هل التحول إلى شركات مساهمة هو الحل لإنقاذ الشركات العائلية؟
تلعب الشركات العائلية دوراً كبيراً في الاقتصاد العالمي كله، وفي الاقتصاد الوطني للدول التي تعمل فيها، ذلك أن الشركة العائلية تعتبر الشكل السائد لمنظمات الأعمال حول العالم، إذ إنها تشكل نحو 80 إلى 90 بالمئة من جميع الشركات في الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، وتوظف هذه الشركات 60 بالمئة من اليد العاملة فيها، وتنتج ما يقارب 49 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، وهو الاقتصاد الذي تنتشر فيه الشركات المساهمة العامة وثقافة فصل الملكية عن الإدارة بشكلٍ كبير، فكيف الأمر بالنسبة لاقتصاديات الدول النامية بشكلٍ عام، ولاقتصاديات بلادنا العربية التي تتسم العلاقات العائلية فيها بالقوة والترابط بشكل خاص؟!
تخبرنا الإحصائيات أن ثلاثين بالمئة فقط من الشركات العائلية تستمر للجيل الثاني، وأن عشرة بالمئة منها فقط تستمر للجيل الثالث، ما يعني أن الاقتصاد كله في خطر نتيجة انهيار هذه الشركات، ولا بد من ثم من إيجاد طرق وأساليب تضمن استمرار هذه الشركات وانتقالها من جيل إلى جيل، فهذه المسألة لا ترتبط بمؤسسيها ومالكيها فحسب، وإنما هي قضية اقتصادية وطنية عامة.
وإذا كان انهيار بعض هذه الشركات يعود إلى الأسباب العامة التي تؤدي لانهيار الشركات جميعها، كضعف الإدارة، قلة السيولة اللازمة لتمويل النمو، الازدياد غير المبرر للنفقات، فضلاً عن الظروف الاقتصادية وظروف السوق، غير أن هنالك أسباباً أخرى خاصة بهذه الشركات تزيد من احتمالات هلاكها وانهيارها، وتعود هذه الأسباب لطبيعة هذه الشركات، وهو كونها مملوكة من قبل عائلة واحدة، ومسيطراً عليها من قبلها.
ولفهم هذه الطبيعة بشكلٍ أكبر لا بد من تعريف الشركة العائلية وتحديد مفهومها بشكل دقيق، فالشركة العائلية ليست شكلاً قانونياً من أشكال الشركات، كشركات التضامن والتوصية البسيطة، محدودة المسؤولية والمساهمة، وإنما يمكن أن تأخذ الشركة العائلية أياً من الأشكال القانونية المذكورة، وإنما تعود صفة العائلية في الشركة إلى ملكية هذه الشركة، لكون جميع أو أغلبية رأسمالها مملوكاً من قبل أفراد عائلةٍ واحدة، أو لكون إدارة هذه الشركة خاضعة لسيطرة العائلة وهيمنتها.
ينتج عن الطبيعة المذكورة للشركات العائلية بعض الخصائص التي تزيد من احتمالات انهيارها وتقلل من احتمالات استمرارها، ومن هذه الخصائص:
- التعقيد: فإدارة وبيئة العمل في الشركات العائلية أكثر تعقيداً من الشركات الأخرى نتيجة إضافة بعدٍ جديد إلى البعدين الأساسيين للشركة (الإدارة والملكية)، ألا وهو (العائلة)، حيث إن هذا البعد يؤدي لإدخال العواطف والمشكلات العائلية إلى الشركة ما ينتج عنه زيادة القضايا التي يجب التعامل معها في الشركة، فضلاً عن كون العديد من الأشخاص في الشركة يلعبون أدواراً متعددة ينتج عنها علاقات مختلفة، ككون الشخص أباً وزوجاً ومديراً في الوقت نفسه.
