مهلاً .. كيلا نحرث البحر
زائر كتب "ثائر الناشف**بالوقوف قليلاً عند إحدى محطات الحياة المتنقلة , لزام علينا التوقف التام والتبصر الدقيق , لما يجري على أدراج هذه المحطات .
المحطة الأولى تبدو فيها الصورة متلبدة كتلبد الغيوم , تجري فيها الماء من تحت أقدامنا دون أن يشعر أحدنا بشيء , إنها محطة الحرث في بحر الفساد , الكل يريد حرث الفساد واقتلاع جذوره , ليسويه على مستوى الأرض , إلا أن هذه الإرادة تبقى في حدود الأمنيات والأحلام الوردية , السبب في ذلك يرجع إلى قلة الاستدراك , فحدس الفساد موجود وملموس ومعاش يومياً , لكن الخلل يأتي من ضعف المساحة التي يستدرك فيها الفساد , أي أنه يرى بعين دون أخرى , فأخصائيو معالجة الفساد يسلمون بصعوبة علاجه لاعتقادهم أن الفساد أشبه ببحر سحيق لا ساحق له , لذا,فإن حرثه ما هو
إلا حرث في قاع البحر , لا شيء يرجى منه سوى استمرار تكاثره بشكل متسارع , فالجميع ضد الفساد ومع حرثه , طبعاً دون أن يعلموا على أي أرض يحرثونه وأين هي أرضه أصلاً ؟.
المحطة الثانية تكاد تكون من أهم المحطات وأخطرها على الإطلاق , فأهميتها ناتجة عن اتصال جزئياتها بجميع المحطات السابقة واللاحقة لها , فحرث البحر قد يكون مفيداً فيها , إذا ما عبرت عن حالتين اثنتين ..
الحالة الأولى : عودة كل مغترب إلى وطنه بعد غياب طويل له أسبابه ومسبباته .
الحالة الثانية : الدفع باتجاه الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد , وتعزيزها أكثر مما هي عليه في الواقع كما يدعي البعض .
أمّا خطورة هذه المرحلة تقوم على تغييب الحالتين الأنفتين , والادعاء بوجود هما على الأرض , مما يفاقم من خطورة الموقف ويعود بنا إلى الحرث مجدداً في قاع البحر , فلا استقامة للبناء الوطني بدون هاتين الحالتين , ولا معنى لكلمة وطن إذا ما أبعد أبناءه وطال إبعادهم طويلاً , كما لا يجوز التغني بوجود وحدة وطنية شكلية تستوعب من تشاء وتستبعد من تشاء .
المحطة الثالثة تمتاز بسلبياتها لا بإيجابياتها , تظهر سلبياتها من خلال حمل كل طرف أدوات حرثه في وجه الطرف الآخر ( المختلف معه) فالواضح أن حمل الطرفين لأدواتهم تجاه بعضهم , يعيدنا إلى عصور مرت وانقضت , ومن غير اللائق استحضارها , فالكل يهوى الحرث في البحر كما يحلو له .
بعد هذه المحطات الثلاث لا بد لنا من أن نقف على محطة رابعة وأخيرة نتبصر فيها ما يحيط بنا من مخاطر مهلكة , محطة من شأنها أن تقوّم عيوب المحطات السابقة وتجعلها أكثر توافقاً .
نافل القول إنّها المحطة التي يجب أن يكون الحرث فيها على أرض الوطن , لا في البحر , فالأجدر ألا يكون حرثنا حرثاً وهمياً , ولا نحرث بعضنا البعض , ولا ندعي حرثاً طوبا وياً , فالمطلوب أن نحرث سويةً وإن اختلفت أدواتنا وبرامجنا وأولوياتنا.
إن الوقوف عند هذه المحطات حاجة ملحة لنا , بقدر ما هي دمار لنا سيما إذا أطلنا الوقوف في مكاننا , عندها سيكون الغرق ماثل أمامنا , فاغراً فمه لابتلاعنا دفعة واحدة , والحرث لا يزال مستمراً .. فمهلاً أوقفوا حرثكم إن بقي لبحركم وأرضكم رحمةً في قلبكم "