تستقيم لأن المسلم به أن العلاقة بين الموظف والإدارة هي علاقة تنظيمية، لا تعاقدية.
والبعض الآخر ذهب إلى ردها إلى فكرة الإثراء بلا سبب، وهذه لا تصح هنا أيضاً، لأن ما تحققه الدولة من وفر جراء فصل بعض موظفيها لا يمكن أن تنطبق عليه قانوناً أحكام الإثراء بلا سبب.
لذلك فإن المسؤولية هنا مرجعها إلى نظرية المخاطر، وقد تبنى المشرع الفرنسي اتجاه مجلس الدولة في مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع للموظف نتيجة إلغاء الوظيفة، ووضع حدوداً تشريعية لهذه المسؤولية بقانون 12/6/1929 ثم بقانون 19/10/1946 .
كما قضى المجلس بالتعويض لمالك أرض نتيجة الضرر الجسيم الخاص الذي لحق به بسبب اضطراره إلى وقف أعمال البناء على أرضه نتيجة لاتخاذ إجراءات نزع ملكية الأرض، ثم عادت الإدارة وعدلت عن نزع الملكية ([61] ).
وهكذا يتبين أن مجلس الدولة الفرنسي يقيم مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع لموظفيها تأسيساً على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.
ب‌- مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناجمة عن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية:
من المعروف أن الأحكام القضائية تمثل عنوان الحقيقة، وأن الإدارة تلتزم بتنفيذها. ولكن في بعض الظروف قد يتعذر على الإدارة تنفيذ هذه الأحكام لاعتبارات تتعلق بالأمن العام. وفي مثل هذه الحالات فهي لا ترتكب خطأ بامتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية، ولكنها بالرغم من ذلك تسبب ضرراً للشخص المستفيد من الحكم القضائي.
والأصل أن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي أو رفض تدخلها أو دعمه بالقوة الجبرية لتنفيذه، يشكل ركن الخطأ الموجب لمسؤوليتها، وبالتالي ركن الضرر لمن صدر الحكم لمصلحته جراء عدم تنفيذه.
وهنا يقع التعارض بين واجب الإدارة التي عليها تنفيذ الأحكام القضائية، ولو بالقوة العامة، وبين واجب السلطة العامة في حماية الأمن العام والنظام العام، إذا ما ترتب على التنفيذ الجبري اضطرابات وقلاقل تنال من النظام العام.
هذا وقد كان لمجلس الدولة الفرنسي سبق الفصل في هذه المسألة وذلك في قضية كويتياس Couiteas الشهيرة في الحكم الصادر في 30/ 11/ 1923 ، نتيجة رفض السلطات الإدارية تمكينه من وضع يده على مساحة كبيرة من الأراضي في تونس قد اشتراها من ورثة أحد الأشراف القدماء، وذلك بعد صدور الحكم لصالحه بتثبيت ملكيته لهذه الأراضي. هذا وقد كانت إحدى القبائل العربية تعيش في هذه الأرض منذ فترة طويلة من الزمن، وترفض النزوح عنها أو التسليم بملكيته لها، وقدرت الإدارة إزاء طلب السيد كويتياس دعمه بالقوة الجبرية العامة لتنفيذ الحكم جبراً، أن استخدام القوة في طرد القبيلة سوف يثير الفتنة والثورات من جانب الأهالي، ويعرض الأمن والنظام العام لخطر مؤكد. فرفضت الإدارة تنفيذ الحكم، ونتيجة لذلك تقدم السيد كويتياس إلى مجلس الدولة مطلباً بالتعويض عن الأضرار التي سببها له امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته.
فأصدر المجلس حكمه القاضي:
1- بأن الإدارة بامتناعها عن تنفيذ الحكم لم ترتكب خطأ ما لأنها وإن كانت قد أخلت بواجبها في تنفيذ الأحكام بالقوة، فإنها إنما فعلت ذلك تنفيذاً لواجب آخر أهم هو حفظ النظام، لأنها قبل أن تلجاً إلى تنفيذ الأحكام بمعاونة البوليس أو الجيش عند الاقتضاء، عليها أن تقدر ظروف التنفيذ الجبري، وتمتنع عن الالتجاء إلى استخدام قوات الجيش إذا رأت أن ذلك إخلال بالنظام والأمن.
2- بالرغم من عدم وجود الخطأ، منح المجلس التعويض على أساس العدالة المجردة التي تأبى أن يضحي فرد لصالح المجموع إذا كان بالإمكان توزيع الأعباء العامة على الجميع، لأن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم هو أمر استثنائي، وغير مألوف في علاقة الإدارة بالأفراد. ولهذا يكون المحكوم له محقاً في طلب التعويض لأن حرمانه التام من الانتفاع بملكه خلال مدة لا يمكن تحديدها نتيجة لموقف الإدارة إزاءه، قد فرض عليه – تحقيقاً للصالح العام – ضرراً جسيماً ، يجب تعويضه.
وقد تأكد هذا الحكم في أحكام أخرى عديدة منها:
حكم 3/ 6/ 1938 ، في قضية شركة كرتون ومطبعة سان شارل.