- انعدام الرسمية: فنتيجةً لكون العائلات تدير الشركات العائلية بنفسها، فإن ذلك يؤدي إلى عدم وجود السياسات والإجراءات والهياكل الواضحة والضرورية لتشغيل واستمرار كل شركة. فإذا نمت الشركة العائلية دون إعارة ذلك الاهتمام اللازم فإن ذلك يهدد استمرار الشركة. كعدم وجود خطة إستراتيجية للشركة، وعدم وضع خطة لخلافة مدير الشركة، وعدم وجود سياسةٍ لتوظيف أفراد العائلة في الشركة، بل والاعتماد على أفراد العائلة وعدم اجتذاب الخبراء من الموظفين من خارج العائلة إلى العمل في الشركة.
غير أن كل ما سبق لا يعني أن انهيار الشركات العائلية هو أمر محتم، إذ إن بعض الشركات العائلية في العالم استمرت مئات السنين، وفي اليابان عمَّرت إحدى الشركات العائلية أكثر من ألف وأربعمئة عام، ومن ثم لا بد من الاستفادة من تجارب تلك الشركات، ومحاولة تطبيقها على الشركات العائلية في بلادنا لضمان استمراريتها.
لذلك، ولإنقاذ الشركات العائلية في بلادنا من الانهيار، ظهرت أصوات عديدة مؤخراً تنادي بضرورة تحول الشركات العائلية من مؤسسات فردية، شركات أشخاص وشركات محدودة المسؤولية إلى شركات مساهمة عامة تطرح أسهمها على الاكتتاب العام. واستجاب المشرع في سورية لهذه الأصوات، وأصدر فعلاً المرسوم التشريعي رقم 61 لعام 2007، والذي يشجع وينظم تحويل المؤسسات الفردية والشركات إلى أشكال قانونية جديدة، وإعادة تقويم الأصول الثابتة لهذه المؤسسات والشركات، والتي تعتبر العديد منها شركاتٍ عائلية.
ولكن، هل يؤدي التحول إلى شكل الشركة المساهمة فعلاً إلى إنقاذ الشركات العائلية من الانهيار؟ تحتاج الإجابة عن هذا التساؤل إلى شيءٍ من البحث والتمحيص والتحليل.
لا تقتصر الشركات العائلية على الشركات الصغيرة والمتوسطة فقط، إذ إن بعضاً من أكبر وأفضل الشركات على مستوى العالم تعد شركات عائلية. ففي الولايات المتحدة نفسها تشكل الشركات المملوكة من قبل العائلات 37 بالمئة من الشركات المصنفة ضمن قائمة (Fortune 500) الشهيرة، والتي تضم أكبر الشركات الأميركية. ومن بين هذه الأسماء شركات مثل: وال مارت، فورد، مارس، ليفي ستراوس، دو بونت، فايرستون، جي بي مورجان.
فالشركات العائلية تتعرض لنوعين من الضغوط، ضغوط ناتجة عن حجمها وتمويلها، ويمكن أن تحل عن طريق تحولها إلى شركة مساهمة عامة، حيث يؤمن طرح أسهم الشركة إلى الاكتتاب العام تمويلاً إضافياً كبيراً وقليل التكلفة للشركة بالمقارنة مع أساليب التمويل الأخرى، وأخرى ناتجة عن ملكيتها وإدارتها، من حيث كونها مملوكة من العائلة، وتتأثر القرارات التي تتخذها الإدارة باعتبارات عائلية. فهل تجنب الشركة المساهمة العامة الشركة العائلية الضغوط الناتجة عن الملكية والإدارة؟
إنَّ الأسباب التي ذكرت في تبرير ضرورة تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة، من حيث كونها تسمح للشركات الصغيرة بمقاومة ضغوط العولمة وتحرير التبادل التجاري، فضلاً عن كونها تسمح لها بالحصول على التمويل اللازم للتوسع والمنافسة، لا تؤدي إلى ضمان استمرار الشركات العائلية وتجاوز العقبات الناجمة عن طبيعة هذه الشركات. أي إن هذه الأسباب تبرر انتقال الشركات الفردية إلى شركات مساهمة، أي تلك الصغيرة والمتوسطة إلى كبيرة، وليس الشركات العائلية إلى مساهمة.
