[frame="2 98"]الديمقراطية خيار إجباري
المحامي محمود مرعي : (كلنا شركاء) 12/5/2010 [/frame]
[align=justify]
الديمقراطية ضرورة , وأساس في العمل السياسي العربي , وعلى الرغم من أنها لم تتحول بعد إلى حاجة بنظر الشعوب التي دجنتها حقبة الاستبداد الطويلة , وبالتالي فهي ليست مطلبا جماهيريا عموما في مجتمعنا ,وهذا مرجعيته إلى عدة عوامل أهمها الظرف الاقتصادي , وهيمنة الفكر الرجعي وهزائم الأحزاب اليسارية على مدة عقود , والفشل الذريع أمام الأهداف الكبرى التي وضعتها النخب المناضلة, , والربط دائما بين الاستعمار , والديمقراطية .وإننا ندرك اليوم خياراتنا المحسومة في مسألة الدولة الوطنية نواة لتحقيق أحلامنا الكبرى.
بالعودة لموضوعنا الأهم عن خيار الديمقراطية ,علينا الانتباه لتفاوت الحراك الشعبي من بلد لآخر في المنطقة العربية تبعا لظروف تتعلق بالشعوب والأنظمة , وآليات العمل والتجربة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل منها , ولكن عموما فإن ضرورة هذا التحول يتبع لعدة أسباب أهمها
الإصلاح السياسي الذي لا يمكن إنجازه بدونها.
قوة الشعوب مستمدة من إمكانية التعبير الحر عن الرأي والتنظيم لضمان التعددية التي تشكل البيئة المناسبة للنضال التحرري والثوري.
تجاوز الإشكاليات الطائفية والاختلافات الإثنية والعشائرية , لا يمكن بلوغه إلا في جو ديمقراطي يسمح للجميع بالتخلص من عقدة الدونية والظلم .
الشعب الحر هو الشعب القادر على الوقوف في مواجهة مشاريع الهيمنة الاستعمارية .
المشاركة في صنع القرار على كافة المستويات من خلال تنظيمات ونقابات فاعلة ومحمية بالقانون في ظل ممارسة حقيقية للديمقراطية تؤمن التفاف الجماهير حول هذه القرارات ودعمها لأنها من صنعها وفي مصلحتها.
الديمقراطية تؤمن ظهور المواهب وتكافؤ الفرص , وبالتالي تمهد الطريق نحو التنمية والازدهار الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق فإن التجربة العربية المتخلفة في كافة المجالات تبدي عجزا حقيقيا عن مواجهة الدول الاستعمارية والغربية, وليست المواجهة بالمعنى العسكري وحسب وإنما مواجهة سياسات تلك الدول , التي مازالت تتعامل مع هذه المنطقة على أنها بقعة متخلفة بعيدة عن قطار الحضارة , وتنطلق بسياساتها نحوها من منطق الوصاية والهيمنة , وإذا كانت قضيتنا الرئيسية هي قضية الصراع العربي الصهيوني , فإنه من المهم التأكيد على أنه لا فصل بين هذه القضية , وسعينا الحثيث لبلوغ الديمقراطية , وذلك بعد أن أثبتت الأنظمة المختلفة في المنطقة عجزها , بسبب خوفها أولا من شعوبها , وبالتالي قتل المبادرة والإبداع , وضياع المواهب في هذا الجو المريض الذي لم يقدم أدنى مستويات المواطنة , فالنظام العراقي السابق أثبت ان امتلاك الأسلحة والقوة غير كاف لبلوغ الهدف التحرري أو إنجاز المعارك الفاصلة , بعد أن تبين عمق ممارساته القمعية, والذي انفجر صراعات لا حصر لها بمجرد سقوط هذا النظام باليد الأمريكية المدمرة, وأما الأنظمة القوية اقتصاديا مثل دول الخليج فهي بالمقابل لم تنجز مشروعا جماهيريا حقيقيا , ولم تتمكن من قيادة الصراع العربي الصهيوني, أو تحقيق مكاسب للأمة فيه ,وبالتالي فإن الخيار الجماهيري الحقيقي هو النضال من أجل الديمقراطية التي يصنعها الشعب بنفسه , ومن خلالها يرفع مطالبه عاليا , ويختار أولوياته ويحققها .
لا يخفى على أحد أن الأزمة في المنطقة العربية , متعددة الوجوه ,و إن طبيعة الأنظمة وضرورة تحديثها وجه أول ربما , ولكن التنظيمات التي أنتجتها حقبة الاستبداد الطويلة أيضا تحتاج إلى إعادة نظر , لأنها ليست على مسافة كافية من الشعوب , هذا بالإضافة إلى التعثر الاقتصادي , ومشكلة التنمية, وإشكاليات اجتماعية لا حصر لها بسبب غياب الحوار الديمقراطي الحقيقي على مدى طويل من عمر هذه المنطقة مما جعل ظروفها الاستثنائية مجالا للدراسة والاجتهادات , وقد لا يكون هناك مبالغة إذا تحدثنا عن طريقة التعاطي الأمريكية الغربية مع هذه المنطقة من خلال الإملاءات , والتدخلات التي لا نهاية لها , وبالتالي , فإننا ندرك أن هذه المشاريع المستوردة تقع في كثير من الأحيان فريسة ضعفنا في مواجهة عملقة العالم علينا , وهذا ما يدعونا للرفض القطعي الدائم لكل مشاريع الهيمنة , ليس من باب التعصب أو التطرف , وإنما بسبب إدراك مطلق لان هذه النظم الغربية من أي نوع وبأي وجه تتحرك بما يتوافق مع مصالحها , لا مع متطلباتنا , وإن كان البعض بسبب حالة يأس أو تهور يتوافق مع هذه التطلعات , ومن هنا أعود من جديد للحديث عن الديمقراطية , ولكن كمنتج مجتمعي , وشعبي نابع من حراك هذا الشعب , وإيمان هذا الشعب بأن الحقوق لا تصان إلا في جو الحرية, وهي تنتزع ولا تمنح , .وهكذا فإن المشروع الديمقراطي المنشود سينطلق من حالة وعي تقودها مؤسسات فاعلة ضامنة ذات قرار حر في جو دستوري ,وإذا كنا نتحدث عن مجتمع مستقل عن الدولة , يفرز أنظمته السياسية بقرارات شعوبه , فهذا بالتأكيد لن يكون إلا نتيجة حراك إنساني أولا, ضمن شرعة حقوق الإنسان التي سينجزها بنضال فاعل رافض لآليات الاستبداد , و انطلاقا من الحرية الذاتية ستكون لنا القدرة على التحرك في مسيرة التحرير والتحديث .
[/align]