حيث أكد المجلس أنه وإن لم ترتكب الإدارة أي خطأ نتيجة لعدم تنفيذها الحكم القضائي – اعتصام بعض العمال في مصانع هذه الشركة، وحصول أصحابها على أوامر بطردهم – نظراً للصعوبات التي تمليها مثل هذه الظروف، إلا أنه مع ذلك يجوز التعويض عن الأضرار الناجمة عن عمل الإدارة.
وكذلك الأمر في قضية هوسون Husson لعام / 1948 / بصدد امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر بإخلاء المستأجرين من مساكنهم.
وتأكد مثل هذا الحكم أيضاً، إذا ما تأخرت الإدارة لمدة غير عادية أو كان تنفيذ الحكم يثير تهديداً خطيراً للأمن والنظام العام، وذلك في قضية كونسورت شوش Consart Chauche لعام / 1961/ .
وهكذا يتبين من خلال هذه الأحكام أن مسؤولية الإدارة في حالة عدم تنفيذ الأحكام القضائية يقوم على أساس المخاطر وبالاستناد إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة من جهة، وأن مبدأ التعويض عن الضرر اللاحق بالأفراد المتضررين قد استقر جراء عدم تنفيذ الحكم القضائي الصادر لصالحهم.
ولكن من الجدير بالذكر أن مجلس الدولة الفرنسي الذي يأخذ بنظرية المخاطر، يقيد هذا القضاء بقيدين:
القيد الأول: لكي تكون الدولة مسؤولة على أساس المخاطر، يجب أن يكون امتناعها عن تنفيذ الحكم مرجعه إلى تحقيق اعتبارات تتعلق بالصالح العام تفوق في أهميتها خطورة الامتناع عن تنفيذ حكم واجب النفاذ. وهذا ما يقدره مجلس الدولة، ولا يتركه لتقدير الإدارة المطلق، وإلا أهدرنا كل ضمانة جدية لتنفيذ الأحكام القضائية.
القيد الثاني: أن يكون التأخير في تنفيذ الأحكام والذي يعتبر سبباً للمسؤولية سواء على أساس الخطأ أم المخاطر غير عادي ويتجاوز المألوف. أما إذا كانت المدة التي تأخرت فيها الإدارة معقولة، ويتطلبها السير العادي للأمور فإن مجلس الدولة يرفض التعويض.
هذا وقد أخذ القضاء الإداري اللبناني بمبدأ مسؤولية الإدارة بدون خطأ في حال امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي، حيث قضى أنه " إذا كان للحكومة أن تمتنع عن تأمين القوة المسلحة توصلاً إلى تنفيذ حكم لأسباب تتعلق بالأمن العام وبالنظام العام، فإن من حق المتقاضي في هذه الحالة أن يطالبها بتعويض إذا ما نتج له ضرر عن عدم التنفيذ "([62] ) .
أما في مصر وسوريا فإن القضاء الإداري لم يأخذ بنظرية المخاطر "المسؤولية بدون خطأ" كأساس للمسؤولية والتعويض، وهو يعتبر أن مسؤولية الإدارة تقوم عن عدم تنفيذ حكم قضائي إذا كان هذا يشكل خطأ موجباً للمسؤولية وللتعويض، ولكن المسؤولية هنا لا تقوم على أساس المخاطر، بل على أساس الخطأ.
من ذلك أن " امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعي، يعتبر إجراءً خاطئاً، ينطوي على مخالفة أصل من الأصول القانونية، هو احترام حجية الشيء المقضي به"( [63]) .
وفي سوريا طرحت المسألة على القضاء الإداري فذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن " ولاية المحكمة الإدارية في المنازعات المرفوعة أمامها، إنما تنتهي بمجرد إصدار الحكم في موضوع الدعوى، أما ما يتبع الحكم من إجراءات لتنفيذه فلا تدخل ضمن ولايتها القضائية ، لأن المشرع جعل تنفيذ الأحكام واجباً مفروضاً على الإدارة" ([64] ).
بل إن المشرع تولى ذلك وجعل تنفيذ الأحكام واجباً مفروضاً على الإدارة بنص المادة ( 36 ) من قانون مجلس الدولة رقم ( 55) لعام / 1959 / ، ولم يجعل امتناع الإدارة عن التنفيذ بمثابة قرار إداري جديد يقبل الطعن فيه مجدداً أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
إذ لو جاز ذلك لكان الحكم الصادر مجدداً تكراراً للحكم السابق، فضلاً عن أنه يحمل في معناه إجبار الإدارة على القيام بعمل هو من واجباتها المقررة قانوناً. وأن القضاء الإداري مستقر على أن المحكمة لا تملك إلزام الإدارة على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به ([65] ).
وعلى هذا، فإن مجلس الدولة يستند إلى نص المادة (36) من القانون (55) لعام / 1959 / ويعتبر أن ولايته تنتهي بمجرد صدور الحكم، وأن تنفيذ الأحكام واجباً مفروضاً على الإدارة وأن المادة المذكورة تجيز تنفيذ الأحكام ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك، ولكن دون الحديث عن التعويض، وعن وجه مساءلة الإدارة في حال امتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية.
أما محكمة النقض السورية فقد ذهبت إلى اعتبار أن " امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام المحاكم يعتبر من قبيل الاعتداء المادي، ويقدر القضاء الضرر الناجم عن هذا الاعتداء، والذي يجب أن يكون جابراً للضرر "( [66]).