فمن حيث المبدأ من الخطأ الجسيم إرجاع سبب المشكلات التي تعاني منها الشركات العائلية إلى الشكل القانوني للشركة، فجميع أنواع الشركات التي أجاز القانون إيجادها هي شركات سليمة، ولكل منها ما يميزها من خصائص وما يشوبها من سلبيات، ولا مجال لإهدار جميع أشكال الشركات المقررة قانوناً لحساب أحد هذه الأشكال فحسب.
فضلاً عن ذلك، فإن تحول الشركة إلى شركة مساهمة عامة يعرضها إلى مخاطر إضافية كان يمكن تجنبها لو اتخذت الشركة أحد الأشكال القانونية الأخرى. فطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام يعني إدراج هذه الأسهم في سوق الأوراق المالية، ويعني من ثم إمكانية تعرض هذه الأسهم للمضاربات التي قد تخفض من قيمتها، وما قد ينتج عن ذلك من آثار سلبية تضر بالشركة كلها، وتضر من ثم بثروة أفراد العائلة، على الرغم من إمكانية كونهم مالكين لنسبة مهمة من أسهم الشركة.
يضاف إلى ما سبق أن لأفراد العائلة رغبة في الاحتفاظ بالملكية المطلقة للشركة العائلية، التي بذلوا الجهد الكبير في تأسيسها وإنشائها، ومن الصعب إقناعهم بإدخال شركاء لهم في ملكية الشركة. فإذا نجحنا في إقناعهم بذلك، فسنواجه عقبة تتمثل في أن مالكي هذه الشركات العائلية لن يقبلوا بطرح الأغلبية من أسهمها على الاكتتاب العام، بل سيحتفظون بالأغلبية لهم، ليكون بإمكانهم الاستمرار في السيطرة على الشركة ونشاطاتها. كما أن قلة المساهمين وعدم اهتمامهم بحضور اجتماعات الهيئة العامة لا يجنب الشركات المساهمة استئثار أفراد العائلة بالرأي واتخاذ القرار، إذ ستبقى عملية انتخاب مجلس الإدارة والمدير العام للشركة بيد أفراد العائلة المالكين لأغلبية أسهم الشركة، والذين يحرصون على حضور جميع اجتماعات هيئتها العامة.
فإذا كانت إدارة الشركات العائلية تعاني من الخلط بين الشركة والعائلة، بحيث إن إدارة العديد من هذه الشركات تبتعد عن العلمية والاحترافية، بما يؤثر في أداء الشركة ومصيرها واستمرارها، فإن لأفراد العائلة شيئاً من العذر في تصرفاتهم، لكونهم يتصرفون في ملكهم الخاص، ولهم الحرية في ذلك، أما بعد أن تحولت الشركة العائلية إلى شركة مساهمة، وأصبح العديد من الغرباء عن العائلة شركاء مالكين لأسهم فيها، واحتفظت العائلة بإدارة الشركة نتيجة ملكيتها لأغلبية أسهم الشركة، فسيؤدي ابتعاد الإدارة عن الاحترافية إلى تعرض أموال وحقوق المساهمين للأضرار التي قد تنجم عن أسلوب وطريقة إدارة الشركة العائلية. ما ينشأ عنه أن الكتلة المالية التي تتعرض لعبث وأهواء المالكين للشركات العائلية التي تحولت إلى شركات مساهمة عامة، تفوق بكثير تلك الكتلة المملوكة من أفراد العائلة، ما يعني أن الأثر على الاقتصاد نتيجة تحول الشركة العائلية إلى شركة مساهمة سيكون أكبر بكثير.
غير أنه إذا كان للشركات المساهمة العامة مزايا عديدة تتمثل في الحصول على تمويل واسع ووضع مالي مستقر وملاءة مالية وقيمة سوقية كبيرة، فضلاً عن القدرة على المحافظة على ولاء كبار الموظفين الأكفاء فيها من خلال تملكهم لأسهم في الشركة، إلا أن للتحول إلى شركات مساهمة تطرح أسهمها للاكتتاب العام خصائص ومصاعب أخرى قد تقف عائقاً في وجه اختيار الشركات العائلية لهذا الحل، ومنها:
- اسم الشركة: ويعتبر العقبة الأساسية في وجه تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة، إذ إن الاسم التجاري لأغلب الشركات العائلية مستمد من اسم العائلة أو اسم مؤسسها، فإذا رغبت الشركة في تغيير شكل الشركة العائلية إلى شركة مساهمة عامة، فلا بد أيضاً من تغيير اسم هذه الشركة، ذلك أن المادة 88 من قانون الشركات السوري الحديث قد نصت على أنه لا يجوز أن يكون اسم الشركة المساهمة اسماً لشخصٍ طبيعي، علماً أن اسم الشركة العائلية المستمد من اسم العائلة هو أمرٌ شديد الأهمية وجوهري جداً بالنسبة للعائلة المالكة للشركة.
- التكاليف الكبيرة: فعملية طرح الأسهم للاكتتاب العام تكلف مبالغ مالية طائلة، كأجور المحامين والمحاسبين والمصارف الوسيطة في عملية الاكتتاب، وستذهب جميع هذه التكاليف هباءً في حال فشلت عملية الاكتتاب.
- الوقت الضائع: إذ إن عملية الاكتتاب على الأسهم تستغرق وقتاً طويلاً يشتت تركيز الإدارة عن جوانب التشغيل والعمليات، كما أن الحياة اليومية للشركة المساهمة العامة تتطلب تكاليف وجهوداً ووقتاً إضافياً للإجابة عن استفسارات المستثمرين والمساهمين، لكتابة وطباعة وتوزيع التقارير الفصلية والسنوية، ولمعرفة الأمور التفصيلية الخاصة بجوانب عمل الشركة وقيمتها وقيمة أسهمها، لأجل التواصل مع الشركاء والمحللين الماليين ووسائل الإعلام.
- ضياع الخصوصية: عندما تصبح الشركة شركة مساهمة عامة فليس هنالك من أسرار فيها، إذ يتطلب القانون من القائمين عليها الإفصاح عن وضعها المالي وعن مبيعاتها وأرباحها ونفقاتها وأعمالها ومشروعاتها ومصادر تمويلها، وسيصبح كل ما ذكر متاحاً أمام العامة، وأمام المنافسين أيضاً.
- ضياع السيطرة: إذا قامت الشركة بطرح أكثر من خمسين بالمئة من أسهمها للاكتتاب العام، فقد يقود ذلك في بعض الحالات إلى فقدان العائلة للسيطرة على الشركة، ومن الصعب كثيراً على مؤسسي الشركات العائلية ووارثيهم الاقتناع بأنه يمكن عزلهم من إدارة الشركة لمجرد عدم اختيار حملة الأسهم لهم. علماً أن نسبة ملكية العائلة من رأس المال قد تقل في حال زيادة رأس المال من خلال طرح ثانوي لأسهم جديدة.
- فقدان المرونة في الإدارة: من أهم العقبات التي تقف في وجه العائلة المالكة للشركة عند تحولها إلى شركة مساهمة عدم القدرة على اتخاذ القرارات بصورة فردية سريعة، دون الرجوع إلى مجلس الإدارة، وفي بعض الحالات دون الرجوع إلى الهيئة العامة للمساهمين.
- الضغوط على مستوى أداء الشركة: يطلب المساهمون مالكو أسهم الشركة المساهمة من إدارتها الحصول على عائدٍ ملائمٍ على استثمارهم المتمثل بملكيتهم لأسهمها، فإذا فشلت الإدارة في تحقيق هذا العائد، فقد يندفع المساهمون إلى بيع أسهمهم مدفوعين بانزعاجهم وقلة صبرهم، ما يقلل من قيمة السهم ومن ثم قيمة الشركة، وقد يقود أيضاً إلى نتائج سلبية أخرى غير مرغوبة، كقلق الموظفين وانعدام الأمان الوظيفي عندهم. فضلاً عن ذلك، فإن خطط الشركة طويلة الأمد قد يصعب تحقيقها إذا ما أصر المساهمون على عدم الاحتفاظ بالأرباح المحققة وصمموا على قبضها كاملةً.