بناءً عليه، وأمام هذه الأحكام التي تصور امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية تصويراً متغايراً، فإننا نرى – مع التحفظ، واحتراماً لمبدأ استقلال القضاء العادي عن الإداري – في اجتهاد محكمة النقض كل الجرأة المطلوبة في اعتبار امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية، اعتداء مادياً، ويستعيد القضاء العادي ولايته في تقدير الضرر الناجم عن هذا الاعتداء، وأن يكون التعويض جابراً للضرر، وأن يكون تقديره أقرب ما يكون لتاريخ الجبر، حسب اجتهادات محكمة النقض رقم ( 1571 ) أساس / 106 / وقرار ( 607 ) أساس/ 246 تا 26/3/1975 ورقم ( 2267 ) قرار ( 111) تا 26/1/1981.
إزاء هذا الموقف، وفي بلاغ لوزارة العدل السورية رقم / 10 تاريخ 26/8/1997 الذي أشار إلى صراحة النصوص القانونية، إثر ملاحظ الوزارة أن بعض أحكام القضاء الإداري قد وضعت موضع التنفيذ في دائرة التنفيذ المدني التي باشرت إجراءاتها لتنفيذ هذه الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري مقررة جواز تنفيذها عن طريق دائرة التنفيذ المدني بوزارة العدل، وكما أبدى ذلك قرار لمحكمة الاستئناف بمعرض استئناف قرار لرئاسة التنفيذ فيها، فأشار البلاغ إلى صراحة نصوص قانون مجلس الدولة السوري في أن قرارات القضاء الإداري لا تقبل التنفيذ أمام دائرة التنفيذ المدني، معتبراً أن هذه النصوص صريحة في دلالتها على أن أحكام القضاء الإداري تبعاً لما يدون على صورتها التنفيذية، تقبل التنفيذ مباشرة من الجهات العامة التي يجب عليها تنفيذها دون تدخل جهة أخرى، ولا يستوفى أي رسم عن الصور التنفيذية للأحكام القضائية الصادرة عن مجلس الدولة، ويتولى الديوان القضائي فيه إعلان الأحكام التي تصدر عن المحاكم لتنفيذها.
من جهة ثانية، وباجتهاد مماثل للحكم الذي أوردناه لمجلس الدولة، أشار البلاغ الوزاري إلى أن " طبيعة القضاء الإداري، وكون الجهات الإدارية هي دوماً أحد طرفي كل نزاع يرفع إليه تأبى أن يكون تنفيذ أحكام الإلغاء التي تصدر عنه بحاجة إلى وساطة الدوائر المختصة بتنفيذ الأحكام المتعلقة بالقانون الخاص على الأفراد العاديين، وتدعو إلى أن تبادر الجهات الإدارية المحكوم عليها بتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضدها من تلقاء نفسها بمجرد إعلانها من قبل مجلس الدولة.
ومن حيث أن إدارة قضايا الدولة تتولى النيابة القانونية عن الدولة وجميع أجهزتها الإدارية، كان إعلانها الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم مجلس الدولة مقنعاً وكافياً لمبادرة الإدارات المحكوم عليها بالتنفيذ بمجرد مخاطبتها بذلك " .
كما أشار البلاغ إلى أن هذا المبدأ قد تأيد برأي قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة، "رأي الجمعية العمومية رقم ( 136 ) لعام / 1971/ و ( 143 ) لعام / 1981 / .
وفي الرأي الثاني ( 143 ) لعام / 1981/ جاء فيه حسب المادة ( 273 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية أن التنفيذ لا يكون إلا لسند تنفيذي، والأسناد التنفيذية هي الأحكام، والأحكام هنا يقصد بها تلك التي تصدر عن محاكم القضاء العادي. وأن المادة " 289 أ.م.م" أشارت إلى أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً ما دام الطعن فيها بالاستئناف جائزاً، وأن الطعن بالاستئناف هو طريق من طرق الطعن بالقرارات الصادرة عن جهات القضاء العادي وليس طريقاً للطعن في قرارات القضاء الإداري، مما يعني أن الأحكام المقصودة هي الأحكام الصادرة عن جهات القضاء العادي وهذا ما أكدته المادة "251 أ.م.م" التي نصت على أنه " لا يترتب على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم إلا إذا كان متعلقاً بعين العقار". وهذا يعني أن وقف التنفيذ متعلق بالأحكام القابلة للطعن بالنقض، وهي أحكام تصدر عن القضاء العادي، إذ لا تقبل إحكام القضاء الإداري الطعن بالنقض أمام محكمة النقض.
ومجمل القول أن قرارات القضاء الإداري لا تقبل التنفيذ أمام دائرة التنفيذ المدني، وأن المشرع قد خط أصولاً خاصة لتنفيذها، وأن دائرة التنفيذ المدني تختص بالنسبة للأحكام الصادرة عن جهات القضاء العادي أو تلك التي ينص قانون خاص على تنفيذها بدائرة التنفيذ المدني.
ولكن بالرغم من وجاهة هذا التأصيل القانوني، وافتراض النية الحسنة للإدارة في تنفيذ الأحكام القضائية، فمما لا شك فيه أن السؤال الرئيس يبقى قائماً لمعرفة ما إذا كان عنصر الخطأ يظل قائما، لو أن رفض التنفيذ يرجع لاعتبارات تتعلق بالمحافظة على الصالح العام من جهة، أو إذا كان يترتب على التنفيذ إخلال بالأمن أو النظام العام.
ومن جهة أخرى، فمما لا شك فيه أن الحكم يختلف فيما إذا كنا بصدد حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية، حيث قد ينتفي خطأ الإدارة إذا ما ألزمتها هذه الظروف اتخاذ إجراء مخالف للقانون.
ففي هذا الخصوص ذهبت المحكمة الإدارية العليا المصرية إلى القول أنه " لئن كان لا يجوز للقرار الإداري في الأصل أن يعطل حكماً قضائياً وإلا كان مخالفاً للقانون، إلا أنه إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً إخلال خطير بالصالح العام، ويتعذر تداركه كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام، فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الخاص، ولكن بمراعاة أن الضرورة تقدر بقدرها، وأن يعوض صحب الشأن، إن كان لذلك وجه"([67] ).
وعليه، إذا كان القضاء الإداري المصري قد أقر بمبدأ التعويض عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية إعمالاً لنظرية الظروف الاستثنائية، فالسؤال يبقى معلقاً في حالة الظروف العادية حيث لم يستشف من أحكام مجلس الدولة المصري ما يشير إلى كيفية التعويض عنها، وإلى أي أساس علماً أن اجتهادات مجلس الدولة في مصر وسوريا تشير إلى عدم الأخذ بنظرية المخاطر، أي المسؤولية بدون خطأ.
مهما يكن من أمر، ورغم وجاهة التفريعات القانونية السابقة، هل نستطيع الركون إلى المادة "361 " من قانون العقوبات السوري التي تقضي بأن " كل موظف يستعمل سلطته أو نفوذه مباشرة أو غير مباشرة ليعوق أو ليؤخر تطبيق القانون أو الأنظمة وجباية الرسوم والضرائب أو تنفيذ قرار قضائي أو مذكرة قضائية أو أي أمر صادر عن السلطة ذات الصلاحية يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين ".
هل نستطيع بموجب هذه المادة تحريك الدعوى بحق الموظف الذي يعوق أو يؤخر تنفيذ قرار قضائي، حيث حسب نص هذه المادة لا شيء يمنع من ذلك، ولكن من الناحية العملية، فإن هذا يبقى رهن إرادة النيابة العامة ومشيئتها.
ومن ثم فالمسألة المطروحة تكون عوداً على بدء، ولا تحظى بالمؤيد القانوني من المطلوب، وغالباً ما تلجأ النيابة العامة إلى رفع الأمر إلى إدارة التشريع، وهذه قد تحتفظ بها أو لا ترد عليها.
أمام هذا الواقع القانوني، فإننا نجد في المادة "72 " من الدستور المصري التي تنص على أن : " تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون ، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة "، ضمانة دستورية أكيدة تتجلى في تحريك الدعوى الجنائية مباشرة دون إذن من النائب العام، ضد المسؤولين، وفي أي منصب كانوا إذا ما امتنعوا عن تنفيذ أحكام قضائية واجبة النفاذ.
ولكن مهما يكن من أمر هذه النصوص الدستورية والقانونية في شأن تنفيذ الأحكام القضائية فإن المسألة تبقى معلقة لمعرفة فيما إذا كان رفض التنفيذ يرجع لاعتبارات تتعلق بالصالح العام، أو إذا كان يترتب على التنفيذ إخلال خطير بالأمن أو النظام العام.
فهذا السؤال يبقى معلقاً بدون جواب شاف في الأحوال العادية، سيما وأن القضاء الإداري السوري والمصري لم يأخذ بنظرية المخاطر في تقرير مسؤولية الإدارية عن أعمالها المشروعة التي ينجم عنها أضراراً تصيب أفراد محدودين كما سبق إيضاحه.
وأخيرا يجب التنويه إلى أن مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر، وإن لم تحظ بموافقة جميع فقهاء القانون العام في فرنسا، فإن لهذه المسؤولية من المبررات ما يكفي للأخذ بها في سوريا، ولكن على أساس نظرية مكملة للمسؤولية القائمة على الخطأ، ويكون أساسها القانوني قائماً على مبدأ أساسي ودستوري من مبادئ القانون العام ألا وهو " مبدأ مساواة المواطنين أمام التكاليف العامة ".
والأخذ بهذه النظرية يحقق التوازن المنشود بين الصالح العام ومصالح الأفراد، وذلك دون إفراط أو تفريط ، وخاصة عندما يكون عمل الإدارة مشروعاً، ولكنه يلحق الضرر ببعض الأفراد، كما هو شأن فصل الإدارة المشروع لموظفيها، وفي امتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية لاعتبارات تتعلق بالأمن والنظام العام.