- القيود على التوظيف والرواتب والأجور: إذا كانت الشركات العائلية تعتبر مكاناً طبيعياً لإيجاد عملٍ ووظائف لأفراد العائلة، إلا أن تحول الشركة إلى مساهمة عامة يضع قيوداً على توظيف أفراد العائلة، كما يحدد الرواتب والأجور التي يمكن دفعها لهم، مديرين وموظفين، بتلك السائدة في الأسواق والتي ينالها أقرانهم.
لا يجب التقليل من أهمية العقبات المذكورة، والتي أثبت الواقع إدراك الشركات العائلية لها وعدم تقبلهم لها، إذ إن المسؤولين في وزارة المالية قد أكدوا أن الأغلبية العظمى من المؤسسات والشركات العائلية في سورية لم تستفد من القانون رقم 61 لعام 2007، رغم المزايا والمحفزات التي تقدمت بها الوزارة، وعزوا ذلك إلى خوف مالكي تلك الشركات وترددهم.
لذلك فإننا نرى أن الشركات العائلية يجب أن تحافظ على خصوصيتها، نظراً لتمتعها بمزايا ونقاط قوة تميزها عن غيرها من الشركات، فقد أثبتت الأزمة المالية العالمية أن الشركات العائلية كانت أقدر من غيرها على مواجهة هذه الأزمة، إذ إن للمرونة في اتخاذ القرارات دوراً كبيراً يسمح للشركات العائلية بتعديل إستراتيجياتها بسرعة في ضوء تغير الظروف المحيطة، كما أن النظرة بعيدة المدى التي تتمتع بها إدارة هذه الشركات تؤدي إلى توخي الشركات العائلية الحذر في مراحل الانتعاش والانكماش الاقتصادي على السواء، فهي أقل عرضة من الشركات المساهمة التي تدرج أسهمها في الأسواق المالية للمجازفة في إستراتيجيات النمو السريع لإرضاء المستثمرين على المدى القصير في فترات الانتعاش الاقتصادي.
فضلاً عن ذلك، فإن الدراسات الإدارية والاقتصادية قد أكدت أن أداء الشركات العائلية يتفوق بكثير على أداء الشركات الأخرى، وذلك وفقاً لمعايير المبيعات، والأرباح والنمو. ويعود هذا الأداء العالي إلى بعضٍ من الخصائص المهمة ونقاط القوة في هذه الشركات شديدة الارتباط بطبيعتها من حيث كونها مملوكة أو مدارة من قبل العائلة، ومن هذه الخصائص:
- الالتزام: فالعائلة المالكة للشركة تهتم كثيراً برؤية الشركة تنمو وتزدهر ومن ثم تنتقل إلى الأجيال القادمة، كما أن الشركة في الكثير من الأحيان تكون سبباً لتوحد العائلة واجتماعها، ما يؤدي إلى أن أفراد العائلة يرغبون في العمل بجد أكبر ولوقتٍ أطول، ولإعادة استثمار جزء من أرباحهم في الشركة بهدف نموها وتوسعها على المدى البعيد.
- نقل المعرفة: فالعائلات المالكة للشركات تجعل من نقل المعرفة والخبرة والمهارات إلى الأجيال اللاحقة من العائلة على قائمة أولوياتها، ما يحافظ على تلك المعارف والخبرات وينميها. فالعديد من الشركات العائلية يضع سياسات وبرامج لكيفية انضمام أفراد العائلة إلى الشركة، ويحاول غمس العديد منها في الشركة في سنٍ مبكرة، ما يزيد من الالتزام ويزود أفراد العائلة بالأدوات التي تمكنهم من إدارة الشركة وتسيير أمورها.
- الفخر: تحمل العديد من الشركات العائلية اسم العائلة، ما يعني أن منتجات الشركة وخدماتها ترتبط بهذا الاسم، فتتأثر سمعة العائلة بجودة هذه المنتجات والخدمات، وهذا يؤدي إلى التفاني في زيادة جودة المنتجات والمحافظة على العلاقات الجيدة مع الزبائن والموردين، فضلاً عن الموظفين والمجتمع كله.