الخاتمة:
من استعراض أوجه عدم المشروعية في القرار الإداري كأساس للحكم بالتعويض يتبين لنا أن أوجه عدم المشروعية هذه ليست على درجة واحدة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي والسوري، وأن أوجه عدم المشروعية قد تجعل القرار الإداري غير المشروع قابلاً للطعن بالإلغاء، إلا أنها في مجال التعويض قد لا تعد سبباً كافياً لتوليد مسؤولية الإدارة، وفي هذا يكمن اختلاف قضاء الإلغاء عن قضاء التعويض.
فعلى ضوء الاجتهادات التي صاغتها المحكمة الإدارية العليا كمبدأ استقر عليه اجتهاد القضاء الإداري، ولا يزال يردده مؤكداً مضمونه في العديد من أحكامه، فقد صاغت المحكمة هذا المبدأ على الشكل التالي: ( الإلغاء ، الانعدام ، التعويض ) " أنه عندما ينص المشرع على إسباغ الصفة القطعية على قرار معين فإنما يقصد بذلك القرارات التي تصدر مستجمعة الأسس التي نص عليها القانون، وتنحسر صفة القطعية بطبيعة الحال، عن القرارات التي يشوبها عيب جسيم إذ تهوي حينئذ إلى درك الانعدام، وتعود للقضاء ولايته القانونية التي تخوله حق النظر فيما يرجم به القرار من أسباب قانونية تستهدف الطعن فيه، تمهيداً للإجهاز عليه، ويتصدى القضاء لاستظهار العيوب المنسوبة إلى القرار الطعين، فإذا استبان له انطواؤه على مخالفات قانونية أساسية، عمد إلى إعلان انعدامه بغير هوادة.
أما فيما يتعلق بطلب المعترض عليه اعتراض الغير، الحكم له بتعويض مقداره لقاء ما حاق به من ضرر بسبب هذا الاعتراض، فإن المحكمة بما لها من صلاحية التقدير وجدت أن عدم قبول اعتراض الجهة المعترضة اعتراض الغير من شأنه أن يغني عن الحكم للمعترض عليه بأي تعويض.
أو حسب الصيغة التي تقول بأن " هذه المحكمة ترى أن إلغاء القرار يعتبر تعويضاً كافياً للجهة المدعية، وتكون مطالبتها بالتعويض الملمع إليه متعينة الرفض" أو بصيغة أخرى، "أن إلغاء قرار الاستملاك الطعين يعتبر خير تعويض من شأنه أن يحجب الضرر المشكو منه" ( القرار رقم 162 في الطعن 902 لعام 1995).
وهكذا يتبين أن مسؤولية الإدارة في سوريا عن القرارات الإدارية منوطة بأن تكون تلك القرارات معيبة، وأن يترتب عليها الضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين عدم مشروعيتها وبين الضرر الذي يصيب الأفراد، حيث إذا انتفت عيوب عدم المشروعية المعروفة عن القرار الإداري، فلا مسؤولية على الإدارة مهما ترتب على هذا القرار من ضرر بالأفراد.
ولكن بالرغم من هذا الموقف التقليدي للقضاء الإداري السوري، وكذلك المصري في موضوع مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية، فإن السؤال الرئيس الذي يتبادر إلى الذهن يفيد أن تقييد اختصاص مجلس الدولة في التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة قد يكون فيه تضييقاً على المتقاضين في بعض الحالات، خاصة إذا كان القرار الإداري سليماً، كحالة الفصل المفاجئ للموظف من جهة وامتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية من جهة ثانية.
وأن مسؤولية الإدارة كما تقوم على أساس الخطأ فهي تقوم أيضاً على أساس المخاطر، وأن مجلس الدولة الفرنسي يمنح التعويض على هذا الأساس كلما بدا له أن القواعد العامة في المسؤولية على أساس الخطأ لا تسعف في تلمس قواعد العدالة، وعندها قد يتدخل المشرع لتبني ما رسمه المجلس، وهذا بدوره يتقيد بما قرره المشرع، سواء بشروط المسؤولية على أساس المخاطر أو بنطاق التعويض أو بمن يتحمل العبء النهائي للتعويض.
وعليه, ففي إطار التوصيات والمقترحات نرى:
1- نظراً لأن المشرع لم يربط الحكم بالتعويض في القرارات الإدارية عن عيب محدد من العيوب التي تصيب القرار، ونظراً لأن مجلس شورى الدولة اللبناني كان أكثر جرأة في الأخذ بالمسؤولية بدون خطأ إلى جوار المسؤولية القائمة على الخطأ، وحيث أن تحديد المشرع لأوجه الخطأ في القرارات الإدارية بقانون مجلس الدولة التي يحكم بناءً عليها بإلغاء القرارات وقيام المسؤولية على أساس الخطأ، لا يمنع القضاء الإداري من الأخذ بقواعد المسؤولية بدون خطأ، لأن المشرع لم يربط الحكم بالتعويض لعيب محدد من العيوب التي تصيب القرارات، وفي هذا نرى أن يعزز القضاء الإداري السوري موقفه الجريء الذي أبداه في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا عام 1988 والمتعلق بقضية منشأة المقهى المقامة على ضفة البحيرة المتشكلة من نبع بردى، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بالتعويض، لأن " قيام جهة الإدارة بهدم وإزالة المنشآت التي كانت تشكل المقهى موضوع الدعوى، قد هدف إلى تأمين سلامة نبع بردى والحفاظ على صفائه ونقائه ووتيرة تدفقه، وهذا كما لا يخفى يمثل هدفاً يتصل بالمصلحة العامة اتصالاً وثيقاً، إلا أن هذه الغاية المثلى ليس من شأنها أن تلقي بظلالها كثيفة على عاتق المدعي وحده، بل لا بد من أن ينال تعويضاً عادلاً يخفف عن كاهله وطأة فقدانه مقر استثماره ومصدر رزقه، على أن يراعى في منح هذا التعويض مبدأ دفع الضرر فقط، مما يجعل حق المدعي قاصراً على اقتضاء التعويض الذي قدره الخبراء لقاء جبر الضرر" ( حكم المحكمة الإدارية العليا السورية لعام 1988 القاعدة 14 ص 91 القرار رقم 86 في الطعن 8 لسنة 1988).
2- إن سلوك القضاء الإداري مسلكاً منطقياً إزاء إرادة المشرع، لا يمنع المشرع من إقرار وتوسيع فروض المسؤولية بدون خطأ، بحيث تبقى المسؤولية على أساس الخطأ الأصل العام، والمسؤولية بدون خطأ تكون على سبيل الاستثناء أو ذات صفة تكميلية، وهذا له ما يبرره في القرارات الإدارية في مجال مسؤولية الإدارة عن أعمالها المشروعة ومسؤوليتها في حال عدم تنفيذ الأحكام القضائية.
3- إزاء عدم تبني القضاء الإداري السوري والمصري لمسؤولية الإدارة بدون خطأ في أحكامه دون نص تشريعي، فإن الحاجة أضحت ماسة إلى تبني هذه المسؤولية، نظراً لأن المسؤولية الإدارية القائمة على الخطأ تبقى دون شك قاصرة عن الإحاطة بالفرضيات والحالات التي تطبق فيها المسؤولية بدون خطأ، الأمر الذي يستدعي ضرورة تطوير قانون المسؤولية الإدارية وتقرير مسؤولية الإدارة بدون خطأ، نظراً لاتساع وتنوع النشاط الإداري وضرورات الحياة المعاصرة التي تفرض التطور اللازم في نظم المسؤولية الإدارية في سورية، وذلك بغية تحقيق أكبر ضمانة ممكنة للأفراد في مواجهة النشاط الإداري الذي ينتج عنه أضرار جسيمة لهم.
4- إن تبني مثل هذا الموقف من المشرع ومن القضاء،- ونأمل أن يكون كذلك فيما يتعلق بالقرارات المحجبة أو المحصنة من الطعن، وإفساح المجال للطعن فيها- يحقق العدالة بالنسبة للأفراد في الحالات والفروض التي لا تسعف فيها قواعد المسؤولية القائمة على الخطأ، ويحقق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين في التعويض عما يصيبهم من أضرار جسيمة، خاصة وغير عادية، وذات صفة استثنائية، ولا يد للإدارة فيها، دون أن يكون في ذلك إرهاق للخزينة العامة للدولة، ومن ثم يتعزز مبدأ العدل والإنصاف الذي يشكل الهدف الأسمى لكل قاعدة قانونية، وبصورة خاصة القواعد التي تحكم القرارات الإدارية بالإلغاء والتعويض.





المراجع
1- د. أنور رسلان، " وسيط القضاء الإداري"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.
2- د. جابر جاد نصار، " مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية، قضاء التعويض"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.
3- د.جورجي شفيق ساري، " مسؤولية الدولة عن أعمال سلطاتها، قضاء التعويض"، دراسة مقارنة، ط6، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002.
4- د. رأفت فودة، " دروس في قضاء المسؤولية الإدارية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994.
5- د. رمزي طه الشاعر، " قضاء التعويض، مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية"، دار التيسير للطباعة، القاهرة، ط3، 2000.
- " تدرج البطلان في القرارات الإدارية" ، دراسة مقارنة، ط3، دار التيسير للطباعة، القاهرة، 2000.
6- د. سعاد الشرقاوي، " المسؤولية الإدارية"، مطبعة دار المعارف بمصر، ط3، 1973.
7- د. سليمان الطماوي، " دروس في القضاء الإداري " قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام" ، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986.
8- د. طارق خضر، " القضاء الإداري، قضاء التعويض"، بدون ناشر، 2004.
9- د. عبدالله طلبه، " الرقابة القضائية على أعمال الإدارة"، إصدار جامعة دمشق، 1994.
- " القانون الإداري" ج1- ج2. إصدار جامعة دمشق، 1994.
9- د. ماجد راغب الحلو، " القضاء الإداري" ، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،
1977.
10- د. محمد رفعت عبد الوهاب، " القضاء الإداري"، بدون ناشر، 1990.
11- د. محمد محمد عبد اللطيف، " قانون القضاء الإداري"، الكتاب الثالث، مسؤولية السلطة العامة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004.
12- د. محمود عاطف البنا، " الوسيط في القضاء الإداري"، ط2، 1999.
13- د. محسن خليل، " القضاء الإداري، الدار الجامعية.
13- د. نبيلة عبد الحليم كامل، " مسؤولية الإدارة غير التعاقدية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.
14- د. نورا فرغلي عبد الرحمن، " مسؤولية الموظف ومدى مسؤولية الدولة عن أخطائه وأفعاله" ، دراسة مقارنة، بدون ناشر، 2004.
15- د. وجدي ثابت غبريال، " مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة كأساس للمسؤولية الإدارية"، دراسة مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1988.