لذلك كله، فإننا نرى أن إنقاذ الشركات العائلية وضمان استمراريتها من جيل إلى جيل، لا يكون فقط بتغيير الشكل القانوني للشركة، وإنما باللجوء إلى عددٍ من الأدوات القانونية والإدارية والمالية، بل السلوكية أيضاً، هذه الأدوات التي تختلف بحسب الطور الذي تنتمي إليه الشركة العائلية، أهو طور إدارة وسيطرة المؤسس، أم طور شراكة الأبناء، أم تجمع أبناء العم. ومن أهم الأدوات المذكورة:
- التخطيط لخلافة الإدارة: وذلك بالنسبة لخلافة الإدارة، حيث من الضروري وضع خطة كفيلة بإيجاد الخليفة للإدارة التنفيذية للشركة ولاستلام المناصب الإدارية الأخرى المهمة في الشركة، بالإضافة إلى وضع برامج لتطوير وتدريب أبناء العائلة وتوجيههم ورفع كفاءتهم لتحضيرهم لإدارة الشركة إن توافرت لديهم الرغبة في ذلك. وبالنسبة لخلافة الملكية، والتي تضمن بقاء ملكية الشركة ضمن أفراد العائلة الذين لهم مصلحة باستمرار الشركة، وعدم انتقالها للأغيار الذين قد لا تتوافق قيمهم وأهدافهم مع قيم العائلة بما يؤثر سلبياً على التناغم بين الشركة والعائلة، وبما يقلل من أثر الخصائص الإيجابية للشركات العائلية.
- قنوات التواصل: وهي الأدوات التي تضمن إيجاد قنوات للتواصل الفعال بين أفراد العائلة بشكل عام، وبين أفراد العائلة الذين يعملون في الشركة وأولئك الذين لا يعملون فيها بشكلٍ خاص. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تشكيل مجلسٍ للعائلة، وإقامة اجتماع دوريٍ فصلي أو نصف سنوي يضم جميع أفراد العائلة ممن يملكون حصصاً في رأس مال الشركة ومن يلوذون بهم، فضلاً عن ضرورة وجود أساليب لحل النزاعات والخلافات وتقريب وجهات النظر بين أفراد العائلة، وضرورة توحيد رؤيتهم حول مستقبل الشركة ومستقبل العائلة.
- حوكمة الشركة: بحيث يتم وضع الآليات التي تضمن إدارة الشركة بشكلٍ احترافي، وتضمن عدم تأثير طبيعة العلاقات العائلية، القائمة على العواطف والمساواة بين الأبناء وأفراد العائلة، على العلاقات ضمن الشركة، كوضع سياساتٍ خاصةٍ بتوظيف أفراد العائلة وبتحديد رواتبهم وتعويضاتهم، وضرورة بناء هذه السياسات على مبدأ الاستحقاق والجدارة والمساواة بين أفراد العائلة والموظفين من خارج أفراد العائلة، فضلاً عن ضرورة إنشاء مجلسٍ للإدارة يحتوي بين أعضائه على أشخاص مستقلين عن العائلة من ذوي الخبرة بإدارة الشركات.
لم أقصد مما ذكرت في هذا البحث أن التحول إلى شركة مساهمة عامة من شأنه أن يضر الشركة العائلية بشكلٍ مطلق، ولكنني أردت أن أوضح أن هذا التحول وحده ليس من شأنه أن يضمن استمرار الشركات العائلية وتجنيبها المخاطر والتهديدات الناجمة عن طبيعة ملكيتها وإدارتها. فقد تجد بعض الشركات العائلية أن شكل الشركة المساهمة العامة يعتبر حلاً ملائماً لها، كأن تكون بحاجةٍ إلى تمويلٍ غير متوافر لديها، أو بحاجة إلى سمعة وملاءة تكسبها نتيجة لكونها مملوكة من عددٍ كبيرٍ من المساهمين، فتجد أن هذا الشكل القانوني يناسب ظروفها ويحقق أهدافها، فلا يوجد ما يمنع حينها من تحولها إلى شركة مساهمة عامة، بعد أخذ السلبيات الخاصة بهذا النوع من الشركات بالحسبان، ووضع الترتيبات اللازمة لتجنبها أو التعايش معها.
المحامي عدنان غسان برانبو باحث في القانون التجاري