[1]- أنظر " الوجيز في الحقوق الإدارية" ، لمؤلفه المرحوم الدكتور عدنان العجلاني، مطابع دار الفكر بدمشق، ج1، ط3، 1961، ص207.

[2]- حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 132 لعام 1960. وفي نفس المعنى تقريباً حكم محكمة القضاء الإداري المصرية في القضية رقم 934 السنة 6 قضائية، تا 6/1/1954. وبخصوص الانتقادات الموجهة إلى تعريف القرار الإداري، أنظر، د. محمد فؤاد مهنا، " القانون الإداري العربي"، ط2، ج2، دار المعارف 1965، ص 956.

[3]- القرار رقم 69 في القضية رقم 100 لعام 1967، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السورية في أعوام ( 1966- 1967- 1968) ص 342، فقرة 97، وف 106، ص 372.

[4]- حسب تعبير المحكمة الإدارية العليا السورية ، قرار رقم 131 في الطعن 859 لعام 1988 فقرة 73 ص 370.

[5] - د. سليمان الطماوي ، " قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام" ، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1986، ص 373.

[6] - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية ، السنة 11 تا 26/6/1957، ص 101.

[7] - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية، س10، تا 16/8/1956، ص 147.

[8] - حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 48 لسنة 1967، ص 317.

[9] - حكم المحكمة الإدارية العليا قرار رقم 57 في القضية رقم 90 لعام 1968 ص418، والقرار رقم 58 في القضية رقم 92 لعام 1968 ص 421، وقرار رقم 38 في القضية 30 لعام 1967 ص 412، وقرار رقم 11 في القضية 17 لعام 1968 ص 16، وقرار رقم 7 الطعن رقم 26 لعام 1966 .

[10] - القضية رقم 1142 قرار رقم 20 تا 1/2/1993، مجلة المحامون العدد 1-2 لعام 1994، ص85.

[11] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية، تا 29/6/ 1957 ، س2 ص 1309.

[12] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية تا 28//1959 س4 ص 883، الحكم الصادر بتاريخ 21/5/190 س5 ص 946. انظر مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في مصر في خمسة عشر عاماً 1965 – 1980 ، ج3 ، 1984، المكتب الفني. والأحكام تا 10/4/1971 ص2231، وتا 20/5/1978 ص 2231.

[13] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية في الطعن رقم 63 تا 5/1/1983، مجلة المحامون لعام 1987.

[14] - أنظر ، د. محسن خليل ، " مفهوم عدم المشروعية ودورها في مسؤولية الإدارة في القانون الإداري الفرنسي والمصري"، أطروحة دكتوراه، باريس 1953.

[15] - د. محسن خليل ، " القضاء الإداري " ، الدار الجامعية ، ص263 .
- “ la notion d'illegalite et son role dans la responsabilite de l'administration en droit administratif Franais et Egyptien " These ,Paris,1953.

[16] - M.Waline ,Droit administratif,9e edit,p862.

[17] Duez, La responsabilite de la puissance publique, 1938 ,p 55-56 .

[18] - حكم محكمة القضاء الإداري السورية رقم 211 في القضية رقم 104 لعام 1973 ، المصدق بقرار دائرة فحص الطعون رقم 75 في الطعن رقم 90 لعام 1975 ، في مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة لعام 1973 ، ص 104 .

[19] - حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 5 للسنة القضائية الأولى ، جلسة 26/4/1960 .

[20] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 1145 في الطعن رقم 2724 لعام 1993 ، المجموعة 1993 ، ص 413 .

[21] - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السورية عام 1990 ، ص 142 .

[22] - حكم محكمة القضاء الإداري رقم 171 في القضية رقم 119 لعام 1974 ، المجموعة لعام 1974 ، ص 136 .

[23] - انظر د. عبد الغني بسيوني عبدالله، " تطبيقات مبدأ المساواة في القانون الإداري Les applivations du principe d'égalité en Droit Ad,inistratif " رسالة دكتوراه جامعة Bennes الفرنسية سنة 1979.

[24] - C.E 10-2-1950 ,S de Leysat,rec p 102.

[25] - مجموعة المبادئ القانونية لعام 1990 ، حكم 813 ، الطعن رقم 2196 .

[26] - C.E 7-11-1947 Alexis et Wolf,JCP,1947,p406.

[27] - C.E24-7-1936,Syndicat de la cote d'or,D1937,3.41.conclusion Lagrange,note Waline.

[28] - د. محسن خليل ، مرجع سابق ، ص 266 .

[29] - Duez, " la responsabilibé de la puissance publique" , 1938,p 53. – Weil, " Les conséquences de l'annulation d'un acte administratif pour excés de pouvoir", 1952, p 257.

[30] - C.E 27-9-1909 .- 23-8-1910 Fabregue.

[31] - د. محسن خليل ، مرجع سابق ، ص267 .

[32] -أنظر د. محمد سليمان الطماوي ، القرارات الإدارية .

[33] - C.E Vuldy,7-6-1940,rec p 197 .

[34] -C.E 1-12-1948,rec p 449.

[35] - د. محسن خليل ، مرجع سابق ، ص 269 .

[36] - حكم محكمة القضاء الإداري السورية رقم 18 في القضية رقم 15 لعام 1974 ، منشور في مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا لعام 1974 ، ص 319 .

[37] - قرار محكمة إدارية عليا رقم 14 لعام 1966 ، المجموعة لعام 1966 ، ص 151-152 .

[38] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 38 في الطعن رقم 18 لعام 1995 ، المجموعة 1995 ، ص 12 .

[39] - C.E. 26-3-1958 Albert .

[40] - محكمة قضاء إداري مصري لعام 1957 .

[41] - د. عبدالله طلبه ، الرقابة القضائية على أعمال الإدارة ، مرجع سابق ، ص294 .

[42] - Duez,La responsabilibé de la puissance publique ,1938,p66 .

[43] -Weil,Les conséquences de l'annulation d'un acte administratif pour excés de pouvoir ,Thèse,1952,p258.

[44] - د. محسن خليل ، مرجع سابق ، ص 271-272 .

[45] - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية رقم 1422 21/12/1953 ، المجموعة السنة الثامنة ، مبدأ رقم 140 ، ص 293 .

[46] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية رقم 260 ، المجموعة السنة الخامسة القضائية ، ص 256 . وكذلك في الطعن رقم 341 تاريخ 22/5/1977 ، مجموعة الخمسة عشر عاماً ، ج2 ، المبدأ رقم 34 ، ص 2046 .

[47] - يقضي مجلس الدولة السوري بأن القرار يكون معدوماً " إذا كانت مخالفة الشرعية مخالفة صارخة إلى حد يفقد القرار طبيعته ويخرجه من دائرة تطبيق الأحكام العامة للقرارات الإدارية ، فالقرار يعتبر كذلك إذا صدر عن شخص ليست له صفة أصلاً في إصداره، كما إذا صدر عن شخص ليست له صفة الموظف العمومي ، أو إذا كان مصدر القرار موظفاً عمومياً لكنه لا يملك سلطة إصدار قرارات إدارية ، ويعتبر القرار معدوماً كذلك إذا صدر عن شخص له صفة في إصدار القرارات الإدارية لكن القرار صدر في موضوع خارج عن اختصاص السلطة الإدارية أصلاً ، كأن يكون داخلاً في اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية مثلاً … " .
حكم المحكمة الإدارية العليا السورية في القضية رقم 10 جلسة 22/9/1962 ، مصدق بقرار دائرة فحص الطعون رقم 11 جلسة 11/3/1963 . المجموعة للفترة 1959- 1964 ، ص 403 .

[48] -C.E 1-9-1944 Bour ,rec p 241 .

[49] - د. محسن خليل ، مرجع سابق ، ص 272 –273 .

[50] - د. عبدالله طلبه ، مرجع سابق ، ص 312 .

[51] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 746 في الطعن رقم 1896 لعام 1991 ، المجموعة لعام 1991 ، ص 401 .

[52] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 29 لعام 1967 ، المجموعة 1967 ، ص 205 .

[53] - حكم محكمة القضاء الإداري المصرية في الدعوى رقم 847 السنة 48 جلسة 4/8/1994 . انظر ، د. محمد ماهر أبو العينين
" دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري " الكتاب الثاني ، دار الكتب القانونية شتات مصر ، 1998 .

[54] -Sur,” Motivation ou non motivation des actes administratifs " A.J.1979,n9,p3.

[55] - حكم رقم 102 ، في الطعن رقم 82 لعام 1967 ، المجموعة لعام 1968 ص 140-141 .

[56] -C.E 21-2-1929 Faure .

[57] - حكم محكمة القضاء الإداري السورية رقم 346 في القضية رقم 41 لعام 1974 ، المجموعة لعام 1974 ، ص 63 .

[58] - د. ماجد الحلو، " القضاء الإداري" دراسة مقارنة، ص 295.

[59] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 34 لسنة 1972 ، المجموعة 1972 .

[60] - C.E Villenave 11dec 1903,S 1904,3.121. note Hauriou.

[61] - C.E 23 Dec 1970, E.D.F, A.J, 1971,p 96.

[62] - مجلس الدولة اللبناني ، قرار رقم 363 تا 17/3/1964 ، المجموعة الإدارية سنة 8 ، ص110.

[63] - محكمة القضاء الإداري المصري حكم تاريخ 20/12/1956، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري في خمسة عشر عاماً، ج1 ، ص659.

[64] - حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 538 تا 16/10/1980، مجلة القانون لعام 1981، ص219.

[65] - انظر القانون الصادر في فرنسا بتاريخ 8/2/1995 والقانون الصادر بتاريخ 30/6/2000، الذي أدخل إلى الفصل السابع من تقنين العدالة الإدارية والمتعلق بسلطة القاضي توجيه الأوامر إلى الإدارة. وانظر ، د. مهند نوح، القاضي الإداري والأمر الإداري، منشورات مجلة جامعة دمشق، لعام 2004.

[66] - نقض سوري رقم 2031 تا 20/12/1981، سجلات محكمة النقض لعام 1981، مذكور في التقنين المدني السوري طعمة واستنبولي، ج1، ف568.

[67] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية في القضية رقم 724 ، س 3، مذكور في مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها مح إ ع، س4، ص533. والطعن رقم 1076 تاريخ 24/2/1979، س18.






التوقيع

المحامي الدكتور سامر التركاوي
دكتوراه في القانون العام
دمشق - شارع الثورة- جانب جامع الشامية
0944684429

https://www.facebook.com/Constitutio...nistrativeLaw/
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التحكيم في عقود B.0.T -Build-Operate-Transfer سامر تركاوي أبحاث في القانون الإداري 1 12-04-2011 06:40 PM
عقد تاسيس شركة مساهمة مغفلة وفق قانون التجارة والشركات الحديث المحامي غيلان عرب صيغ العقود 0 04-02-2011 02:21 PM
مبدأ الإلغاء الإجباري للأنظمة الإدارية غير المشروعة المحامي حازم زهور عدي مقالات قانونية منوعة 0 02-01-2010 01:12 PM
التظلم الإداري في القانون المصري المحامية علياء النجار أبحاث في القانون المقارن 0 21-10-2008 10:01 PM


الساعة الآن 08:20 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع